لماذا يصر بعض الكتاب الشماليين على دمغ الجنوبيين بالاجرام والتفلت والحقد الدفين، فيعيدون سيرة احداث الاحد الاسود التي وقعت في الستينيات كدليل على حقد الجنوبيين على الشماليين، ثم ينسجون على منوالها في تناولهم لاحداث سوبا الاخيرة، واذا كانت شائعة مغرضة قد دفعت بعشرات الجنوبيين للثورة والغضب، وبالتالي تفريغ تلك الشحنة في اقرب من قابلهم من الشماليين او متاجرهم، فما بال بعض الكاتبين يحاول الربط بين تلك الاحداث وخاصة سوبا مع اختلاف الاسلوب تماماً.
واذا كنا منصفين في ايراد الحقائق، فان انصع حقيقة يجب ابرازها هي ان الجنوبيين بمختلف فصائلهم قد مارسوا "انظف انواع الحروب" ان كانت للحرب مقاييس نظافة، وهي حرب الميدان، فلم يلجأ الجنوبيون طيلة عقود الحرب الاهلية لحرب الاغتيالات والتفجيرات مثلما فعلت الكثير من الفصائل المسلحة المتمردة على السلطات المركزية في عديد من بلدان العالم، بل ظل الشماليون يعيشون في امان في كل مدن الجنوب والحرب تدق ابوابها، وآثارها تشمل ملايين الجنوبيين فيفرون الى وهاد النزوح او مضارب اللجوء دون ان يحاولوا الانتقام من الشماليين الابرياء الموجودين معهم، فلماذا نتجاهل كل هذا ويدعي بعضنا ان الحقد الجنوبي الدفين يريد طرد العرب من السودان، او ان احداث سوبا اشارة الى بداية الزحف الاسود من احزمة الخرطوم، او أن الشبان الجنوبيين يسيرون في شوارع الخرطوم جماعات جماعات تأهباً للانقضاض على الشماليين المسالمين الداجين في طرقات العاصمة يبغون ارزاقهم ويمارسون اوجه حياتهم المختلفة، لماذا نبرة التجريم هذه، والواقع يقول بغير ذلك، والحقائق تخيب ظنون المشائين بين السودانيين بنار الفتنة العرقية والدينية؟.
لقد شبت اجيال من الجنوبيين في الملاجئ وكراتين النزوح، ومن ظل منهم في الجنوب ظل هدفاً مشروعاً – كما تراه السلطات – للقصف والدمار، وظلت الكتائب ترسل الى الجنوب، والفيالق التي تخصص لها البرامج التلفازية وتحشد لها امكانات الدولة تذهب الى الجنوب فهل كانت تذهب للاستجمام والترويح ام لقتل وسحق هؤلاء الجنوبيين؟ واذا كان الجنوبيون بهذه الدرجة من الحقد والرغبة في الانتقام كما يحاول البعض تصويرهم فلماذا لم يمارسوا الانتقام طيلة هذه السنوات؟ والمبررات موجودة لهم على الاقل بتأثير حالة اهلهم هناك عليهم، فهل يعقل ان يعاني الجنوبي ما يعاني ومع ذلك يتمسك بالمسلك الاخلاقي الرفيع تحت ظل تلك الظروف القاسية، ثم يعود، بعد ان سكتت المدافع والقصف والقتل والدمار، ليمارس الانتقام ويفش أحقاده المتوهمة، في ظل السلام، وللعلم، فان الجنوبيين احرص على السلام لانهم اشد تضرراً من الحرب، فهي تدور في اوطانهم الصغيرة ومساقط رؤوسهم وملاعب صباهم وشبابهم، وحسبك بمن يعاني من الحرب في داره.
ان الجنوبي يا سادتي، انسان مكتمل الانسانية شعوراً وعقلاً واحساساً، بل هو يتفوق في عقله وتفكيره على كثير من الاوهام التي تعشش في اذهان بعض الشماليين، الجنوبي انسان رفيع المستوى لن ينحدر الى حضيض ما تصوره بعض الاقلام الموتورة، ومع ذلك فهو انسان شهم وشجاع ومقدام، ولا يقبل الضيم، هذه هي المعادلة التي يجب ان يفهمها من ينشرون الفتنة الآن ويحاولون جر البلاد إلى أتون صراع دموي بوهم حقد الجنوبيين.

للمزيد من االمقالات