ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
ما لم يقله مولانا/محمد الحسن محمد عثمان عن قضاء الإنقاذ بقلم سارة عيسي
سودانيزاونلاين.كوم sudaneseonline.com 7/31/2005 9:12 م
أنا من المتابعين لمقالات الأستاذ/ محمد الحسن محمد عثمان القاضي السابق بالمحكمة العليا عن القضاء المستقل ودوره في ترسيم خطوط العدالة في السودان ، والأستاذ/ عثمان مقيم ألان في الولايات المتحدة ولكن بعده عن أرض الوطن لم يمنعه من مشاركة الناس همومهم في رحلة بحثهم عن مرافئ العدالة التامة ، فهو يكتب مقالاته في موقعي ( سودانيل ) و ( سودانيز أون لاينز ) وأنا واثقة أن له العديد من القراء في هذه المواقع الطيبة ، فالرجل يكتب عن قضية عامة ولكنك تحس بأنه يكتب بحبر تجربته وهو يخط تلك المقالات التي تصف القضاء السوداني والذي أصبح الان عاجزا عن تحقيق العدالة ومتهما بالتواطؤ والمشاركة في الجرم ، فالاستاذ / عثمان حريص و غيور في نفس الوقت علي سلامة هذا الجهاز العدلي والذي يعتبر أهم ركيزة في استقرار أمن الدولة وحكمها ، والعدل هو راس سنام القضاء فإذا فقد القضاء هذه الميزة فسوف يصبح بالتأكيد محل شك وريبة ولن يلجأ اليه الا من أطمأن بأن حكم القضاء سوف يكون من صالحه ، ولذلك ربط القرآن صفة العدل بالتقوى والتي تعد أعلي درجات الأيمان ، ولقد تطرق الأستاذ/عثمان إلي حادثة وقعت في الثورة الحارة 21 بأمد رمان أيام الديمقراطية الثالثة ، وتعود قصة تلك الحادثة أن منظمة خيرية مسيحية أنشأت دارا للعجزة والمسنين بهذه الحارة والتي ينحدر معظم سكانها من الإقليم الشمالي ، ويقع بالقرب من هذه الدار مسجد تقام فيه صلاة الجمعة ، ولم يهتم السكان في البداية لأمر هذه الدار علي الرغم من انتشار الشائعات بينهم بأنها أصبحت مركزا لاجتذاب الناس إلي الديانة المسيحية ، ومن سوء الحظ تصادف وجود أحد كوادر الجبهة الإسلامية في هذا الحي وهو أستاذ جامعي ولكنني بسبب تقدم العمر ومشاغل الحياة لم أعد أتذكر اسمه وكان يؤدي الصلاة في هذا المسجد والذي يقع بالقرب من هذه الدار كما أسلفنا ، فلم يرق هذا الحال لهذا الأستاذ الجامعي المتأسلم فبدأ في تحريض السكان علي هدم هذه الدار وطرد القائمين عليها من الحارة ، وانتقلت هذه الدعوة كالرماد في الهشيم بين أبناء الحي وأصبحت مادة دسمة لخطيب صلاة الجمعة وهو يؤم المصلين حيث طلب من المصلين أكثر من مرة الذود عن دينهم بالوقوف في وجه هذا الخطر القادم من هذه الدار التبشيرية ، ولم تخفي علينا أذيال هذه الحملة السياسية وان تبدت في شكلها العام علي أنها اعتراض بسيط من سكان حي تقطنه غالبية مسلمة علي بناء كنيسة وسط هذه اللحمة المتماسكة ، واصبح يرتاد هذا المسجد مصلون من خارج الحارة معروفين بانتمائهم للجبهة الإسلامية القومية كشكل من أشكال التأييد للسكان الرافضين لوجود هذه الدار في حارتهم ، وزادت الخطب الحماسية من حدتها ولمعت مظاهر التهييج والاحتقان ووجدت الأزمة حظها في صحافة الجبهة الإسلامية ، وبدأت الأقلام تكتب عن مشروع تبشيري عالمي قصد منه طمس الهوية الإسلامية في الثورة الحار ة 21 ، وأخذ النزاع منحي آخر وبرزت الفتاوى الدينية التي تبيح استخدام القوة من أجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فالمؤمن القوي أحب إلي الله من المؤمن الضعيف فأراد منتسبي الجبهة الإسلامية استغلال هذا الحديث النبوي الشريف من أجل الدعوة إلي الفتنة وإيقاظها من بياتها العميق ، فلم يعرف عن مسلمي السودان التوجس والخوف من بناء الكنائس لأنها موجودة في أهم الواجهات الحضارية للعاصمة الخرطوم ولم يكترث الناس لأمرها في السابق والكل كان متقبلا لفكرة التعايش السلمي بين الإسلام والمسيحية في أرض السودان ، فإذا لم تشكل الكنائس خطرا في قلب العاصمة الخرطوم فكيف لها أن تكون مصدر خطر للعقيدة الإسلامية وهي في الأطراف النائية ، خرج المصلون من المسجد بعد خطبة حماسية أجج فيها الخطيب الزائر مشاعرهم وحملوا العصي والطوب وقاموا بالهجوم علي الدار وإخراج كل من كان بداخلها . وفي وسط فورة الغضب قاموا بإتلاف كل ما وجدوه في الدار من ممتلكات ومتاع ، سكت أصحاب الدار الخيرية عن هذا التجاوز ولكن صبرهم لم يطل فقد خرجوا عن مسار الحكمة وقاموا برد الصاع صاعين فقاموا بالهجوم علي المسجد في يوم الجمعة بنفس الطريقة وأتلفوا كل ما وجدوه في طريقهم كما أنهم قاموا بالاعتداء علي المصلين بدون فرز ، وتعرض بعض المصلين للضرب الشديد ونزفت دماؤهم الذكية علي أرض المسجد ، ولذلك اعتبرت الفتنة في الإسلام أكثر خطورة من القتل نفسه لأن الفتنة تحرك المشاعر الجياشة وتفتح الباب علي مصراعيه من أجل الانتقام والتشفي ، وكالعادة لم يصب بأذى أي من دعاة هذه الفتنة المذهبية من تيار الجبهة الإسلامية وانزووا بعيدا ساعة الاعتداء ولكنهم عادوا للمرة الثانية ودعوا الناس إلي أمر أخطر من سابقه وهو الاستشهاد من أجل الدفاع عن الإسلام المغصوب في أرض الثورة الحارة واحد وعشرين ، وكان الحال يبشر بفتنة أعظم يهلك فيها فيها الصالح والطالح من ابناء الحارة ، فتخيل لو تحولت العاصمة الخرطوم إلي ميدان حرب ضروس بين المسيحيين والمسلمين حتى يفنوا بعضهم بعضا فما المغزى من هذه الحرب ؟؟ هل يعتبر الاسلام أو المسيحية قد حققا الفوز والانتصار بقتل المخالفين لهم ، ليست هذه هي النتيجة المرجوة لأن القتل المذهبي هو سلوك القرون الوسطي حيث غابت فيه شمس دعوات الحرية والاخاء ، وهنا برزت حكمة القضاء السوداني والذي عناه مولانا محمد الحسن عثمان في مقالاته ، أتي القاضي المقيم بنفسه ومنع الشرطة من التدخل وهذه كانت لفتة حكيمة لا يعرف أسبار غورها إلا من أتشح بثوب القضاء العادل في تلك الفترة ، فإذا تدخلت الشرطة في النزاع فسوف تعتبر متحيزة لصالح أحد الخصمين ، أخذ القاضي مفتاح المسجد والدار وأمر بإغلاقهما في آن واحد إلي أجل غير مسمي بعد أن تحولا إلي مراب للأسلحة والذخائر ، وأصبحت صيحات الحرب والنزال تسمع عن طريق مكبرات الصوت ، تم الرجوع إلي المستندات العقارية للدار التي أصبحت محل النزاع ، وعلم أن القائمين عليها كانوا لا يملكون ترخيصا بممارسة أي نشاط إنساني في هذه الحارة ، فالدار كانت قطعة سكنية تم استئجارها من صاحبها بغرض السكن وليس بغرض بناء دار للعبادة ، وانتهت هذه الأزمة علي خير وتم احتواء الموقف وتأسف الجميع علي فعلهم بعد سفك الدماء إلي حجم الغلطة إلي سيقوا إليها من غير أن يدروا عن طريق دهماء السوء من دهاقنة الجبهة الإسلامية القومية ، فقد أعمت الفتنة الجميع عن رؤية قيمة التسامح ولكن القضاء السوداني تدارك الموقف وأنقذ أهل الحي من مجزرة كريهة كانت سوف تراق فيها المزيد من الدماء البريئة بلا ثمن ، قبل الجميع بحكم القاضي وهو بان تغلق هذه الدار أبوابها ولكن ليس لكونها دار للمسيحيين ولكن لأنها خالفت قانون الإسكان والتراخيص وعرض القاضي علي أصحابها عددا من المواقع الأخرى بديلة للموقع القديم ، وبعد انقلاب المشير البشير وسيطرة الجبهة الإسلامية علي القضاء حاول بعض قضاة الجبهة إعادة النظر في هذه القضية للمرة الثانية ومحاكمة الذي هاجموا المسجد في صلاة الجمعة بحد الحرابة علي الرغم أن هذه القضية صدر فيها حكم واضح وصريح ولا داعي لنبشه من جديد ، وكان في القضاء السوداني بقية من حياء الماضي التليد فرفض فتح قضية أغلق حكمها في السابق ، هذه هي إحدى نماذج القضاء السوداني إلي أن ألتقي بكم في قضية اغتيال الطالب الشهيد /طارق محمد إبراهيم من قبل أجهزة الأمن السودانية في يوليو عام 91 وكيف تحولت مظاهرة سلمية لرفع مذكرة مطالب إلي رئيس القضاء بمأتم حزين فقدت فيه مدينة كوستي أحد أبنائها البررة وهو الشهيد طارق والذي كانت ذكراه تعطر أجواء كل من عرفهم من طلاب جامعة الخرطوم ، وهذه القضية لم يغلق ملفها ولا زال الجاني طليق السراح ، وسوف أعرضها بملابساتها الكاملة علي مولانا محمد الحسن محمد عثمان ليصدر فيها حكمه النهائي .
أختكم دائما وأبدا والقابضة علي جمر قضايا أهل الهامش والمتظلمين من نظام الانقاذ