مهدي مبارك
ينظر الي التاسع من يوليو القادم في السودان علي انه اليوم الذي سيشكل المنعطف الحقيقي لمسيرة البلاد التي ستبدأ بفترة انتقالية يعقبها تحول ديمقراطي يخرج البلاد من دائرة الحكم العسكري والشمولي او ذلك الحكم الديمقراطي المزيف المصاب بمرض الطائفية الذي احتكمت البلاد اليه لفترات متقطعة لم تعرف سوي الانهيار الاقتصادية والمهاترات السياسية والتدخلات الاجنبية.
والتاسع من يوليو قد ينتهي بصورة اخري لا يمكن استبعادها من الواقع الحالي بحيث تنقسم البلاد الي دولتين شمالية وجنوبية، وواهم من يسبعد هذا الاحتمال اذ وبعد ست سنوات ستكون هنالك تحولات كبيرة قد حدثت علي الصعيد العالمي ، تحولات ستجعل من الواقع السياسي الدولي مختلفا الي حد كبير في ظل الاتموذج الجديد الذي تسعي الولايات المتحدة بكل قوة لتطبيقة وبخاصة علي امتنا العربية.
اذن فان كل الاحتمالات تبقي مفتوحة علي كافة الاصعدة ، لكن من المؤكد ان التاسع من يوليو سيغير من الخارطة السياسية المحلية بشكل او باخر ولا نود الافراط في التفاؤل لنقول الي تحول ايجاتي زاهي ومشرق ذلك بالنظر الي ان قوتين حزبيتين لا يمكن اغفال دورهما في الجانب الاخر من المعادلة الساسية واشير بذلك الي التحالف الذي التئم اخيرا بين حزب المؤتمر الشعبي وحزب الامة رغم تاكيدات الكتور حسن الترابي بانهم سيعملون علي بناء معارضة رشيدة تضع في مقدمة اولوياتها وحدة الصف لمواجهة التحديات التي تواجه البلاد ، والتصريح رغم انه يحمل في طياته نضوجا سياسيا مفترضا الا ان تجارب وطموحات الدكتور الترابي وحليفه الجديد الصادق المهدي قد تفرغه من معناه تماما خاصة وان حب السلطة متاصل في فؤاد كلا الزعيمين الي حد كبير وهو امر يدركه تظام الحكم القائم الان الذي كان الترابي احد اعمدته الاساسية ثم انقلب عليه لعدم احتماله معارضة حلفائه السابقين في الحكم كون ان رايه كان مخالفا لرأيهم وهو امر لم يكن مستغربا من الدكتور الترابي الذي اسس حركته برمتها علي افكاره زاجتهاداته و ليكون اعضائها ادوات في يده كمن يمسك جهاز تحكم عن بعد في يده يفعل به ما يشاء دون ابداء أي نوع من عدم الرضي او القبول بيد ان جسارة الفريق البشير ورفقاقه في الحركة الاسلامية هي التي جعلتهم يقفون في وجه الترابي من اجل ان تمضي مسيرة البلاد الي الامام ليجئ الاحتفال بالعيد السادس عشر لثورة الانقاذ الوطني تتويجا لتلك المسيرة الصعبة من الاجتهاد والتي حفلت بالكثير من الانجازات التي لا ينكرها الا مكابر وبعض السلبيات التي يعترف اهل الحكم انفسهم بها .
ورغم مسحة التشاؤم التي تعشعش في صدور البعض الا ان الفترة الانتقالية قد يكتب لها النجاح اذا توفرات لها بعض العوامل منها ما هو داخلي وبعضها خارجي وهو الذي سيكون الاكثر تاثيرا علي الحكومة المقبلة ، فعلي الصعيد الداخلي ستكون لمشكلة دارفور اثر كبيرا باعتبارها احد اكبر العوامل السالبة التي ستؤثر علي مسيرة الحكومة المقبلة خاصة وانها ارتبطت باجندة خارجية تسعي لفرط وحدة السودان وعلي الجانب الاخر فان التصعيد في الشرق سيكون له ايضا تاثير كبير مع وجود رغبة ارترية متصاعدة في النيل من حكومة البشير التي تحتضن المعارضة الارترية ردا علي طموح افورقي الذي احتضن من قبل كافة الاجنحة السودانية المعارضة والتي وقعت اتفاقا مع الحكومة السودانية ولم يبق لافورقي المعزول تقريبا من جيرانه الا متمردو الشرق ليكونوا ورقة ضغط في يده لمواجهة الحكومة السودانية.
خارجيا فان الامور قد تتحول جذريا لصالح دعم الحكومة الجديدة من قبل اطراف خارجية مهمة علي راسها الولايات المتحدة الامريكية ، ولاسباب كثيرة تري الحكومة الامريكية نفسها مضطرة الي دعم المسيرة السياسية الجديدة في السودان لعوامل عدة نذكر منها :-
1- الفشل الكبير الذي لازم السياسة الخارجية لحكومة الرئيس جورج بوش بدأ من الصراع العربي الاسرائيلي وانتهاءا بالحرب علي العراق وفشل مشروع الشرق الاوسط الكبير وعدم تمكنها من ادخال اسرائيل ضمن منظومة المنطقة العربية كما ان تحالفها مع اوروبا بدا اكثر ضعفا مما كان عليه ، كل هذه العوامل جعلت من الولايات المتحدة دولة عير محبوبة بل تتمتع بكره شديد عالميا حسب اخر استقراء للراي العام في عدد من البلدان العربية والاسيوية والاوروبية وفقا للتقرير الذي اوره معهد غالوب منتصف الشهر الماضي ، لكل ذلك فان الولايات المتحدة ستعمل جاهدة علي انجاح انفاق نيفاشا ليحسب ضمن انجازتها القليلة دوليا في السنوات الاخيرة وقد تكون زيارة رئيس جهاز الامن السوداني صلاح غوش ولقاءاته مع ممثلين لجهاز المخابرات الامريكي وكذلك زيارة وزير الخارجية الدكتور مصطفي عثمان اسماعيل الي واشنطن احد اهم الدلائل علي التزام الولايات المتحدة بدعم الحكم القادم في السودان بغض النظر عما سيكون عليه الحال في قضية المتهمين بجرائم الحرب في اقليم دارفور المطلوبين لمحكمة الجزاء الدولية.
2- ثانيا هنالك عامل مهم اخر ولا يمكن اغفالة باي حال من الاحوال وهو النفط السوداني الذي سيصل انتاجه نهاية العام القادم الي اكثر من مليون برميل يوميا ، اما لماذا النفط فان لذلك مبرراته ، فقد وصل برميل النفط هذه الايام الي اكثر من ستون دولارا امريكيا وهو ارتفاع غير مسبوق علي الاطلاق ، وبالنظر الي ان الولايات المتحدة تستهلك ربع انتاج العالم من النفط فاننا ندرك مدي قوة تاثير النفط علي الحكومة الامريكية ووصول دولة مثل السودان الي انتاج اكثر من مليون برميل يوميا لابد وان بكون له تاثيره الكبير علي صناعة النفط العالمية ، فجهود الولايات المتحدة منصبة حاليا علي الضغط علي الدول المنتجة لزيادة انتاجها بهدف خفض الاسعار ورغم سطوة الولايات المتحدة فان ذلك لم يتحقق اما لمعاندة بعض الدول التي كانت قد حققت صناعة النفط فيها خسائر فادحة بداية عقد التسعينات من القرن الماضي او لوصول بعض الدول الي طافاتها القصوي التي لا تمنكنها من زيادة برميل واحد ، لذلك فان النفط السوداني سيكون احد اهم العوامل التي ستوفر للحكومة السودانية المقبلة غطاءا سياسيا دوليا لضمان نجاح الاتفاق واستمراره.
علي اية حال يمكن اعتبار ان الكثير قد تحقق حتي الان لقيام سودان حدث علي نمط حضاري عنوانه الاستقرار السياسي والنماء الاقتصادي وهي الفرصة الاخيرة لان نكون او لا نكون.