السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

الشهيد محمود محمد طه نظرة تحليلية ضحية الأمية الإسلامية وربكة الفكر السلفي السياسي بقلم شوقي إبراهيم عثمان-ميونيخ - ألمانيا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
6/7/2005 2:34 م

الشهيد محمود محمد طه
نظرة تحليلية

ضحية الأمية الإسلامية وربكة الفكر السلفي السياسي

بالصدفة قرأت بعض التعليقات عن الترجمة الفرنسية للرسالة الثانية للشهيد محمود محمد طه، وهذه التعليقات انصبت فيمن عمل هذه الترجمة مع بعض التصحيح، ولكن ليس هذا المهم..المهم ما تضمنته هذه التعليقات.

باديء ذي بدء أضع أنا شخصيا أهمية قصوى على تعبير "الأمية الإسلامية"..لأسباب عديدة منها تنبيه الباحثين، أو المسلمين التقليديين بالتالي: أن الغوص في القضية الإسلامية يتطلب محو الأمية الإسلامية..وفي تقديري الشخصي لن يتم محو هذه الأمية دون قراءة الأدب الشيعي الإثني عشري، ويتضمن هذا الأدب كل جوانب القضية الإسلامية، من تاريخ السلمين، التوحيد، علم الحديث، تفسير القرآن..الخ. ولقد ورث آل البيت علومهم رأسا من الإمام علي بن أبي طالب، عن الرسول (ص) عن جبريل عليه السلام.

فمثلا لنأخذ الإمام أبا حنيفة (80-150هـ) وجماعته..فنسبة لقلة الأحاديث النبوية في أيديهم في الكوفة وبعدها المكاني عن المدينة المنورة، اضطروا إلى استخدام القياس، بل حقيقة هم من أخترع القياس في الدين لقلة الأحاديث التي في أيديهم، وأبو حنيفة هو الذي أنشأ مدرسة القياس والرأي مقابل مدرسة المدينة التي تعتمد على النص النبوي فقط وهو الحديث النبوي، وعماد مدرسة المدينة هم ذرية الرسول (ص) على زين العابدين ومحمد الباقر وأبنه جعفر الصادق عليهم السلام. علما، وعلينا الانتباه، لم يكتب الحديث النبوي قطعا وبداية إلا في عام 143هـ، وعليك أن تتخيل أيها القارئ ماذا تعني قلة الأحاديث..وآثارها المدمرة...مثلا تسببت في ظاهرة الخوارج 39هـ لأنهم فهموا القرآن بشكل خاطئ!!

الحديث النبوي ليس فقط أقوال النبي أو فعله حصرا..كما يروج علماء التفسير الأمويين..بل الحديث النبوي هو الذي يفسر القرآن قطعا ولا شيء آخر يفسره...(.. وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) وقال تعالى (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم، فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون*بالبينات والزبور وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون)...

فهنا يجب أن ننتبه لماذا حرق عثمان بن عفان المصاحف؟ ستجدهم يقولون لكم لتوحيد المصاحف، أو يقولون لتوحيد القراءة..الخ، الحقيقة ليست كذلك! الحقيقة أن عثمان بن عفان نفسه لم يجمع المصحف، بل ما يسمى مصحف عثمان بن عفان ليس مصحفه، بل هذا المصحف جمعه أبو بكر وعمر وحفظاه لدى حفظة بنت عمر وكتبه لهم زيد بن ثابت، وطلبه عثمان لاحقا من حفصة في خلافته وقام بفعلته!! لماذا مصحف أبو بكر وعمر..أو ما يسمى مصحف عثمان؟ ستكتشفون أن المصاحف التي جمعها بقية الصحابة مثل مصحف علي بن أبي طالب عليه السلام..فيه الآيات مرتبة زمنيا، بل فيه تفسير كل آية ومتى نزلت..وفيمن نزلت ولماذا، بليل أو نهار، في جبل أو سهل..؟! وكذلك مصحف بن مسعود رضى الله عنه به تفسير الرسول (ص)،...ستكتشفون أن الحرق قصد منه حرق تفسير الرسول (ص) للقرآن..هذه هي الحقيقة مع الأسف!! والدوافع من ذلك..أن البطون القرشية ونخبتها الأموية رغبت أن تستر نفسها..!! وهذه الحقيقة (حرق المصاحف) هي موازية ومتساوقة مع رفضهم وتحريمهم كتابة أحاديث الرسول (ص) أو تحريمهم رواية الحديث التي استمرت قرنا ونصف. ولولا هذا الحرق أو اللارواية للحديث النبوي لما سيطر الأمويون..حتى 132هـ وهي فترة حكمهم.

أبو حنيفة قدم للمدينة المنورة ودرس على يد الأمام جعفر الصادق سنتين وفي نهايتها فهم خطأ استخدام القياس، وأن أول من قاس الدين برأيه هو إبليس، فقال قولته المشهورة: لولا السنتان لهلك النعمان. وأصبح من شيعة آل البيت عليهم السلام، وعندما حاول المنصور إجباره على أن يكون مفتيا للدولة رفض، فما كان منه إلا أن سجنه وسمه لأنه كان أيضا يشايع ثورة الإمام زيد بن علي (بن الحسين) ضد الخلافة العباسية.

بهذه الرمية التاريخية في تاريخ المسلمين وليس التاريخ الإسلامي، لأنني أفرق بينهما، أين يكون موقع الشهيد محمود محمد طه؟ في تقديري هنالك نقطة تشابه، هنالك تشابه مع قضية أبي حنيفة هي في قلة المصادر..!! وفي حالة شهيدنا محمود لا أقول القلة في علوم الحديث، بل أقول قلة المصادر التراثية والتاريخية..بالمجموع..!! ففي الستينيات والسبعينيات سيطر على السودان الفكر السلفي الأموي الإخواني، ولم تأخذ بعد علوم آل البيت في الظهور إلا بعد قيام الثورة الإيرانية وبعد الثمانينيات حصرا. فهل لو قرأ الشهيد محمود محمد طه علوم آل البيت هل كان سيكتب رسالته الأولى والثانية؟ هذا هو محور مقالتي.

من مطالعتي لتلك المقتطفات التي كتبتها الأخت نجاة محمد على وتعليق الكثير من الأخوة أقول التالي:

الرسالة الثانية للأستاذ الشهيد محمود محمد طه توضح أنه لم يطلع على أدب وتراث آل البيت، والتقصير ليس تقصيره، بل هي محصلة العصر. فالبنيويون أمثال رولان بارت ليسوا على خطأ عندما تسآلوا: هل عندما يكتب الكاتب ويخط كلماته بيده، هل الكلمات من بنات أفكاره أم هي بنات أفكار العصر؟ فخذوا مثلا عصر الأفغاني، ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي، وبعدهم أحمد أمين، وطه حسين، والشيخ على عبد الرازق، والشيخ محمد أبو زهرة..(العقاد كاتب انتهازي يكتب بالمقطوعية والدفع المقدم)..عصر موسوعية، وعمق في التحليل وقدرة على النقد..الخ وعصرهم هو النصف الأول من القرن العشرين. قارنوا النصف الثاني من القرن العشرين..ستكتشفون أن حكام المملكة العربية السعودية سارعوا بمصاهرة اللبنانيين والشوام عموما بهدف تغطية دخول رأس المال السعودي والخليجي والسيطرة على دور النشر والصحف والإعلام..الخ. فماذا نجد في الساحة العربية سوى تلك التراجم الهزيلة والخواطر العقيمة البائسة للأخوان المسلمين..وتمولها طباعتها بالمجموع المملكة العربية السعودية، فقد سحب السعوديون كتب التراث والمصادر التاريخية، وقدموا كتب بن تيمية وتلاميذه بن القيم والذهبي وبن كثير..!! كتب بن تيمية توزع مجانا!!

عموما عصر الخمسينيات، والستينيات والسبعينيات هو عصر الشهيد محمود محمد طه. لا نعتقد أنه أطلع على أدب آل البيت وتراثهم، كما أنه لا يجب أن يعتقد أحدكم أنه أطلع على التراث السني بكامله. دعونا نركز على رسالته الثانية.

أولا الحرية:
ولقد أشاد الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بأنواع العبادة فقال: (إن قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإن قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإن قوما عبدوا الله شكرا، وتلك عبادة الأحرار).

ولكي تصل إلى مرتبة عبادة الأحرار تتطلب أيضا أن يكون المجتمع حرا، لأن عبادة الأحرار لا تتأتى إلا عن قناعة ذاتية وعقلية ووجدانية، خالية من الإستلابات النفسية مثل استلاب الحاكم أو الخليفة للرعية، أو تخويف الدعاة أو المطوعين، وفوق هذا وذاك، وتتطلب إزالة العلاقة التسلطية ما بين الحاكم والمحكومين، وينفتح التراث الإسلامي للمسلم على مصراعيه بحثا ودراسة وتأملا، لأن علم التوحيد قد تم تشويهه فالسلمون اليوم يعرفون الله بالاسم وليس عن معرفة حقيقية.

ما قلته أعلاه متوفر في مذهب آل البيت عليهم السلام، ويشترط أئمتهم لقبول الله سبحانه لصلاتك تامة أن تكون حرا بالمعنى الحقيقي المتعارف عليه في وقتنا المعاصر، وهذه الحرية تبدأ في الوجدان في الحد الأدنى، وكان أئمتهم عليهم السلام وشيعتهم هم المعارضة الحقيقية والوحيدة على مر تاريخ المسلمين ولم يعترفوا بخلافة قط من الخلافات السياسية التي تسمع عنها من راشدة، إلى أموية وعباسية...الخ. وباختصار أساس العبادة هي الحرية.

النقطة الثانية في أطروحة الشهيد محمود محمد طه:
الاشتراكية. ونقلا عن النص: (ولن يتسنى للإنسانية الاقتراب من الكمال الإلهي إلا إذا توصلت إلى عقد علاقة متوازنة مع الطبيعة، لتعمِّق بذلك وعيها بانتمائها للكون في مجمله. وهكذا، تحدد هذه القاعدة الغايات والشروط التي تنظِّم إنتاج الخيرات المادية التي تفضي إلى تفتح وازدهار المجتمعات والأفراد).

إذن القضية هي الوصول أو الكدح للكمال الإلهي. يقول النص: (إن الإنسان قد خُلق على صورة الله، ومن ثَمَ، فهو حرٌ، ومسئولٌ وقابلٌ لبلوغ الكمال. وحياة الإفراد هي صراعٌ دائمٌ لا معنى له إلا بالنظر إليه من منظور الصراع في سبيل الاقتراب من الكمال الإلهي والنأي عن كل المزالق التي تحول دون بلوغ هذا الكمال. إن حياة المجتمعات هي أيضاً، لا معنى لها هي الأخرى سوى معنى صراعها في سبيل المُضِيِّ نحو الكمال).

ولدينا اعتراض على عبارة إن الإنسان خلق على صورة الله، لأن الله ليس كمثله شيء. هذا الكمال المنشود لا يوجد إلا في بعض البشر الذي اصطفاهم الله، وعصمهم وأخبرنا بأنهم هم قدوتنا. ابتداء من آدم، وتركيزا على سيدنا إبراهيم (قال إني جاعلك في الناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين). وبما أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من ذرية إبراهيم، وبالتحديد من سيدنا إسماعيل، فهو المصطفى وصفوة الصفوة، وكذلك آل البيت، وبالتحديد ذرية الرسول من فاطمة وعلي بن أبي طالب، والحسن والحسين. وهم آل البيت، لا يدخل فيهم زوجات الرسول (ص)، أمهات المؤمنين.

روى ابن عباس قال: (كنت أنا والعباس جالسين عند رسول الله (ص) إذ دخل علي بن أبي طالب فسلم فرد عليه رسول الله (ص) السلام، وقام إليه وعانقه وقبله بين عينيه وأجلسه عن يمينه، فقال العباس: يا رسول الله أتحب هذا؟ فقال رسول الله (ص): (يا عمّ والله، لله أشد حبا له مني، إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه، وجعل ذريتي في صلب هذا). وهكذا شاء الله أن تمتد ذرية رسول الله (ص) عن طريق علي وفاطمة، ويكون منهما الحسن والحسين (ع) والذرية الطاهرة أئمة وهداة لهذه الأمة، ولهذا الأمر والسر الخطير كان زواج فاطمة أمرا إلهيا لم يسبق رسول الله (ص) إليه، ولم يتصرف حتى نزل القضاء، كما صرح هو نفسه (ص) بذلك.

لماذا ذكرنا ذلك؟ أصبر علينا قليلا. ستكتشف أن حب آل البيت ليس فقط عبادة، بل هو أكثر من ذلك، وإنما هو تذكية وتنقية للقلوب، من الأرجاس. ألسنا نسعى للكمال؟ أليس قضية الكمال هي قضيتنا، أن تتطهر قلوب الخلق من الأنانية وشياطينها؟ كثير من الناس يتخيل أن عبادته قد توصله لدرجة الكمال الإلهي، هذه لن تحدث، لأننا لسنا مصطفين، بينما لم يطمع في ذلك حتى المتصوفة، فأكثر ما طمعوا فيه أن يقتربوا من كمال الرسول (ص) وآل بيته المعصومين. هذه حقيقة غائبة عن الكثيرين. لقد دفن السلفيون الأمويون هذا البعد في عبادة المسلم، وحولوا الدين إلى قوانين عقلية باردة، ليس فيه تذكية الوجدان والقلب. وتنظيف القلب من الأوساخ وتذكيته يأتي بحب آل البيت ومعرفة فضلهم عند الله تعالى قال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). ومعنى ذلك أن الإسلام الحقيقي فيه درجة من التصوف المتمحور حول حب آل البيت وتفضيلهم على الخلق واعتبارهم قدوتنا والبراءة من أعدائهم الأمويين وكلابهم السلفيين. أنظر لكل سلفي ستجده يصلي ويسلم على الرسول صلي الله عليه وآله وسلم وينسى ذكر آله..‍‍ !! لقد علموهم دفن آل البيت!! هذا هو بيت القصيد!! ليس فقط يشوهون الدين، بل أيضا يقوون "دولة الخلافة" في ذهنك..وهي قضية سياسية من الدرجة الأولى!!

ما حقيقة هذا الحب لآل البيت وما معناه؟ حدثنا عبد السلام بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسى بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحكم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين: أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث واحتج به على الناس. قالت: نعم أخبرني أبي أن النبي صلى الله عليه وآله كان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين مرسوا أن يفرضوا لرسول الله صلى الله عليه وآله فريضة (مال) يستعين بها على من أتاه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النوائب، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك. قال: فأطرق النبي صلى الله عليه وآله طويلا، ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئا، انطلقوا فإني لم أؤمر بشيء، وإن أمرت به أعلمتكم. قال: فنزل جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك، وما عرضوا عليك، وقد أنزل الله عليهم فريضة: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى) الشورى آية 23 .

قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأَشياء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأَرض لبني عبد المطلب!! قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى علي بن أبي طالب أن أصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل: أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار، ومن ادعى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار!! قال: فقام رجل وقال: يا أبا الحسن مالهن من تأويل؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله فأخبره، فقال رسول الله: ويلٌ لقريشٍ من تأويلهن! ثلاث مرات. ثم قال: يا علي انطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين!

من هذه القصة ستكتشف أن القرشيين المهاجرين كانوا يعتقدون أن الرسول (ص) يحابي قومه الهاشميين والمطلبيين (عبد المطلب) وينطبق هذا القول على أبي بكر وعمر بن الخطاب وكانا رأس الرمح في مؤامرة خلع الولاية من علي بن أبي طالب. ولكن هذا موضوع آخر لا نرغب في تفاصيله.

يجب أن تعلموا أن الرسالة الأولى، الوقتية، التي قصدها الشهيد محمود محمد طه هي ليست سوى انتقاد سيطرة الدين الأموي الذي بيدنا اليوم، ويروجه السلفيون بعلمهم أو بدون فهمهم أن الأصابع الأموية حرفته، وقد عبر عن هذه الرسالة الأولى الأخوة في سودانيزاونلاين هكذا: "...في سبيل تفسيرٍ جذريٍ جديدٍ للإسلام يؤسس لقطيعة تامة مع تيار التعصب الديني المحافظ الرسمي المسيطر" وأيضا "..لقد حولوا الدين إلى ممارسة طقوسية متشددة (كان ذلك شأن قوى الرجعية والسيطرة والاستغلال)..وأيضا قولهم "وقد تركزت دعوته على نقد جذري للتفسير المحافظ، الطقوسي، الشكلي، المتقيد بالرسالة الوقتية وحدها. ونادى بتفسيرٍ يوضح الرسالة الثانية، التي تدعو إلى العمل على تحقيق تحويل المجتمع في اتجاه يعزز انتشار العقيدة الصحيحة".

هذا التشدد الطقوسي..في طبيعته هو سنة تاريخية قديمة وهي مسبة سياسية أخترعها الأمويون ومن بعدهم العباسيون..الخ لكي يخضع عامة المسلمين للخلافة السياسية..لا لشيء آخر. هذا التشدد الطقوسي ليس من الدين في شيء. ولقد ذكر الشيخ الترابي في قناة الجزيرة بأنها ضلالة سياسية عمرها أربعة عشرة قرنا.

أما قول الشيخ الترابي "ذبح عظيم" فلا أجد لها تفسيرا مثل قول الجمهوريين أنه شمت في استشهاد محمود محمد طه، أو أيده، بل قصد الشيخ الترابي أنه ضحى بنفسه..أو أنه أصطدم بسلطة غاشمة في الوقت الخطأ، لأنها آية قرآنية: (وفديناه بذبح عظيم) الصافات 107 وهي في سيدنا إسماعيل عليه السلام.

ولا شك أن الشهيد محمود هو ضحية الأمية الإسلامية والتلوين السلفي الوهابي الخليجي في السودان..‍‍!! فدول الخليج، خاصة السعودية، لن تقبل بأية تفسير قرآني أو إسلامي يهدد حكمهم، حكم العوائل. فحركة الجمهوريين ليست استثناء وكانت تحت الرصد الخليجي، وجاء الأمر من السعودية عبر السادات للنميري بنفس الطريقة التي اعدموا بها المرحوم عبد الخالق محجوب، كان أمرا سعوديا ساداتيا. وحتى الشيخ الترابي ومشروعه الإسلامي لم يسلما من التدخل الخليجي لتحطيمه. مع الفارق، أن الشيخ الترابي بداية من 1989م أخذ نفسه يتثقف بأدبيات مدرسة آل البيت التي تنشرها الثورة الإيرانية، وكذلك عبر نشاط الشيعة اللبنانية حزب الله وحركة أمل. ويمكن ملاحظة ذلك في افتراق الشيخ الترابي التدريجي عن الخط السلفي بما فيهم خط الأخوان المسلمين الكلاسيكيين، وهم سلفيون لاشك في ذلك.

الرسالة الثانية للشهيد محمود محمد طه يمكن إسقاطها على فترة الإمام المهدي عليه السلام، فعند ظهوره سيسحق ظهوره الباطل الأموي، وينقح العقيدة، وسيستتب العدل على الأرض بعد أن تملأ ظلما وجورا، وتسفك فيها الدماء..الخ. ولكن قبل ذلك ستكون دائما السيطرة للدين السلفي الأموي، يقول الرسول (ص): (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلمهم وكافرهم تبع لكافرهم)، وفي رواية: (الناس تبع لقريش في الخير والشر)، وفي رواية: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان)، وفي رواية البخاري: (ما بقي منهم اثنان). وتفهم هذه الأحاديث على صيغة الخبر وليس الأمر.

ومن أكثر الملاحظات التي تثير الشفقة عندما تلهج ألسنة الجمهوريين بالخلافة الراشدة، وحقيقة الأمر لم تكن راشدة أبدا. وهذا اللهج يعكس درجة من الأمية الإسلامية الفاقعة. لم يدركوا أن النقد اللاذع الذي وجهه الشهيد محمود في رسالته الأولى كان المقصود منه هؤلاء المسلمين الذين ذمهم الله في سورة التوبة والمنافقون والمائدة. وهم هؤلاء من الصحابة الذين قال فيهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (بينا أنا قائم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم، فقال: هلم. فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقرى. ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم. فقال: هلم. قلت: أين؟ قال: إلى النار والله. قلت: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا من بعدك على أدبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم). لاحظ العبارة الأخيرة..فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم، وتعنى تبقى منهم عدد قليل جدا - الإبل الشاردة القليلة العدد. وإذا سألتني من هم، لن أتردد بالقول المقداد بن عمرو، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وبن مسعود، وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي..وبالطبع علي بن أبي طالب، أو من على شاكلتهم، وهؤلاء هم قطعا من وصفهم القرآن بالمؤمنين. أما البقية التي وقفت في خط الخلافة ضد علي بن أبي طالب فهي مسلمة باللسان..ولم يكذب الشهيد محمود محمد طه.

أو خذ هذا الحديث: وفي حديث أم سلمة: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من أصحابي من لا أراه ولا يراني بعد أن أموت أبدا. أو أيضا هذا: وفي حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ليردن علي الحوض رجلان مِمَن قد صحبني، فإذا رأيتهما رفعا لي اختلجا دوني. وعليك أن تتخيل أيها القارئ من هذان الرجلان؟

وفي الختام نقول هل لو عاصر الشهيد محمود محمد طه فورة الثورة الإيرانية وقرأ كتب مدرسة آل البيت..هل كان سيكتب رسالته الأولى والثانية!! هذا السؤال يجب أن يجاوب عليه الجمهوريون. لا شك أن الشهيد وصل لحقائق باجتهاده مع عدم توفر المصادر التاريخية الكاملة، وأجتهد وقال أنه هنالك مسلمون باللسان..لم تخضع قلوبهم بالإيمان في العمق، وأنتقد الإسلام الشكلي، وفي حقيقة الأمر الإسلام السلفي الأموي، ولم يتردد أذناب السلفية الوهابية في إطلاق إشاعة لتحطيم الشهيد عندما قالوا أنه يدعي أن الصلاة رفعت عنه!! وكذلك فعلوا بالشيخ الترابي عندما كعبروه في قضية ذبابته!! فحتى نهاية السبعينيات كان علماء السودان تلهج ألسنتهم بالمذاهب الأربعة..ولكن ما نراه اليوم هو إلغاء تام حتى للمذاهب الأربعة..وسيطرة المذهب الوهابي وقانا الله وإياكم شره!! فعلى كل المسلمين السودانيين أن يمحوا أميتهم الإسلامية..وإلا الطوفان!!

شوقي إبراهيم عثمان
ميونيخ - ألمانيا
[email protected]


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved