جاءوا جميعهم، سددوا لكماسرة الحافلات قيمة التذكرة على داير المليم "فقد تجاوزت الساعة السابعة الموعد المضروب على بطاقات ترحيل الطلاب بنصف القيمة مما الغى حالة الاستثناء المؤقت"، او بعد أن صبوا في تنوكة سياراتهم ما تيسر من وقود، ومنهم راجلين، فالساحة شعبية السمت، ديامية الطلعة، تحفها بيوت المواطنين السودانيين في أهداب فطرتهم النقية التي تتصالح مع الذات وتحتضن الغريب فيندمج في المجتمع من دون حواجز، ثم، ها هي العمارات الأصلية، الحي الذي ارتبط بالرقي والمدنية والطبقة الوسطى التي شكلتها عصب التماسك الاجتماعي قبل أن تنهمر عليها معاول الهدم وجرافات التكسير وبلدوزراته مما أفرز طبقة اخرى موازية في بحبوحة عيشها مغايرة في طبيعة ممارساتها فاصطلح على تسميتها بالطفيلية التي تقتات على ريع المضاربات والاحتكارات واهتبال الفرص التي توفرها أجواء الرغمة وتلوذ بالسلطات القابضة التي تحجر ضياء الشفافية من الانسراب في أوردة العطاءات والمقاولات والمعاملات الاقتصادية الضخمة والساحة اسمها "الاتحاد" او بين قوسين "الهلال" ولا ادري هل اضحت من ضمن توابع "شركته" ام ماذا جرى؟ ولكن المهم، انهم، عمال مفصولون للصالح العام بجريرة حرفيتهم الباهرة وفنونهم الوافرة وخبراتهم المكتسبة في مدارس الصنايعية ومعتصرة من صلب حديد القطارات ودوران المحطات وازيز الوابورات؟ جاءوا، موظفين محالين للصالح العام خبراء في كل شأن وعلماء من الطراز الاول، وطلبة جامعات وسياسيين ونقابيين ونساء بهيات بهاء "فاطنة"، وشباب ووفد من الحركة الشعبية ولفيف من افراد التنظيمات السياسية، واعلاميين وصحافيين وجمهور متعطش حد الوله لليالي سياسية عامرة، وأرواح هيمانة في محبة الوطن، تحلم به صاحباً بعد طول سبات، ناهضاً بعد عقد ونصف من القعود.
جاءوا، خفافاً عندما أذن الداعي للقاء، الاستاذ محمد ابراهيم نقد ... تقسم بالله ثلاثاً وعلى كل مقدس لديك، أنه سوداني قح، وسليل وطن عز، وفلذة كبد شعب عظيم، ببدلته الصيفية، والشيب الذي طغى على الشعر، والقوام الذي ازداد نحافة، فازداد الحس رهافة .. وسرت الطرفة والنكتة من بين ثنايا تعقيد معضلات الوطن المتلتلة عذبة وسهلة ومفرحة ومفرجة عن هم وكروب. وبدا سكرتير عام الحزب الشيوعي، واثقاً وهو ينتصب امام شعبه مستجيبا لضرورات التطور والتغيير، فجاء خطابه موسوعة متنوعة فيها قطف من كل ما يهم الناس، في تواضع جم، لحزب يتعلم من عمال السكة حديد، ويتدارس مع صغار المزارعين، ويستمد عنفوانه من فيوض العقول المدربة والمجربة، وطاف نقد بسلاسة مع الجميع في جميع الهموم، يشركهم الرأي، ويطرح الحجة تعضدها الأرقام في شأن التعليم والعلاج والعمل والسكن والبترول والسلام والاتفاقات والمشاركة والتحول الديمقراطي، مع الجميع بدون ادعاء احتكار .. فساحة النضال من اجل الغد المشرق تحتمل كل السودانيين او ان التواطؤ على نهج الديمقراطية التعددية، وحرية العمل السياسية النظيف وهي المعاني التي يعشقها شعب السودان ومن اجلها يحتمل الضنى والتنكيل!!