أن عبارة " رئيس القضاء " تعني لغة " القاضي الأول " ، وأن عبارة القاضي الأول تعني اصطلاحاً – أو ينبغي أن تعني – القاضي المتميز على القضاة الآخرين بالعلم والعمل والأخلاق الذي يمكنه ذلك التميز من تصريف العدالة بنزاهة ، ومن التوجيه والمحاسبة ، ومن عكس وجه العدالة المشرق على الآخرين في الداخل والخارج عند الالتقاء بهم ، والحديث إليهم عن العدالة في السودان إذ أن العنوان يغني عن الجواب ، والعنوان هنا هو رئيس القضاء والجواب هو القضاة الأخرين وإلا فقد اللقب أو المنصب الاحترام اللازم عند القضاة وأهل القانون والجمهور .
رشح الإنجليز قبل مغادرتهم السودان في سنة 1956م واحـداً من أميز أثنين من القانونين السودانيين المتميزين أو الأكثر تميزاً في ذلك الوقـت لرئاسة القضاء ، وهو المرحوم محمد أحمد أبورنات ، ورشحوا المرحوم أحمد متولي العتباني لمنصب النائب العام الذي كان يعادل في ذلك الوقت منصب رئيس القضاء تقريباً.
وقبل أن يغادر المرحوم محمد أحمد أبو رنات باختياره رئاسة القضاء في سنة 1964م رشح لها السيد/ بابكر عوض الله.
وبعد استقالة السيد/ بابكر عوض الله في أو حوالي 1967م عـين مجلس السيادة بناء على توصـية محكمة الاستئناف المدنية العليا المكونة مـن القضاة الريح الأمين ، والمرحوم عبد المجيد أمام ، والمرحـوم قسومـة ، وحسن عبد المجيد ، وجـلال علـي لطفـي ، والمرحـوم هاشم أبو القاسم ، الريح الأمـين رئيساً للقضاء ، ولمحكمة الاستئناف المدنية العليا .
وعين مجلس قيادة ثورة مايو سنة 1969م – وبإيعاز فيما يبدوا من السيد/ بابكر عوض الله الذي كان نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة ورئيس مجلس الوزراء – بعد حل محكمة الاستئناف المدنيـة العليا وإعفاء قضاتها – عين المرحوم عثمان الطيب رئيساً للقضاء.
وعـين في أو حـوالي يونيو سـنة 1972م السيد/ خلف الله الرشـيد رئيساً للقضـاء ، واستمرت ولايته إلى سنة 1982م .
وعـين في أو حـوالي ينايـر سنة 1983م المرحـوم صـلاح الدين شيبكة رئيساً للقضاء ، وانتهت رئاسته في 8/9/1983م .
وعين في 8/9/1983م السيد/ دفع الله الحاج يوسف رئيساً للقضاء ، وهو خريج كلية القانون جامعة الخرطوم في سنة 1958م ، وعمل قاضياً ، ثم محامياً ، واعفي من رئاسة القضاء قبل أن يكمل تقريباً عامه الأول فيها .
وعين السيد/ فؤاد الأمـين عبد الرحمن في سنة 1984م ، واعفي من منصبه في سنة 1985م.
وعين المرحوم محمد ميرغني مبروك رئيساً للقضاء في سنة 1985م وتقاعد لبلوغ السن القانونية في سنة 1989م .
وعين السيد جلال على لطفي رئيساً للقضاء في الفترة من 1989م إلى 1994م ، وكان قد عمل بالقضاء من عام 1949م إلى 1969م .
وعين السيد/ عبيد حاج علي رئيساً للقضاء في الفترة من 1994م إلى 1998م ، وهو خريج جامعة الخرطوم في سنة 1960م ، وألتحق بالقضاء في ذات السنة ، واستقال منه ، وهو بدرجة قاضي الاستئناف ، في أو حوالي 1975م ، وعمل بالمحاماة إلى أن عين ثانية رئيساً للقضاء في العام 1994م.
وعين السيد/ حافظ الشيخ الزاكي رئيساً للقضاء في أو حوالي ديسمبر سنة 1998م ، وكان المحامي عثمان الشريف قد كتب في الصحافة معترضاً على التعيين على أنه تسييس للقضاء ، وذلك لأن للسيد/ حافظ الشيخ انتماء سياسي ، ولكن لم يهتم إلى الاعتراض إلى أن تم إعفاؤه عن المنصب لأسباب أخرى في أو حوالي سنة 2001م . تخرج السيد حافظ في جامعة الخرطوم في أو حوالي سنة 1966م ، وعمل بوزارة العدل والمحاماة ، ولكن لم يعمل بالقضاء . عين في أو حوالي سنة 1997م نائباً لرئيس القضاء ، وكان التعيين مخالفاً لنص المادتين (102/2) ، و (104/1) من دستور جمهورية السودان لسنة 1998 والمادة (24) من قانون السلطة القضائية لسنة 1986 حيث أنه يشترط أن يكون نائب رئيس القضاء من بين قضاة المحكمة العليا ، وأن يكون التعيين بناء على توصية من مجلس القضاء العالي ، وأن السيد/ حافظ الشيخ عندما عين نائباً لرئيس القضاء لم يكن قاضياً بالمحكمة العليا ، ولم يكن التعيين بناء على توصيه من مجلس القضاء العالي . بالإضـافة إلى أن تعيين السيد/ حافظ الشيخ الزاكي كنائـب لرئيس القضاء قد كان بالمخالفة للمادتين (102/2) ، و(104/1) من دستور جمهورية السودان لسنة 1998 ، وللمادة (24) من قانون السلطة القضائية لسنة 1986م ، وبالإضافة إلى أن المحامي عثمان الشريف قد قال عنه في الصحافة المحلية أنه تسييس للقضاء ، فان السيد/ حافظ ليست له خبرة عملية بالقضاء الجالس ، وبالتالي لم ينجح .
وعين السيد/جلال الدين محمد عثمان رئيساً للقضاء في أو حوالي سنة 2002 ولكن هل هو بقامة رئس القضاء ؟
درس السيد/جلال الدين محمد عثمان ككاتب من المحاكم الشرعية بقسم الشريعة بكلية القانون بجامعة الخرطوم ، وتخرج في أو حوالي سنة 1965 ، وعمل بالمحاكم الشرعية الابتدائية ، ولم يعرف له عمل بالمحاكم الجنائية والمدنية والتجارية والإدارية والدستورية والاستئنافية والعليا ، ولا تعـرف له دراسات عليا، ولا اجتهادات قضائيـة منشورة بمجلة الأحكام القضائية السودانية وغيرها ، وانقطع عن العمل الفعلي حتى بالمحاكم أو الدوائـر الشرعية منـذ أكثـر من عشرين سنة ، ومن ثم فأنه غير مؤهل مهنياً ، وذلك لمحدودية دراسته حيث أنه درس بعض المواد الشرعية بقسم الشريعة بكلية القانون بجامعة الخرطوم ، التي تؤهله للعمل وللعمل فقط بالمحاكم الشرعية ، ولم يدرس قانون بكلية القانون بجامعة الخرطوم ، وكذلك لقلة ومحدودية خبرته العملية حيث أنه لم يعملْ بأكثر من المحاكم الشرعية الابتدائية ، وأن المادة 23(ج) من قانون السلطة القضائية لسنة 1986 تشرطتُ فيمن يولى القضاء أن يكون حاصلاً على درجة في القانون من جامعة معترف بها.
وأن كل الذين تعاقبوا على رأسه القضاء – ما عدا السيد/جلال الدين محمد عثمان – هم من خرجي كليات القانون ، لا من قسم الشريعة بكلية القانون بجامعة الخرطوم الذي تخرج منه السيد/جلال الدين محمد عثمان ، والذي هو قسم من أقسام كلية القانون بجامعة الخرطوم مثله مثل أي قسم آخر بالكلية ، والذي يدرس طلبة القانون بالكلية تاريخ التشريع الإسلامي وأصول التشريع الإسلامي وفقه المعاملات والأحوال الشخصية بالإضافة إلى مواد القانون التي تدرسها لهم الأقسام الأخرى بالكلية والتي تضم المواد التالية المدخل إلى القانون ، والقانون الجنائي ، وقانون الإجراءات الجنائية ، وقانون الإجراءات المدنية، وقانون الإثبات ، والقانون الدستوري ، والقانون الإداري ، ونظرية العقد ، والمسؤولية التقصيرية ، والقانون الدولي العام ، والقانون الدولي الخاص ، وقانون الشركات ، وقانون الشراكات ، وقانون الوكالة ، وقانون البيوع ، وفلسفة أو فقه القانون ، وقانون الأراضي ، وقانون الحقوق والملكية الشخصية ، والأحوال الشخصية لغير المسلمين ، وقانون الإفلاس ، وغير ذلك من مواد القانون الأخـرى ، والذي لا يؤهل خريجه مثل السيد/جلال محمد عثمان إلا للعمل بالمحاكم الشرعيـة ، التي نسبة عملها من حجم العمل القضائي بالسودان أقل من 10% في حين أن كلية القانون تؤهل خريجها للعمل بكافة محاكم السلطة القضائية بما ذلك المحاكم الشرعية ، وقد عمل الرعيل الأول أمثال السيد/بابكر عوض الله والسيد/جلال على لطفي والمرحوم/هاشم محمد أبـو القاسم بالمحاكم الشرعيـة قبل أن يعملوا بمحاكم السلطة القضائية الأخرى ، وأنهم جميعهم - ما عدا السيد/دفع الله الحاج يوسف تقريباً والسيد/جلال الدين محمد عثمان – لهم دراسات عليا في القانون ، وأنهم جمعياً – ما عدا السيد/دفع الله الحاج يوسف والسيد/الحافظ الشيخ الزاكي والسيد/جلال الدين محمد عثمان – لهم اجتهادات قضائية منشورة بمجلة الأحكام القضائية السودانية التي يسترشد بها القضاة وأهل القانون من محامين ومستشارين وأساتذة قانون وباحثين ودراسيين ، وأنهم جميعهم – ما عدا السيد/دفع الله الحاج يوسف والسيد/حافظ الشيخ الزاكي والسيد/جلال الدين محمد عثمان – لهـم خبرات عملية طويلـة كقضاة ، وذلك بالإضافة إلى فصل القضاة الأكفاء دون مبرر ، وعدم الالتزام بمعيار الكفاءة عند الترقي والاستيعاب .
ولذلك تدنى العمل القضائي. وقال: بهي الدين حسن (باحث مصري) على صفحة سودانيل الالكترونية بتاريخ 27/6/2005م أنه يشك في نزاهة واستقلال القضاء في السودان. وقال المدعى العام المكلـف بالتحقيق وتمثيل الاتهام في قضايا أحداث دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية – قال أمام مجلس الأمن في يونيو 2005م أن القضاء السوداني لا يستطيع محاكمة المتهمين الأساسين في قضايا تلك الأحداث . وكثر كلام الناس بالداخل وبالخارج عن حال القضاء – صفحة سودانيل بتاريخ 19/7/2005 - وأشفق بعض القضاة السابقين على القضاء في السودان ، وقدموا مذكرة للجهات المختصة بالتدخل والإصلاح.
رد السيد/جلال الدين محمد عثمان عليهم ببيان عدد فيه إنجازاته . نشر البعض البيانات التي عددها السيد/جلال الدين محمد عثمان كإنجازات له على الصحف الالكترونية – سودانيل بتاريخ 4/3/2005 – ، وقالوا أنهم يكفون عن التعليق عليها ، ويتركون أمرها لفطنة القارئ ولحكم الرأي العام . أن البيانات التي عددها السيد/جلال الدين محمد عثمان كإنجازات له لا علاقة لها على الإطلاق بالغرض من إنشاء القضاء ، وذلك لأن الهـدف من إنشاء القضاء هو تحقيق العـدالة ، وليس الاستثمار و توفير الألبان والأجبان وخراف الأضاحي والجمعيات – مع تقديسنا للمصحف الشريف - ومنسقيات الدفاع الشعبي و السيارات والـدور والمخصصات وشبكات الاتصال ، وأن تحقيـق العدالـة يعني الفصل العادل السريع ، وأن الفصل غير العادل ظلم لا قيمة له ، وأن الفصل البطيء ظلم ولا قيمة له ، وأن المطلوب هو الفصل كماً وكيفاً ، لا كماً فقط دون الكيف ، ولا كيـفاً بطيئـاً دون كم ، وأن الفقـرة الوحيدة التي تكلم فيها السيد/جلال الدين محمد عثمان عـن الإنجاز هي الفقرة المتعلقة بنسبة الفصل من حيث الكم دون أن يذكر شئياً عن الكيف ، مع أن القدح منصب على تدني الكيف ، لا تدني الكم ، الأمر الذي يعني إما الإقرار بالقدح أو عدم التمييز بين الكم والكيف.
بالإضافة إلى أن الأشياء المباه بها لا علاقـة لها بالأساس الذي من اجله أنشئت المحاكم – توفير العدالة الناجزة – وبالإضافـة إلى أن بعضها عبارة عن معينات على توفـير العدالـة الناجزة ، وليست إنجازات ، وكان ينبغي إلا تذكـر ضمن الإنجازات ، وبالإضافة إلى أنها دلالة على أن الدولـة لم تبخل على القضاء بتوفـير الإمكانيات التي تعينه على الأداء ، وبالإضـافة إلى إنه لا اعتراض لنا على توفـيرها وتوفـير أكثر منها ، وذلك لأن القضاة يستحقونها ويستحقون أكثر منها ، وبالإضافة إلى أن العدالة الناجزة قبل توفيرها كانت بمستوى أحسن من مستواها بعد توفيرها ، فإن التدني يرجع إلى القيادة وإلى فصل القضاة الأكفاء وإلى عدم الالتزام بمعيار الكفاءة عند الترقي والاستيعاب.
استعان السيد/جلال الدين محمد عثمان ببعض قضاة المحكمة العليا الذين بالمعاش للفصل في بعض القضايا ولمحاكمة قضايا أحداث دارفور ، ولكن بالإضافة إلى أنه إقرار بالحالة التي وصلت إليها القضائية ، وبالإضافة إلى التحفظ على الطريقة التي تمت بها الاستعانة ببعض القضاة الذين بالمعاش وذلك لاحتمال تصادم الطريقة مع الدستور والقانون ، فانه علاج مؤقت وجزئي ، وذلك لأن التعاقد مع القضاة المستعان بهم عبارة عن تعاقد شهر بشهر وبالتالي علاج غير دائم ، وغير شامل وذلك لأنه مقتصر على نوع معين من القضايا على مستوى المحكمة العليا ولم يشمل كل القضايا الأخرى ولا كل درجات التقاضي.
بالإضافة إلى أن السيد/جلال الدين محمد عثمان لم يدرك التدني الذي أصاب العمل القضائي وبالإضافة إلى أن كثيراً من القانونيين يحملونه مسؤوليته ، وبالإضافة إلى أن عدم إدراكه به أدى إلى عدم علاجه ، أو تقديم العلاج الشامل الدائم ، فأنه لا يرجى منه العلاج وذلك لأن الظل لا يستقيم والعود اعوج ولأن فاقد الشيء لا يعطيه ، وأن الدستور القومي الانتقالي يشترط فيمن يولى القضاء أن يكون مشهوداً له بالكفاءة العاليـة ، والنزاهة ، والعدالة ، والاستقامة ، والمصداقية ، والحياد ، وعدم الانتماء أو الولاء السياسي.
وأن كان لنا أن نسهم في الحل ، فنقترح التالي:-
أولاً : إعفاء السيد/جلال الدين محمد عثمان من منصبه ، وذلك لعدم استيفائه شروط تعيين القضاة المنصوص عليها في الدسـتور القومي الانتقالي وقانون السلطة القضائيـة لسنة 1986 ، ولعدم كفاءته ، ولأنه المسؤول عن تدني العمل القضائي ، ولعجزه عن اكتشاف التدني حتى بعد أن كثر الحديث عنه من عده جهات ، وذلك لعدم إدراكه لماهية القضاء وطبيعة عمله ولعجزه بالتالي عن علاجه أو عن تقديم العلاج الشامل والدائم له ، ولعدم الأمل في أن يعالجه ، والاستعاضة عنه برئيس قضاء مشهود له بالكفاءة العالية والنزاهة ، والحياد ، وعـدم الولاء والانتماء السياسي ، والمصداقية، والأمانة والاستقامة ، وذلك لعلاج التدني علاجاً شاملاً ودائماً ولتعود للقضاء عافيته المشهود له بها.
ثانياً:- رفع سنة الخدمة ، واستقطاب وإعادة تعيين بعض قضاة المحكمة العليا السابقين الأكفاء القادرين على العطاء المتوفرة فيهم الشروط الأخرى المنصوص عليها في الدستور القومي الانتقالي وقانون السلطة القضائية لسنة 1986، وذلك لرفع كفاءة الأداء بالمحكمة العليا ولاستفادة قضاة المحاكم الأدنى وأهل القانون الآخرين من محامين ومستشارين وأستاذة قانون وباحثين ودراسيين من أحكامهم.
ثالثاً:- استقطاب وإعادة تعيين القضاة الذين تم فصلهم من قبل من الخدمة دون مبرر أو اكرهوا على الاستقالة أو ترك الخدمة ، بعد أن تتوفر فيهم الشروط الأخرى المنصوص عليها في الدستور القومي الانتقالي وقانون السلطة القضائية لسنة 1986م ، وذلك للاستفادة منهم على حسب خبرتهم على مستوى محاكم الاستئناف والمحاكم العامة والمحاكم الجزئية ، و لتحسين مستوى الأداء بهذه المحاكم من حيث الكيف.
لنا عودة أخرى عن جانب آخر عنه ...
مجاهد بابكر زين العابدين
محامي وقاضي سابق
الدوحة – قطر