السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أزمة شرق السودان .. ودارفور أخري علي الرصيف بقلم سارة عيسي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
6/23/2005 9:31 ص

عنوان المقال : أزمة شرق السودان .. ودارفور أخري علي الرصيف

في كتاب ألف ليلة وليلة طالعت هذه القصة الطريفة والتي تحكي عن رجل حمل جرتين من العسل علي ظهر حمار بغرض بيعهما في سوق القرية القريب وكان كلبه يستظل بجسم الحمار وهو يلهث من الحر الشديد خلال المسير ، وعندما ثبت الحمار حوافره أمام دكان العطار اندلقت علي الارض نقطة عسل صغيرة هرع اليها قط العطار وألتهمها بلسانه ، اثار ذلك حفيظة كلب حامل العسل وهو يري قطا مدللا يتجاوز الخطوط الحمراء بلغة الانقاذ و يقوم بالاعتداء علي ثروه صاحبه من غير استئذان ، فقام الكلب بقتل قط العطار ، ورد العطار علي القتل بالمثل فأخرج سيفه حادا أطاح به براس الكلب ، فغضب حامل العسل ايضا وأنتقم لذلك الامر وقام بقتل العطار ، وراي اهل العطار مشهد الجريمة فهناك قط مشدوخ الرأس وأخ لهم وهو العطار يثغب دما بفعل طعنة كالها له الحمار فقاموا ايضا بالثأر لصاحبهم وقطه فقتلوا بائع العسل ، وبلغ الخبر قرية أهل بائع العسل والذين قدموا علي صهوة الخيل والجمال وهم يحملون السلاح من اجل المطالبة بالثأر ، ودخلوا في حرب كبيرة مع أهل العطار وسالت الكثير من الدماء وافنت الناس بعضها البعض ، وعندما احتكم العقلاء الي صوت العقل وقرروا اجراء المصالحة فأكتشفوا أن سبب هذه الحرب اللعينة هو نقطة عسل صغيرة تدحرجت ووجدت لها طريقا الي لسان القط الشقي والذي التهمها بمفرده من غير أن يتشاور مع كلب حامل العسل ، كل ذلك الموت والخراب والدمار والحرب بسبب شئ تافه لا يرقي الي مستوي اسباب الحروب فهو مثل اسباب حروب الانقاذ والتي تبدأ صغيرة ثم تشتعل وتحرق القري والحضر وتنتهي بجلسة فنجان شاي نعرف فيها أن السبب كان أتفه من نقطة عسل الحمار .
بدأت قضية دارفور بسيطة كنقطة العسل التي اشرنا اليها وكانت المطالب لا تزيد عن السعي البعض الي حصة محدودة في السلطة والثروة ، ولكن اعلام الانقاذ سبق الجميع وبدأ يصنف أهل دارفور الي عرب وطنيين يرجي الخير منهم وأفارقة افاقين وخونة يجب القضاء عليهم ، والسلطة المتاثرة بثقافة الحرب والمعتمدة علي الحلول الامنية لم تستجب لتلك المطالب البسيطة وأختارت أصعب الحلول لاصعب المواقف وهي الحرب ، لم تكن الحرب بين جيشين متوازيين في القوة والتواجد علي الارض ليكون هناك خاسر ومنتصر ، ولكنها كانت حرب بين نظام يستخدم الطائرات والمدفعية ضد مواطن بسيط يتحصن بالقري والسهول من أجل النجاة من قاذفات الحمم التي جلبتها الانقاذ لأهل دارفور ، واخطر ما جلبته الانقاذ في حرب دارفور هو تمزيقها للنسيج الاجتماعي في هذه المنطقة حيث قامت باستعداء القبائل علي بعضها البعض وجعلت بعضها يحارب بالوكالة عن نظام الانقاذ ، ولم يفق الناس الا علي كارثة انسانية عظيمة تمثلت في النزوح الجماعي عن القري واللجوء الي دول الجوار بحثا عن الامان ، ووصل عدد الضحايا الذين قوا نحبهم الي 400 ألف واثنين مليون نازح في الداخل ومليون نازح في دولة تشاد ، يقول هيكل مؤرخ الدولة الناصرية أن مصر فقدت في ثلاثة حروب مع اسرائيل 45 الف قتيل فقط وهذه الحصيلة المتواضعة قتلت الانقاذ اضعافها في اقل من ستة اشهر ، وعندما بدأ المجتمع السوداني في جمع حواسه من أجل استشعار هذه الازمة والتي كانت مدفونة في بئر كتمان صحافة الانقاذ وجدت هذه القضية طريقها الي المجتمع الدولي ، وتازم الموقف وصرنا نسمع عن لجان تقصي الحقائق والادانات الدولية وحرب الابادة والعنف الجنسي ضد المرأة ، وبعدها بدأت طلائع القوات الدولية تتوافد علي كل أنحاء السودان ، في منطقة جبال النوبة ودارفور والجنوب ، وصرنا أحيانا نخلط بين القرارات الدولية من كثرتها هل هذا النص موجود في القرار 1590 ام في 1591 ، وربما يكون موجودا في القرار 1592 هذا ان لم يكن في القرار 1593 ، واصبحنا في حاجة الي مدرس ومترجم ورجل ضليع في القانون ليشرح لنا حيثيات كل قرار وابعاده ، وأنا اشفق علي طبيب الاضراس د.مصطفي عثمان وهو يتعامل مع هذه القرارات المتناثرة عليه كرذاذ المطر .
هذه هي الانقاذ والتي تشبه في فعلها قط ( العطار ) و الذي افني أهل قريتين بسبب التهامه نقطة عسل صغيرة لا تسد الرمق ، والصورة الان قاتمة عن ما تؤول اليه الاحوال في هذا الاقليم ، ولن نستطيع الان ان نفرض علي اهل دارفور نموذجنا في الوطنية السودانية بعد أن أمطرتهم ابابيل الانقاذ بالويل والثبور ، ولن نمنعهم من الاستعانة بكل أطياف المجتمع الدولي بما فيهم اليهود وهم يرون شيوخ المسلمين ومفكريهم يبررون جرائم الاغتصاب والقتل كنوع من الابقاء علي هيبة الدولة الاسلامية ، لم تعد هناك محظورات وخطوط حمر في هذه الحرب والباب مفتوح للجميع ، ومن عنده غيرة علي الاسلام ويكره اليهود فعليه أن يتبرأ من الجنجويد وفظائعهم قبل طرح شعارات التخوين الجوفاء ونسج القصص المزعومة عن التدخلات الاسرائيلية في دارفور .وما ذنب اهل دارفور اذا قرر المنبر اليهودي في أوروبا في أمريكا وبريطانيا ادانة المذابح العرقية في دارفور ومقارنتها بمذابح اليهود علي يد النازيين في الحرب العالمية الثانية ، فالمواطن الاوربي في العمل العام لا يصنف كيهودي أو مسيحي بل يتعامل باللون القومي الذي تتخذه الدولة ، فهو أمريكي وبريطاني قبل أن يكون يهوديا وقصة التصنيف الثقافي للناس وفقا للمذاهب الدينية كما يحدث عندنا في السودان أمر نادر في هذه المجتمعات المتحضرة ، والتعامل مع الدولة اليهودية لا يعتبر جريمة في قوانين الانقاذ والشاهد هو تربع سعادة اللواء معاش الفاتح عروة لمنصب مندوب السودان في الامم المتحدة وهو الذي ارفد للمعين الاسرائيلي 20ألف من يهود الفلاشا من غير أن ينكر ذلك ، وحرب بوش الاخيرة علي الارهاب يعتبرها الاسلاميون حربا لصالح الدولة اليهودية لأنها اسقطت نظم الحكم في دولتين اسلاميتين وهي العراق وافغانستان ولكن المفارقة ان السودان تحت قيادة الانقاذ كان أهم حليف لبوش في هذه الحرب حيث قامت طائراته بنقل الجنرال قوش من الخرطوم الي فرجينيا مقر المخابرات الامريكية وذلك للتشاور من أجل وضع الخطط للحيلولة دون تسلل المقاتلين الي العراق عن طريق دول الجوار الافريقي .
ولقد انتهت حرب الجنوب بتوقيع اتفاق نيفاشا ، و دارفور كما اسلفنا لا زال مستقبلها مجهولا ومن الصعب استعادتها وفق التصور القديم الذي أورث أهلها الترويع والتشرد ، والانقاذ التي تربت علي الحرب وشعاراتها فمن الصعب عليها أن تتعايش مع ثقافة السلام ، والحرب عند الانقاذ فضيلة كبيرة لأنها تبقيهم علي راس السلطة وتمكنهم من قطع رؤوس خصومهم ، والقلق الان ليس علي الغرب أو الجنوب بل الهاجس الكبير الذي يؤرق مضاجعنا ان تنقل الانقاذ حربها الي الشرق الحبيب ، ومن الملاحظ ان الانقاذ تندب لهذه الاقاليم المهمشة ولاة من ضباط الجيش السابقين والذين لهم خبرة في حرب المدن ، فولاية كسلا والبحر الاحمر وغرب دارفور وكردفان كلها كانت تحت ادارة المؤسسة العسكرية مباشرة مع غياب تام للشكل المدني للولاية الذي يهتم بشئون الصحة والبيئة والتعليم ، وفي عام 97 قام اللواء طبيب كبلوا والي الدمازين بتحوبل ميزانية الولاية الفقيرة الي ميزانية حرب ، وحول كل مخصصات الولاية من الصحة والتموين لصالح الجيش من غير أن يرجع للحكومة المركزية .
وقارون الانقاذ الجديد .دكتور الزبير أحمد يحمل معه في كل رحلاته الوعود المعسولة وحبل أماني الكذب القصير ، ولقد وعد أهل البطانة بأنهم سوف يتنقلون بالطائرات عوضا عن الجمال العام القادم ، وهو لا يعلم أن كذبة الامير بلغاء مشهورة كما قال زياد بن أبيه ، وفي ولاية البحر الاحمر أقام النظام احتفالا تحت رعاية د.الزبير احمد بمد خط انابيب المياه من عطبرة الي بورتسودان ، والانقاذ تمن علي أهل الشرق بالماء ولكنها لم تدعوهم لاحتفال مد خط أنابيب البترول من هجيليج وعداريل الي وعاء التصدير الوحيد في السودان ، احتفالات البترول كلها تمت في الخرطوم وشندي والجيلي وما حصدته بورتسودان من الكيكة كانت رصاصات حاتم الوسيلة ، وهذه النهر العظيم الذي افتتحه د.الزبير احمد ثمنه هو دماء اهل الشرق وأنين أوجاعهم ، وان الماء هو أحد أنعم الله ولا يحق لاي انسان أن يدعي ملكيته لسقيا الناس وظمأهم ، ونهرهم العظيم في بورتسودان بدأ بعد مشروع خزان الحماداب ومروي في المنطقة الشمالية ، ان اهل الشرق سددوا بالزيادة لكافة حكومات السودان المختلفة ومن اراد أن يعرف الثمن عليه أن يراجع قوائم الجمارك وأجرة رسو السفن والشحن وعوائد البترول ، والثمن الحي والذي لا ينكره أحد هو اقدام شرطة حاتم الوسيلة علي قنص 20 مواطنا في وضح النهار ، ان الدماء اغلي من الماء الذي تغرفه لنا الانقاذ من نيلينا العظيم وتعتبره صدقة يصب في نصيب حسناتها . والان يستخدم النظام العشائر والقبائل ضد بعضها البعض في سيناريو شبيه بالذي حدث في دارفور ، فهل يدرك اهلنا في الشرق بفطنتهم المورثة وذكائهم الذي لا ينكره أحد بمخطط المؤتمر الوطني الذي احال كل بقاع السودان الي بؤر للنزاع والتقاتل ؟؟ وأنا واثقة ان الشرق لن يكون دارفور أخري ولن تتحول قبائلهم لمهنة السلب والاغتصاب والابادة كما تريد الانقاذ
ولنا عودة
سارة عيسي
[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved