السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

جواد الحطاب وإشكالية الأدب المقاوم بقلم حمزة مصطفى

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/25/2005 10:24 ص

جواد الحطاب
وإشكالية الأدب المقاوم
حمزة مصطفى
أن أي حديث أو كتابة عن أدب المقاومة يقتضي بالضرورة وجود ((احتلال )) أو ((استعمار)) أو (( هيمنة )) أو (( عبودية )) أو ((عدوان )) أو ما شاكل ذلك من مفردات أو مفاهيم بحيث تبرر وجود هذا الأدب وتمنحه مشروعية لا جدال فيها . إن التجارب التي مرت بها الشعوب والأمم وآخرها الشعب الفلسطيني الذي أنتج احد أهم النماذج الفذة لأدب المقاومة في العالم تغني عن أي تفصيل غير ضروري قد لا يفهم منه في النهاية سوى محاولة الخوض في قضية مختلف عليها مثل القضية التي نحن بصددها ألان.. واقصد بها أولاً ما تعرض له بلدنا بدء من 9/4/2003 وحتى اليوم , وثانيا موقف الأدباء والمبدعين من هذا الحدث الزلزال. إن من الضروري بحث هذه القضية بطريقه لا مواربة فيها .. فعندما دخلت القوات الأميركية بغداد يوم 9/4/2003 واقتلعت تمثال صدام حسين من ساحة الفردوس كانت الدبابة التي قامت بهذا العمل تريد أن تعطي بعداً رمزيا فقط لما حصل بحيث تختزل المشكلة كلها ومنذ وقت مبكر وبفعالية كبرى ركزت عليها كل قنوات الإعلام وفضائياته في العالم آنذاك في (( التمثال )) الذي تهاوى ساقطاً مبشراً بعهد جديد من (( الحرية )) وليس في الدبابة التي أسقطت التمثال والتي لم يكن يراد لها الإيحاء بأي شكل من الأشكال بأنها سوف لن تكون فاتحة لعهد جديد من (( الاحتلال )) . وعليه فقد بدا وكإن ما قامت به عمل ضروري ولا بديل عنه . من هذه الزاوية نشأ مفهوم الاختلاف في النظرة إلى ما حصل من حيث أن التركيز كان على السقوط وليس على من نهض بفعل هذا السقوط للتمثال وبالتالي لرمزية السلطة التي جسدته على مدى ثلاثة عقود من الزمن . لكن المفاجأة التي لم تكن متوقعة هي أن الولايات المتحدة الأميركية أعلنت أنها قوة (( احتلال )) ويتعين على المجموعة الدولية ممثلة بمجلس الأمن الدولي أن تشرعن هذا الاحتلال , وهو ما حصل , وبذلك قطعت جهيزة قول كل خطيب . بعد مضى فترة من هذا الإعلان بدأت العمليات المناهضة للمحتل تعلن عن نفسها هنا أو هناك . وكان قد صاحبها ولا يزال جدل أعلامي سياسي محتدم خصوصاً لجهة مشروعيتها من جهة , ومرجعيتها من جهة ثانية , وأهدافها من جهة ثالثة , وأسلوب عملها والخسائر الناجمة عنها سواء في صفوف قوات الاحتلال , التي تحولت فيما بعد بموجب قرار آخر لمجلس الأمن بعد نقل السيادة .. إلى القوات متعددة الجنسية , أو حتى القوات الصديقة , أو في صفوف المدنيين العراقيين لا سيما بعد أن اختلطت الأوراق وصولاً إلى النتيجة الأخيرة المتمثلة بوجود مفهومين للمقاومة هما .. المقاومة الشريفة التي يمكن الاعتراف بها والتفاوض معها والمقاومة غير الشريفة التي توصم بالإرهاب . في ظل كل هذا الذي حصل ظل البعد الثقافي والإبداعي غائباً عن المشهد تماماً . صحيح أن هناك قصائد وقصص قصيرة سعت إلى التعبير عن حالات محددة في أطار العلاقة بين الشاعر أو القاص وبين منظر جندي أميركي في الشارع , أو دبابة تقترب منه , إلا أن المسألة برمتها أما ظلت في حدود ما هو وصفي , أو هي تكرار للمفهوم القديم لما درجنا على تسميته بالأدب التعبوي الذي ينحاز إلى اللغة الإعلامية أكثر من تجسيده للحظة أبداعية متوهجة , أو أن الشاعر أو الكاتب يسعى أحياناً إلى رصد هواجس معينة على صعيد صلته بما يحصل في الشارع أمامه من مناظر لدبابات أو مدرعات أو جنود تأخذ غالباً شكل الاندهاش مما يحصل أمامه أكثر من تجسيدها لفعل الفجيعة . مع ذلك كان لا بد من صدمة قوية تمثل فاعلية أبداعية من نمط آخر تقوم بدور فك الارتباط بين كل هذه المشاعر والأحاسيس والتداعيات والهواجس والخواطر والمواقف وذلك لجهة تكريس ظاهرة إبداعية جديدة يمكن أن تؤسس لأدب مقاوم يفصل بين الموقف السياسي والفعل الوطني والفاعلية الإبداعية وهذا هو ما جسدته على نحو جلي قصائد الشاعر جواد الحطاب . أن الفصل هنا بين السياسي وسواه مهم جداً فعندما يتبنى شاعر أو مبدع مفهوم المقاومة فانه ينبغي النظر بتجرد إلى هذا الفعل بعيداً عن الضجيج الإعلامي ومصادرة المواقف والآراء وكأن من يفعل ذلك يستهدف هذا الطرف أو ذاك أو هذه الجهة أو تلك أو كأنه يدعو صراحة إلى عودة القديم والترويج له علماً أن مثل هذه الآراء تنقصها الحكمة والدراية والفطنة ذلك إنها تؤسس دون أن تعي ذلك لموقف وطني لاحق لمن لم يقاتل القوات والدبابات الغازية أول وهلة بل اختفى أمامها حتى القي القبض عليه . ثم أن تجسيد فعل المقاومة يمنح المرحلة مشروعية الانتماء إلى التاريخ أما كون هذه المقاومة اختلفت فيها وخلالها الأوراق والمفاهيم بين ما هو شريف وما هو غير شريف فهذا ما كان متوقعاً ومقبولاً شريطة أن لا يؤسس لقصديات يراد منها مصادرة الآخر تحت عناوين ومسميات وأهداف محددة ..
خارج النص داخل المتن
لم يؤسس جواد الحطاب نصوصاً من فراغ , فالقصيدة عنده تجد نفسها في أتون المعركة الخاصة بإثبات وطنية النص قبل شعريته , لذلك نجد أن أي مستوى من مستويات قراءة النص المقاوم لجواد الحطاب يكشف أن ما يهم الشاعر توصيل رسالة إلى القارىء واضحة المعالم محددة الأهداف بثيمات وشفرات معقدة بل تكاد تكون سهلة وأحياناً تحريضية بسبب الحاجة إلى إثبات قدرة النص على الرفض حتى لا تنشأ في الذهن والوجدان منطقة منزوعة الإرادة وهو ما يرفضه النص المقاوم . أن قيمة شعر محمود درويش ربما لا تكمن في ادبيته من حيث الشعرية صوراً ورموزاً وتراسلاً وثيمات بالرغم من قدرة درويش الهائلة على ابتكار الصور الشعرية بل تكمن في قدرته الفائقة على رفض المحتل وارباك توازناته حتى السياسية منها و إلا كيف يمكن أن نفهم ما عبر عنه أريل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخراً حين أبدى إعجابه بمحمود درويش شاعراً . من هنا فأن نصوصاً شعرية مثل ((الفلوجه)) و(( الابارهة)) و((الهمرات)) و((العامرية)) وقد نشرتها جميعاً عدة مواقع انترنيت يحتكم فيها الحطاب جميعاً إلى طاقة النص الكامنة على الحيلولة دون أقامة منطقة منزوعة الإرادة في الذهن والوجدان الشعبي بالرغم مما يجري من خلط حتى على صعيد مفاهيم الاحتلال والسيادة والتحرير وهي بالمناسبة مفاهيم لا تنطلق من الفراغ هي الأخرى , بل هي أيضاً بحاجة إلى من يعيد فحصها وقراءتها بذهن مفتوح , فهي أيضاً لا تؤسس لمنطق خيانة مسبق للمحتل على أساس أن رافضي الاحتلال ينظرون إليه على انه تحرير من نظام دكتاتوري , قاسي, مثلما ينبغي فحص النصوص التي تؤسس لأدب مقاوم بذهن مفتوح لا يؤسس لمنطق عمالة مسبق لرافضي الاحتلال ليس بوصفهم ((مقاومة)) حسب هذا الوصف بل باعتبارهم من دعاة عودة النظام الدكتاتوري الذي سام الناس عسفاً طوال ثلاثة عقود. في نص ((الفلوجة )) مثلاً يسعى الشاعر إلى تصوير معاناة الأطفال , لذلك فانه نص إدانة لمن تسبب في هذه المعاناة .. قد يمثل الاسم ((الفلوجة)) صدمة ذهنية وبالتالي ذوقية حتى انطلاقاً من كون السياسة قد صادرت هذه التسمية لتحيلها للأسف إلى هوية , وهو أخطر ما ينبغي على الإبداع التصدي له , فالإبداع لا يجزئ الأماكن والأزمنة لأنه يتعامل معها من الداخل وليس من الخارج , وهو ما يجعل النص الأدبي قادراً على الانتماء والاحتواء معاً في حين تعمل السياسة دوماً على خلق بيئة طاردة . أن الحطاب في هذا النص عن أطفال (( الفلوجة )) أنقذ هذه المدينة العراقية من أن تستحيل إلى مجرد مكان جغرافي وهوية تاريخية .. أن الفلوجة هنا هي البصرة , والشعلة , والعمارة , ولا أقول النجف أو كربلاء احتراماً لقدسية المقدس فيها غير أن أطفال النجف وكربلاء لا يختلفون بشيء عن أطفال الفلوجة الذي أحتكم النص إلى مأساتهم , فالنص يبدأ هكذا ..
(( نصفنا أطفال ..
حفاة
دون فانيلات
والأرقام على عجل
كتبت فوق الظهور العارية
كان خصومنا ..
يرتدون الدروع الواقية ))
أنه وصف غير متكافئ لمعركة هي الأخرى غير متكافئة لم تجد مخيلة الشاعر من إيراد وصف لها سوى اللجؤ إلى منطق مفارقة ساخر ..
(( مثل فريق شعبي ..
يواجه البرازيل ))
وفي نص آخر يحمل أسم (( أيها المهزوم يا وطني دعني أقبل شجاعتك )) يتعدى هذا النص حدود ما هو رمزي و أشاري ليلعب على المكشوف في محاولة منه لرأب الصدع بين مستويين مفارقين من مستويات التعامل مع الحقائق والأوهام .. الشجاعة , والهزيمة , لذلك يجيء اعتراف الشاعر بالهزيمة مقروناً بالطلب إلى الوطن الشجاع من خلال استعمال فعل الطلب (( دعني )) .. و يتضح من سياق تفكيك النص أن الشاعر يبدو مذهولاً بما حصل بدءً من السرفات التي تسير على قلبه وليس في الشوارع ..
(( السرفات ليست في الشوارع
السرفات على قلبي ))
أن الشاعر لا يتطامن هنا مع منطق الهزيمة لكن يلجأ ثانية إلى منطق المفارقة حين يستدعي مفردة (( الحرية )) التي على أساسها قامت الحرب هذه المفردة التي راحت تتسلل إلى مجندات الاحتلال وهن يمتلكن حرية امتطاء أسد بابل (( أيتها المجندة , صورة أخرى لك وأنت تمتطي أسد بابل )) أو إلى الجنود الذين يملكون حرية السير في طرقات الوطن (( أيها الجنود – أحذيتكم تشعرني بالإهانة – فامشوا حفاة في طرقات وطني )) .. وهو ما يجعل الشاعر في النهاية يواسي الوطن المهزوم رغماً عنه . إن هذه النصوص تمتلك القدرة على خلق توازن بين المخيلة والواقع . الواقع الصعب والمليء بالمفارقات والمواقف المتباينة والمتصارعة و المخيلة القادرة على الرصد والتمييز . إن الشاعر جواد الحطاب يمتلك الجرأة في الرصد كما يمتلك القدرة في التعبير عن أهمية النص المقاوم في أن يؤسس له حضوراً في الذهن وفي الواقع معاً . علماً أن بعض النصوص مثل (( الابارهة )) يصعب التصدي لها نقدياً بل تظل مؤجلة لفترة قادمة قد تطول وهذه أحدى ميزات النصوص المشاكسة ليس بقصد المشاكسة فقط وإنما التعبير عن مواقف واضحة لا لبس فيها .


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved