السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

جون قرنق بين رمزية علي عبد اللطيف ومانديلا ونهاية سافيمبي؟!! بقلم ضياء الدين بلال

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/8/2005 11:05 م

جون قرنق

بين رمزية علي عبد اللطيف ومانديلا ونهاية سافيمبي؟!!

بقلم : ضياء الدين بلال

[email protected]


هنالك ثلاث شخصيات في التاريخ الافريقي المعاصر.. سعت جهات موالية للحركة الشعبية ومعادية لها ان تشبه الدكتور جون قرنق بواحد منها.. المجموعات الشمالية المناصرة للحركة تشبه قرنق بعلي عبد اللطيف لذا جاءت صورة قرنق في الاعلانات لحشد الجمعة وهو يقف خلف علي عبد اللطيف.. والجنوبيون يرون فيه مقابلاً سودانياً للزعيم نيلسون مانديلا.. وهنالك من يتوقع لقرنق ان يكون نسخة مكررة لزعيم اليونيتا الانغولي جوناس سافيمبي الذي وقع اتفاقية سلام.. وبعد سنوات قرر العودة للعمل المسلح فلم يجد من اتباعه من يرافقه في هذه الرحلة ولم يحظ من حلفائه الدوليين حتى بغطاء لجثته عندما اغتيل!!

نضع الآن هذه المقارنات الثلاثية أيهم قرنق اقرب إليه علي عبد اللطيف أم نيلسون مانديلا أم هو مصير سافيمبي؟!!

علي عبد اللطيف

كان لافتاً للنظر ان الاعلانات التي اطلقتها الحركة الشعبية لحشد مناصريها وحلفائها، المتعاطفين معها.. المنشورة في الصحف او الملصقة على مناطق بارزة في مداخل الطرق الرئيسية بالخرطوم وعلى بعض المركبات العامة.. كانت الاعلانات الورقية تجمع الدكتور جون قرنق وهو يقف خلف البطل التاريخي علي عبداللطيف والاعلان الذي يحدد نقطة التوجه نحو سودان جديد يضع لذلك تاريخاً من 1924م ثورة اللواء الابيض إلى 2005م اتفاقية نيفاشا.. والاشارة الواضحة التي يسهل التقاطها من الاعلان ان كل ما تم بعد ذلك التاريخ 1924 لم يكن ذا جدوى واعتبار إلاّ باتفاقية السلام في 2005م.. وهي ليست المرة الاولى التي يتم فيها تشبيه جون قرنق بعلي عبداللطيف.. فقد ورد التشبيه في مواضع مختلفة وافادات عابرة ومقالات متفرقة.. وابرز تلك المرات التي ورد فيها ذلك التشبيه كان في 28 فبراير 2002م عندما اعلن تحالف عبد العزيز خالد التحامه أو اندماجه في الحركة الشعبية... فقد جاء في مستهل البيان (بعد مرور سبعة وسبعين عاماً على ثورة 1924 التي قادتها جمعية اللواء الابيض وروادها وشهداؤها الابطال علي عبد اللطيف وعبيد حاج الأمين وعبدالفضيل الماظ.. وبقية عقدهم الفريد الذي اضاء طريقاً جديداً نحو الوحدة والحرية)..!!

ويمكن ملاحظة ان التأكيد على جعل قرنق امتداد تاريخي لعلي عبداللطيف فكرة خاصة بياسر عرمان الناطق الرسمي باسم الحركة ظل كثيراً ما يطرق عليها، وسرعان ما تعود اصداها قوية في الاوساط الموالية للحركة الشعبية في الشمال.. ففي مقال لياسر عرمان نشر بمجلة (مسارات) كتب قائلاً: (كان اختيار علي عبد اللطيف زعيماً لحركة اللواء الأبيض ومن قبل «ابناء البلد!» وفي مقدمتهم المناضل الوطني عبيد حاج الأمين وصحبه صفعة قوية للاستعمار البريطاني وحدثاً ثورياً يستحق الاحتفاء)!!..

وعرمان في ذلك المقال وفي مجالسات كثيرة معه بكينيا كان يتحدث بحزن واسى وشئ من الغيظ وهو يردد ما جاء في مذكرة كرام المواطنين التي جاءت رداً على حركة 1924م... وضمت توقيع ابرز القيادات الوطنية حينها (من هو علي عبداللطيف؟ والى اي البيوت ينتمي وهل اصبح أمر الثورة شأناً مبتذلاً حتى يقوم به ابناء الشوارع)؟!!.

تلك العبارات القاسية التي اوردتها كذلك الباحثة اليابانية الدكتورة يوشيكا كوريتا في كتاب (علي عبداللطيف وثورة 1924م مباحث في مصادر الثورة السودانية).

ومحاولة الربط بين قرنق وعلي عبد اللطيف غرضها الاساسي التأكيد على وجود تهميش واقصاء من مناصب القيادة موجهة نحو مجموعات سكانية معينة، والمشكلة الاساسية التي يطرحها هذا الشعار ـ على غير رغبة منه ـ انه يحصر مناصرة قرنق على المجموعات المرتبطة اثنيناً بعلي عبداللطيف وقرنق وبذا يحد من طلاقة قرنق بان يصبح قائداً قومياً، وتجد الجهة التي اصدرت الشعار نفسها تمارس اقصاء تاريخياً مضاداً يجعل كل تاريخ السودان على نقطتين مركزيتين فقط 1924 ـ 2005م، وما دون ذلك وغيره نجده مهملاً أو مداناً..!!

كما ان كثيراً من الجنوبيين لا يحظى علي عبداللطيف بتقديرهم. بل ان صورته لا تخرج من نموذجين: الأول نموذج الشخص المستلب المنقطع عن اصوله العرقية، والمنتسب ثقافة واسماً وتطلعاً للمنطقة العربية. في بعدها الشرق اوسطي.

والنموذج الثاني: نموذج البطل الذي امكن خداعه واستغلاله من قبل العناصر العربية في داخل السودان وبمصر مستغلين حماسته وشجاعته واقدامه على الفعل العسكري.. ثم الانسحاب منه وتركه يواجه مصير السجن والاعتقال والجنون الى ان توفي بهدوء ودون ضجيج في مستشفى العباسية بمصر للامراض النفسية والعقلية في صباح 29 اكتوبر 1948م!!.

استدعاء الرموز التاريخية لحاضر الصراع السياسي، يعقد الصور اكثر من ما يقرب بين المفاهيم او يقوم بشرحها.. وليس مستبعداً ان يروق لقرنق تشبيهه بعلي عبداللطيف طالما ان ذلك يكسبه مساحة في وجدان وعقول قطاعات واسعة في الشمال.. قد تصبح رصيداً انتخابياً من السذاجة التفريط فيه أو عدم استثماره على الوجه المطلوب..!!

نيلسون مانديلا

اقرب للقواعد الجنوبية تشبيه جون قرنق بنيلسون مانديلا وليس علي عبداللطيف.. ويبدو كذلك ان هذا اقرب لتطلعات قرنق.. الذي تربطه باساتذة الاشتراكية الافريقية (لوممبا ونيريري ومانديلا) صلات رمزية ووجدانية لاتزال تشده الى محطة ماضية غادرها قبل سنوات وهي محطة القائد الاشتراكي وانتقل منها بقطار الثامنة (غرباً) ولكن لاتزال تشده نحوها ذكريات واشواق..!

وكثيراً ما حرصت الحركة الشعبية ان تصور الاوضاع في السودان كمقابل شبيه للاوضاع في جنوب افريقيا قبل ازالة نظام الابرتايد.. لذا كان من الواضح اتجاه الوسطاء للأخذ من التجربة الجنوب افريقية في معالجة الأوضاع في السودان..

وهنالك قيادات أريد لها أن تشابه مانديلا مثل مروان البرغوثي المسجون الى الأبد بالسجون الاسرائىلية، وكذلك أطلقت الصحافة على خوزيه ألكسندر جوسماو حاكم تيمور الشرقية بعد أن نالت استقلالها وصف «مانديلا الآسيوي».. وقيل أن أكثر ما يجمع «مانديلا وجوسماو» اضافة الى رؤيتهما التسامحية وإيمانهما بأن الماضي الاسود يجب ألا يحول دون الصفح والغفران.. هو أنهما على خلاف الكثيرين من قادة حركات التحرر في العالم الثالث، لم يستخدما تضحياتهما كمبرر للوثوب على السلطة واحتكارها الى الأبد..!!

وأبرز نقاط الالتقاء بين قرنق ومانديلا هي خلفيتهما الاشتراكية دون أن يلتحقا بحزب شيوعي سواء أكان في السودان أو جنوب افريقيا.. ولأن الواقع السوداني مختلف عن تجربة جنوب افريقيا، لذا جاءت المعالجات لإشكالاته غير متطابقة مع الصيغة التي عولجت بها قضية جنوب افريقيا.. وأوضح نقاط الاختلاف بين نيلسون مانديلا وجون قرنق أن الأول الذي حمل عند ولادته اسم «روهابا» الذي يعني في لغة قبيلته «ذلك الذي يخلق المشاكل».. والذي قال في مذكراته «كنت أعرف بشكل اكيد ضد ماذا كنت أقاتل أكثر من أجل ماذا أقاتل؟».. مانديلا كانت أول معاركه التي خاضها فعلياً هي الدعوة للعصيان المدني في 1952م.. وبعد فترة طويلة من تبني النضال السياسي ضد النظام العنصري الأبيض بدأت تتشكل لدى مانديلا القناعة بأنه ينبغي الانتقال للكفاح المسلح.. جون قرنق بدأ بالعمل العسكري ولم يهتم كثيراً بالنشاط المدني المعارض.. وهو لا يزال يعتقد أن الخيار العسكري يمكن العودة اليه اذا كان هنالك ما يستدعي ذلك، لذا ظل محتفظاً بجيشه ومراهناً على تأهيله وتقويته ورصه في مواجهة الشمال في حال نقض المواثيق أو أراد هو أن يفعل ذلك..!!

فترة جون قرنق في إدارة الجنوب ومقاسمته لرئاسة المركز سيتضح من خلالها هل سينجح مثل نيلسون مانديلا في التحول من معارض ثوري الى رجل دولة قابل للعطاء الايجابي والاستغناء عن المنصب في الوقت المناسب.. أم سيتحول الى رقم ديكتاتوري يضاف الى القائمة التي تزدحم بأمثاله من قادة سابقين؟!!.

جوناس سافيمبي

قطعاً.. المصير الذي يخشاه الدكتور جون قرنق ويضع من التدابير ما يحول دون أن يلدغ من جحره أو يقع في فخه.. هو مصير جوناس سافيمبي زعيم الاتحاد الوطني للإستقلال التام لأنغولا المختصرة بـ«يونيتا».. ومنذ 1966م كانت «يونيتا» تقود حرباً ضروساً ضد حكومة أنغولا.. وكانت يونيتا تسيطر على نحو «30%» من مساحة أنغولا الغنية بالماس، واستطاعت الحركة أن تحصل على 4 مليارات دولار استوردت بها أسلحة من بعض الدول الأوربية.. وكانت هذه الحركة تجد مساندة من الولايات المتحدة التي لها مصالح اقتصادية مميزة بأنغولا في مجالات النفط والمعادن.. وفي العام 1994م ضغطت أمريكا على يونيتا حتى تم اتفاق سلام بينها والحكومة الانغولية وعرف ببرتكول لوساكا، ولكن في 1999م اعلنت الأمم المتحدة أن العملية السلمية في أنغولا قد انهارت من جديد، وذلك بعد رفض يونيتا البدء في تنفيذ اتفاق السلام.. وجوناس الذي شرع في العودة للعمل المسلح مرة أخرى بعد أن عجز في الاستمرار في النشاط السياسي المدني على اثر تلقيه صفعات انتخابية ساخنة.. عندما قرر ذلك وجد الحكومة الأنغولية قد استقطبت قواته، فأصبح وحيداً الى أن أغتيل في فبراير 2002م في ظروف غامضة..!!

الدكتور جون قرنق يخشى على نفسه هذا المصير.. ويحاول أن يضع من التدابير ما يجعل قادته في الجيش الشعبي وقواته على منأى من الاستقطاب.. كما أنه سيكون حريصاً على ألا يصبح هو سبباً في انهيار العملية السلمية حتى لا تثور عليه غواضب المجتمع الدولي خاصة أمريكا التي تركت جثة حليفها جوناس سافيمبي في العراء ولم توفر له حتى غطاء الموت..!


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved