بشندي ورفاقه ابناء شرعيون للنظام ومؤسساته الاعلامية والفقهية
نورالدين بلال
القاهرة
غريب جدا ماتتناوله الصحف المصرية الصادرة مؤخرا من وجهات نظر متتضاربة، ومتناقضة لمفهوم الارهاب... في راي يشير هذا الي ضحالة في الفكر والمعرفة وسطحية في تناول قضية بهذا القدر من الحساسية..وقد تفجر هذه الضحالة في تناول قضايا كهذه الكثير والكثير من التساؤلات المنطقية والمحيرة في ذهن العقل الناقد والثاقب الرؤي. هل نسي المثقف والكاتب والاعلامي المصري مدي تاثير الكلمة التي يدلي بها علي ذهن المتلقيي علي المدي القريب والبعيد..سواء كانت مسموعة، مقروءة او ملقية من علي منبر...هل نسي او تناسي ان هذه المعلومات التي يدلي بها تدخل في مخزون القاريء المعرفي وتساعده علي فهم وتحليل الكثير من الظواهر المحيطة به، ودورها في تحديد خطاه وحسم الكثير من التساؤلات التي قد تتبادر الي ذهنه... ام ان سنوات العيش الطوال تحت عباءة الانظمة الدكتاتورية المتسلطة، ومصادرة الحريات وقائمة الممنوعات في القول والفعل، والسماح فقط باحادية الراي الصادره من السلطة ومن مؤسساتها الاعلامية والتثقيفية، ودور الفتاوي الدينية والفقهية جعلت من المثقف والاعلامي المصري صدي لصوت النظام يقول ما يقولة النظام ويردد خلفة في شكل كورالي... دون ان يعي.!!!.
منذ دخول قوات التحالف الامريكية البريطانية الي بغداد.... قرأت ما قرات من اخبار ومقالات وتحليلات في الصحافة المصرية ... وشاهدت ما شاهدت من مقابلات ساخنة ولقاءات علي القنوات الارضية.. والفضائيات المصرية والعربية.....قرأت وشاهدت قدر هائل من الاختلافات الفكرية والمسميات والاراء والتحليلات عما يجري من اعمال عنف في العراق... وللعلم ليس لسيء بل من الجيد والضروري ان يتواجد داخل كل مجتمع هذا القدر من الاختلافات في وجهات النظر.... وحسب علمي يشير هذا الي غزارة المعرفة التي يتسم بها مجتمع معين.. ويدل علي حرية وديمقراطية الفكر.
عمدت بعض الاقلام خلال هذه الفترة الي تسمية ما يدور في العراق من عنف واشتباكات مسلحة سواء كانت مع افراد الشرطة العراقية ام ضد فوات التحالف، عمدت الي تسميتها بالمقاومة العراقية الشريفة.. وان عمليات خطف الاجانب من صحافيين وممثلي منظمات انسانية والباحثين عن لقمة عيش هي من اعمال المقاومة... وحمل الاسلحة وجعل المنازل والمستشفيات ودور العبادة مناطق عسكرية، والاحتماء بالاحياء وخلف السكان الامنيين، ايضا تصب في خانة المقاومة... وقتل المدنيين رميا بالرصاص وقطع الرؤؤس......الخ.
لم تتوقف التباينات في وجهات النظر حول هذا الموضوع عند حد المقاومة... انبرت اقلام ومنابر اخري الي ابعد من ذلك.. وعمدت علي وضع كل هذا في خانة الجهاد في سبيل الوطن وضد الكافر المحتل... وشرعت في التغني للجهاد ومشروعية الجهاد وفضل الشهادة......الخ.
تحدثت اقلام اخري في خيفة وحذرعن مجموعات مسلحة ولم تتجراء علي الخوض في التسمية اكثر من ذلك..... قلة قليلة جدا ومعزولة كانت تتحدث بجراة وعقلانية واصفة وشارحة الوضع في العراق.. بانه من عمل ايادي ارهابية، لا تريد ان للعراق ان يعيش في سلام ورخاء.. ولا تريد للشعب العراقي ان ينعم برياح الحرية.. التي اتته بعد سنوات من الخوف والرعب تحت رحمة نظام صدام واسرته وتنظيمه الحاكم. وتتطرقت الي ما تتعرض الية المجتمعات من تدمير للبنية التحتية وتدهور اقتصادياتها جراء الاعمال الارهابية. غير انها فئة صغيرة ذات نبرات وصوت منخفض.....
ظاهريا تبدو هذه الاراء ووجهات النظر المتباينة حول ما يجري في العراق.... يبدو انها تعكس (كما قلت سابقا) غزارة المعرفة وديمقراطية وحرية الراي، وسماحة الصدر في تقبل مختلف الاراء واحترام وجهات النظر.. التي تصب بدورها في خانة الحوارات العقلانية البناءة، من اجل حل قضايا كهذه ذات الرؤي والمفاهيم المختلفة والمتنوعة..ولكن.....
هل ما كتب يعكس حقيقة غزارة في المعرفة وديمقراطية بناءة في تناول مثل هذه الفضايا بالتحليل والنقد؟؟؟.
هل تناول الكتاب والصحافيون، والنظام، هذه القضية بشفافية تامة في التحليل والنقد؟؟.
هل هؤلاء الكتاب مدركين ومؤمنيين بما يكتبون.. وبدور الصحافة والمؤسسات الاعلامية في ترقية المجتمعات والنهوض بها؟؟.
اذا لماذا... لماذا تغير الخطاب بعد العمليات الارهابية في الازهر، عبدالمنعم رياض والسيدة عائشة؟؟؟؟
اذا.... اختفت تماما الاقلام التي كانت تحث علي المقاومة وتشيد باستبسال المقاومة... صمتت مكبرات الصوت التي كانت تنادي بالجهاد وشروطه ومشروعيته ......... وتغير الحال في ليلة وضحاها...وانبرت الاقلام نفسها مجددا وبرأي مغاير تماما الي الاتي.......
· دفعته ثقافته المتخلفة وتوجهاته المشبوهة لتنفيذ العملية الارهابية!!!.
· حسن بشندي تلقي ثقافته المتطرفة خارج الجامعة!!!.
· بدأ تنفيذ سيناريو الفوضي..تفجيرات ارهابية في الازهر!!.
· ما يثير القلق ان يكون هذا التفجير بداية لتنفيذ سيناريو الفوضي!!.
· الجاني التزم ببعض الافكار المتطرفة وبدت عليه مظاهر الانفعال بسبب الاحداث الجارية دوليا واقليميا!!.
· البحث عن علاقة الجاني بمنظمات خارجية!!.
قام هذا البشندي بتفجير نفسه في حي مكتظ بالسياح والمدنيين الامنيين .. وقام رفاقه بامطار اتوبيس سياحي بوابل من الرصاص..بينما قام الاخر برمي قنبلة من فوق جسر....والسؤال هو كيف صار هذا البشندي ورفاقة ارهابيين متطرفيين في حين لم ترارح مكانها لغة المقاومة والجهاد والاستشهاد لمن يقومون بنفس هذه الاعمال في داخل الاحياء والاسواق في العراق؟؟؟
المعني... ان للارهاب وممارسته مفهوم ومعني واسلوب واحد.. فلا يمكن تسمية شخص يفجر نفسه في منطقة ماهولة بالسكان المدنيين الامنيين في القاهرة بعمل ارهابي وما يحدث مثيله في اي منطقة اخري في العالم بمسمي مغاير لذلك..... ان ما يجري في العراق من تفجيرات واشتباك بالسلاح وقطع الرؤؤس ارهاب.. محاولة المتطرفين اليهود تفجير المسجد الاقصي عمل ارهابي، قصف المدنيين اليهود بصواريخ القسام ارهاب، الاشتباكات في اليمن اعمال ارهابية، عملية الازهر وعمليتا عبدالمنعم رياض والسيدة عائشة اعمال ارهابية... اختطاف عالم يهودي من اجل مقايضته بجثث او احياء من حزب الله ارهاب...
فكل ما يثير الرعب في اوساط المدنيين الامنيين من تفجير واختطاف وقتل ارهاب، ومن يقتل المصلين في لحظات خشوعهم للخالق او السياح في لحظات استمتاعهم بمباهج الطبيعة او انجازات البشرية التاريخية ارهابي، وكل من يحمل سلاحا ويحتمي بالاحياء السكنية ودور العبادة والمستشفيات ارهابي.. وقياسا علي ذلك فان كل ما يتم في العراق الان عمل ارهابي، ضرب مركز التجارة العالمي في نيويورك ارهاب .. الحوثي ارهابي، اسامة بن لادن ارهابي الزرقاوي ارهابي... ومن يضربون بصواريخ القسام المناطق السكنية الامنة ارهابيون وكذلك بشندي ورفاقه ارهابيون. ... ولكن السؤال....
هل ( الفقر والسكن في العشوائيات هو العامل الرئيسي او ربما احدي العوامل في تكوين شخصية بشندي ورفاقة الارهابية)....نأت كل المقالات عمدا ام فقرا للمعرفة عن التطرق للخقيقة واشارت باصابع الاتهام للفقر والسكن في الاحياء العشوائية...متي كان الفقر جريمة او حاثا للقيام بعمليات كهذه... فقد كان مفهوم الفقرا لدي المؤمنيين البسطاء ومازال هو امتحان من عند الخالق.....وكان الفقر علي مدي تاريخ الانسانية المادي ملهما للشعوب ومفجرا للثورات والهبات ومغيرا الانظمة الدكتاتورية.....ولم يكن قط مفجرا للاشخاص .....اذا ما السبب الذي دفع بشندي ورفاقة الي هذا العمل...؟؟؟ قالت احدي الصحف (تلقي ثقافته المتطرفة خارج الجامعة.......نعم ... ولكن اين..؟؟؟؟؟؟؟
في رأي لعبت وسائل الاعلام الحكومية المرئية والمسموعة منها والمقروءة، واجهزة الافتاء الشرعية، دورا اساسيا في خلق الشخصية القادرة علي تفجير نفسها.. وبكل اسف ساعدت مجموعة كبيرة من المثقفين وما زالت في تخليق هذه الشخصية .... كيف تم ذلك؟؟؟؟
حاول النظام المصري من خلال مؤسساته الاعلامية والدينية اللعب بسياسة(الوقائية)من اجل حماية نفسه وسلطاته من رياح التغيير السائدة في العالم من حوله..فعمدت علي تصوير المقترح الامريكي لمشروع الشرق الاوسط الكبير وضرورة التحول الديمقراطي في البلدان العربية.. عمدت علي تصويرها للمواطن المصري من خلال احداث العنف الجارية في العراق الان .. وجعل اعمال الخطف للمدنيين والاجانب اعمال مقاومة بطولية باسلة... والتفجيرات في الاسواق والاحياء اعمال استشهادية باسلة...وصورت الجندي الامريكي معتديا ومغتصبا للدين والوطن.. وعمدت علي تعبئة المواطن المصري بمفاهيم فارغة وغوغائية مثل الاحتلال ،الغزو ،الخيانة ،العمالة والجهاد ...الخ..صورت كل ذلك لمواطنيها وجعلت مما يجري في العراق من اعمال عنف، نموذجا يقتدي به المواطن المصري.. وعظم ائمة المساجد اجر المجاهد ضد الكافر المحتل...وامتلأت الاسواق باشرطة الكاسيت التي تخاطب الشباب وتحثهم علي نيل الشهادة والاقتداء باخوانهم في العراق. لم يدرك النظام خطورة اللعب بالنار وان الوقائية نظرية لها قواعدها وليست لعبة صغار الاعلاميين وطبالي الانظمة... فهي نظرية ارقام وحسابات دقيقة ومخيفة...لم يحسب النظام ان هذه القنبلة التي قام بتعبأتها لن تحتمل الانتظار حتي قدوم الامريكيين....... فانفجرت في وجهه اول ثلاثة قنابل معبئة .. وجاهزة... كان هدف النظام الحاكم في مصر من كل ذلك حماية نفسه ومراكزه وحكمه من فكرة التحول الديمقراطي في الانظمة العربية...فخلق بمساعدة اجهزته الاعلامية والتشريعية والفقهية الشخصة الارهابية....
عملت اجهزة الاعلام المملوكة للدولة والحزب الحاكم علي عكس جانب واحد فقط من عملية التحول الاجتماعي والسياسي التي تتم في العراق وهو جانب التفجيرات الاغتيالات والاشتبلكات الي... جانب صورة الجندي الامريكي وهو مدجج بالاسلحة... واهملت الجوانب الاخري من انتخابات حزبية وتعددية واقامة البنيات الاساسية... واعمال الجمعيات والمنظمات الانسانية....الخ...ركزت وصبت كل حهدها الفكري في ما يتم من دمار... والسؤال هو لماذا ركزت الدولة ومن خلفها فقهاءها ومفكروها..علي هذا الجانب المظلم لا غيره؟؟؟؟.
اذا لم يخلق الفقر والسكن في العشوائيات شخصية بشندي الارهابية..انما تلقي كل افكاره وتشبع بمفاهيم الجهاد والتطرف من خلال اجهزة الدولة التشريعية والفقهية... وساعدت مؤسسات الدولة الاعلامية والثقافية والدينية في تكوين تلك الشخصية ونمؤها، وذلك من خلال المقالات الطويلة والخطب النارية والحوارات الساخنة التي تحث المسلم علي الجهاد والمواطن علي رفض قكرة التغيير.
ونأت مرة اخري كل وسائل الاعلام عن المعالجة الموضوعية البناءة لهذه القضية البالغة الخطورة وحذا المثقف المصري حذوها..وذلك من خلال الترويج لفكرة ان الفقر والسكن في المناطق العشوائية هو العامل الرئيسي في تكوين الشخصية الارهابية...وكتبت الصحف سيلا من المقالات والريبروتاجات والصور داخل تلك الاحياء!!!.
..مات بشندي ورفاقه.. ومات من مات من السياح والمواطنيين الابرياء...توجهت اصابع الاتهام الي الفقر... ولم يحاسب الجناة الحقيقيين والعاملين في اجهزة الدولة الاعلامية والفقهية من ساسة واعلامين ورجال دين... و ما زالو يتناولون بالنقد والتحليل مثل هذه القضايا ذات الحساسية العالية بطريقة تنم عن ضحالة المعرفة والسطحية... وهذا فقر ... فقر معرفي.. قد يؤدي الي تكريس الارهاب....
عندما تنفجر قنبلة او تطلق رصاصة فهي لا تميز بين رجل وامراة طفل أو مسن مسلم أو يهودي....فهي تقتل من يكون داخل محيطها...وتسبب الرعب والانهيار النفسي للناجين خارج محيطها... وتؤدي الي تدهور اقتصاد الدولة وهروب راس المال والمستثمر الوطني والاجنبي وتدمر البنيات الاقتصادية للدولة........
نورالدين بلال
سوداني مقيم بالقاهرة
باحث ومتخصص في شئون السياسة المصرية
القاهرة/ مايو 2005