![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
وقد جرت مواجهة بين الدول المؤسسة للاتحاد الأوربى الراغبة فى اندماج سياسى ودستورى فعلى والدول الحديثة العضوية والمرشحة حينئذ وتقودها اسبانيا وبولندا الراغبة فى الحصول على مزايا ومواقع نفوذ تفوق ثقلها الديموغرافى. وأمام محاولات اعتماد دستور بدلا من معاهدة نيس للوحدة الأوربية التى اعتمدت فى ديسمبر 2000، والتى تهدف الى تنظيم الالتزامات والعلاقات داخل مؤسسات الاتحاد الأوربى، وعلى الرغم من أن العديد من الأوساط الأوربية لاتعتبر ان معاهدة نيس تحمل أى طموحات اندماجية فعلية ولا تحل أى من المشاكل الهيكلية والجوهرية التى تعانى منها أوربا، ولكن ظلت تسع دول هى بولندا والنمسا وليتوانيا وبريطانيا واسبانيا والسويد وقبرص تتخذ موقفا مشتركا أعلنت فيه تمسكها الحرفى بمعاهدة نيس وهى نقطة التحدى الرئيسية التى واجهت مؤتمر روما فى عام 2003. وترفض هذه الدول أى تعديلات قد تخل بالتوازنات حينها داخل الاتحاد الأوربى سواء من حيث عدد الأصوات الممنوحة لكل دولة أو تحديد صلاحيات الاتحاد الدفاعية والأمنية والدبلوماسية والضريبية فى المستقبل. وتجمع الأوساط الأوربية فى بروكسل أن معاهدة نيس التى تتمسك بها هذه الدول لن تكون قادرة على منح أوربا أى ثقل سياسى أو دفاعى أو اقتصادى فى المستقبل لأن صياغتها جاءت لاعتبارات سياسية ولانقاذ الرئاسة الفرنسية فى ذلك الوقت.
ولكن الشعوب الأوربية التى رفضت معاهدة الدستور كان من ضمن مخاوفها أن الدستور سيؤدى الى تقليص قدرات الحكومات الوطنية فى نقض قرارات الاتحاد الجماعية والخوف من اعطاء البرلمان الأوربى مزيدا من الصلاحيات على حساب البرلمانات الوطنية.
وفى مقال جرئ قال مدير تحرير مجلة لا فيف اكسبرس الاسبوعية البلجيكية المسيو جاك جيفير فى عددها للفترة بين 10 الى 16 يونيو أن من يقول "لا" لأوربا عليه أن يترك الاتحاد وأقترح فى المستقبل أن حرية قول "لآ" للقواعد الأوربية المشتركة يجب أن يتبعها خيار واضح هو مغادرة الاتحاد. ويرى جاك جيفير أنه على الرغم من مصادقة عشرة دول على الدستور الا أنه يرى أن الدستور قد مات سريريا فى أعقاب الضربة القاضية التى تعرض لها من الرفض الفرنسى والهولندى ومن اعلان المملكة المتحدة فى 6 يونيو تجميدها للاجراءات البرلمانية التى صادقت على تنظيم استفتاء بذلك كان مزمع اجراؤه فى مايو المقبل. ونعت الضبابية التى صاحبت قرار التأجيل باحتوائها على درجة غير عادية من النفاق. وأعلنت لندن رسميا أنها لم تستبعد العودة فى يوم ما عن قرارها وتنظيم استفتاء عندما تتضح الرؤية. ووصف حديث وزير الخارجية جاك سترو بأنه حديث طيب ولكنه خادع حينما قال بجرأة:"ان مستقبل معاهدة الدستور لا تقرره المملكة المتحدة لوحدها." ويرى الصحفى البلجيكى أن حكومة تونى بلير لم تستخدم لباقة كافية للاستجابة لطلب رئيس المفوضية الأوربية والرئاسة الأوربية اللذان ناشدا الدول الأعضاء بالامتناع عن كل التصريحات الفردية قبل أن ينعقد المجلس الأوربى (القمة) فى 16 الى 17 يونيو الجارى. ولكنه يرى أن الحكومة البريطانية، دون انتظار القضاء على الدستور مباشرة باستفتاء خاسر مسبقا فى قول "نعم"، سايرت دون تأخير الأغلبية المناهضة لأوربا وسط السكان وممثليهم. وتساءل عن تحت أى مسمى يمكن وضع الحدث غير الواقعى الذى وقع فى مجلس العموم البريطانى فى يوم الاثنين 12 يونيو حينما بعث أعضاؤه بترحيبهم الحار الى الشعب الفرنسى لرفضه الدستور الأوربى. وتساءل الصحفى مستنكرا:"فى أى بلد توجد أوربا؟" وخلص الصحفى المرموق الى أن لندن بموقفها المتسرع هذا تأمل أيضا أن دولا أخرى يغلب عليها الشك شيئا فشيئا لكى تتبع خطى المملكة المتحدة فى رفض الدستور فى الاستفتاء. ويرى أن القمة الأوربية الحالية تحتاج لمعجزة حتى تتمكن من ايجاد مخرج مشرف من هذا المأزق وتمنى أن تكون شيئا آخر غير المساحيق التى تخفى هذا العجز.
والقمة التى أحبطت بالتراجع حول مصادقة الدستور انغمست فى أزمة خطيرة تتمثل فى اجازة الميزانية للاعوام السبعة القادمة. وعلى رغم الجهود المضنية والتى استمرت لأربعة عشر ساعة الا أن الرئاسة اللكسمبورغية اكتشفت بعض منتصف الليل أن القمة قد أصابها الفشل ذلك حسبما صرحت به للصحفيين:" أن الفشل يعزى لأنانية بعض الدول". وقال المستشار الألمانى شرودر "ان التوصل للاتفاق كان ممكنا لو لا أنانية بريطانيا وهولندا" اللتان رفضتا تقديم تنازلات بشأن حصة المساهمة فى الميزانية التى تبلغ 870 مليار يورو للفترة من 2007 حتى 2013. وقد بدأ بلير فى بداية النقاش معزولا ولكنه استطاع من بعد استمالة هولندا ثم السويد وفنلندا واستغل الموقف المترنح لاسبانيا.
وقال جان كلود يانكر الرئيس الحالى أنه يشعر بالخجل أن الدول التى انضمت أخيرا وهى الأقل فقرا أبدت استعدادها للتنازل عن مطالباتها المالية فى صالح التوصل لاتفاق. أما تونى بلير ففى رده على الهجوم الفرنسى الألمانى عليه تمنى أن تتغير أولويات الميزانية وقال" يجب أن نغير السرعة حتى نساير العالم الذى نعيش فيه."
ولكن يظل أكبر الأخطاء التى ارتكبها الاتحاد الأوربى أنه لم يتحسب أن من بين أعضائه من سيجرؤ على رفض الدستور، على الرغم من التمنع البريطانى الذى لا تخطأه العين منذ رفض بريطانيا الانضمام للعملة الأوربية الموحدة، ناهيك عن توقع أن تكون فرنسا بين الرافضين بل أولهم. والنظم الديمقراطية تعمل دائما بنظام الأغلبية لا نظام الاجماع الذى يعطى دولة ما مثل مالطا الحق فى كبح اجراءت المصادقة على الدستور. والخلاف يتوقع باستمرار فى معظم قضايا الاتحاد التى تتمحور حول المال والسلطة. ولأن العملية شابها كثير من التعقيد لجأت القمة الى كسب الوقت بتمديد فترة المصادقة لعام ونصف العام دون البت فى مصير الدستور الحالى أو مصير من قالوا "لا". أما الميزانية فقد نحرت فى "ضؤ الضحى الأعلى"،،،