السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

هل يصبح حي الموردة بامدرمان أول قرابين العولمة ؟! بقلم محمد عبد الحميد

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/28/2005 12:41 م

هل يصبح حي الموردة بامدرمان أول قرابين العولمة ؟!

قال الأديب الرائع المرحوم علي المك مناجياً مدينته أمدرمان:

" أحبك يا مدينة البعوض والذباب والزبالة "

تكشف عبارة الأديب عاشق أمدرمان عن حالة استطلام وجداني ، وجذب صوفي لمدينة بكل ما بها من مظاهر حتي وإن كانت من ذلك النوع الذي يقض المضاجع أو ينقض الظهر ... وللعشاق ضروب شتي في عشقهم لا يستقيم تفسيرها ولا يحق إلا لمن ذاق طعم ذلك العشق فهو مختلف المذاق لمن لم يأت بالهوى . لأن لكل مدينة طابعها ، ولأن لكل محب في حبه مذهب وهكذا ذهب علي المك مع حبه الي مداه الأقصى فربض عاشقاً مدينته بكل ما فيها وبكل ما عليها ، وليس لأحد الحق في لوم الأديب العظيم اذ عشق مدينيه لا لكونها قذرة كما تحمل من الوهلة الأولي ، وإنما لما يحمل طابع تلك المدينة من معالم قد لاتتكرر في أي بقعة من بقاع الأرض وذلك دأب العاشقون. اذ العشق للمدن لايعترف بسيماء العمارة ولا رقي الحضارة . فالمدن مثل الأشخاص لكل منها بصمة وطابع تمتاز به ورائحة تميزها . ورغم أنها من صنع البشر ، إلا أن ذلك الطابع هو يشد البشر للمدن كأنهم مفعول به من قبل الطبيعة حيث يختفي الحد الفاصل بمرور الزمن بين ما صنعه الإنسان وما وهبته الطبيعة فيصبح البشر أسري بتسليم قدري حيث يصلون لدرجة عالية من التكيف مع أوضاع مدنهم لدرجة أن يري بعضهم ذباب مدنهم وكأنه سرب من أسراب طير الجنة . أو عندما يقتلعهم القدر ويحملهم بعيداً عن موطن عشقهم لبعض شأنهم تراهم يرددون مع حصان أبي الطيب المتنبئ عندما قال في دخيلته للبشر وهو يغادر شعب بوان:

أبوكم آدم سن المعاصي وعلمكم مفارقة الجنان

اذاً لا تثريب علي الأديب علي المك إذ عشق أمدرمان بحلوها ومرها ، ويجب ألا يفهم أن المدينة العتيقة عصية علي التطور ... فالتطور إن لم يقل المرء بحتميته فإنه سنة تجري علي الإنسان والجماد. بيد أن التطور في ذاته باعتباره من صنع الإنسان قد يأخذ الطابع السلبي وقد يأخذ الطابع الايجابي ،لأن تعريفه العلمي ينحو باتجاه فضفاض علي أنه التغير البنيوي Structural Change لذلك عمدت الدوائر الأكاديمية ليس فقط لرصد حركته وإنما العمل علي التحكم فيها حتي يكون له أكل علي كل الأمداء، القصير ، المتوسط منها والطويل – فدراسات الجدوى البيئية تشهد كمحاولات للتقليل من مخاطر فعل التطور . كما أن علم دراسة المردودات البيئية يصب في ذات النزوع .

غير أن حيرة الإنسان تجعله يقف ذات موقف الذهول الذي وقفه " متعب الهزال " أحد شخوص رائعة الروائي عبد الرحمن منيف " مدن الملح " عندما دهمها تطور البترول اذ كانت حركاته جيئة وذهاباً بفرسه للواحة التي كان مشدود إليها ، أبلغ تعبير عن حالة اغتراب المواطن عما يدور في بلاده ، حيث صارت واحته بكل ما تحمل من رمزية الانتماء الصميمي جزءاً من محميات حقول البترول التي قامت فجأة ودون سابق إنذار . فالمشهد بكل دراميته يحكي عن مدي فوقية عملية التطور حتي وان كانت تصب في مصلحة ابن المنطقة ... لذلك جاءت نظريات التنمية عندما فشلت مناهج التنمية الفوقية Top down لتتبدل بمناهج " التنمية بالمشاركة " Participatory approach مع ذلك وبالرغم من ذلك فإن أهل الحكم في السودان لم يجدوا من العولمة إلا أظافرها الحادة وإتخاذها ذريعة لإقصاء المواطن عن حقه في المشاركة بل والاستشارة مع العلم أن العولمة في تجليها السياسي تفرض العمل بمبدأ الحكم الرشيد حيث ركائزه في الشفافية والمحاسبية والمشاركة تقضي بطرح أي مشروع علي الملأ حتي يقول كل صاحب رأي رأيه ، فالاستثمار في السودان يقوم علي غير هذه القواعد ويتم في معظم الأحيان تحت الطاولة ، فعند كل صباح يستيقظ الناس علي وقع حوافر الجرارات العاتية وهي تنشب أظافرها في جوف الأرض لتنشأ دون علم الأهلين ما لا يعلمون أهو مصنعاً أم مسلخاً ؟ ألهم أم لأنعامهم ؟ !

فتراهم والحيرة تعلو محياهم وهم يرقبون تلك الآلات الي أن يقطع المشروع شوطاً مقدراً فتضح معالمه جزئياً بما شيد وجزئياً من خلال الاشاعات التى تتسرب هنا وهناك وفجأة يرون ان ما شيد عمارات إستثمارية في مجري النيل أو في خياشيمه عندما يريد التنفس بعيداً عن بيوت الزبالة . أو تظهر معالم قرية سياحية في متنفس بيوتهم عندما تدهمها مياه الأمطار فتتجه الي المصرف الطبيعي الذي وهبتهم إياهم الطبيعة ... وهذا تحديداً ما يحدث للموردة ذلك الحي الأمدرماني العريق الآن ...فانه يشهد حركة ضخمة لإنشاء بحيرة صناعية في خور ابي عنجة – متنفس الحي وكل غرب أمدرمان الطبيعي- وفكرة هذه البحيرة ليست جديدة إلا أنها ولأسباب غير جلية تماماً قد بعثت من جديد .كما انه من غير المعروف لماذا ماتت الفكرة اول الامر، ولماذا ظهرت بهذا العنفوان والقوة هذه المرة ؟؟.

علي كل فأن هذا المشروع وبغض النظر عن الدوافع المحركة له والجهات المستفيدة منه فان من شأنه أن يعمل علي تغيير ملامح منطقة الموردة وكل المناطق الواقعة غربها ليست من ناحية العمارة وإنما من ناحية الوجود أصلاً . اذ سيضعها في قبضة القدر اذا ما قدر لهذا المشروع ان يقوم .فالسلطات المحلية تعمل الان علي تضييق مجري الخور ليصبح بعرض 30 متر فقط ،بينما بقية المساحة من ضيفتي الخور ستكون مناطق سياحية وتجارية بحسب ما اعلنت معتمدية ام درمان –راجع صحيفة الراى العام الصادرة 25/7/2005م عمود ميرغني حسن علي تحت عنوان "بحيرة ابوعنجة كارثة " وستكون هذه المنطقة السياحية متاخمة لمنازل معظمها مبني من "الزبالة" وتعتمد في تصريفها (المراحيض البلدية )علي حركة فيضان النيل الذي يعمل علي سحب تلك المراحيض عند إنحساره عقب موسم الفيضان .فالأرجح انها لن تنال هذه النعمة مما سيعرضها لأن تكون عرضة للتلف الامر الذي سيعرض السكن بأكمله لعدم الصلاحية مع مرور الوقت . كما أن المنطقة بإعتبارها من أقدم أحياء أمدرمان وبسبب عدم التخطيط الجيد فإنها لن تجد مخارج طوارئ خاصة للمنازل المطلة علي الخور عند اندلاع الحرائق علي سبيل المثال حيث يتعذر دخول عربات المطافئ او الإسعاف للأزقة الضيقة في بعض المناطق هذا فضلاً عن ان المنطقة بأسرها بما فيها منطقة السوق والميادين الرياضية ستكون عرضة للغرق في حال حدوث سيل كسيل 1924م او سيل 1946م او فيضان 1988م لذا فان تضييق مجري الخور بهذه الكيفية يجعل المنطقة عرضة لكوارث الفيضان Flood

Disaster Prone area .هذا من جانب ومن جانب آخر فان الجهة أو الجهات القائمة علي استثمار هذه المنطقة –وبحكم منطق العولمة القاضي بتعظيم الأرباح - لن يحسب أي حساب لأهالي المنطقة لا في حالة التخديم اذا ما قام هذا المشروع الاستثماري ,ولا بالتعويض اذا ما تضررت مساكنهم ولا حتي بالتطوير لان المستثمر لن ينظر للمنطقة السكنية إلا بإعتبارها " مقلب زبالة " ,بيد انها لن تكون كتلك التي أحبها علي المك وإنما باعتبارها مصرف طبيعي لبقايا استثماراتهم .

محمد عبد الحميد


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved