ومن الذين استمتع "جداً" بفنهم المسرحي استاذنا الكبير الفاضل سعيد ..الذي أدخلته مرة في امتحان عسير فقد اصطحبت معي في أحد عروضه " مسرحية الناس في شنو" قبل عدة أشهر أطفالي بمختلف أعمارهم وبعض أقربائهم ممن هم في سنهم .. وأجلستهم في "الصف" الذي أمامي مباشرة حتى أتمكن من مشاهدة المسرحية ومراقبة رد فعلهم عليها طوال العرض.. وكانت الدهشة كبيرة طوال المسرحية.. الأطفال يضحكون بملء فيهم .. ومن من يضحكون ؟؟ من "بت قضيم" و" العجب" تلك الشخصيات النمطية التي أنتجها الفاضل سعيد ليضحك بها جيل آبائنا فإذا به يضحك بها أيضاً جيل أبنائنا ..!! منتهي التحدي أن يتمدد مسرحي بانتاجه على كل هذه الأجيال وتظل مسرحياته بنفس البريق وبنفس الجماهيرية والشعبية.
الفاضل سعيد "متعه الله بالصحة والعافية" ظل يعمل ويبدع حين انقطعت انفاس الكثيرين أو أجدبوا .. وحتى الذين لم يتوقفوا صاروا ينتجون مسرحية كل عقد من الزمان بينما الفاضل سعيد مثابر على الظهور كل موسم ويجدد مسرحياته التي يؤلفها و يقوم ببطولتها بنفسه ..
يستحق الفاضل سعيد ريادة المسرح السوداني بكل جدارة.. وسر نجاحه هو أنه أخلص لابداعه ووهب فنه كل وقته وجهده ..
وليستكمل الفاضل سعيد جميله لوطنه .. اشترى قطعة أرض جنوب الحديقة الدولية وشمال كلية كبيوترمان ليقيم فيها مسرحاً عصرياً أنيقا يسمح بالمشاهدة الراقية للإبداع من مختلف الفنون .. ويستطيع الفاضل سعيد أن يحلم بمسرح يبني أمة لكنه سيظل "يحلم" طالما أنه "شخصياً" لا يملك أن يفعل أكثر مما فعل.. باع سيارته و أنفق كل ما يملكه من مال .. وانقطع به الطريق قبل أن يرتفع المسرح من الارض شبرا ..
مثل هذا المسرح لا يملكه من يملكه.. الشعب هو الذي يملك مثل هذه المسارح والأماكن العامة التي يتم فيها صيانة وجدانه .. والنظرة الحصيفة من الدولة يجب أن تفترض أن أى مال تنفقه الدولة في مساعدة الفاضل سعيد لبناء هذا المسرح هو إنفاق على الثقافة والسلام الاجتماعي والتعايش وترقية الوجدان السوداني والتأصيل وكل تلك المفردات التي ترتبط بالإنسان ..!!.. ورشة لتأهيل الوجدان السوداني.. قيمة الانسان لوطنه بقيمة ما ينجح فيه من عمل .. ومن الغباء افتراض ان كل من يمارس عمله "الخاص" يفعله من أجل ذاته وحده.. فالوطن يستفيد من محصلة النجاح الفردي لمواطنيه .. حتى ولو كانت أعمالهم خاصة .. فما بالكم عندما يكون عمل المواطن مشرعة أبوابه ومفتوحة على مصراعيها للناس كلهم تماما كما يفعل أستاذنا الكبير المسرحي الفاضل سعيد .. قيمة الفاضل سعيد ليست في عدد مسرحياته التي قدمها للمسرح السوداني فحسب بل في نجاحه في عمله طوال أجيال .. تبدل وتجدد فيها الانسان السوداني .. ونجح الفاضل سعيد في مواكبة هذا الانسان ..