«في شهر آزار تكتشف الارض انهارها»
محمود درويش
يمكنك ان تفتح قوساً.. ولكن لا ادري متى يمكن ان تقفله .. وانت تشرع في تعداد الميزات والمكونات التي تؤهل استاذ الاجيال محجوب محمد صالح لحصوله على جائزة القلم الذهبي العالمية ومن الجائزة وغيرها صاغ الكاتب الرفيع كمال الجزولي وصف «محجوب الذهبي» وكنت دائما ما اسأل نفسي لماذا ظل الذهب عبر الحقب الزمنية معدناً استثنائياً تستكمل به النساء انوثتهن.. ويدخر فيه الرجال ثرواتهم وتضبط به اسعار العملات... قد كانت الاجابة انه معدن يسير على عكس اتجاه الاشياء .. فاذا كان الزمان يلتهم الاشياء وينقصها ويضعضع بعضها الى ان تمضي الى نقطة التلاشي واللافائدة.. فان ذات الزمان يفعل في الذهب نقيض ذلك حيث يزيده قوة وتماسكا وقيمة شرائية..!!
وكذلك الزمان يفعل نفس الشئ مع الاستاذ محجوب محمد صالح فالرجل الذي دخل الى منتصف الثمانينات ولم يبتل قلمه بما يشين لا تزال جميع اشيائه متماسكة اقدام ثابتة على الارض ويد ممسكة بالقلم لم يمسها الارتجاف ولا تعرف التردد ولسان طلق ينتقل بين العربية والانجليزية « بدون قومة نفس» وقبل ذلك وبعده ذاكرة نادرة تحتفظ بالاحداث وتفاصيلها وتواريخها وحتى علامات الترقيم عندما كلفتني قناة العربية بدبي بكتابة نص وسيناريو فيلم من ثلاثة اجزاء يروى قصة الحرب والسلام بعنوان السودان وصمة حرب من اغسطس 1955 الى نيفاشا 2004 كان استاذ محجوب هو الراوي الاساسي للفيلم وضابط ايقاعه.. كان يروي الاحداث بالوانها الطبيعية واثق السرد لا ينحاز لفرد ولا يتعصب ضد فكرة كنا عندما نعرض افادتين متناقضتين كل واحدة منها تذهب بالحقيقة في اتجاه يحقق مصالحها التاريخية كانت افادة استاذ محجوب هي نقطة الارتكاز التي تعود اليها كل الافادات لتصحح او تعدل او تجاز فكانت كل افادة « ترعى بقيدها».
وعندما اعدت فيلما تلفزيونيا عن احداث 19يوليو 1971 كان استاذ محجوب من افادته تتمدد خيوط الاحداث وتنتهي اليه كذلك فالرجل دار وثائق متحركة لم تتصدع مبانيها ولم تهترئ مجلداتها..!!
قبل ايام من ذهاب الاستاذ الى كوريا الجنوبية للحصول على القلم الذهبي... دعاني ابنه الاستاذ الصحفي المقتدر وائل محجوب لحضور محاضرة مغلقة داخل صحيفة الايام يقدمها استاذ محجوب لمجموعة من صغار الصحافيين وبعض المتدربين عن اعراف العمل الصحفي.
كانت المحاضرة حزمة من القيم واخلاقيات المهنة يحتاج اليها الكبار قبل الصغار... «محجوب الذهبي» يمثل لنا نحن معشر شباب الصحافيين قمة مثالية تتطلع اليها طموحاتنا في زمن انكسار الخواطر وجفاف الوجوه عندما يراق ماؤها في استجداء تصريحات المسؤولين وخطب ود المؤسسات الاقتصادية حتى تجود بالاعلان.
علينا ان نقول ما نحس
لا ما يجب علينا قوله
ان اكبرنا يتحمل الكثير
ونحن الصغار...
لن نرى الشئ الكثير ولن نعيش طويلا
وليم شكسبير