محمد خير عوض الله
[email protected]
هبطت طائرة العقيد الدكتور جون قرنق بمطار الخرطوم مساء الجمعة ، وقبل أن يعرف مأواه ذهب ليقابل شريكه الذي جاء بموجب الشراكة معه (المؤتمر الوطني) ليستقبله البشير هناك ويرتجل برنامجاً خطابياً في استقبالِهِ ، وبعدها يذهب للساحة الخضراء ليجد الملايين قد احتشدت في مشهدٍ نادرٍ .. لِمَ لا والعقيد يسكت مدافعه التي حصدت أرواحاً كثيرة ثمّ يأتيهم في الخرطوم ! إنّه يوم احتفال حقيقي لا زخارف اصطناعيّة فيه .. وبعد أن نام ليلته ، ذهب العقيد المتمرد ليجد القصر الرئاسي قد احتشد بالزعامات مِن كل لونٍ واتجاه ، الأمين العام للأمم المتحدة ، رؤساء 12 دولة ، ممثلين لحكومات الجوار العربي والإفريقي ، وزراء ورموز السياسة السودانيّة .. إنّه ليس لاستقباله في شخصِه ، لأنّ شخصه كان محل استهداف قبل أن يتحوّل للسلم ، إنّه لاستقبال المرحلة القادمة التي تتّسِع للجميع إذا اجتاحتهُم مثل هذه التحوّلات نحو السلام والتصالح .. الجميع يتحدّث عن بنود الاتفاقيّة ، وبنود ومواد الدستور ، واتفاقيّة القاهرة مع التجمُّع ، وعن قصة الشراكة ، والبعض يمعن في تهديم الإنجاز والتقليل منه بالسخرية مِن (الحكم الثنائي) ! وغير ذلك مما تدوّن وسوّد صفحات الصحف ، ولم يتحدّث أحد ـ حتى الآن ـ عن برنامج المعارضة .. كيف ستكون ؟ ممّن تأتلف ؟ ما هو برنامجها ؟ لماذا عارضت ولم تشارك ؟ هل لها أدبيات ورؤى حول بناء عهد التحوّل الجديد ؟ ما هي وسائلها ؟ الصحف والمنتديات والندوات ؟ أم الذهاب إلى الحدود لقتل من يكون قدره العيش هناك!! أو استغلاله لطريق بورتسودان؟ وهل منطلقات هذه المعارضة وطنيّة أصيلة ؟ أم يتم تركيبها خارج الحدود ؟ وهل تمويلها سوداني حقيقي أم بميزانيات ترصدها الجهات الخارجية ؟ ما هو مسرح عملها ؟ وهل لها خطوط فاصلة في نشاطها تدلّها على مكتسبات الوطن (أنبوب النفط أو مصنع الأدوية مثلاً) ؟ وهل الطلاب سيتم (استخدامهم) في محرقة الزعامات ببلاهة كما كان ؟ أم ستبعدهُم المعارضة الرشيدة المقبلة ؟ وهل سيدخل الهجوم الشخصي ضمن وسائل أداء المعارضة ؟ أم ستنتهج الموضوعيّة فقط في عمليّة الرقابة ؟ هكذا يجد المرء انشغالاً تاماً عن الرئة الثانية التي ستتنفّس بها التجربة المقبلة ، إننا نريد أن نرى حكومة قويّة تؤدي واجبات المرحلة المقبلة بإخلاص وتفان، وتقود عربة البناء الانتقالي بسهولة ويسر دون أن يعترضها أي مطب ، لكن هذا لن يتم إذا كانت المعارضة (تكب) لها التراب في الماكينة ! على الأقلام المستقلة الأمينة والمثابرة في المرحلة المقبلة أن تتحدّث عن هذه الناحية المهمة ، على هذه الأقلام أن (تراقب) أداء (الرقيب) وهو المعارضة ! إننا نخشى مِن معارضة تجهض لنا التجربة المقبلة ، رغم قوة الشراكة القائمة بين مكونين قويين ، والقائمة على التعهدات والحماية الدوليّة ، والقائمة قبل ذلك على تأييد ومساندة و مباركة الشعب السوداني صاحب الحق نفسه .. إنّ المعارضة ـ حتى الآن ـ تبدو من تحالف الصادق والترابي ومن يلتحق بهما ، وفي تقديري أنّهما منشغلان ـ حتى النّخاع ـ بقدراتِهما الذاتيّة ، كخبراء دوليين وزعماء مخضرمين ..الخ ، ولهذا تجدهما يحاولان (تمثيل) (الكمال السياسي) في شخصيهما ، ومن هنا ، فإنّهما سيلحقان السبّة بكل فعل لم يكونا فيه ، ألم تر إلى الصادق يسب التصالحات الثنائيّة وهو أول من ابتدعها في تجربة نميري وفي جيبوتي ؟ ألم تر إلى الترابي يخطب في (أعراس الشهداء) ثمّ انقلب على ذلك بعد خروجه ؟ النّاس يعرفون أنّ الشموليّة القابضة كانت في الفترة التي كانت بإشرافِه (اعتقالات وإعدامات وتعذيب) لكنّه بعد إزاحته يتحدّث فيقول : (اختلفت معهم حول الحريّات ) ! إنني لا أتوقّع في عالم اليوم شخص مثل دكتور الترابي ، يؤم النّاس للصلاة باتجاه الشرق ، وبعد السلام يوبِّخهم ويعنِّفهم ويقول لهم : صلاتكم خطأ ، الصلاة بالاتجاه الآخر ، قوموا فعيدوا صلاتكم .. فيقوموا في بلاهة فيعيدوها دون أن يعيدها هو !! ثمّ يحدِّثونه عن فضلِهِ في ذلك !! هذا النوع من قادة المعارضة (غداً) لابد من (مراقبته) .. وإلا ، فإننا سندخل دنيا المماحكة التي لم نخرج منها بعافية ، وسيبحث كل واحد عن (غابة) تؤويه ، أو عاصمةٍ تنجيه ، فلكل امرئٍ منهم يومئذ شأنٌ يغنيه ، ولسان حالِه يقول : لسنا بأفضل من بني عمومتنا في الصومال ! والله المستعان ، أزيحوا هذه الزعامات وسووا الصفوف ، يرحمكم الله .