ضياءالدين بلال
كانت صحف الصباح في الخرطوم تقول إن الدكتور حسن عبدالله الترابي حبيس كافوري استقبل ثلاثة من مشائخ الحركة الاسلامية احمد عبدالرحمن ومحمد يوسف محمد وعثمان خالد مضوي.. وأن الترابي وعد (بقلب صفحة جديدة) في علاقته وعلاقة حزبه بالمؤتمر الوطني.. هي ساعات فقط وخرج بعدها الترابي من محبسه الى الساحة السياسية والى كاميرات الفضائىات بجلباب ناصع البياض.. وبوجه ندي..وابتسامة بخاصية الكبريتيك00 فإذا بالصفحة التي وعد بقلبها لم تكن الى الأمام بل هي الى الوراء.. بل إنه عاد الى أول الكراس.. وعلى مساحة زمنية هي أقصر من عشر دقائق إذ الدستور الذي تقوم لجانه وتقعد(«ما فيهو أي شيء» يعطي باليمين ليأخذ بالشمال.. فكل الحريات مقيدة بقوانين تأتي لاحقة.. وإن كانت هنالك إيجابية، فهي التوسع في الحكم اللا مركزي) وهذا في رأي الترابي لم يأت إلا استجابة لحاملي السلاح.. كما أنه - أي الترابي - ليس سعيداً بهذا الخروج فهو يتوقع إعادته مرة أخرى لكوبر أو كافوري..!!
كانت انتقادات الترابي تخرج من فمه لاذعة كأنه أرادها أن تختزل كل غيظه وغضبه وهو يتنقل بين كافوري وكوبر لتصبح الأخبار التي تُنشر عنه ان فأراً قد عضه.. وأنه سقط أثناء تأديته للوضوء في مكان متهالك.. وأنه يصلح أبواب حابسيه بكافوري، ويعد طعامه بنفسه.. ويقلب في قنوات الديجتال متنقلا بين (CNN) و(MBC2).. أراد الترابي بانتقاداته تلك أن يفرغ شيئاً من غيظه وأن يترك ما تبقى لندوات الساحات المفتوحة..!!
الصادق المهدي وابنه عبدالرحمن وابنته دكتورة مريم.. استقبلوا الترابي بمقر المؤتمر الشعبي حينها هتف الشعبيون «أمة وشعبي حتى النصر» كانت تلك رسالة مفادها أن النسيبين سيمضيان في تشكيل جبهة معارضة هي الثالثة في تاريخ حياتهما السياسية منذ 1964م حركة القوى الجديدة مع سانو الى الجبهة الوطنية في بداية السبعينات.. والآن التحالف الوطني.. وهكذا دنيا السياسة ظلت لأكثر من أربعين عاماً تقرب بين الصادق والترابي وهما على رصيف المعارضة.. وعندما يميل أحدهما للسلطة عبر صناديق الاقتراع والآخر عبر صناديق الذخيرة.. يصبح حليف ورفيق المعارضة هو العدو الأول والخطر الأكبر..!!
أسمرا.. أنف وثلاثة ألسن..!!
الحكومة السودانية سلمت مجلس الأمن شكوى رسمية ضد اريتريا وحذرت في الوقت نفسه من أنها لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه العمليات العسكرية التي يقوم بها متمردو الشرق بدعم من أسمرا.. وفي صنعاء صرح وزير الخارجية مصطفى عثمان إسماعيل بمقدور الخرطوم أن تجند أكثر من عشرة آلاف لاجيء أريتري وتدفع بهم الى مقاعد الحكم بأسمرا.. مجلس الأمن وعد بالنظر في الشكوى.. والادارة الأمريكية قالت فقط إنها «قلقة» لما يحدث في شرق السودان وطالبت أسمرا بعدم تهييج الجبهة الشرقية السودانية.. ومبروك سليم قائد الأسود الحرة يعد بمزيد من الهجمات ويرفض تسليم النواب المختطفين..!!
الأستاذ حاتم السر الناطق باسم التجمع الوطني سارع بتبرئة اريتريا من كل ما يحدث في الشرق، واعتبر ما تقوله الحكومة السودانية ما هو إلا توهمات فقط لا أكثر ولا أقل.. أما الحركة الشعبية فقد اختارت خيار «الصمت».. فهي الآن تحرص على تجميد الكرة في وسط الملعب لا تريد أن تدافع ولا أن تهاجم.. فهي في انتظار التاسع من يوليو.. وعندها لكل حدث حديث..!!
بعد كل هذا يمكنكم تصور إدارة العلاقات الخارجية في الفترة الانتقالية.. جزء من الحكومة القادمة يستعد للهجوم على أسمرا.. وجزء آخر يدافع عنها.. والجزء الثالث يقف محايداً بين الموقفين.. ولكل واحد منهم ناطق وصامت رسمي يعبر عن موقفه..!!
ربا.. الضرورات!!
بعفويته الريفية وصراحته الرقمية المعروفة اعترف الزبير أحمد الحسن وزير المالية بأن هنالك كثيراً من الأنشطة الاقتصادية وبعض المشروعات الحيوية التي نفذتها الدولة خلال المرحلة الماضية كانت مصادر التمويل فيها «ربوية».. نعم قالها كذلك «ر-ب-و-يـ-ة) وقال وزير المالية أمام البرلمان إن الضرورات تبيح المحظورات.. وبشيء من الأسى والحزن وهو يضع يده على لحيته قال «كنت أتمنى ألا أكون وزيراً للمالية حتى لا أكون في هذا الموقف الحرج»..!
الأزمة الحقيقية التي تعبر عنها كثرة استخدام القاعدة الأصولية «الضرورات تبيح المحظورات» الى أن أصبحت هذه القاعدة الفقهية سائدة في أغلب الممارسات الحياتية.. هي أنها ترسخ اعتقاداً ذهنياً بأن كل الضرورات هي من المحظورات.. وأن ما هو «حلال» لا يكفي لإدارة الحياة.
أبوجا.. درس في الهندسة
أكثر التصريحات الصادرة من مقر المفاوضات بالعاصمة النيجيرية أبوجا.. كان يبشر باختراق جزئى في المفاوضات.. و«جزئى» هذه عندما تم تحديدها كان مقدارها أن الفرقاء بعد كل هذا الجدال والنقاش والأسابيع المتطاولة حسموا أمرين فقد أبلغ وزير الدولة بالخارجية نجيب الخير «عضو الوفد الحكومي» الصحافيين بتمكن الأطراف من الوصول لاتفاق «كامل».. «ولكن على جميع الفقرات الافتتاحية لمشروع إعلان المباديء وكذلك الاتفاق على العنوان».. هذا تعثر بالغ على ورقة مباديء عامة وأغلب بنودها مطلقة وتقرير لواقع وتأكيد لما هو متفق عليه.. يكون الاختراق فقط الاتفاق على العنوان وفقرات من الافتتاحية ليس كلها..!!
أبوجا نزاع مركب من ثلاثة صراعات.. صراع أساسي بين الحكومة والمسلحين بدارفور.. وصراع ثانٍ بين طرفي التفاوض «الحكومة والمسلحين» في مقابل «اريتريا وتشاد».. وهنالك نزاعات عديدة ومتفرقة داخل الحركات المسلحة نفسها عبدالواحد ضد منى أركو مناو.. وحربه ضد خليل وآخرون الآن في الصف..!!
وأبوجا كذلك نزاع دائري. نقطة نهاية أية قضية هي نفسها نقطة البداية.. وما يحسم اليوم يراجع غداً.. وما يتفق عليه في أبشي وطرابلس تتغافله أبوجا.. وبين مثلث التفاوض ودائرية الأجندة تكون كل المعادلات السياسية مفضية الى «صفر» هزيل..!!
قرنق وفاولينو.. التحرك عند الحاجة
أخيراً التقى الدكتور جون قرنق بالرجل الذي توعد بصوملة جنوب السودان اللواء فاولينو ماتيب إذا لم تصل الحركة الشعبية مع قواته لاتفاق.. قرنق لم يعلق على تهديدات فاولينو تلك.. ولكن يبدو أن تلك التهديددات هي التي مهدت لهذا اللقاء الذي تم بنيروبي ولم تنقل تفاصيله صحف الخرطوم.. وفاولينو هو حليف قديم للحكومة السودانية وأحد أذرعها العسكرية في حماية تدفقات النفط من جنوبي السودان يريد أن يصبح قيادة مقابلة لقرنق في الجنوب.. وقرنق يريد - على الأقل في الفترة الانتقالية - يريد أن يدير الجنوب إدارة مطلقة لا ينازعه عليها أحد..!!
اللواء التوم النور دلدوم القائد بقوات دفاع جنوب السودان وهو المقابل العسكري للام أكول في الشلك والمنشق عليه في اكتوبر 2003م. .وفاولينو ماتيب هو كذلك القائد العسكري المقابل لدكتور رياك مشار والمنشق عليه في النوير منذ 1999م ولم يتحدد بعد إن كان القائد سلفاكير هو المقابل العسكري لجون قرنق في الدينكا.. أم أنها كانت «سحابة صيف وعدّت».
التوم دلدوم كشف عن مقترح حكومي يقضي بتخصيص «5» آلاف جندي وضابط من نصيب الجيش السوداني في القوات المشتركة بالجنوب للفصائل الجنوبية.. وقال دلدوم إن الفصائل اتفقت على توزيعها «1000» لبحر الغزال ومثلها لكل من الاستوائىة وأعالي النيل فيما ترك ألفا جندي للقائد فاولينو ماتيب يوزعها كيف يشاء..!!
إذن الصورة هي هكذا.. قرنق يحرص على إشراك التجمع في مفوضية الدستور وفي الحكومة الانتقالية وفي البرلمان ليصبح ذلك كرت ضغط في قلب المؤسسات في الشمال يحركه وقت شاء وعند الحاجة.. والمؤتمر الوطني يريد ماتيب ودلدوم في قلب المؤسسات العسكرية في الجنوب يحركها كذلك عند الحاجة..!! ودقي يا مزيكة «لكن برّاحه»..!!
يومين
رفض الاستاذ علي محمود حسنين رئيس وفد التجمع لمفوضية الدستور نائب رئيس الحزب الاتحادي وصف إتفاق القاهرة بأنه (صفقة) بين حزبه والحكومة.. وقلل من حديث محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي عن وصف إتفاق القاهرة بالضعف.. وأضاف وهو يتحدث في مؤتمر صحفى (من حق أي حزب داخل التجمع أن يسعي للمزيد لان التجمع يمثل الاتفاق على الحد الأدني ولكل حزب سقفه الأعلى)..!!
اقدار السياسة السودانية وتقلباتها هي التي تجعل حسنين في يوم الأثنين ينتقد مسودة الدستور ولجان إعدادها.. وبعد يومين فقط يتحول من ممثل إتهام إلى ممثل دفاع عن إتفاق القاهرة وعن الدستور وعن الميرغني.