بريمة محمد أدم
[email protected]
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد وعدتكم أيها القراء كلما ظهر الأوباش يلفحونكم بسموم عنصريتهم وتعفنهم الذى أزكم (أنوف) قارئي الأنترنت، سوف أرشقكم من مسك الأخيار حتى تشتمون رائحة طيبة. وقصدى من هذه المقالات هو الرد علي السجال الدائر حول الفضائح الجنسية والأغتصاب في دارفور التى يتفوه بها الأوغاد بأنها عمل إجرامى مقصود به إذلال وإهانة كرامة مواطن دارفور الأبى وقد أدعوا أن أكثر الشرائح المستهدفة هم حملة القرآن، هكذا يقول الأوباش الذين يلحثون وراء الكسب السياسى الرخيص. أيها الأوباش، صيروا كفاراً أو ملحدين أو مرتدين أو أى خلقاً أخر يكبر في أعينكم وأركعوا ساجدين أمام كهنوت الأرض والدجال والذين يمدونكم بالمال ويطعمونكم الطعام حتى تمتلء كروشكم الخاوية، كل ذلك لن يجديكم نفعاً مع الأرواح التى تزهقونها من أجل مصالحكم الدنيوية الزائلة ولأرضاء نزواتكم التسلطية الشيطانية ونفوسكم المريضة الشريرة، سوف تحاصركم أشباح الموتى، صراخات اليتامى، أنين الجرحى، أحزان الأرامل الثكالى بما كسبت أيديكم من أرواح البسطاء الذين تشردوا وماتو وأذلوا بفعل فاعل أنتم أحدى طرفى معادلته. أيها الأوغاد، يوم أن تتركوا المتاجرة بسمعة وشرف إنسان دارفور، سوف تجدونى أترككمـ فأنتم مريضى نفوس، مهوسون بقتل الأرواح ومصاصى دماء، ومتجارين بالأعراض، لا يأمن شروركم أحد ولم ينجوا من فحشكم عزيز، وسوف تجدون مكانكم الذى يناسبكم هو مزبلة تأريخ دارفور، إين الشرف الذى تنادون به وأنتم تدنسوه، أين الكرامة وأنتم تهينوا كرامة المواطن المسكين، أين الطهر والنقاء الذى تتحدثون عنه وأنتم أقذر الناس سلوكاً ولفظاً.
ومقابل نتانة الأوغاد، هناك الأخيار من أبناء دارفور، ومن هؤلاء العم أبكر عبده، طويل القامة، عريض المنكبين، واسع الجبين، ليس بعالم في القرآن أو الحديث، لكن خلقه خلق الأنبياء والمرسلين. تعارفا مع والدى في سن مبكرة، ولا أدرى ولم يقصص لنا والدى ما الذى جمعهما أو كيف تعارفاً، لكن تفتحت أعيينا ووجدنا العم أبكر عبده صديقاً عزيزاً وحميماً لوالدى، فهم يذهبا إلي التجارة علي ظهور الجمال سوياً إلي داخل الجبال في جنوب كردفان، فقريتنا تقع شرق كادقلى بينما هم يذهبا إلي مناطق دليبة، شق الحلوف، المورو، مساكين الطوال والقصار، والشويا وغيرها من الجبال القائرة وسط جبال جنوب كردفان، فيأتيان بالغلات كالكرقا، الكولم، كرمكا، الماريق، وكذلك الحبوب الزيتية كالفول البلدى والسمسم، كما يحضران عصيى القنا وأعواد الحراب والسكاكين وغيرها. ومتى ما يحضرا لم يدوما طويلاً حتى يعودا من حيث أتيا أو يذهبا إلي جبل غير الذى كانا فيه. وحينما يعودا أيضاً يذهبا محملين بكثير من الخيرات، فكانت تجارة مربحة. وما أذكره تماماً عن العم أبكر عبده متى ما رحلنا إلي القوز في شمال كردفان وعدنا إلي الصعيد ونزلنا جوار القرية التى يقطن بها العم أبكر عبده يصير بيتاً دكاناً أو حانوتاً صغيراً من الحلويات والبسكوت وأنواع كثيرة من المأكولات كالشعرية والأرز، كما أن العم أبكر جزار ماهر يأتينا بكل ما لذ وطاب من اللحوم والكبد والكلاوى. فكان مجلسهم مع والدى مجلس صداقة يكثر فيه الهزل والضحك وتتعالى الأصوات بصخب، فإذا حضرت إمرأة إلي مجلس العم أبكر شاح ببصره عنها أو أحدق علي الأرض وهو يسلم عليها أو يتحدث معها. لم نعرف عنه قد الفاحشة أو الهمز واللمز أو الخيانة، فهو أميناً في مال غيره وحافظاً لأخوة والدى وكريماً وجواداً، إذا وجدنا في أى مكان يحتضننا بكلتى يديه، فالعم أبكر نعده من الأخيار وهو تجسيد لأنسان دارفور البسيط الذى يؤمن فطرياً بربه ويلتزم حدوده وشرعه ويحفظ أخوته، أين ذلك من الأوغاد الذين يطرقون أبواب الفتنة ليل نهار يتاجرون بالرزائل ويبدلون الكلم عن مواضعة لأرضاء نزواتهم من حب السلطة حتى ولو علي جماجم الأبرياء، فتباً لهم بما كسبت أيدهم قذارة وفحشاً. قضية دافور قضية عادلة لا تحتاج، من مروجى الأعلام الجنسى الفاضح وناشرى الرزيلة، أثباتاً لصحتها بترويج تلك الفضائح اللاأخلاقية، في حقيقة الأمر هى محاولة تجارية رخيصة حتى تمتلء جيوبهم وبطونهم الخاوية ويعلى نجمهم السياسى الباهت من خلال العبث بالأعراض والتشهير بشرف دارفور وهدم تراثها الدينى. ولعلى التأريخ يعيد نفسه، ففي تاريخ السلطنات قبل الأسلام كان هناك الأرازل الأشرار، حيث دخلت تجارة الرق علي أيديهم قبل أن تدخل أى بقعة أخرى من أرض السودان، فكان الأشرار يتاجرون ببنى جلدتهم من القبائل الأفريقية المستضعفة حتى يغنون حراماً، وكانوا يقومون بخصاء الرجال من الخدم في بيوت السلاطين حتى يكونوا من أولى الإربة الذين لا يطلعون علي عوارت النساء، وهكذا ربما لا يكون المرء مخطئاً إن قال أن تلك السلالات الرزيلة في دارفور والتى لوثت تأريخ دارفور الأسلامى الناصع بالأمس، تجدها اليوم تطل برأسها لتتجار تجارة رخيصة أخرى بالأعراض، فكما قيل أن الصلاح يتوارث، يكاد المرء يجزم أن الرزيلة تتوارث، فالصفات، جميعها وراثية، ليس هناك ما يمنع من توارث الرزائل والفاحشة بين أقوام أنتحلوا تلك التجارة منذ أزمان غابرة قبل دخول الأسلام كوسيلة لكسب عيشهم الحرام. وجود الرزيل، الزبير باشا في بحر الغزال له مغزى تأريخى، فهو يستأنث بتلك المجموعات الضالة التى أستباحت حرمة دارفور بالأمس وغررت بأنسانها الأعزل (فالشيطان يعرف مقيلة الشيطان، حتى يقيّل جواره). أين الأخيار من أبناء دارفور الشرفاء، لماذا يتركون هؤلاء الأوغاد يعيثون بعرض إنسان دارفور الفساد قديماً وحديثاً، لماذا لا يتبرأون منهم كما تبرأ الذئب من دم يوسف، لماذا لا يفضحونهم ويكشفوا عوراتهم. وهنا لا أقصد الذين يناضلون من أجل قضية مشروعة ويقدمون أرواحهم فداءاً لها، لكنى أقصد هؤلاء السفلة والسفهاء الذين أحسنوا تجارة الكلمة المتعفنة والتشدق بالفاحشة والتشهير بالأعراض والتسكع في المدن والأسواق، أدمنوا العطالة والبطالة وتحولوا إلي نمور ورقية تقتات من تدنيس الأعراض، أيها الأخيار والشرفاء من أبناء دارفور أقطعوا هؤلاء السفلة الذين يخربون قضية دارفور العادلة ويشتتون وحدة أبناء الهامش التى نرجوا لها أن تتم علي أسس وأطر قويمة سليمة فيها الأحترام المتبادل وتقبل الرأى الأخر وفهم مبدأ الأختلاف. إن هؤلاء الأوغاد يريدون تطويل عمد الحرب حتى تتعاظم تجارتهم الكاسدة فبدأوا يعرضونها في أسواق منظمات الصهيونية العالمية حتى يقتاتون علي فضلاتهم وفتاتهم ويمدون أيديهم المرتعشة لتناوله وهم صاغرون ذليلون، وأعلم أخى الدارفورى أن اليد العليا خير من اليد الدنيا، فعزتنا وكرامتنا خير خيراً لنا من أن نحى ونحن ذليلون، فلنمت بعزة المسلم، لا ترتعش يدك لأستلام مال قتلة الأنياء وأحفاد القردة والخنازير، وأعلم أن زوجة سيدنا نوح قالت عن أعمارنا، حينما سمعت أن أناساً يأتون أعمارهم في الستين، قالت لو حضرتهم لقضيت ذلك العمر تحت شجرة، فلنقضى عمرنا تحت الشجرة، نشرب من ماء البرك التى بها بول الحمير وروث البقر ورمم الكلاب خير لنا من نأتى وليس علي وجوهنا مذقة لحم.
دارفور خير أمة سودانية في تأريخها الأغر ومجدها الأسلامى الزاهى، وقد أنجبت دارفور السلطان علي دينار، أنجبت دارفور الخليفة عبدالله التعايشى، نصف شعب دارفور صدورهم عامرة بكتاب الله الواحد القهار وألسنتهم رطة بذكره. ومن هؤلاء الأخيار حاج الطيب، الفلاتى، رحمة الله رحمة واسعة بعرض السموات والأرض. حاج الطيب بائع عطور، يحمل صرة ضخمة علي ظهرة بها كل أنواع العطور البلدية (المهلب، الحبهان، المسك، الريحان، الصندل، فلوردامور وغيرها كثير)، يتجول وسط الفرقان والرعاة والقرى لكى يسوق بضاعته حتى عرفه عامة أهل بوادينا، فإذا سمع النساء بحضوره تسابقن لشراء العطور (أنظر صاحب المسك أما أن يهذيك أو تبتاع منه أو تشتم منه رائحة طيبة)، وكانت جدتى، رحمها الله تربو علي الثمانين من العمر، فإذا سمعت بقدوم حاج الطيب حملت نقودها في (صرة) بالية يفوح منها العطر، فتختار عطرها المفضل (بنت السودان أو الساروخ أو أوراق الخريف) تفتحه ثم تضع أصبعها السبابة علي فتحة الفتيل ثم تنكسه مرات عدة، ثم تستنشق منه إستنشاقة حادة وتمسح أصبعها تحت شهمة أذنها ثم تولى عائدة وهى تتوكأ علي عكازها، فأذا سألها إحد الحضور تشير إلي حاج الطيب قائلة (داك صاحب الريحة – العطر)، يضحك حاج الطيب (مالك علىّ يا حاجة)، إذا أصبح الصبح يقوم حاج الطيب بتلاوة القرآن بصوت عذب ترق له قلوب سامعيه. حاج الطيب الذى لا نعرفوا له أهل، إذا جاء مسافراً إلي البندر يستودعه النساء لكى يشترى لهن طلباتهن من المدينة ويحملها علي ظهرة يقطع بها الفيافى حتى يسلم أمانته كاملة مهما طل الزمن حتى أصبح صادقاً مصدوقاً تحبه البوادى والحضر، وفي خلال أسفاره وافته المنية في مكان غفر، وهو يشق غابات وعرة ما بين الشحيطة وقرية كركراية في شمال شرق كادقلى، فرقد علي الأرض مستقبلاً القبلة وأوسم على الأرض ثلاثة خطوط، لا تخطأها عين ناظر، فعرف الناس الذى حملوا جثته الطاهرة بعد حوالى ثلاثة أيام من وفاته أن حاج الطيب مات علي الملة وقد أدى الشهادة، هؤلاء هم أهل دارفور الأخيار الذين يحيون ويموتون علي الحق المبين، أين الأوغاد من هؤلاء الأخيار، ولقد صدق المثل أن النار تلد الرماد، فبشرى لهم بما كسبت أيديهم من أعراض الناس. وليهب الأخيار للدفاع عن شرف الأمة من هؤلاء الشرذمة المنبوذه المتعفنة القذرة ولكى نعرف الشرفاء من الأشرار ولنا في السيرة عبر ومواعظ، وعلينا أبناء الهامش أن نضع ميثاق أخلاقى لا نتجاوزه في العمل العام وحين التطرق إلي عورات الناس، حتى يوجد ذلك العهد دعونا نحكم الخناق علي الأشرار، والعتبى لكل من مسه المقال بسوء والعتبى لدارفور وأهلها الأخيار. وليعلم القراء الكرام إنى ثابت علي أرضى كجبالنا الراسيات وهى شامخة في صمود وتحدى ينم عن كبرياء دفين موصول بتأريخ شعب صانع معجزات، فلنفخر ونتفاخر بهذا الشعب ومنه الشعب الدارفورى الأبى الأصيل، فلتحيا وتنتصر دارفور بالحق المبين.
والله من وارء القصد يهدى السبيل.
ودمتم
بريمة محمد أدم
واشنطن دى سى، الولايات المتحدة
25 يونيو2005