السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

ماهية وشيجة الشرعية القانونية الدولية بالشرعية الدستورية. بقلم د.موسى الباشا

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
6/21/2005 10:10 م

ماهية وشيجة الشرعية القانونية الدولية بالشرعية الدستورية

إن هذه الدراسة تستهدف ضمن مشمولات أخرى التعريف بماهيتي الشرعية القانونية الدولية و الشرعية الدستورية و تبيان نمط العلاقة التي تربط بينهما، و كذلك دراسة طبيعة التفاعل المتبادل بين الشرعيتين في ظل واقع التكامل و التبعية لا الإستقلال و الندية التي تسم و تحكم علاقاتهما و من ثم تقرر، توجه و تضبط مسارات الأحداث وفقا لإفرازات ثوابت و متغيرات المحيطين الدولي (عالمي-إقليمي) و الذاتي لآحاد الدول و تستهدف الدراسة أيضا مناقشة الإرتباطات و التأثيرات القانونية المباشرة للشرعية الدولية على الرموز الإعتبارية القانونية الدولية و الأشخاص الطبيعيين الذين خصتهم بحقوق و إمتيازات و أثقلتهم بواجبات و إلتزامات، و كذلك أيضا تسعى إلى التعريف بماهيات التبعات التي قد تنجم عن تجاوز أحكامها و تتطلع الدراسة أيضا إلى إحداث إسقاطات أكاديمية قد تعين على بلورة حوار عقلي رشيد يتعاطى بموضوعية مع مبدأ سموء حاكمية الشرعية القانونية الدولية. ثم أختمت الدراسة بخلاصة أجملت في عدد من المحاور.
هذا، سيتم التعاطي مع هذه الموضوعات وفقا للنسق التالي.

الماهية المفاهيمية و الإصطلاحية للشرعية القانونية الدولية و الدستورية

إن الشرعية القانونية الدولية كمفهوم مجرد تعني "المسوغ المقرر لسموء و سيادة أحكام القانون الدولي العام على غيرها من أنساق النظم القانونية الأخرى طبيعية كانت أم وضعية." أما كإصطلاح قانوني فإن الشرعية القانونية الدولية تعني "المكنة القانونية التي بمقتضاها تم تقعيد مبدأ لزوم إنسجام أحكام التشريعات الدستورية لآحاد الدول مع المباديء العامة و القواعد الآمرة للقانون الدولي العام." و في المقابل فإن الشرعية القانونية الدستورية كمعنى مجرد تفيد "المبرر القاضي بسموء أحكام دساتير آحاد الدول على غيرها من أحكام النواميس و الشرائع المعمول بها عرفا في إطار المجالات الإقليمية لتلك الدول." أما كمصطلح قانوني ،فإن الشرعية القانونية الدستورية تعني "ضرورة إتساق و تجانس أحكام التشريعات الفرعية النوعية المجازة من قبل السلطات التشريعية والمباديء الدستورية الموجهة في آحاد الدول."
إن الدارس المتمعن في مضامين الدلالات المفاهيمية و الإصطلاحية القانونية لماهيات النظامين القانونين، و المتأمل في أبعاد المدى التأثيري لأحكام القانونين وفقا لمعطيات معياري شمولية و محدودية المجال الحيوي لتطبيقات أحكامهما ستتجلى له حقيقة طغيان نفوذ الشرعية القانونية الدولية التي تظلل المجتمع الدولي في كليته مقارنة مع محدودية نفوذ الشرعية القانونية الدستورية التي قد لا تتجاوز آثارها في الأصل حيز المجال الإقليمي الوطني للدولة.
إن هذا التعريف الموجز لماهيات النسقين القانونين قد يدفع إلى التساؤل عن منشأ الشرعية القانونية لكل من النظامين القانونين، عليه، و لعموم الفائدة سأفرد الفقرتين التاليتين للتعريف بمصدر الشرعية القانونية لكل من النسقين القانونيين.
إن منشأ الشرعية القانونية الدولية وفقا لآراء فقهاء القانون الدولي العام تتمثل في الفرضيات التالية:-
يرى الفقيه هانس كلسن مؤسس المدرسة العالمية للقانون الدولي إن مضمون القاعدة القانونية العرفية الدولية "باكتا صنت سيرفاندا" و التي تعني سموء حاكمية الإتفاقيات الدولية على التشريعات الداخلية في آحاد الدول تمثل مصدرا للشرعية القانونية الدولية. أما الفقيه لويس لو فير عمدة المدرسة الطبيعية يزعم أن شرعية القانون الدولي العام تنبثق عن واقع مطابقة مبادئه لأحكام القانون الطبيعي. بينما يرى الفقيه جمس قانار عراب المدرسة الوضعية أن الشرعية القانونية الدولية متمصدرة عن إجماع الإرادة الكلية لأعضاء المجتمع الدولي. هذه مجرد مقتبسات مقتضبة أوردتها على سبيل النمذجة تعبيرا عن فرضيات عدة.
أما عن منشأ الشرعية القانونية الدستورية في آحاد الدول يمكن القول أنها تنبثق في معظم الأحيان عن إعمال الإرادة المنفردة للقوى السياسية المتنفذة و المهيمنة التي تمارس سلطة الآمرية في آحاد الدول كانت تلك الهيمنة مرتكزة إلى شرعية القوة القانونية أو إلى شرعية القوة الفعلية. فإستنادا إلى هذه المعطية ينظر دائما إلى هذه الشرعية على كونها شرعية جزئية لا تمثل واقعا إرادة أعضاء المجتمع في كليتها لماذا؟ لأن في غالب الأحايين إن الأحكام العامة أو المباديء الموجهة المقعدة في متون تلك التشريعات الدستورية تعبر دائما و بالضرورة عن مضامين عقائدية أو أيديولوجية تعكس قيم القوى السياسية المتنفذة التي صاغت و قولبت أحكام متون التشريعات الدستورية التي ليست بالضرورة تمثل إسقاطات عقائدية أو فكرية تعكس قناعات و إرادات أعضاء المجتمعات الوطنية في آحاد الدول (نماذج التشريعات الدستورية في الدول الشمولية الدائلة و الآئلة).
إن ظاهرة هيمنة و تفرد قوى سياسية بممارسة مكنة الحاكمية في آحاد الدول إستنادا إلى مسوغ شرعية قوة القوة يمثل في ذاته باعثا إلى تأجيج حدة الصراعات السياسية الأمر الذي قد يفضي في النهاية و في غالب الأحيان إلى توظيف شرعية قوة القوة ذاتها لا شريعة قوة شرعية القانون كآلية لإسقاط النظم التعسفية ذاتها و بالنتيجة تغيير الدساتير أنفسها و إبطال شرعيتها. لذلك تصف الشرعية القانونية الدولية بأنها أصلب عودا من حيث الركوز و الديمومة مقارنة بمؤقتية و حينية الشرعية القانونية الدستورية.
أما عن ماهية العلاقة التي تشج الشرعية القانونية الدولية بالشرعية الدستورية يمكن وسمها بالعلاقة الإنبثاقية، إذ تمثل الشرعية القانونية الدولية مصدر أو منشأ شرعية القوانين الدستورية في آحاد الدول لماذا؟ ذلك لإضفاء القانون الدولي العام خاصية الشرعية القانونية على التشريعات الدستورية من خلال إعتراف أعضاء المجتمع الدولي بالشخصية الإعتبارية القانونية للدولة ذاتها. فوفقا لمنطوق النظرية الإنشائية (كانستتيوتف ثيري). إن صيرورة أي كيان سياسي دولة لا تتحقق إلا بإعتراف أعضاء المجتمع الدولي بكينونة ذلك الرمز السياسي شخصا إعتباريا قانونيا دوليا، ذلك إما تعاطيا مع إعتبارات الأمر الواقع (ستيتص دي فاكتو) أو إستنادا إلى حجية أحكام الشرعية القانونية الدولية ذاتها (ستيتص دي جوري).
هذا، و إستنادا إلى ما تقدم يمكن الزعم بأن إكتساب التشريعات الدستورية لآحاد الدول مكنة الشرعية القانونية أمر رهين تحققه إلا بإصباغ المجتمع الدولي صفة الشخصية القانونية الإعتبارية على الدول أنفسها.لذلك فإن علاقة التكامل،التبعية و الدونية لا الندية و الإستقلالية القائمة بين الشرعية القانونية الدولية و الشرعية الدستورية لا يمكن تفسيرها إلا من منظور علاقة الطرف المانح (المجتمع الدولي) بالطرف المتلقي (آحاد الدول). هذا هو مسوغ سموء أحكام الشرعية القانونية الدولية على أحكام الشرعية القانونية الدستورية. إن خاصية التبعية لا الندية التي تتميز بها علاقة الشرعيتين منبثقة عن حكم عرف قانوني دولي راكزيعتبر التشريعات الدستورية لآحاد الدول بعضا مكملا لأنساق القانون الدولي العام و ليست نظما قانونية مستقلة عنه كلية رغم إعتبار الخصوصيات الموضوعية و الذاتية التي تمايز بين النسقين القانونيين و ذلك للمسوغات التالية:-
أولا
لتماثل علاقة التكامل و التبعية القائمة بين القوانين الدستورية و أنساق التشريعات الفرعية النوعية على صعيد الأقاليم الوطنية لآحاد الدول و معطى التكامل و التبعية القائم بين القانون الدولي العام و التشريعات الدستورية على الصعيد العالمي.
ثانيا
لتماثل مبدأ الرقابة القانونية الدستورية على التشريعات الفرعية النوعية درءا للإنحراف، العسف و الحيدة عن خدمة العدالة على الصعيدين العالمي و الوطني التي هي الغاية المستهدف تحقيقها من وراء إستشراع النواميس القانونية دوليا و محليا.
ثالثا
لتماثل الماهية الوظيفية للنسقين القانونيين التي تتجسد في كونهما آليتين خادمتين لمباديء العدالة تحقيقا للنصفة و صونا لحقوق المجتمع الإنساني، ذلك لكون المجتمعان الدولي و الوطني في النهاية ليسا إلا نموذجين لكيانين يمثل الشخص الطبيعي اللبنة الأساسية في بنيانهما الخلوي البشري.
رابعا
لإعتبار آحاد الدول ليست إلا معطيات عضوية تمثل بعضا من المكون البنيوي لكيان المجتمع الدولي لا قيمة لتواجدها في منعزل عنه، و من ثم فإن تأثيرها و تأثرها رهين بتفاعلها مع غيرها من مكونات المجتمع الدولي إيجابا و سلبا، الأمر الذي يتطلب تكييف سلوكها مع معطيات قوانين البيئة المجتمعية الدولية و ذلك يستوجب بالضرورة إحترام النظام العالمي و من ثم الإذعان و الإمتثال الطوعي لمقررات إرادة المجتمع الدولي التي تعبر عنها الشرعية القانونية الدولية.
أما عن التساؤل المتعلق بالتأثيرات المباشرة للشرعية القانونية الدولية على آحاد الدول يمكن الإجابة عليه بالقول، بأن الشرعية القانونية الدولية المعبر عنها من خلال أحكام الإتفاقيات و المعاهدات الدولية الجماعية و الثنائية قد خصت آحاد الدول بجملة حقوق و إمتيازات مثلما أثقلتها بجملة واجبات و إلتزامات.هذا، وتتمثل تلك الحقوق و الإلتزامات فيما سيأتي بيانه على سبيل النمذجة.
فقد أقرت إتفاقية بوقوتا لعام 1948 في المادة 13 منها على أن "...للدول حق صون هيبتها و إستقلالها..."(1)، و قد أكد إعلان المباديء العامة للقانون الدولي لعام 1970 على هذا الحق بالنص تحت مبدأ السيادة المتساوية بين الدول في الفقرة 3 على الإمتناع عن "...إنتهاك حرمة إقليم الدولة و إستقلالها السياسي."(2) ترجمة للنص من اللغة الإنجليزية. هذا و قد حظرت الفقرة 7 من المادة 2 في الفصل الأول من ميثاق الأمم المتحدة التدخل في الشؤون الداخلية للدول و ذلك بالنص على أن "لا شيء متضمن في الميثاق الحالي يخول الأمم المتحدة التدخل في الأمور التي تقع بالأصل تحت السيادة الداخلية لأية دولة..."(3) ترجمة للنص من اللغة الإنجليزية و قد عزز تحريم التدخل في الشؤون الداخلية للدول بالنص في الفقرة (د) من إعلان مباديء القانون الدولي للعلاقات الودية و التعاون بين الدول لعام 1970.(4) هذا، و في مقابل الحقوق المكفولة فقد أشترطت الشرعية القانونية الدولية واجبات ألزمت الدول بمراعاتها و التقيد بها، فعلى سبيل النمذجة ألزمت الدول بإحترام حقوقها المتساوية، فقد نصت المادة 11 من إتفاقية بوقوتا المشار إليها آنفا على "كل دولة...واجب إحترام حقوق الدول الأخرى وفقا لأحكام القانون الدولي."(5) ترجمة للنص من الإنجليزية و قد أكد على هذا الإلتزام في المبدأ (الثالث) من إعلان المباديء للقانون الدولي المذكور أعلاه.(6) قد حظرت المادة 22 من إتفاقية بوقوتا المشار إليها آنفا إستخدام القوة في العلاقات الدولية.(7) هذا، و قد عزز تحريم اللجوء إلى التهديد أو توظيف القوة في نص الفقرة 4 من المادة 2 في الفصل 1 من ميثاق الأمم المتحدة.(8) هذة جملة من الإلتزامات التي إشترطت الشرعية القانونية الدولية علي آحاد الدول مراعاتها و التقيد بها عند ممارساتها لحقوقها المكفولة قانونا.
و في هذا المقام تجدر الإشارة إلى حقيقة هامة تتعلق بفرط حساسية آحاد الدول عند المساس بأمور تتعلق بالسيادة و الإستقلال الوطني، عليه تقتضي الحيطة بأن يتم التعاطي مع مبدأي السيادة و الإستقلال الوطنيين كمفهومين نسبيين و ليسا مطلقين و ذلك لواقع التخلي الإرادي و التنازل الطوعي لآحاد الدول أعضاء الأمم المتحدة عن بعض صلاحياتها و مكناتها السيادية لكي تمارس وكالة عنها من قبل مؤسسات الشرعية القانونية الدولية التي تتجسد في هيئات المنظمة الأممية سيما مجلس الأمن. فعلي سبيل النمذجة نصت الفقرة 1 من المادة 24 في الفصل 5 من ميثاق الأمم المتحدة على "لكي تؤمن الأمم المتحدة فعل سريع و حاسم، إن أعضائها قد أسندوا إلى مجلس الأمن مسؤولية حفظ السلام و الأمن الدوليين."(9) ترجمة للنص المكتوب بالإنجليزية - عليه و لإنجاز مهمة صون السلام و الأمن الدوليين و وفقا للمنطوق الصريح لنص المادة 25 في الفصل 5 من ميثاق الأمم المتحدة فقد تعهد "أعضاء الأمم المتحدة على قبول و تنفيذ مقررات مجلس الأمن وفقا لأحكام الميثاق الحالي."(10) ترجمة للنص المكتوب بالإنجليزية
إن هذا الإذعان الطوعي بالتقيد و تنفيذ مقررات مجلس الأمن لا يتأتى فهمه إلا في إطار التنازل الإرادي الإختياري عن بعض الصلاحيات السيادية لآحاد الدول أعضاء المنظمة الأممية لتمارس من قبل مؤسسات الشرعية القانونية الدولية، و علاوة على ذلك، فقد ألزمت آحاد الدول أعضاء الأمم المتحدة أنفسها ليس بالتقيد بتنفيذ مقررات مجلس الأمن فحسب بل تعهدت بتقديم مساعدات إلى المنظمة الأممية في كل فعل تتخذه فقد نصت صراحة الفقرة 5 من المادة 2 في الفصل الأول من ميثاق المنظمة الأممية على أن "على جميع الأعضاء تقديم كافة الدعوم للأمم المتحدة في أي فعل تتخذه وفقا لأحكام الميثاق الحالي."(11) ترجمة للنص المكتوب بالإنجليزية وعلاوة على ذلك فإن الدول أعضاء الأمم المتحدة قد وافقوا صراحة أيضا على قبول الإستثناء الذي بمقتضاه قد منحت المنظمة الأممية كافة الصلاحيات لأنتهاك حرمة سياداتهم الوطنية لأنجاز أية تدابير عملية تنفيذا لأحكام الباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة، فقد نصت الفقرة 7 من المادة 2 في الفصل الأول من الميثاق على "لا شيء متضمن في الميثاق الحالي يخول الأمم المتحدة التدخل في الشؤون الداخلية للدول...لكن هذا المبدأ لا يجب أن يضر بإنجاز التدابير التنفيذية تحت الباب السابع."(12) ترجمة للنص المكتوب بالإنجليزية.
إستنادا إلي واقع هذه التنازلات الإرادية الخطية عن بعض مشمولات السيادة و الإستقلال الوطنيين يصبح الجدل حول قدسية حرمة السيادة و الإستقلال الوطنيين شططا و لغوا لا طائل منه. فمما تقدم عرضه تتجلى وقائع التأثيرات المباشرة للشرعية القانونية الدولية على آحاد الدول.
أما فيما يتعلق بالتأثيرات المباشرة للشرعية القانونية الدولية على الأشخاص الطبيعيين يمكن الزعم بأنها ضمن تجليات أخرى تتمظهر فيما سيأتي بيانه.
إذ أنه مع بدايات العقد الخامس من القرن العشرين المنفرط أصبح الشخص الطبيعي موضوعا محوريا لأحكام قانون الشعوب و ذلك لصيرورة مبدأ "الإعتبارات الإنسانية" (كانسدريشن اوف هيومانتي) مصدرا إستثنائيا لأحكام القانون الدولي العام ذلك إقرارا و إعترافا بسموء القيم الإنسانية العليا التي تجسد قدسية إنسانية الكائن البشري ليس لكونه محلا ماديا تطاله أحكام القانون الدولي بل إنما لطبيعته الناسوتية التي تتجلى فيها روح الله (و إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون 28 فإذا سويته و نفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين 29 الآيتان) (13). فقد أبرمت إتفاقيات قانونية دولية قعدت أحكامها صونا لحقوق الشخص الطبيعي و حمايته من و يلات النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على حد سواء .فقد نصت الفقرة 1 من المادة 3 من إتفاقية فينا لحماية الأفراد المدنيين زمن الحرب المبرمة في عام 1949 على أن "الأشخاص الذين لم يشاركوا في أعمال العدوان بما فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم ...تجب معاملتهم بإنسانية..."(14) ترجمة للنص المكتوب بالإنجليزية، وتحظر الفقرة 2 من المادة 3 من الإتفاقية المذكورة أعلاه إمتهان كرامة الفرد و تحقيره إبان النزاعات المسلحة (15)، و عززت هذه الحصانة الفقرة 1 من المادة 3 من إتفاقية فينا لمعاملة سجناء الحرب لعام1949 (16)، و قد أكدت الفقرة 1 من المادة 11 من البروتوكول الإضافي الأول لإتفاقية فينا لعام 1977 على الحماية البدنية العقلية و الصحية للأشخاص الطبيعيين ضحايا الصراعات المسلحة (17)، و قد كفلت الفقرة 1 من المادة 13 من البروتوكول الإضافي الثاني لإتفاقية فينا ضمان صون سلامة الأفراد و ذلك بالنص على أن" ...الأفراد المدنيون لهم حق التمتع بالحماية العامة ضد الأخطار التي تنجم عن العمليات العسكرية..."(18) ترجمة للنص من الإنجليزية. أما الفقرة 1 من المادة 4 في الجزء الثاني من البروتوكول الإضافي الثاني لإتفاقية فينا لعام 1977 أوجبت توقير ذوات الأفراد الذين لم يشاركوا في أعمال العدوان إبان النزاعات المسلحة و إحترام قناعاتهم و معتقداتهم.(19)
إن الحياة، الحرية و الأمن الشخصي كقيم و حقوق مقدسة قد كفلتها الشرعية القانونية الدولية وتعهدت برعايتها أحكام المباديء العامة لقانون الشعوب كحقوق أساسية للإنسان، فقد نصت المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 على أن "لكل فرد حق الحياة، الحرية و الأمن الشخصي."(20) ترجمة للنص من الإنجليزية. و قد عزز حق الشخص الطبيعي في الحياة نص الفقرة 1 من المادة 4 من الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان لعام 1969 بالنص على "حياة الشخص يجب أن تصان و تحترم."(21) ترجمة للنص من الإنجليزية، و قد أكد على حق الفرد في الحياة أيضا في المادة 6 في الجزء الثالث من الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية لعام 1976 و ذلك بالنص على "كل كائن بشري له حق الحياة يجب أن يصونه القانون و لا أحد يحرم جزافا حقه في الحياة."(22) ترجمة للنص من الإنجليزية. هذا، و قد عزز أيضا حق الفرد في الحياة في متن المادة 4 في الفصل الأول من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب لعام 1986 و ذلك بالنص على "...حياة الكائن البشري يجب تبجيلها."(23) ترجمة للنص من الإنجليزية.
إن الذاتية القانونية للفرد كقيمة معنوية أيضا قد صانتها الشرعية القانونية الدولية، فقد نصت المادة 3 من الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان المشار إليه أعلاه على أن "لكل شخص ذاتية قانونية معترف بها."(24) ترجمة للنص من الإنجليزية. و قد أكد على حماية الشخصية القانونية للفرد في متن المادة 6 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المذكور أعلاه و ذلك بالنص على أن "لكل فرد حق الإعتراف به كشخص أمام القانون."(25) ترجمة للنص من الإنجليزية.
هذا، و قد كفلت الشرعية القانونية الدولية و صانت حرية الوجدان ، الفكر و العقيدة، فقد نصت المادة 5 من الإعلان العالمي للحقوق المدنية و السياسية المشار إليه أعلاه على أن "لايخضع أي شخص للتعذيب، القسوة، الحقرة أو لعقوبة أو لمعاملة لا إنسانية".(26) ترجمة للنص من الإنجليزية.
هذا، و قد أكد على حظر المعاملة اللآ إنسانية في متن الفقرة 2 من المادة 5 من الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان المذكور أعلاه.(27)
هذا، و قد صانت أحكام المباديء العامة للشرعية القانونية الدولية حق الملكية الخاصة للفرد و أمنت حمايتها، فقد نصت الفقرة 1 من المادة 17 من الإعلان العالمي للحقوق المدنية و السياسية المشار إليه آنفا على أن "لكل فرد حق التملك منفردا أو شركة مع الغير."(28) ترجمة للنص من الإنجليزية.
هذا، و قد حظرت الفقرة 2 من المادة 17 من الإعلان العالمي للحقوق المدنية و السياسية المذكور أعلاه النزع التعسفي لممتلكات الأفراد و ذلك بالنص على أن "لا أحد يحرم من ملكيته تعسفا."(29) ترجمة للنص من الإنجليزية.
هذا، و في مقابل هذه الحقوق و الإمتيازات قد أشترطت الشرعية القانونية الدولية أيضا جملة من الواجبات ألزم الشخص الطبيعي بمراعاتها و التقيد بها عند ممارساته لحقوقه و إمتيازاته. ففي غير تفصيل تحاشيا الإطالة سأورد المحددات التالية كشروط قيدية تحد من صلاحيات الأشخاص الطبيعيين عند ممارساتهم لحقوقهم التي كفلتها لهم الشرعية القانونية الدولية.فعلى سبيل النمذجة نصت الفقرة 2 من المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المشار إليه أعلاه على "عند ممارسة هذه الحقوق و الحريات، على كل فرد التقيد بمحددات القانون فقط إحتراما و صونا لحقوق و حريات الآخرين، النظام و الرفاه العام في مجتمع ديموقراطي."(30) ترجمة للنص من الإنجليزية.هذا، و قد أوردت أيضا الفقرة 1 من المادة 32 من الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان السالف الذكر قيودا على ممارسة الأفراد الطبيعيين حقوقهم و إمتيازاتهم و ذلك بالنص على أن "كل فرد ملزم بواجبات تجاه أسرته، مجتمعه و الإنسانية."(31) ترجمة للنص من الإنجليزية. هذا، و كذلك أيضا أوجبت الفقرة 2 من المادة 32 من الميثاق الأمريكي المذكور أعلاه محددات تقيد إرادات الأفراد عند ممارساتهم لحقوقهم و ذلك بالنص على "حقوق كل فرد مقيدة بحقوق الآخرين،بأمن المجتمع و مقتضيات الرفاه العام في مجتمع ديموقراطي."(32) ترجمة للنص من الإنجليزية. هذا، و في ذات السياق أثقلت الفقرة 1 من المادة 27 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب المشار إليه إعلاه الأفراد الطبيعيين بإلتزامات تقيد إراداتهم عند ممارساتهم لحقوقهم و إمتيازاتهم و ذلك بالنص على "كل فرد ملزم بواجبات حيال أسرته، مجتمعه، الدولة، و مجتمعات معترف بها قانونا و المجتمع الدولي."(33) هذا، و نصت أيضا الفقرة 2 من المادة 27 من الميثاق الأفريقي المذكور على أن "حقوق و حريات كل فرد يجب ممارستها في إتساق و حقوق الآخرين، الأمن الجماعي، القيم والصالح العام."(34) ترجمة للنص من الإنجليزية.
مما تقدم عرضه من نماذج تتجلى التأثيرات المباشرة للشرعية القانونية الدولية على الأشخاص الطبيعيين. هذا ،فعلى الرغم من التباينات الموضوعية و الذاتية التي تمايز بين الدولة و الفرد من جهة، و عدم تماثل التكييف القانوني لماهية طبيعة الشخصية الإعتبارية القانونية لآحاد الدول و الأشخاص الطبيعيين كمخاطبين بأحكام القانون الدولي العام تتأثر إراداتهم إيجابا و سلبا بحاكمية الشرعية القانونية الدولية المعبر عنها من خلال أحكام المباديء العامة للقانون الدولي العام.
هذا، و تجدر الإشارة هنا إلى أن أية تجاوزات أو خروقات تغترف من قبل آحاد الدول أو الأشخاص الطبيعيين لأحكام قانون الشعوب التي تحظر ممارسة أفعال مجرمة عينتها بذواتها، عرفتها بمسمياتها أو حددتها بصفاتها تستوجب فرض جزاءات قانونية تكفلت الإرادة الجماعية لأعضاء المجتمع الدولي بفرضها و تنفيذها وفقا ومقتضيات موجهات أحكام الشرعية القانونية الدولية. (أنظر على سبيل النمذجة نصوص المواد 5 و 6 في الفصل الثاني و المادة 42 و ما بعدها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة).
هذا، سأورد على سبيل النمذجة بعضا من جملة الأحكام القانونية الدولية الجزائية التي يمكن بمقتضاها مسائلة و من ثم مؤاخذة الأشخاص الطبيعيين عن أفعال مجرمة خططوا لها، حرضوا على إرتكابها، أو تجاهلوا وقائع تنفيذها، شاركوا، ساهموا أو ضلعوا في إغترافها.
أولا
ميثاق منع والمعاقبة على جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948
نصت المادة 4 من الميثاق المشار إليه أعلاه على أن "الأشخاص الذين أغترفوا جريمة الإبادة الجماعية...تجب معاقبتهم كانوا دستوريا حكاما مسؤولين، موظفين عموميين أو أفرادا عاديين."(35) ترجمة للنص من الإنجليزية.
ثانيا
مباديء التعاون الدولي لضبط ، القبض على، ترحيل و معاقبة الأشخاص المدانون في جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية 1973.
فقد نصت المادة 5 من مباديء التعاون الدولي المذكور آنفا على أن "الأشخاص الذين أثبت البينة إغترافهم جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية تجب محاكمتهم..."(36) ترجمة للنص من الإنجليزية.
ثالثا
النظام الأساسي للمحكمة الدولية العسكرية (نور-إمبرج) لعام 1945.
فقد نصت المادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية العسكرية المنوه عنه على أن "المحكمة قد أنشأت...لأجل محاكمة و معاقبة...أشخاصا بصفاتهم أفرادا أو أعضاء في منظمات إغترفوا إحدى الجرائم التالية (أ) جرائم ضد السلام...(ب) جرائم حرب...(ج) جرائم ضد الإنسانية..."(37) ترجمة للنص من الإنجليزية.
رابعا
النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة لعام 1993 المعدل في 1998.
فقد نصت الفقرة 1 من المادة 4 من النظام الأساسي المنوه عنه على أن "للمحكمة الدولية صلاحية محاكمة الأشخاص الذين إرتكبوا جرائم الإبادة الجماعية كما عرفتها الفقرة 2 من هذه المادة، أو لإغترافهم أفعالا أخرى عددت في الفقرة 3 من هذه المادة. (38) ترجمة للنص من الإنجليزية.
هذا، و قد أكدت أيضا المادة 5 من النظام الإساسي للمحكمة المذكورة على أن "للمحكمة الدولية صلاحية محاكمة الأفراد المسؤولين عن الجرائم التالية سواءا أغترفت إبان نزاع مسلح دولي أو غير دولي ضد أشخاص مدنيين (أ) القتل (ب) الإبادة (ج) الإسترقاق (د) الترحيل (ه) الحبس (و) التعذيب (ح) الإغتصاب (ط) المحاكمة على أسس سياسية، عرقية أو دينية (ك) أو أفعال أخرى لا إنسانية".(39) ترجمة للنص من الإنجليزية.
خامسا:
النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا 1994.
نصت الفقرة 1 من المادة 2 من النظام الأساسي للمحكمة المنوه عنها على أن "للمحكمة الدولية لروندا صلاحية محاكمة الأشخاص الذين أغترفوا جرائم الإبادة الجماعية كما حددتها الفقرة 2 من هذه المادة..."(40) ترجمة للنص من الإنجليزية.
سادسا:
النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998.
إستنادا إلى المنطوق الصريح لمتن المادة 1 من النظام الأساسي المشار إليه أعلاه الذي ينص على أن "المحكمة الجنائية الدولية...لها صلاحية ممارسة سلطاتها على الأشخاص الذين أغترفوا أكثر الجرائم ترويعا...كما أشير إليها في هذا الميثاق..."(41) ترجمة للنص من الإنجليزية.
هذه نماذج مقتضبة لبعض أحكام الشرعية القانونية الدولية التي بمقتضاها يمكن مسائلة و من ثم مؤاخذة الأشخاص الطبيعيين حالة تجاوزهم لأحكام المباديء العامة لقانون الشعوب.
أما فيما يتعلق بالإسقاطات التي تتطلع الدراسة إلى إحداثها تزخيما للحوار العقلي الذي يتمحور حول موضوعة الشرعية القانونية الدولية سأستعرض بإقتضاب المحاور التالية:
أول:
الدفع بسموء الشرعية القانونية الدستورية.
إن الدفع بمبررسموء حاكمية الشرعية القانونبة الدستورية داخل الإقليم الوطني لآحاد الدول على غيره من أنساق القوانين الدولية إتفاقية كانت أم عرفية ذريعة واهية لا حجية لأية أسانيد قانونية تدعمها، ذلك لسموء أحكام الشرعية القانونية الدولية على غيرها من أنماط النواميس الأخرى دستورية كانت أم تشريعات فرعية نوعية معمول بها في المجالات الإقليمية الوطنية لآحاد الدول و ذلك إعمالا للمنطوق الصريح لمضمون القاعدة العرفية القانونية الدولية (باكتا صنت سيرفاندا) التي تعني سموء حاكمية الإتفاقيات و المعاهدات الدولية.
ثانيا:
الدفع بقانونية اللافعل أو الفعل المغترف وفقا لأحكام الشرعية القانونية الدستورية.
إن ثمة أفعال تعد ممارستها مشروعة وفقا لأحكام التشريعات الوطنية لآحاد الدول داخل إطار أقاليمها، إلا أن ذات الممارسات قد تعد أفعالا مجرمة وفقا لأحكام الشرعية القانونية الدولية .فعلى سبيل النمذجة إن حرمان أي فرد حقه في الحياة يعد في ذاته فعلا محرما و مجرما من قبل الشرعية القانونية الدولية التي ألغت شرعية حكم الإعدام على وجه الإطلاق .عليه، فإن الدفع بذريعة قانونية إباحة دماء المحاربين الذين قبض عليهم غلبة وفقا لأحكام الحدود الشرعية تعد وفقا لأحكام الشرعية القانونية الدولية دعوى لا تسندها و من ثم لا تجيزها أحكام المباديء العامة للقانون الدولي العام المعبر عن الشرعية القانونية الدولية.
ثاثا:
الدفع بالحصانة الدستورية للممثلين الرسميين للدولة.
إن مبرر تمتع ممثلو آحاد الدول بإمتيازات و مزايا الحصانات القانونية كانت منبثقة عن أحكام التشريعات الدستورية أو مستمدة من حاكمية الشرعية القانونية الدولية المتمثلة في أحكام الإتفاقيات الدولية الفنية كإتفاقيتي فينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961 و إتفاقية فينا للعلاقات القنصلية لعام 1963 أوإتفاقيات عامة كانت جماعية أو ثنائية كمسوغات شرعية تحصن و من ثم تمنع (تحت شروط معينة) الممثلين الرسميين لآحاد الدول من أن تطالهم سلطة القانون الدولي العام أو أحكام التشريعات الوطنية المعمول بها في مجالات الأقاليم الوطنية لآحاد الدول عند إغترافهم أفعال مجرمة قانونا هو مبررات وظيفية موضوعية أكثر منها شخصية ذاتية. إلا أنه يجب الأخذ في الإعتبار المسلمة التالية و هي أن هذه الحصانات القانونية يستثنى عن أحكامها و على وجه الخصوص الجرائم التي تعتبر خاصة في طبيعتها.فقد ورد في صدرالمادة 1 من ميثاق عدم تطبيق المحددات الدستورية على جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية لعام 1968 ما نصه "لا محدد دستوري يمكن إعماله حيال الجرائم التالية...(أ) جرائم الحرب كما عرفت في النظام الأساسي للمحكمة العسكرية الدولية (نورإمبرج) لعام 1945 المؤكد عليه بقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3(1) الصادر في 13 فبراير من عام 1946 و القرار رقم 95 (1) الصادر في 11 ديسمبر من عام 1946...(ب) جرائم ضد الإنسانية أرتكبت في زمن الحرب أو السلم..."(42) ترجمة للنص من الإنجليزية.
رابعا:
الدفع بإستلاب الإرادة إذعانا لقانون وجوب الإئتمار لأوامر القيادة العليا.
إن الدفع بذريعة إستلاب إرادة التقرير بأن الفعل المجرم قانونا قد أغترف في إطار ممارسة مهام الوظيفة الرسمية تنفيذا لأوامر القيادة العليا تعد حجة باطلة لا تعفي مرتكب الفعل عن المسآئلة و من ثم الجزاء القانوني، فقد نصت المادة 7 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية العسكرية (محكمة نور أمبرج) على "أن الوظيفة الرسمية للمتهمين كانوا رؤساء دول أو مسؤولين رسميين في مصالح حكومية لا تعفيهم عن مسؤولياتهم أو تخفف عنهم العقوبات." ترجمة للنص من الإنجليزية. وفي ذات السياق نصت المادة 8 من ذات النظام الأساسي المذكور أعلاه على "أن واقعة المتهم قد تصرف وفقا لأوامر و تعليمات حكومته أو رئيسه الأعلى لا تعفيه عن المسؤولية، و لكن ربما قد تؤخذ في الإعتبار لتخفيف العقوبة إذا إرتأت المحكمة أن ذلك يحقق العدالة." ترجمة للنص من الإنجليزية.(43)
خامسا:
الدفع بعدم الإحاطة بملابثات ووقائع أحداث إغتراف جرائم الحرب و الإبادة الجماعية.
إن الدفع بجهل المسؤولين الرسميين في الدولة بمجريات الأحداث داخل إقليم الدولة يعد دفعا بالجهل بالقانون الذي يفترض عالمية أهل الحاكمية بمسؤولياتهم المطلقة تجاه أمن و سلامة مواطنيهم، عليه فإن فالجهل بالقانون لا يعفي عن العقوبة.
سادسا:
الدفع بذريعة عجز الدولة عن حفظ النظام العام و تأمين الأمن الوطني لأسباب تتجاوز قدراتها الفعلية.
إن الدفع بالعجز و فقدان القدرة العملية على إمضاء حكم القانون و بسط نفوذ و حاكمية الشرعية الدستور بكافة الوسائل القانونية بما في ذلك التوظيف المشروع للقوة المادية للدولة يعد ذريعة واهية و ذلك للنص الصريح في متن الفقرة 3 من المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 الذي يؤكد على مسؤولية الحكومة بلا تحفظات أو إستثناءات فقد ورد مايأتي "لا شيء في الفقرة 2 (د)...يؤثر على مسؤولية الحكومة في صون أو ترسيخ حكم القانون و النظام في الدولة أو الدفاع عن وحدة و تماسك إقليم الدولة بكافة الوسائل المشروعة."(44) ترجمة للنص من الإنجليزية.
إن زبدة ما تقدم من جدل حول ماهية علاقة الشرعية القانونية الدولية بالشرعية القانونية الدستورية تتمحور في البدهية التالية التي مفادها أن فقهاء القانون الدولي العام و القانون الدستوري قد تواضعوا فيما بينهم على ما يسمونه "بمشكل تنازع القوانين" على الصعيدين الدولي العالمي و الوطني المحلي هو ما يجسده واقعا الصراع المحتدم أواره بين حاكمية الشرعية القانونية الدولية التي يظاهرها و يعاضدها المجتمع الدولي عبر مؤسساته و الشرعية الدستورية التي لا تسندها إلا إرادة الدولة الطرف في النزاع. إذن فهو صراع ليس بالندي بين دولة و أخرى و إنما صراع بين المجتمع الدولي و أحد أعضائه. عليه، لكي تصون الدولة الطرف في النزاع سيادتها و إستقلالها الوطنيين ليس أمامها من خيار إلا الإذعان الإرادي الطوعي لأحكام الشرعية القانونية الدولية و ذلك بإتخاذها التدابير الإجرائية العملية التي تخول مؤسساتها السيادية ممارسة ولايتها القانونيةعلى مواطنيها الذين ألصقت بهم شبهة إغتراف جرائم الإبادة الجماعية و جرائم ضد الإنسانية و ذلك بإعمال أحكام الشرعية الدستورية للدولة ذاتها تنفيذا لأحكام الشرعية القانونية الدولية، إذ نصت المادة 2 من المباديء الدولية للتعاون لضبط، القبض، ترحيل و معاقبة الأشخاص المدانون في جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية لعام 1973 على أن "لكل دولة حق محاكمة مواطنيها عن جرائم حرب ضد الإنسانية."(45) ترجمة للنص من الإنجليزية. و قد أكدت المادة 6 من ميثاق منع و معاقبة (مغترفي) جريمة الإبادة الجماعية المعمول به منذ 12 يناير من عام 1951 علي ذات المبدأ و ذلك بالنص على أن "الأشخاص الذين أتهموا (بإغتراف ) جريمة الإبادة الجماعية أو أفعال عددت في المادة 3 تجب محاكمتهم (أمام ) محكمة مختصة في الدولة التي أغترفت الجرائم في إقليمها."(46) ترجمة للنص من الإنجليزية. هذا، و إلا أكرهت الدولة الطرف في النزاع و حملت قسرا على الإذعان لإرادة قوة شرعية الشرعية القانونية الدولية عبر مؤسسات المجتمع الدولي المخولة قانونا فرض أحكامها و التي على رأسها مجلس أمن المنظمة الأممية.
هذا، و تختتم الدراسة هذا الجدل بالخلاصة المجملة في المحاور التالية:
أولا:
إن جوهر طبيعة علاقة الشرعية القانونية الدولية بالشرعية القانونية الدستورية هي وشيجة تكاملية يحكمها مبدأ التبعية لا الندية، و ذلك لواقع إنبثاق قانونية الشرعية الدستورية عن الشرعية القانونية الدولية عبر إضفاء المجتمع الدولي صفة الشخصية الإعتبارية القانونية الدولية على الدولة ذاتها المستشرعة للقانون الدستوري.
ثانيا:
إن الشرعية القانونية الدولية لإنبثاقها و من ثم تعبيرها عن إرادة المجتمع الدولي في كليته تتمتع أحكامها بالسمؤ السيادي على غيرها من أنساق النظم القانونية الأخرى وضعية ،عرفية كانت أم طبيعية.
ثالثا:
إن الجهة المكلفة بصون و حماية، و المخولة بتنفيذ أحكام الشرعية القانونية الدولية (في الأصل) هي المؤسسات الشرعية للمجتمع الدولي و ليس المؤسسات القانونية الدستورية لآحاد الدول إلا إذا خولت الأخيرة صراحة أو ضمنا تلك الصلاحيات إستثناءا من قبل جهات الإختصاص في مؤسسات الشرعية الدولية، أو منحت سلطات آحاد الدول محاكمها الوطنية صلاحية التقرير في جرائم الحرب و الإبادة الجماعية.
رابعا:
إن السيادة و الإستقلال الوطنيين كمعطيين سياسيين-قانونيين ليسا إلا مفهومين نسبيين لا مطلقين، و ذلك لواقع تقيد إرادات آحاد الدول بالإذعان لحاكمية الشرعية القانونية الدولية (سيما مؤسسات المنظمة الأممية).
خامسا:
إن حاكمية و من ثم التأثيرات المباشرة للشرعية القانونية الدولية ليست وقفا على الدول أعضاء المجتمع الدولي بل تطال أيضا آحاد الأفراد كأشخاص طبيعيين قانونين ذلك لتقريرها لهم حقوقا وإمتيازات و لإثقالها لهم بجملة إلتزامات و واجبات.

بروفسور دكتور /موسى الباشا
أستاذ القانون الدستوري و النظم السياسية .

[email protected]


هوامش الدراسة:

1. أنظر إتفاقية بوقوتا لعام 1948 المادة 13.
2. أنظر إعلان المباديء العامة للقانون الدولي للعلاقات الودية و التعاون بين الدول لعام 1970 الفقرة 3.
3. أنظر ميثاق الأمم ا لمتحدة الفقرة 7 من المادة 2.
4. أنظر إعلان المباديء العامة للقانون الدولي المنوه عنه آنفا الفقرة (د).
5. أنظر إتفاقية بوقوتا المذكورة أعلاه المادة 11.
6. أنظر إعلان المباديء العامة للقانون الدولي للتعاون الودي المنوه عنه آنفا الفقرة (د).
7. أنظر إتفاقية بوقوتا الآنفة الذكر المادة 22.
8. أنظر ميثاق الأمم المتحدة الفقرة 4 من المادة 2.
9. أنظر ميثاق الأمم المتحدة الفقرة 1 من المادة 24.
10. أنظر ميثاق الأمم المتحدة المادة 25.
11. أنظر ميثاق الأمم المتحدة الفقرة 5 من المادة 2.
12. أنظر ميثاق الأمم المتحدة الفقرة 7 من المادة 2.
13. أنظر سورة الحجر الآيتين 28،29. فيما يتعلق بالإعتبارات الإنسانية كمصدر إستئناسي للقانون الدولي العام أنظر إيان براونلي/مباديء القانون الدولي العام /الطبعة الخامسة ص28،29 إصدارات مطبعة جامعة أوكسفورد لعام 1998 باللغة الإنجليزية.
14. أنظر إتفاقية فينا لحماية الأفراد المدنيين زمن الحرب لعام 1949 الفقرة 1 من المادة 3.
15. أنظر إتفاقية فينا المنوه عنها أعلاه الفقرة 2 من المادة 3.
16. أنظر إتفاقية فينا لمعاملة سجناء الحرب لعام 1949 الفقرة 1 من المادة 3.
17. أنظر البروتوكول الإضافي الأول لإتفاقية فينا لعام 1977 الفقرة 1 من المادة 11.
18. أنظر البروتوكول الإضافي الثاني لإتفاقية فينا لعام1977 الفقرة 1 من المادة 13.
19. أنظر البروتوكول الإضافي الثاني المنوه عنه أعلاه الفقرة 1 من المادة 4.
20. أنظر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 المادة 3.
21. أنظر الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان لعام 1969 الفقرة 1 من المادة 4.
22. أنظر الميثاق العالمي للحقوق المدنية و السياسية لعام 1976 المادة 6.
23. أنظر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب لعام 1986 المادة 4.
24. أنظر الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان المذكور أعلاه المادة 3.
25. أنظر المادة 6 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المنوه عنه أعلاه.
26. أنظر الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية المذكور أعلاه المادة 5.
27. أنظر الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان السالف الذكر الفقرة 2 من المادة 5.
28. أنظر الإعلان العالمي للحقوق المدنية و السياسية المنوه عنه آنفا الفقرة 1 من المادة 17.
29. أنظر الإعلان العالمي للحقوق المدنية والسياسية السالف الذكر الفقرة 2 من المادة 17.
30. أنظر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المنوه عنه آنفا الفقرة 2 من المادة 29.
31. أنظر الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان السالف الذكر الفقرة 1 من المادة 32.
32. أنظر الميثاق الأمريكى لحقوق الإنسان المنوه عنه أعلاه الفقرة 2 من المادة 32.
33. أنظر الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب السالف الذكر الفقرة 1 من المادة 27.
34. أنظر الميثاق الأفريقي السالف الذكر 2 من المادة 27.
35. أنظر ميثاق منع و المعاقبة على جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 المادة 4.
36. أنظر مباديء التعاون الدولي لضبط، القبض،ترحيل و معاقبة الأشخاص المدانون في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لعام 1973 المادة 5.
37. أنظر النظام الأساسي للمحكمة الدولية العسكرية (نور إمبرج) لعام 1945 المادة 6.
38. أنظر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة لعام 1993 المعدل في عام 1998 الفقرة 1 من المادة 4.
39. أنظر أيضا المادة 5 من ذات النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا المذكورة أعلاه.
40. أنظر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لروندا لعام 1994 الفقرة 1 من المادة 2.
41. أنظر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 المادة 1.
42. أنظر ميثاق عدم تطبيق المحددات الدستورية على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية لعام 1968 المادة 1. أنظر أيضا قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3 (1) الصادر في 13 من فبراير من عام 1946 و القرار رقم 95 (1) الصادر في 11 من ديسمبر من عام 1946.
43. لمزيد من التفاصيل أنظر المادتين 7،8 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية العسكرية (محكمة نور أمبرج) 8 من أغسطس من عام 1945.
44. أنظر النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 الفقرة 3 من المادة 8.
45. أنظر المباديء الدولية للتعاون لضبط،القبض، ترحيل و معاقبة الأشخاص المدانون في جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية لعام 1973 المادة 2.
46. أنظر المادة 6 من ميثاق منع معاقبة (مغترفي) جريمة الإبادة الجماعية المعمول به منذ 12 يناير من عام 1951.


Bibliography


Charter of the United Nations and Statute of the International Court of Justice. New York: UN Department of Public Information.

Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of Genocide. Approved and proposed for signature and ratification or accession by UN General Assembly resolution 260 A (III) of 9 December 1948; entry into force 12 January 1951, in accordance with article XIII. Available at URL: http://wwwhrweb.org/legal/genocide.html

Geneva Convention relative to the Treatment of Prisoners of War. Adopted 12 August 1949 by the Diplomatic Conference for the Establishment of International Conventions for the Protection of Victims of War, held in Geneva 21 April to 12 August 1949; entry info force 21 October 1950. Available at URL: http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/91.htm

Geneva Convention relative to the Protection of Civilian Persons in Time of War. Adopted 12 August 1949 by the Diplomatic Conference for the Establishment of International Conventions for the Protection of Victims of War, held in Geneva 21 April to 12 August 1949; entry info force 21 October 1950.

Protocol Additional to the Geneva Conventions of 12 August 1949, and relating to the Protection of Victims of International Armed Conflicts (Protocol I). Adopted 8 June 1977 by the Diplomatic Conference on the Reaffirmation and Development of International Humanitarian Law applicable in Armed Conflicts; entry into force 7 December 1979, in accordance with Article 95.

Protocol Additional to the Geneva Conventions of 12 August 1949, and relating to the Protection of Victims of Non-International Armed Conflicts (Protocol II). Adopted 8 June 1977 by the Diplomatic Conference on the Reaffirmation and Development of International Humanitarian Law applicable in Armed Conflicts; entry into force 7 December 1978, in accordance with Article 23.

UN General Assembly Resolution 96(I), The Crime of Genocide, December 11, 1946. Available at URL: http://www.armenian-genocide.org/Affirmation.227/current_category.6/affirmation_detail.html

Constitution of the International Military Tribunal. Nuremberg Trial Proceedings Vol.1, The Avalon Project at Yale Law School. Available at URL: http://www.yale.edu/lawweb/avalon/imt/proc/imtconst.htm

UN General Assembly Resolution 95-3(I), Extradition and Punishment of War Criminals, 1946.

Amended Statute of the International Tribunal for the Prosecution of Persons Responsible for Serious Violations of International Humanitarian Law Committed in the Territory of the Former Yugoslavia since 1991.
Statute of the International Criminal Tribunal for Rwanda, as amended. Available at URL: http://www.ictr.org/ENGLISH/basicdocs/statute.html

Declaration of Principles of International Law Concerning Friendly Relations and Co-operation among States in Accordance with the Charter of the United Nations. UNGA Res.2625 (XXV), UN GAOR, 25th Sess., Supp. No. 28, at 121, UN Doc. A/8028 (1971), adopted by consensus 24 October 1970. Available at URL: http://www.dal.ca/~wwwlaw/kindred.intllaw/friendlyrelations.htm

Charter of the Organization of American States. Signed 30 April 1948 at Bogota, Colombia and amended in 1967, 1985, 1992 and 1993.

Vienna Convention on Diplomatic Relations, 1961. Available from the United Nations International Law Commission.
Vienna Convention on Consular Relations and Optional Protocols. U.N.T.S. Nos. 8638-8640, vol. 596, pp. 262-512. Vienna: 24 April 1963. Available from the United Nations International Law Commission.

Vienna Convention on the Law of Treaties. Signed at Vienna 23 May 1969; entry into force 27 January 1980.

Convention on the Non-Applicability of Statutory Limitations to War Crimes and Crimes Against Humanity. UN General Assembly resolution 2391 (XXIII) 26 November 1968; entry into force 11 November 1970, in accordance with article VIII. Available at URL: http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/p_limit.htm

Principles of international co-operation in the detection, arrest, extradition and punishment of persons guilty of war crimes and crimes against humanity. UN General Assembly resolution 3074 (XXVIII) 3 December 1973. Available at URL: http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/p_extrad.htm

Universal Declaration of Human Rights. UN General Assembly resolution 217 A (III) 10 December 1948. Available at URL: http://www.unhchr.ch/udhr/lang/eng.htm

Rome Statute of the International Criminal Court. Included in: “Final Act of the United Nations Diplomatic Conference of Plenipotentiaries on the Establishment of an International Criminal Court.” Rome: 17 July 1998. (UN Doc. A/CONF.183/10*) Available at URL: http://www.un.org/law/icc/statute/final.htm

International Covenant on Economic, Social and Cultural Rights. UN General Assembly resolution 2200A (XXI) 16 December 1966, entry into force 3 January 1976, in accordance with Article 27. Available at URL: http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/a_cescr.htm

International Covenant on Civil and Political Rights. UN General Assembly resolution 2200A (XXI) 16 December 1966, entry into force 23 March 1976, in accordance with Article 49. Available at URL: http://www.unhchr.ch/html/menu3/b/a_ccpr.htm

American Convention on Human Rights (1969). Organization of American States. Signed at Inter-American Specialized Conference on Human Rights, San Jose, Costa Rica.

African (Banjul) Charter on Human and Peoples’ Rights. Adopted 27 June 1981, OAU Doc. CAB/LEG/67/3 rev. 5, 21 I.L.M. 58 (1982), entered into force 21 October 1986. Available at URL: www.africa-union.org/Official_documents/Treaties_%20Conventions_%20Protocols/Banj ul%20Charter.pdf

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved