لقد ارتبط تقدم الدول ورقيها ونهضتها بانظمتها المختلفة سواء كانت انظمة الحكم او انظمة الادارة او انظمة التعليم او النظام الاجتماعى , فكلما كانت هذه الانظمة مستقيمة ورشيدة وقويمة كلما تقدمت الدولة ونهضت والعكس كلما كانت هذه الانظمة غير مستقيمة وغير منضبطة وغير سليمة كلما تخلفت الدولة وانهدم بنيانها وتراجعت الى الوراء الى ان تمحى عن الوجود .
ان من واجبات الدولة العمل على مواكبة التطور العالمى والسير برعاياها نحو النهضة عبر رقابة فى كل الامور التى تمس حياة الناس بشكل مباشر فى مأكلهم ومشربهم وملبسهم وامنهم ومسكنهم وتعليمهم وعلاجهم ووسائل اتصالاتهم وحركتهم وسلوكهم وعاداتهم.
ان خطورة عصر العولمة يلقى عبئاً ثقيلاً على الدولة فيما يختص برقابة كل ما من شأنه ان يمس شئون رعاياها , فالعبء الخاص بتوفير وتدبير ما يحتاجه الناس قد يكون اقل من عبء رقابة انسياب وانتظام وصحة وصلاحية هذه الاشياء سيما وان العالم اصبح يمتلئ بكل ما يخطر وما لا يخطر على البال و من مشارق الارض ومغاربها , من هنا تاتى اهمية اجهزة الدولة فيما يختص بالمواصفات والمقاييس وضبط الجودة .
الفهم السائد فى القطاعات المختلفة سواء كانت الرسمية او الشعبية فى شأن المواصفات انها تعنى فقط برقابة ما يندرج تحت قائمة الاكل والشرب والدواء , غيران هناك من الاشياء التى لاتقل اهمية وخطورة واهمالها يهدد حياة الناس و وجودهم , لذلك يجب ان يتطور مفهومنا للمقاييس والمواصفات وضبط الجودة ويخرج هذا الفهم من الاطر الضيقة الى الارحب والاوسع ليشمل كل مايتعلق بحياة الناس من اكل وشرب وعلاج وامن وملبس و مسكن ووسائل حركة واتصالات وصولاً للتقاليد والعادات والسلوكيات .
ان تطوير الفهم فيما يختص بالغرض من اجهزة المقاييس والمواصفات وضبط الجودة يقود الى تطوير تفكيرنا للحديث عن اجهزة للمقاييس والمواصفات فى كل مكان او زمان له علاقة بحياة الناس . وهذا التطوير يقود الى التفكير فى استحداث وحدات للمواصفات والمقاييس وضبط الجودة لكل المرافق والمصالح كان لها او ليس لها علاقة بالاكل والشرب والدواء , ادارات فى كافة المرافق والمصانع وكل الاماكن التى تقدم خدمات للمواطنين , كما يجب ان لا تقصر المواصفات والمقاييس على فحص الشهادات الصحية التى تعلق على الجدران بل يجب ان يمتد الامر الى اكثر من ذلك وفى كل الاماكن حتى فى حالة حافلة الركاب ان تكون هناك مواصفات ليس فقط جودة العربة وصلاحية رخصة سائقها بل يمتد ذلك الامر ليشمل لبس وادب وهندام واخلاق وسلوك ونظافة السائق و"الكمسارى" الذى يجمع النقود , وكذا الحال فى جميع المرافق والمصالح الحكومية وغير الحكومية , ان تمتد ايدى المواصفات ونحن فى الالفية الجديدة الى كل المناطق والمحلات العامة ليس فقط وسط العاصمة الخرطوم كذا الامر بالنسبة لسفلتة الطرق وهل بناء الطرق هو فقط وضع الاسفلت الا يشترط التنسيق بين الجهات المختلفة التى لها علاقة بالطريق من مياه وكهرباء وتلفونات وبلدية , اليس هناك مراقبة ومساءلة عن كيفية توزيع مياه الامطار فى حالة بناء الطرق وخلافه .
يجب ان يتطور فهمنا والا فاننا لانستطيع ان نواكب عصر العولمة ونتفاعل معه خاصة اذا استصحبنا معنا سلوكياتنا وعاداتنا غير الحميدة , يجب ان يتطور فهمنا ليمتد الى ادخال المقاييس والمواصفات وضبط الجودة حتى فى السلوك والعادات وتكون هناك رقابة على التسكع والكسل والخمول وتناول المنبهات القبيحة , وهذا التطور فى الفهم تبدأه الدولة بنشر ثقافة المقاييس والمواصفات وضبط الجودة بين الناس فيما يختص بكل شئونهم فالقيام بالحملات " الكشات" لمحاربة بعض الظواهر السلبية لا تعدو من ان تكون علاج قصير المدى او انها فقط من المسكنات او المهدئات بانتهائها سرعان ما يعود الحال لوضعه مرة اخرى طالما ان الناس ليس لديهم معرفة او علم بمدى خطورة مثل هذه الاعمال .
فى ظل الانفتاح وعصر السرعة والاتصالات اكتظت بلادنا بكل ما يخطر ومالا يخطر بالبال من المنتوجات المستوردة والمحلية الجيد منها والرديئ , العادات المستوردة والمحلية الجيد منها والرديئ , الثقافات المستوردة والمحلية الجيد منها والرديئ و السلوكيات المستوردة والمحلية الجيد منها والرديئ , وهاجت كل هذه الاشياء وماجت واختلط الحابل بالنابل فى كثير من الامور , فى الاسواق , فى الشوارع , فى دور السينما , فى الجامعات , فى النقل والاتصالات , فى كل مكان , الامر الذى ينذر بانفجار لايمكن السيطرة عليه الا اذا استيقظنا الآن قبل الغد .
ان هيئة المواصفات التى نريدها مناط بها عمل ضخم وكبير لا يسعها وحدها الا اذا تضافرت الجهود معها ودعمتها الدولة بكل معينات العمل وبالكوادر المقتدرة .يجب ان تكون هناك هيئة اللمواصفات والمقاييس وضبط الجودة فى هذه الظروف الخطيرة التى تعيشها بلادنا فى حالة طوارئ مستمرة وان تخرج من مكاتبها وتعمل فى شكل غرفة عمليات دائمة تسندها الدولة بالمال الكافى والكادر البشرى المدرب .
اننا ندخل عصر العولمة وهناك اموراً كثيرة لم نضع لها حساباً بالرغم من ان امرها فى غاية الاهمية ومراقبتها امر لابد منه اذا اردنا لامتنا ان تنهض وتزدهر وتنافس الامم الاخرى , ولن يكون لنا وجود و لادور فى المستقبل الا اذا ادركنا خطورة ما نحن فيه وهل نستطيع به الدخول الى رحاب العولمة ؟
صلاح الدين حمزة الحسن
لاهاى - هولندا