لقد اهتمت جميع دول العالم ومنظماته ومؤسساته الاكاديمية والاجتماعية
والسياسية بضرورة الاستعداد للدخول الى العولمة وبما اننا لسنا بمعزل عن هذه
الدوائر لذلك وجب علينا كذلك الاستعداد ويتمثل استعدادنا اولاً فى نبذ
السلوك والعادات غير الحميدة المنتشرة فى مجتمعاتنا ثم التسلح المعرفى
والاستفادة من خبرات الدول والمجتمعات الاخرى واخيراً البحث عن العلل
والآفات والامراض الموجودة بيننا وبحث كيفية علاجها واستئصالها لنتمكن من
الانطلاق نحو النهضة والنموء والتطور .
القيادات لها دور كبير فى تطور الامم , فاذا نظرنا الى التاريخ البشرى
لوجدنا كثير من الامم نهضت وتطورت لعدة اسباب من اهم هذه الاسباب وجود قادة
اكفاء , فنحن فى السودان توجد لدينا ازمة ليست فى اختيار الشخصيات القيادية
ولكن فى خبرة ومعرفة هذه الشخصيات ولا اعنى خبرتها فى تخصصاتها او معرفتها
بعمل ما ولكن الخبرة فى كيفية ادارة دفة الحكم بالنسبة لدولة كاملة , فقد
توالت ازماتنا منذ الاستقلال ولم يكتب لنا التطور بل ظللنا نتقهقر عام بعد
عام الى الوراء واسباب ذلك فى تقديرى هو عدم استطاعتنا توفير واعداد قادة
يمكنهم قيادة دفة الحكم فى بلادنا .
لقد نجح السودانيون فى مختلف الادارات وبانواعها المتعددة سواء كان فى
الداخل او الخارج الا انهم لم يستطيعوا النجاح فى ادارة دفة الحكم والدليل
على ذلك هذه الازمات التى حلت ببلادنا منذ الاستقلال , فمثلاً يكون الطبيب
ناجحاً فى مؤسسته ويقدم ابداعات كثيرة فى مجاله , كذلك المهندس فى مجاله و
كذلك الزراعى وايضاً الامر يشمل الاقتصادى والقانونى والعسكرى , فالنجاح
يكون حليفهم ويقدمون اروع الانجازات فى مجالاتهم المختلفة لكنهم وللاسف
الشديد لايكونون كذلك فى ادارة دفة الحكم واعنى هنا قيادة البلاد الى النماء
والتطور والنهضة وترك السلوك العادات غير الحميدة التى تحارب العمل وتدعو
الى الكسل والخمول فالقادة هم الذين يسيرون باقى قطاعات المجتمع فاذا نجحوا
فى وضع الاستراتيجيات والخطط وتنفيذها كانت كل قطاعات المجتمع ناجحة واذا
كانوا غير ذلك فلا ذنب للمجتمع اذا كانت سلوكه وعاداته وافعاله غيرقويمة " اذا
كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة اهل البيت الرقص والطرب " , لذلك لابد
لقادة الامة ان يتبنو السلوك القويم والعادات الحسنة التى تدعو الى العمل
والمعرفة والتحديث والتجديد والتطوير والنهضة , وفقداننا لمثل هذه الاشياء
هو السبب فى عدم تطورنا ونهضتنا منذ الاستقلال بالرغم من تعاقب عدد من
الحكام الناجحين فى تخصصاتهم المختلفة على قيادة البلاد !.
اذا اردنا للدولة ان تتطور وتزدهر فلنبدأ بصناعة القادة وذلك بالتدريب
والاعداد على كيفية ادارة دفة الحكم وانشاء معاهد واكاديميات تعنى بعلم
"القيادة " تكون مثلها مثل تلك التى تعنى بالطب والهندسة والادارة , ثم بعد
ذلك العناية بالتدريب الخارجى فى الدول التى نهضت , بعدها يمكننا تقديمهم
للحكم .
اننا منذ الاستقلال لم نستطع ان نشير الى قائد لامتنا استطاع ان يقود الامة
الى النماء والتطور والرقى والنهضة والدليل على ذلك خلو مكتباتنا من
المذكرات و الكتب التوثيقية التى توضح كيف كانت قيادة هذه الامة وماذا فعلت
هذه القيادات ومن اين يجب ان يبدأ خلفهم فازمة بلادنا فى ازمة القادة , فكيف
يستطيع ان ينهض بامة من اتى من قصر ابيه الى القصر الجمهورى مباشرة او من
اتى من المستشفى الى القصر الجمهوري او من اتى من المحكمة او مكتب المحاماة
او من مؤسسة اقتصادية او عسكرية او مدرجات جامعة , بالرغم من انهم ربما
يكونوا ناجحين فى مؤسساتهم المختلفة لكن ليس بالضرورة ان يتواصل نجاحهم فى
ادارة الحكم . والحكم لا اعنى به النواحى السياسية او الاقتصادية فحسب بل
اعنى الحكم الشامل الذى يغطى كافة الجوانب ابتداءاً من القطاع الاجتماعى
وكيفية وضع الاستراتيجية لتنميته وكيفية متابعة هذه الاستراتيجية الى ان
تصير واقعاً ملموساً ثم القطاع الاقتصادى فالامنى فالسياسى فكلها حلقات تكمل
بعضها البعض اى تعطل او خلل او توقف فى احداها يؤدى الى توقف كافة الحلقات.
تهتم الدولة بامر التدريب الداخلى لينال الناس القسط الوافر من العلم فى
التخصصات المختلفة يستطيعوا معه العمل بنجاح , فقد اقيمت معاهد ومراكز
للتدريب الاكاديمى والمهنى لكافة التخصصات من طبية وهندسية وزراعية
واقتصادية وعسكرية وقانونية وتربوية , كما اهتمت الدولة بامر التدريب
وابتعثت مجموعات من بنيها ليتدربوا خارج البلاد فى كافة المجالات وقد نجحوا
, لكن وللاسف الشديد الشيئ الوحيد الذى لم نعطه حقه من التدريب هو كيفية
ادارة دفة الحكم فى البلاد فنجد ان الذين قادوا بلادنا قد درسوا فى مجالات
معينة وعملوا لفترات طويلة فى هذه المجالات واخذوا تدريباً وافراً داخل
وخارج البلاد فى هذه المجالات اتى بهم الحظ بعد ذلك ليكونوا قادة للامة ,
فانهم قطعاً سيبدأون من الصفر فى البحث عن كيفية ادارة البلاد و ماذا سيفعل
الشخص منهم الامر الذى يجعله متخبطاً فى عمله تارة شرقاً واخرى غرباً , تارة
يصيب واخرى يخطئ , يفرض سياسة ثم ما يلبس ان يلغيها وياتى باخرى وهكذا
وعندما ياتى آخر بعده لايجد سياسة واضحة ولا يجد محطة يبدأ منها بل يبدأ هو
الآخر من الصفر , وحتى الذين يكون لديهم مستشارون نجد ان المستشارين ليست
لديهم الخبرة العملية فى ادارة الحكم ودائماً تكون وجهات نظرهم ضيقة جداً
ينحصر نطاقها فى الجانب الحزبى او الجهوى او العقائدى , يتناسون معه ان
القائد يقود امة تتألف من عدة امم وعدة جهات وعدة عقائد وعدة قبائل وعدة
مناطق , ويتناسون ان دولة القائد يجب ان تقيم علاقات متوازنة مع دول ذات
سياسات و معتقدات وافكار وثقافات متباينة مع ما لدينا .
اننا دولة حديثة التكوين وربما نكون الى الآن فى حالة مخاض لذلك امامنا
الفرصة للاستفادة من الدول الاخرى التى اكتمل بناؤها وذلك فى العمل على وضع
الاستراتيجيات والكيفيات التى يمكن معها ان نقدم اشخاصاً يستطيعون ادارة دفة
الحكم , او ربما يمكن ان يتم ذلك بانشاء معاهد للتدريب على القيادة الرشيدة
نجلب له بعض الزعامات العالمية التى استطاعت ان تقود بلادها الى مستويات
ممتازة نستفيد منها نحن فى مثل هذه المعاهد او قل الاستفادة من مثل هذه
الزعامات والقيادات للعمل كمستشارين على الاقل فى معرفة كيفية تعامل القائد
مع حكومته وشعبه وكيفية التعامل مع تطبيق الاستراتيجيات الموضوعة وكيفية
ادارة الوقت بالنسبة لقائد الامة الامر الذى يختلف عن ادارة الوقت بالنسبة
للفئات الاخرى فالوقت ليس ملكاً خاصاً له فهو ملك لكل فئات المجتمع الموجودة
كما انه ملك لكل فئات المجنمع من اجياله القادمة لذلك يجب ان يحسن التصرف
فيه وعدم اهداره الا فى ماينفع ويطور .
يجب على قائد الامة ان يكون ملماً بكل اخبار واحوال قادة الامم الاخرى
الحاليين والسابقين وكيف يصرفون امورهم , يجب على قائد الامة ان يكون له
زمنا خاصاً به بعيداً عن الناس يفكر فيه ويبحث فيه كأن يكون له زمناً يتجول
فيه فى القنوات الفضائية العالمية , كذلك يكون له زمناً يلازم فيه الحاسوب
يتجول عبر الانترنت حول العالم لمعرفة الآراء والافكار و السياسات فى العالم
من حوله , يجب ان يستفيد من خبرات القادة حول العالم بالسفر والاحتكاك بهم
ونقل تجاربهم الناجحة وان يكون فى ذلك بعيداً عن مراسمنا التقليدية التى
تحجبه عن الاستفادة المباشرة من الاخرين, يجب على قائد الامة ان يبدأ بنفسه
فى تغيير السلوك والعادات التى تحارب العمل واهدار الوقت للاحتفالات
واللقاءات والجلوس للانس والتى لا نستفيد منها شيئاً , كما يجب على مستشارى
قائد الامة ابعاده عن الامور الروتينية والعادات التقليدية التى ظللنا نداوم
عليها منذ الاستقلال ولم تغير احوالنا بل جعلتنا قابعين فى مكاننا حتى الان
.
صلاح الدين حمزة الحسن
لاهاى - هولندا