فى اوائل الثمانينات من القرن الماضى وامام قاعة الصداقة بالخرطوم وقف الرئيس السابق جعفر نميرى وكبار رجالات الدولة آنذاك يحيون المسيرة المليونية الشهيرة التى انطلقت من اجل دعم تطبيق الشريعة الاسلامية وكانت الهتافات تنادى بان " لا ولاء لغير الله " و " لاتبديل لشرع الله " و " القرآن دستور الامة " , فى هذه الاثناء قيل ان احد المقربين من النظام نظر الى الرئيس السابق النميرى واومأ براسه وعينيه " وربما همس فى اذنه " مبيناً ان هناك امراً جللاً قد حدث " , وكأنه يقول له " لقد انتهى امرك ياسيادة الرئيس !!" فما عاد الناس يقولون " ابوكم مين " و " ايدناك بايعناك " و " وبالملايين قلناها نعم "..
لقد تحدثت الكثير من اقلام الصحفيين والسياسيين والمراقبين فى الفترات السابقة عن مايسمى بالسودان الجديد وان العهد القديم قد ولى وعلينا ان نجهز انفسنا لعهد جديد لكن السيناريو الذى صاحب عملية التوقيع على اتفاقية الحكومة – التجمع فى القاهرة فى يوم 15 يونيو , ربما يذكر بما حدث فى المسيرة المليونية فهل ياترى سيعود عهد السودان القديم مرة اخرى ونهتف كما كنا " لا سودان بلا فلان " ونعود لننبش ما دفناه ونقول " عاش فلان وعاش ابو فلان " و فى ظل عصر العولمة والمشاركة الذكية والتعاون والانفتاح نعود للوراء ونغلق انفسنا بشعارات " لن نصادق غير فلان " !؟. لا نريد ان نقول " ما اشبه الليلة بالبارحة " ولكن كما يقولون " الله يكضب الشينة ".
تتطلب مرحلة مابعد توقيع اتفاقية السلام فى نيفاشا والقاهرة وابوجا (بمشيئة الله ) الى الدعم التام , الدعم الذكى , وليس الدعم " السكوتى " وذلك بالنسبة لكافة قطاعات المجتمع من سياسيين ومثقفين والعامة على وجه الخصوص والتفكير فى طرق واساليب جديدة للتوفيق بين الافكار والرؤى القديمة والحديثة , التفكير فى طرق جديدة اوآليات لاتهمش رأياً , طرق تلبى رغبات الكل خاصة الذين يحملون افكاراً جديدة تدعو للتغيير لمواكبة العصر والتفاعل مع متطلباته ومعطياته من تكنولوجيا وبسط للديمقراطية وحقوق الانسان والتوازن الاقتصادى , طرق وآليات يكون اسلوبها سهلاً سلساً يستوعب الكل حتى الذين يحملون افكار الزعامات القديمة ومؤيديهم من الحرس القديم والذين نحسب انهم تغيروا واكتسبوا خبرات من خلال وجودهم خارج الوطن واحتكاكهم بالعالم الخارجى طيلة السنين التى قضوها بالخارج والا فانهم لن يستطيعوا استيعاب الجيل الجديد الذى غابوا عنه هذه الفترات , هذا الجيل المتمرد على الافكار القديمة , عليهم ان يدركوا انهم بعودتهم سيجدون اختلافاً كبيراً عن ماتركوه قديما مما يستوجب عليهم البحث عن الكيفية المثلى التى تمكنهم من استيعاب هذا الجيل والا فمصيرهم سيكون كاصحاب الكهف .
____
صلاح الدين حمزة الحسن
لاهاى - هولندا