نطالب بالتحقيق في مذابح شرق السودان، وضرورة عدم إفلات مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية من العقاب.
من المسؤول عن تنفيذ الإعدامات خارج نطاق القضاء لشباب الرشايدة في بورتسودان وسواكن وكسلا وحلفا الجديدة.
الحلقة الثالثة
محمد الزين، محامى و باحث في العلاقات الدولية بجامعة لندن
نحاول في هذا المقالات الاستمرار في فتح ملف إنتهاكات حقوق الانسان في شرق السودان وذكرنا في الحلقات الاولي والثانية أن نظام الانقاذ أرتكب في خلال السنوات السابقة من عمره العديد من إنتهاكات لحقوق الانسان في شرق السودان وفي مناطق متعددة ومن أهمها والتي أرتكبت فيها جرائم ضد الانسانية:
مذابح قرى بمحافظة همشكوريب بولاية كسلا، ومذابح مناطق قبيلة الرشايدة (الزنيمات، الباعصه، البراطيخ). ومذبحة قاوي بمحافظة طوكر جنوب البحرالاحمر، ومذابح القصف الجوي علي المدنيين في قرى ساحل جنوب البحر الاحمر.
ثانيا: قرى بمحافظة همشكوريب بولاية كسلا:
شملت الانتهاكات لقري تلكوك، تهداى، يدروت، ميكيت، قرقر، بلاستف، وقمايت، مامان المسجد، مامان شرمت، قداماييب، ونذكر علي سبيل المثال لا الحصر: أن قوات الجيش دخلت منطقة قدامايب في أكتوبر 1996،وقامت بإنشاء حامية صغيرة وبعض المواقع الدفاعية . وفي شهر مارس قام الجيش بزراعة الألغام الأرضية . إلا أنه في العاشر من أبريل 1997 تم طردهم من منطقة بواسطة المقاومة الشعبية.
" كانت هناك حامية عسكرية في قدامايب وقام جنود تلك الحامية بإحتلال كل القرية في ذلك الخلوة والمسجد ، كما قاموا أيضاَ بإيقاف التدريس في الخلوة . كما دخلوا دكان التعاون و أخذوا منه كل شئ . وبعد ذلك بدأ الجنود يأخذون الحطب من المنازل لإستخدامه كوقود . وقاموا بحفر خندق داخل الخلوة في مكان قريب جداَ من مسجد . وزرعوا الألغام الأرضية في خور جاف وحول القرية ، وفقدنا بسبب هذه الألغام الأرضية خمسة عشر جملاَ .ولما كان المسجد مشيداَ من الحطب ، فإنهم قد نزعوا بعضاَ من هذا الحطب لأستخدام كوقود ولإعداد الخنادق الخاصة بهم.كما أنهم أخذوا حزماَ من الحطب وشحنوها في عربة لوري، أما ماتبقى من الحطب فقد ألقوابه بعيداَ . وقاموا أيضاَ بسرقه الحظائر من السقف وكذلك المشمعات .ولقد هجر المواطنون المسجد والخلوة ، أن المنطقة تعانى من الفقر الشديد لدرجة أن المواطنين لايستطيعون إعادة تشيد المبانى التى أصابها الدمار ، كما أن المنطقة لاتزال عرضه الى مزيد من الغارات والهجمات الجوية والبرية من قبل الحكومة السودانية.
( رواية الشيخ محمود أبو علي إمام مسجد قداماييب).
أحداث ربسم، تقع قرية ربسم بالقرب من همشكوريب في شرق السودان . وفيما يلى يصف لنا ، محمد على ، أحد مواطنى ربسم ماحدث لمسجدهم في أبريل 1997م ، عندما كانت القرية مسرحاَ للمعارك التى دارت بين القوات الحكومية وقوات مؤتمر البجا المعارض .
قال محمد علي: ّقامت الدبابات الحكومية في يوم المعركة ، بأخذ ساتر في شكل شبه دائرة وبدأت تطلق النيران علينا في أثناء هروبنا من القرية .. وفرينا نحن وأطفالنا الى وديان في أتجاه الأراضى الأثيوبية .. وقصفونا بالمدافعية الثقيلة والدبابات ... وجرينا الى الجبال المجاورة ولم نكن نحمل معنا أى شئ ، لذا لم نجد ما نأكله ، وتفرقت بهائمنا في كل الإتجاهات . وفي اليوم التالى عاد الجنود مرة أخرى .. بدأت الطائرات والمروحيات التى تحمل المدافع بقتل ماتبقى من الحيوانات وتدميرما تبقى من المنازل والمتاجر .. في ذلك الأثناء لم يكن هناك أى شخص في القربة .. وبينما كنا نختبئ في الجبال وخلال ثلاثة أيام توفى تسعة أطفال من الجوع والعطش.في اليوم الأول من القتال ، جاءت دبابة الى وسط ربسم و سحقت المسجد . وبعد ذلك قامت المروحية التى تحمل المدافع بإطلاق النار عليه. وبدأ الجنود في تكسير المنازل مستخدمين أياديهم .وبينما كنت أجرى ومعى أطفالى، شاهدت بعينى دبابة تقوم بتدمير المسجد. فكنت في تلك اللحظات أفكر فقط في الهروب، إذ أنني لم تكن لدى المقدرة والقوة للرد على ما فعلوه ". (إنتهت رواية محمد علي).
قال أحد الشهود أن القوات الحكومية قد استخدمت أيضاَ مسجد أخر كموقع لإطلاق مدافع الهاون . ويعتقد السكان المحليون أن الجيش الحكومى يحاول أثارة مؤتمر البجا للانتقام بإطلاق النار على المسجد، إلا أن مقاتلي مؤتمر البجا لم يفعلوا ذلك .وهذا ايضا ماتم في توقان.
ثالثا: انتهاكات حقوق الانسان في مناطق قبيلة الرشايدة
(الزنيمات، الباعصه، البراطيخ)
بداية المشكلة بين الرشايدة والحكومة كانت في أثناء حرب الخليج الثانية فبعد المظاهرات التي نظمتها الحكومة السودانية ضد السعودية والكويت، تم قصف عربات الرشايدة بالحجارة (بإتهامهم بمولاة لال صباح وآل سعود )، ولان الرشايدة كانوا ضد احتلال العراق للكويت، حتي تم اعتقال (نفاع بركات) أحد شيوخ الرشايدة وبعد سفره للسعودية ومقابلته للملك فهد مؤكدا موقف الرشايدة ضد احتلال العراق للكويت.وعليه صدر قرار من نائب والي كسلا طبيب الاسنان د/ بشري العييد ومؤيد من الوالي العميد العوض وبموجبه تمت مصادرة عربات الدفع الرباعي من قبيله الرشايدة فقط، وعددها 600 سيارة ، و الخاصة بالجنود الرشايدة الذين يعملون في الامارات، وهم الذين حضروا لقضاء شهر الاجازة في السودان، وصادرة الحكومة سياراتهم بحجه التهريب، من غير أي محاكمات. وعليه بدأت حملات انتهاكات لحقوق الانسان في مناطق قبيلة الرشايدة (الزنيمات, الباعصه, البراطيخ).ومن الامثلة علي ذلك:
· مصادرة 850 قطعة ارض من قبيلة البراطيخ في قرية مستوره مدينة كسلا. والممنوحة للرشايدة بواسطة المحافظ حيدر حسين في برنامج القري النموذجية للرحل.
· مصادرة 600 عربية لاندكروزر و تقول الحكومة بسبب التهريب وهو قرار اداري و من الجهات الامنية وليس القضائية .
· طرد الـ 6 الف رشيدي في القوات الاماراتية بسبب موقف السودان المؤيد لاحتلال العراق للكويت.
و بعد عودة الاعداد الكبيرة من الرشايدة من الخليج الي السودان، وبالرغم من الضرائب التي ظلوا يدفعونها في إغترابهم لم تصلهم خدمات التعليم والصحه و غيرها.
لهذه الاسباب تحولت قضية الرشايدة الي قضية سياسية، فاجتمع الرشايدة بالسيد كاسبيرو و ذهبوا الي جنيف مقدمين شكاويهم و لم يفصل فيها حتي الان، حتي تأسس تنظيم الاسود الحرة في يناير 1999م، وبدأت إجتماعات التفاوض في ليبيا - طرابلس يونيو 2000م وكان من طرف الحكومة د.مصطفي عثمان واللواء عبد الرحيم محمد حسين و اللواء د. مطرف صديق، واتفقوا علي تكوين 4 مجالس رحل + خدمات + تعويض ولم تنفذ حتي الان.
وخلال تلك الفترة وقعت انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان في مناطق قبيلة الرشايدة ومقتل حوالي 570 من الرشايدة، ومنها:
· في عام 1992م، تحرك المواطن نافع عبيد عمران وآخر حلنقي من كسلا صباحا بعربة هايلكوس، وأوقفهم الجيش في الطريق وربطهم في حوض العربه وفي كبري الاشراف قذف الشخصين من الكبري ورميهم بالرصاص ويوجد تقرير طبي بذلك في مستشفي بورتسودان. و وجدت العربة في معسكر الجيش اللواء السادس في القرية ، وثم القبض علي أحد المتهمين وحكم في محكمة سنكات وادعت الحكومة بانه جندي في الجيش ولكنه قاصر(طفل) ، لم يقم فيه الحد.
· في عام 1993م، مرشود عوينم – قبض عليه في حملة تمبول ومعه اخر- بواسطة الجيش وقتل رميا بالرصاص والآخر بعد التعذيب اصبح مجنوب، وشرح القتيل في مستشفي بورتسودان .
· في عام 1993، خرج المواطن الحسن عبدالله بسيارة من كسلا مساءا لشراء سكر تموني وحلاوة لاطفاله، وفي كمين للدفاع الشعبي علي الطريق تم قتله. وتم تشريح الجثة في مستشفي كسلا.
وهناك العديد من الاحداث في الاعوام التالية ونشير اليها علي سبيل المثال: قامت قوة من الامن بالقبض علي مواطن مجنون في طريق كسلا وأوسعوه ضربا وتعذيبا، وتم الافراج عنه بعد دفع مبلغ 2 الف جنية سوداني كرشوة للمسئولين. أيضا قامت قوة من الجيش بنهب سيدة في منزلها اخذو الذهب من شنطتها، ورفعت شكوي الي مدير أمن كسلا ود العمدة احمد جعفر و الي محافظ المحافظ (عيسي)، الذين قالوا أن المسئؤلية للامن الاقتصادي وهم تحت أمرة العميد صلاح كرار، وتعرض المحامي عمر محمد علي الذي تقدم بالشكوي للتعذيب من شلطات الأمن في حلفا وتمت مصادرة السيارة التي كان يستقلها الي حلفا.
في اواخر عام 1998، تم إعتقال المواطن عبد الرحمن المليح وتم قتله بمدفع RBG وهو مربوط علي مقعد سيارته وامام اهل منطقته في جدار ملوية.
وغيرها من الروايات التي يشيب لها الولدان، و لا يقبلها الاسلام او أي إنسان، وخطورة الامر أن هذه الانتهاكات كانت ترتكب بإسم الاسلام والاسلام برئ منها ومن فعلها. وقد تمت هذه المذابح تحت بصر وسمع قادة الجبهة الاسلامية وقادة الاجهزة الامنية والعسكرية، فالمسئولية تضامنية لقادة الانقاذ، والله يمهل ولا يهمل، وإقتربت ساعة الحساب.. ونراها قريبة وهم يرونها بعيدة.
و في خاتمة هذه الحلقة أدعو أبناء شرق السودان والمهتمين باوضاع حقوق الانسان في السودان بدوام المراسلة والرصد لتكملة هذا الملف ، وكما أوجه الشكر لشباب الرشايدة في الخليج (مكتب الاسود الحرة) بامدادنا بتفاصيل عن انتهاكات لحقوقهم. وفي الحلقة الرابعة إن شاء الله سننشر رسالتهم الوثائقية والقيمة ولتمليك المواطن السوداني الحقائق كاملة عن انتهاكات حقوق إنسان الشرق من قبل حكومة الجبهة الاسلامية القومية. ولابد من معاقبة مرتكبي هذه الجرائم ضد الانسانية في شرق السودان.
الله ومن بعده الوطن من وراء قصد السبيل
محمد الزين، لندن
28 يوليو 2005