السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

أمدرمانيات بقلم الترام … وأب شيطه هلال زاهر الساداتي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/25/2005 9:27 ص

أمدرمانيات

الترام … وأب شيطه

كانت وسيلة المواصلات الرئيسة بين أمدرمان و الخرطوم في الأربعينات و الخمسينات من القرن العشرين الماضي قبل ظهور البصات هو الترام أو الترماي كما يدعوه العوام والبعض يقول الطرماج وهي مركبة بها عربات مفتوحة من الجانبين وبها كنبات وكل كنبتين متقابلتين ثم أدخلت بعد ذلك عربات مقفولة لها بابان في وسط العربة للركوب والنزول ويسير الترام بعجلات حديدية على قضيبين كقضبان السكة الحديد ويسير بطاقة الكهرباء بواسطة سنجتين أعلاهما بكرتين تلتصقان بسلكين كهربائيين ويتدلي من كل سنجة حبل متين مربوط إلى جسم الترام . وكانت به درجتان أولى وثانية والأولى ثمن تذكرتها قرشان والدرجة الثانية بقرش , كما كانت هناك عربة مقفلة ولها باب خاصة بالنساء , وكان هناك ترام آخر خاص بنقل البضائع , وكان الترام يسير من المحطة الوسطى بأمدرمان إلى المحطة الوسطى بالخرطوم وبالعكس بمحاذاة شارع الزلط ( الإسفلت ) الرئيسي بأمدرمان وهو شارع الموردة ماراً بكثير من المحطات في الأحياء المختلفة في مسيره وأشهرها المركز أو البلدية الآن والدايات والموردة والطيارات ( المؤتمر الثانوية فيما بعد ) والمقرن وكانت هناك أماكن يزيد فيها الترام من سرعته ونسميها (( الكشة )) وأشهرها الكشة وما بين حي الهاشماب ومركز أمدرمان ومن المركز إلى المحطة الوسطى وكان الواحد من الأولاد الذي يريد أن يظهر مهارته الفائقة في النزول من الترام أثناء سيره هو أن ينزل منه في الكشة والأمهر نزولاً من ينزل ( عكس ) في الكشة أي عكس سير الترام , ولقد راح الكثير من الأولاد ضحية تحت عجلات الترام ومن نجا فقد ذراعاً أو رجلاً أو يداً ومنهم الصحفي المخضرم ميرغني , أما أنا فقد حاولت النزول قريباً من محطة المركز وجرني الترام وتشبثت بمقبض باب النزول وصفر الكمساري بقوة ووقف الترام ونفضت جسمي بعيداً وحمدت الله بأن خرجت بعدة كدمات و تسلخات !
وكان السائقون والكماسرة يرتدون زياً واحداً مكوناً من جاكتة وبنطلون من الكاكي وكانوا يتميزون بارتدائهم الطربوش المصري والكمساري يحمل لوحاً من الخشب مرصوص عليه التذاكر ويتدلى من عروة الجاكتة صفارة ينفخ فيها لقيام الترام أو للوقوف وكان من ضمن عمله إرجاع بكرة الترام إلى موضعها من السلك فقد كانت البكرة أحياناً تنفلت عن السلك ويتوقف الترام لانقطاع الكهرباء وينزل الكمساري ويمسك بحبل السنجة وبعد محاولات عديدة ترتطم فيها البكرة بالسلك وتحدث شرراً يتطاير في الجو ينجح في تركيب البكرة ويعود الترام للسير , وكنا نحن الصغار نستمتع بهذا المنظر . ومما يذكر عن استعمالاتنا للترام أننا كنا نضع أغطية زجاجات الليموناته الفارغة على القضيب فتسحقها عجلة الترام وتصير مسطحة ونأخذها ونخرم الغطاء خرمين من الوسط ونصنع منه ( ترتارة ) بتمرير خيط بينهما ويجذب الخيط من الجانبين يصدر منها صرير وهي تدور بسرعة , وأما الأولاد الشياطين فكانوا يضعون أبرة على القضيب بغرض خروج الترام عن الخط الحديدي الشيء الذي لم يحدث أبداً ومع إصرار الشياطين الصغار من تكرار المحاولة المرة تلو الأخرى وكان هناك مفتشون يفتشون على تذكرة كل راكب فيأخذها وينظر إليها ثم يقطعها إلى نصفين يعطي أحدهما للراكب وينظر في ورقة بيان يحمله الكمساري ويؤشر عليه , ومن السائقين المهرة المشهورين ود العمدة والزبير والد الرياضي الشهير لاعب الموردة محمود ود الزبير ومن المفتشين وهدان , وكانت مواعيد الترام مضبوطة و العمل منضبط وأما عن الشيطة _ فكلمة شيط لغوياً تعني احترق الشيء وكلمة شياط تعني رائحة احتراق قطن أو أي شيء وكلمة شيطة العامية _ عفواً _ لا تشمئز _ تعني الإسهال .. فقد كان هناك كمساري قصير القامة وكان طربوشه طويلاً وكان احمر اللون كلون طربوشه حلبي كما يقول العامة , وكان فظ التعامل ( فقرى ) كما يقال , ويبدو أنه كان قد تناول شربة ( مسهل ) أو أكل طعاماً فاسداً قبل أن يذهب إلى العمل .. وهو يؤدي واجبه على الوجه الأكمل في قطع التذاكر وزجر وتعنيف الأولاد الذين لا يريدون أن يدفعوا ثمن التذكرة بحجة أنهم سينزلون في المحطة القادمة , شعر الرجل بأن بطنه تكركر وتضغط عليه و قاوم وصبر وشعر بأن عينيه بدأتا تغيمان وأن مقاومته تنهار وأنه سيحدث ما لا تحمد عقباه في الحال وانطلق إلى عربية النساء ولحسن حظه كانت خالية واغلق الباب وراءه وخلع طربوشه الطويل وافرغ أمعاءه فيه , وبعد أن ارتاح , فتح شباك العربة بحذر وقذف بالطربوش بعيداً , ولكن لسوء حظه شهد الواقعة بعد الصبية الذين كانوا بجانب الطريق ,وأطلقوا عليه لقب أب شيطة وكان كل ما يجيء الترام ماراً بالموردة وهو فيه يصيح فيه الأولاد : أب شيطة .أب شيطة , ويقذف الرجل بالشتائم المقذعة نحوهم , وكاد الرجل أن يفقد عقله كما حدث لذلك الرجل الذي دعوه
( بطلقها ) من كثرة ما نادوه بهذا اللقب غصباً عنه , ولكن هذه قصة أخرى !
في النهاية اعتزل الرجل العمل ليتحاشى هذا الاسم الذي لصق به والذي يصيح به الصغار كلما رأوه أثناء سير الترام بأمدرمان من الموردة وإلى المحطة الوسطى بالسوق الكبير ..

هلال زاهر الساداتي
[email protected]

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved