![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
وقفنا بالامس عند ضرورة التواطؤ على احترام التعددية بالممارسة لا بالاقوال، وضرورة عدم تصفيد الناس بسلاسل القمع الفكري تحت مزاعم عدم اثارة النعرات العنصرية او الكراهية، وهذا يتطلب من السودانيين ذوي الثقافة العربية والاسلامية ان ينتقلوا عملياً الى مربع جديد، يؤوبون فيه الى حقيقة تكوين السودان من اخلاط متعددة ليست جميعها خالصة العروبة او الاسلاموية او الهجنة حتى، هذا الشتيت الوطني يجمعه رباط المواطنة، اذ ان اي معيار آخر لا بد ان يغمط حقوق بعض الناس، لان العروبة لا تفي بالشمول مثلما لا تفي الاسلامية بالغرض باعتبار من هم خارج نطاق هذين التصنيفين او احدهما ولكنهم مع ذلك يرتبطون بهما عبر الحق في الوطن، وللانتقال الى مربع احترام التعددية الثقافية والدينية لا بد من اليقين التام بنسبية ما يطرحه اي انسان او مجموعة دون اطلاق، وقد اشار الاستاذ مؤمن الغالي في مداخلته في ذات الندوة الى ان ما يعتبر اخلاقاً فاضلة مثلا عند قوم ربما لا يعتبر كذلك عند آخرين، فكيف نؤسس لقوانين ولوائح تحت وصف "قومية" نستمدها من فهم معتقدات او ثقافات بعض اهل السودان، ونجعل الخروج عليها خروجاً عن الاجماع او خرقاً للقوانين يستلزم المحاكمات في المحاكم؟ وكمثال على ما ازعمه فان المستشار ياسر محمد احمد المستشار القانوني للمجلس القومي للصحافة طرح وجهة النظر الشرعية الاسلامية حول حرية الصحافة، وحدد هذه الحرية في عدة نقاط منها منع نشر ما يهدم الدولة الاسلامية ومنع نشر الردة والكفر ومنع المراء والجدل .. الخ الخ، وهذه جميعها اشياء تتعارض مع مفهوم كفالة الحقوق بالمواطنة، اذ يصبح انتقاد ممارسات الدولة الاسلامية مثلا وكانه عمل على هدمها، فمن يملك حق تفسير ان هذا الانتقاد هدم للدولة او جريمة موجهة ضدها؟ اما نشر الكفر والالحاد فالمعلوم ان الشريعة الاسلامية والدين الاسلامي يعتبر "من لم يتبع الاسلام فهو كافر"، فكيف يتسق هذا مع حقوق المواطنة التي تجيز حرية الاعتقاد والتبشير والدعوة لاي معتقد يريده المواطن؟؟
هذه هي بعض النقاط التي تستوجب النظر فيها، قبل محاولة لجم استخدام بعض المصطلحات بتهمة اثارة الكراهية او النعرات العنصرية، ولان الاجابة عن هذه التساؤلات مما يوجب توفر الحريات الكفيلة بالتداول والاخذ والرد والنشر والتصويب والاستدراك، فانه يصبح من الضروري عدم التهيب من الخوض فيها ولان المسكوت عنه هو في الغالب اكثر ما يفرق السودانيين على حد تعبير د. فرانسيس دينق، فاننا نطمع بان تعلو الاصوات من اجل عدم حجب الحرية والعمل من اجل توسيع رقعتها وشجب تضييقها، ولان بلادنا قد شبعت من التجارب الديكتاتورية والشمولية فما تقدمت خطوة وما انحلت فيها عقدة، فعلينا السير في السكة المقابلة سكة الحريات، فهي مهما اعتورتها من صعوبات تبقى هي سكة النجاة الوحيدة، ودرب الأمل المجرب والناجح على مستوى العالم حتى الآن على الاقل، ولدكتور الشوش الاحترام والتقدير.