اسم السودان كان يطلق على مساحة شاسعة من القارة الإفريقية السمراء تمتد من المحيط الأطلسي في الغرب إلى البحر الأحمر في الشرق ، و رغم أن الاسم قد استأثرت به الرقعة الجغرافية و السياسية المعروفة حاليا بالسودان ، إلا أن التكوين الإثني لهذه الدولة شبه القارة يشمل كافة تلك الأعراق الإفريقية بالإضافة إلى أعراق أخرى وفدت إليها فيما بعد، و انصهرت مع السكان الأصليين لتتكون الهوية السودانية الحديثة.
ففي السودان الدولة شبه القارة يعتزّ الناس بقدرتهم على صهر أعراق و حضارات عريقة في القارة السمراء مثل حضارات الأشانتي في غانا، و الموس في بركينا فاسو، و الهوسا و اليوربا و الإيبو في نيجيريا، و الفاغ في بنين، و حضارات كانم برنو و الوادي في تشاد، و إرث ممالك الداجو و التنجر و الفور والقمر في غرب السودان ، و النوبة في حوض النيل الاوسط ، وسنار في شرق السودان و الشونة في زمبابوي و الزولو في جنوب إفريقيا وزابيا، مع الحضارة العربية و القيم السماوية و الأعراف المحلية لتنتج نكهة السودان الخاصة ، لا تجدها في دولة مندول المنطقة العربية والافريقية.
ان أهل السودان يمثلون شعوب القارة الإفريقية من شماله إلى جنوبه و من شرقه إلى غربه خير تمثيل ، وانهم يدركون أن هذا التنوع يجب أن يكون مصدر قوة لا بذرة ضعف بالنسبة لدولتهم ، و يرغبون في تمتين الوشائج القائمة بين أعراقهم دون إقصاء لثقافة أو تحقير لأحد ، و يسعدون بالعيش مع بعضهم في أمن وسلام.
لقد تخلف السودان عن ركب الأمم و أصبح يستجدي طعامه بعد أن كان مرشحا بجدارة ليكون سلة غذاء العالم بسبب السياسات الخاطئة التي انتهجتها اؤلجاركية الشمال صغيرة القيمة قليلة العدد ، والتي استأثرت بحكم البلاد منذ أن ورثتها من المستعمر الانكليزي إلى ساعتنا هذه ، دونما السماح بمشاركة حقيقية من الغالبية المهمشة من أهل السودان ، وقد تبدّت أنانية هذه الفئة منذ بواكير خروج الانكليز ، حيث استأثرت بكافة الوظائف الثمانمائة التي أخضعت للسودنة عدا إثنتي عشرة وظيفة تركت لبقية أقاليم السودان، و أدّت سياسات التهميش و الظلم والتفرقة العنصرية تلك إلى اشعال نار حرب أهلية ضروس في جنوب الوطن عام 1955 رغم أن أهلنا في الجنوب هم الذين اختاروا البقاء في حضن الوطن عندما خيّرهم المستعمر في ذلك في مؤتمر جوبا عام 1947.
و لم يهنأ البلاد بسلام إلا في الفترة الوجيزة التي تلت اتفاقية أديس أبابا عام 1972 في عهد حكومة الجنرال النميري ، ثم عادت آلة الحرب تدوي من جديد عام 1983 بعد أن نقضت الفئة الحاكمة الاتفاقية المذكورة .
ما أن استبشر الناس بالسلام بعد الهدنة المؤقتة التي أعقبت اتفاقية مشاكوس عام 2002 م من القرن الجديد حتى عادت حليمة لقديمها كما يقول المثل ، و أدارت حرب إبادة جديدة في اقليم دارفور غربي السودان ، لمجرد أن أهله طالبوا بحقهم العادل و المشروع في السلطة و الثروة ، و ليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها الفئة المتسلطة لإخماد ثورة مطلبية في جزء من أرض الوطن بقوة السلاح. فقد قام مؤتمر البجا الذي تأسس عام 1958 م حتى بلوغ حركة الأسود الحرة في الشرق ، و ثار أهلنا في جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق لذات الأسباب ، أما في دارفور فقد سبقت الثورة الراهنة التي تقودها حركتي من اجل العدل و المساواة السودانية و حركة من اجل تحرير السودان حركات و ثورات تطالب بحقوق أهل الإقليم في الحياة الكريمة منها جبهة نهضة دارفور عام 1961 و جبهة سوني عام 1964 و الفهود السود و اللهيب الأحمر و حركة الشهيد المهندس داود يحيى بولاد عام 1991 م و غيرها ، و هذا الكمّ الهائل من الثورات و الحركات المطلبية تدل بلا أدنى شك على أزمة الحكم التي تعيشها البلاد منذ فجر الاستقلال، و عجزت الفئة الحاكمة عن الإمساك بأسباب الأمن و الإستقرار، أو الإعتراف بحقيقة الأزمة و طبيعتها السياسية، و التي لا يمكن علاجها إلا عبر طرح سياسي يفضي إلى التراضي بين أهل الوطن الواحد، و المشاركة الحقيقية و الفاعلة من الجميع في صنع مستقبلهم بدلا من الإصرار على سياسة الهيمنة و إقصاء الآخر و تهميشه.
ان نظام الإنقاذ الحالي يمثل خلاصة أنظمة اؤلجاركية الشمال الدكتاتورية التي حكمت السودان منذ خروج مورثتها المستعمر الإنكليزي الأبيض ، في الظلم والفساد والعنجهية وقلة الأدب ،ولذلك فان الحل يكمن في استئصال جذور هذه الفئة السياسية ، وتقديم كل مجريمها من لدن ألف إلى المحاكمات العادلة جراء جرائمهم ضد الإنسانية في كل أرجاء السودان . ولتكون مهمة الضيوف القادمون من الجنوب إلى الخرطوم هو تطهير بقية عصبة مؤسسة الجلابة الحاكمة عن مؤسسات الدولة في الشمال إلى ما نسبته 5 % الحق الشرعي للشمال في السودان. ذلك هو الطريق المفضي إلى الحلول الجذرية في السودان ، وسينعم السودان بعدهم باستقرار و امن.
منعم سليمان
__________________________________________________