من دوعي الفهم الصحيح لضرورات المرحلة دارفورياً ، وعلي صعيد من هم ملتزمون بالخط السياسي لأي من الحركتين ، حركة تحرير السودان و حركة العدل و المساوأة السودانية ، ضرورة الوحدة ، وحدة مصير ووجود ، بمعني أخر في حال عدم الأستيعاب الكامل للضرر الذي يمكن ان يحدث نتيجة للشرزمة إذا جاز التعبير ، يكون قاتلاً جداً في أوار الحرب الشرسة التي تخوضها الحركتين علي تراب دارفور و السودان بالنسبة الي قوي الهامش الأخري في الشرق وكردفان و الشمال النوبي .
يبدو أن الكثيرون من المشفقين علي الراهن السوداني ، قد ذهبوا بعيداً حينما أتهموا أهداف " ثورة الهامش " في دارفور في بواكير إنطلاقته ، فقد غمز البعض من قناة "النوايا الخفية " بأقامة دولة الزغاوة الكبري ، وقد كانت هذه الشائعة مقصودة في حسابات (شعبة شؤون القبائل ) في جهاز الأمن الوطني ، فكانت من نتائجها توجس البعض ، واثارة حمية البعض الأخر الي نزعات شوفينية ضيقة ، أثبتت الأيام مدي عدم صدقيتها ، وأخرون ركنوا الي مسلمة إفتراضية تحصر غايات الثورة الوليدة الي النزعة العنصرية بمجرد كون أن الثورة أنطلقت من الريف الذي هو بحكم الواقع مجرد مجال حيوي لقبيلة ما حسب جغرافية أية مكان ، في سابقة تخالف المعهود في أن الثورات - عادة - تقوم في المدن الرئيسية وخاصة العاصمة وبالتالي لربما يضفي المكان مجدداً ، قومية أو عنصرية الثورة ، بما أن في السودان كل شيئ يمكن أن تكون له معاييره الخاصة في ظل هيمنة "الجلابة" ، لعلك تتذكر معي "حركة المرتزقة " في السبعينيات من القرن الماضي كمثال واضح علي إنها ليست من نفس نوع " حركة رمضان 1989 " ، بمعني أن تتفحص في وجوه من قاموا بالثورة ، ليكون كافياً لتحديد - ماهية الثورة - وطنية هي أم عنصرية جهوية !
تأسياً علي ما سبق فإن مفاوضي الحركتين في ( Abuja ) لم يستبسطوا الأمور بإتجاه "النوايا الخفية" المفترضة زوراً لأسباب سياسية دعائية لنظام الأنقاذ ، وإنما لم يدرج المفاوضون مبدأ حق تقرير المصير (Self Determination ) ضمن أولي الجلسات التي دارت فيها سجالات في محاور فيما خص نقاط الخلاف ، مع إن (حق تقرير المصير) كمبدأ ضمن حقوق كل شعوب الأرض لجهة ميثاق الأمم المتحدة التي التزمت به – جمهورية السودان منذ إنضمامه اليها بعيد الأستقلال ، ففي حال أن مواطني دارفور قرروا بناءً علي إستفتاء عام - تقرير مصيرهم ، فليس هناك أدني حق للوحدويين ، رغماً عن أنف أن يملئوا الدنيا ضجيجاً ، لمجرد أن الشعب هناك مارس " لأول مرة " حقه في العيش حراً ، فالحرية حقٌ طبيعي لأي كائن ، بمعني أن عدم التهافت علي المبدأ إنما يدحض فرية دولة الزغاوة المفترضة أمنياً لزمرة " صلاح قوش " وموقع السيبري لها "smc " التي روجت الأكاذيب و القصص المفبركة (سليمان ديار) الذي لم نجد له أثراً في الواقع بينما هو موجودٌ ضمن خيالات الفضاء الأفتراضي لشعبة شوؤن القبائل .
حتي يكون هناك وحدة ووفاق حقيقي بين حركة تحرير السودان و حركة العدل والمساوأة السودانية ، يجب أولاً وقف الحملات الأعلامية و خاصة من جانب المسوؤلين ، فأنضمام أكثر الناس الي الحركتين ليست لدواعي ( إيديولوجية ) سابقة لهذه القيادات وخاصة في دارفور ، فلا يشطت بقايا اليسار لأعطاء الأنطباع أن حركة تحرير السودان (يسارية) كما جري البعض ممن هم مازالوا ملتزمين - بمشروع المركز اليساري - أن جاز التعبير ، فأطروحات (اليسار) اليوم هي نفسها ما تقول به (اليمين) من جهة المزايدة في إستخدام الدين لأغراض سياسية ، فبقدر ما أن التيار الأسلاموي في السودان تاجرت بمقدسات هذا الشعب ، وكانت النتيجة صفراً كبيراً ، فإن اليسار السوداني كان يبني قواعده من ضحايا (اليمين) بواسطة أدبياتهالتي تقوم علي مناهضة تجار الدين فكان هو الأخر حصيلته صفراً .
أري ان " ثورة الهامش" في دارفور في حاجة الي ان تبتعد كلياً عن أحزاب المركز ، لأنها ضمن إطار المشروع المشبوه الذي قاد السودان الي هذه النهاية ، فالألتزام بهذه الأجسام الحزبية القديمة إنما هي محاولة أخري لأجترار ما سبق وأن جربناها ، ليكون النتيجة معروفٌ سلفاً ، إذن ، المطلوب من البعض أن يتحرر من ربقة "الديمقراطية المركزية" ليكون مستقلاً في إبداء ما يؤمن به إذاء محنه أهله في دارفور ، عوضاً عن الألتزام الأعمي بما رمته "البروسترويكا " في قارعة الطريق ، في عصر نهاية الأيديولوجياً ، وموات التأريخ .
فقد فعلت حركة العدل و المساوأة خيراً ، حينما قالت ضمن المفاوضات أنها غير مكترثة بوجوب فصل الدين عن المؤسسات السياسية ، بل ذهب الكثير من قيادات هذه الحركة الي أن لا عودة الي ما من شأنه يفرق بين أبناء دارفور ويجب الأ تستثمر احزاب المركز مكاسب " ثورة الهامش " لمصلحتها ، كما فعلت " جبهة الأحزاب " قبيل ثورة أكتوبر 1964 بالتواطئ مع " جبهة الهيئات " فكانت النتيجة واد الثورة .
قوي الهامش في حاجة الي حليف أستراتيجي ، للوصول بالأهداف الي نهايته المنطقية بالنصر وأفول دولة الظلم التي أفقرت الناس وصنعت الحروب ، فقوي الهامش هي حاصل جمع المتفاعل من "مهمشي السودان " ليقولوا ما يجب ان يسمعة المركز ، وهذا يتطلب جهداً الي جانب ما يتم عبر تواجد المقاتلين في الميدان ، وأخرون يقّلبون الوثائق ويسهرون إستعداداً لجولة جديدة لمفاوضات (Abuja ) في نهاية الشهر المقبل ، فالتنسيق بين قوي الهامش و الأستفادة من تجارب البعض تفيد المسيرة ، وتعجل بانشاء فدراليات كاملة ضمن مؤاثيق ستشهد لها العالم ، حتي لا يأتي يوماً يكون فيها أجيال دارفور و الهامش ، ليست لهم شيئاً ذات قيمة يمكن أن يستندوا عليها لمنع التغول علي حقوقهم المكتسبة بدم شهداء دارفور و مأساة شعبه الكريم في ظل نظام الأنقاذ ، وكل أنظمة العهد الوطني التي "أدمنت الفشل " ، وسارت في طريق تهميش الهامش .
حامد حجر – بيروت
[email protected]