السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

محكمة الجزاء الدولية محاكمة الإبادة للحفاظ علي الحياة من قرار رواندا 955 الي قرار دارفور 1593 (1 – 5) بقلم عبدالرحمن حسين دوسة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/22/2005 12:08 ص


محكمة الجزاء الدولية
محاكمة الإبادة للحفاظ علي الحياة
من قرار رواندا 955 الي قرار دارفور 1593

(1 – 5)

ما من أحد يستشرف النتائج من ثنايا الأحداث أو يستبصر العبر من دروس التاريخ إلا وقد جال بخاطره جسامة الأهوال التي تحدق بحاضر ومستقبل السودان جراء التداعيات المحتملة للقرار الأممي رقم 1593 والصادر من مجلس الأمن الدولي بتاريخ 31/3/2005والمتضمن إحالة الوضع القائم في دارفور منذ الأول من يوليو عام 2002 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كأول قضية في التاريخ تحال لهذه المحكمة منذ إنشائها.

التقرير المبدئ للمستر لويس مورينو – المدعي العام – والذي رفعه لمجلس الأمن بتاريخ 29/6/2005 كان واضحا وقويا لجهة التأكيد علي ان هناك ما يستدعي البدء في تحقيق رسمى تمهيدا للمحاكمات حيث قال:

“The language of Resolution 1593 must be converted into a reality as soon as possible. There is a significant amount of credible information disclosing the commission of grave crimes … taking into account all these factors; on 1 June 2005 I decided to initiate an investigation in relation to the crimes committed in Darfur

توصل المستر لويس لهذه النتيجة بعد إطلع علي أكثر من 5,500 وثيقة ومادة تتضمن صور فيديو وأخري فتوغرافية وتسجيلات صوتية ووثائق خطية وتقارير طبية الخ إضافة الي إفادات أكثر من مائة مجموعة دولية وإقليمية ووطنية مختلفة والإستماع لحوالي (50) خبيرا بأوضاع دارفور.

لا نستطيع - في هذه المرحلة الأولية - التكهن بمآلات القرار وما سيسفر عن التحقيق الرسمي الذي أذنت به الدائرة التمهيدية الأولي، إذ أن كافة الاحتمالات واردة في ضوء المتغيرات الدولية المتسارعة على خلفية المناورات والمساومات الخفية التي تجري داخل أروقة مجلس الأمن والتجمعات الإقليمية والدولية الأخرى، على أن هذا الإخفاق التحليلي أو التكهني – إن جاز التعبير – ينبغي أن يكون من المحفزات التي تدفع بالنخب السودانية من ساسة ومثقفين كي يمارسوا شكلاً أو نوعاً من أنواع العصف الذهني أو ترويض الوعي بغية رفع مستويات الحوار في القضايا الوطنية العامة الي آفاق أرحب وذلك انطلاقاً من مسئوليتهم الأخلاقية والمعرفية والسياسية، بيد أنه وللأسف جرى التعاطي مع هذا الحدث الخطير بمنتهى اللامسئولية واللامبالاة رغم ما سينجم عنه من آثار بعيدة المدى على مستقبل السودان السياسي والثقافي والأثني

إدراكا لأهمية الحدث، وفي محاولة متواضعة لإغناء وإثراء الحوار القانوني والسياسي الهادف لتسليط الأضواء على مختلف أبعاد وتجليات هذا القرار فإنني إلتمس من الجميع- كل حسب طاقته وخلفيته- المساهمة في هذا الحوار والذي أبتدره بخمس حلقات أتناول فيها:

أولاً: فكرة عامة عن أول محكمة جزاء دولية بأفريقيا (رواندا) وهو ما يمنحنا فرصة لتصور ملامح الوضع في دارفور .

ثانياً: دراسة وقائع محاكمة أرفع مسئول رواندي(رئيس الوزراء) وهي سابقة غنية وزاخرة ببعض مفاهيم القانون الجنائي الدولي الذي بدأ في التبلور والتطور.

ثالثاً: دراسة وقائع محاكمة أعلي مسئول مليشيا توتسي والغرض هو الوقوف علي طبيعة الدفوع القانونية للطرف الأخر من المعادلة

رابعاً: تحليل نظري عن إمكانية إحالة القضايا من المحكمة الدولية إلى المحاكم الوطنية وطبيعة المشاكل والمعوقات.

خامساً: إسقاطات تجربة المحكمة الجنائية الدولية لرواندا على التجربة المحتملة لمحكمة دارفور.

محكمة الجزاء الدولية لرواندا
ICTR

صرح ونستون تشرشل، عقب انتهاء الحرب الكونية الثانية، صرح قائلاً " لقد وضعنا العالم وجهاً لوجه أمام جريمة لا اسم لها......لا فائدة من البحث في التاريخ عن كلمة تناسب هذه الجريمة ....ما أكثر اللإنساني في الإنسان".

حقاً لقد لازمت الوحشية المسيرة الحضارية للإنسانية خطوة بخطوة ووجدت تعبيرها الأمثل في الحروب المدمرة إلا أن ما حدث في رواندا عام 1994م كان حنيناً جارفاً لعالم الغاب أماط فيه الروانديون اللثام عن الوجه القبيح لإنسان أفريقيا وها الآن يعيدها السودانيون بدارفور.

علي خليفة مجازر رواندا، تحرك مجلس الأمن – بعد تردد - بموجب أحكام البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة (وهو نفس البند الذي صدر بموجبه القرار رقم 1593 الخاص بدارفور) فكان القرار رقم 955 في 8/11/1994م والقاضي بتشكيل محكمة جزاء دولية لمحاكمة مجرمي رواندا علما بأن القرار الخاص بدارفور لم يقضي بتشكيل محكمة غير موجودة وإنما أحال الوضع لمحكمة قائمة.

خلافاً لما سيكون عليه الحال في جرائم دارفور فإن القوانين الإجرائية التي تحكم وتنظم سير عملية التقاضي والمرافعات برواندا Procedural Laws قد جرى سنها من قبل مجلس الأمن كملحق للقرار نفسه وهي تتناول الجوانب الإجرائية وتلك المتعلقة بقواعد الإثبات لا الجانب الموضوعي Substantive Laws وفي حالة دارفور فأن قانون روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية مقرؤة مع التشريعات الإجرائية والموضوعية التي أعقبته قد وضعت أسس التقاضي علي نحو وافي وبالتالي لم يكن مجلس الأمن بحاجة لتحديد الأجراءات أو سن تشريعات إضافية.

أعقب ذلك صدور القرار رقم 977 بتاريخ 22/2/1995م والذي حدد مدينة أروشا بجمهورية تنزانيا مقراً للمحكمة وهو اختيار تم بعناية ولإعتبارات عديدة، أما في شأن دارفور فمن المستبعد أن تعقد الجلسات بلاهاي – المقر الرسمي للمحكمة – لأسباب عملية ليست أقلها التكلفة المالية الباهظة، والبدائل المطروحة هي أن تعقد الجلسات وخاصة لمجرمي الصف الثاني والثالث داخل السودان إن أبدت الحكومة القدر اللازم من التعاون أو بأحدي الدول الأفريقية وهو الإحتمال الأرجح، اما بالنسبة لمجرمى الصف اللأول فربما تكون بلاهاي او دولة أفريقية أن لم يفلتوا أساسا من المحاكمة بموجب مساومات سرية تجري حاليا.

فيما يتعلق باختصاصات المحكمة فقد جرى تحديدها من حيث الاختصاص الموضوعي Ratione Materiae بجريمة الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، الانتهاكات الواردة تحت المادة 3 من معاهدة جنيف، أما الاختصاص الزمانيRatione Tempore فيغطي الفترة من 1يناير وحتى 31ديسمبر من عام 1994م وأخيراً تم تحديد الاختصاصين الشخصي والمكاني Ratione Persona بالجرائم التي ارتكبها الروانديون بأراضي رواندا. بالنسبة للقرار 1593 فلم يتضمن تحديد هذه الإختصاصات بإستثناء الزماني (بدأ من 1/7/2005) لأن قانون روما الأساسي قد أوضح هذه المسائل.
.
تتكون محكمة رواند من ثلاث هياكل، الدائرة القضائية Trial Chamber ثم مكتب الإدعاء المكلف بالتحقيق والإدعاء Office of the Prosecution وأخيراً مكتب المسجل The Registry المسئول عن تقديم الدعم الإداري اللازم وهذا التشكيل يطابق هيكل محكمة الجزاء الدولية بلاهاي.

الدائرة القضائية تتكون بدورها من ثلاث دوائر ابتدائية ودائرة واحدة للاستئناف. الدائرة الابتدائية الأولى يرأسها قاضي نرويجي وعضوية اثنين أحدهما فيجي والأخر روسي أما الدائرة الابتدائية الثانية فيرأسها تنزاني وعضوية اثنين أحدهما مدغشقري والأخر سيرلانكي والدائرة الابتدائية الثالثة والأخيرة برئاسة سنغالي وعضوية باكستاني وجمايكي أما الدائرة الإستئنافية الوحيدة فيرأسها قاض من الولايات المتحدة الأمريكية وعضوية أربعة أخريين من غينيا وزامبيا وتركيا وايطاليا بجانب تسع قضاة إحتياط إي مجموع خمس وعشرون قاضيا.

ما يميز محكمة لاهاي هو وجود مرحلة تمهيدية للتقاضي اشبه بما يسمي بمرحلة التحقيق القضائي Judicial Inquiry في القضايا الكبري بالسودان والمحكمة التمهيدية هي التي تشرف علي تحريات وتحقيقات المدعي العام وتصدر الأوامر المؤقتة في تعاون وتنسيق تام مع المدعي العام ولا تتم إحالة اية قضية للدائرة الإبتدائية إلا بقرار من قاضي المحكمة التمهيدية.

المدعي العام للمحكمة هو القانوني الضليع حسن ابوبكر جالو من غامبيا وقد تم تعينه من قبل مجلس الأمن في 15/9/2003 ومقر هيئة الإدعاء بأروشا علماً بأن مكتب الإدعاء ينقسم إلى قسمين يتولى القسم الأول مهام التحري والتحقيق والقسم الثاني مهمة الإدعاء والمرافعة أمام المحكمة أما المدعي العام في قضية دارفور هو الأرجنتيني لويس مورينو ويعاونه مساعدان أحدهما بلجيكي والأخري قانونية غامبية عملت بمحكمة الجزاء الدولية لرواند فأكتسبت خبرة ثرة خاصة في مجال الإنتهاكات الجنسية وجرائم الإغتصاب.

وأخيراً المسجل (ادم دينغ) وهو من السنغال وقد تم تعينه من قبل الأمين العام للأمم المتحدة بالتشاور مع رئيس المحكمة في 1/3/2001 وهو يمثل الأمين العام ووظيفته عبارة عن قلم كتاب المحكمة . إما مسجل محكمة لاهاي فهو الفرنسي برونو كاثالا والذي عمل مساعدا لمسجل محكمة الجزاء الدولية ليوغسلافيا.

خلافا لما هو عليه الحال بالنسبة لمحكمة لاهاي والتي تتمتع بصفة الديمومة، فأن محكمة رواندا ذات طبيعة مؤقتة، لذا فقد جري خلال الفترة من عام 1995م وحتى تاريخه تجديد تفويض المحكمة ثلاث مرات (1995م-1999م)،(1999م-2003) ثم من 2003 الي2007

أصدرت المحكمة منذ تأسيسها وحتى يوليو الحالي تسعة عشر (19) حكماً في حق 25 متهما أشهرهم رئيس الوزراء الرواندي إبان الأحداث إضافة الي مسئولين كبار ورجال أعمال وصحفيين وزعماء مليشيات كما أن هناك (25) متهما أخريين تجري محاكمتهم حالياً وست عشر متهما في انتظار المحاكمة بعد إكتمال التحقيقات اللازمة فضلا عن وفاة أحد المتهمين أثناء المحاكمة هذا وقد تراوحت الأحكام من السجن المؤبد كأقصي عقوبة الي ثلاث سنوات سجنا حيث أن عقوبة الأعدام غير واردة. يجدر بالذكر أن هناك أكثر من مائة ألف متهم تجري محاكمتهم من قبل المحاكم الوطنية الرواندية وهم في الغالب من الصف الثاني والثالث، وهو ما نتوقعه في قضية دارفور التي من المرحج أن تطال الآلاف لا فقط أولئك الواردة أسمائهم في المظروف السري.

المحكمة الدولية – تستوي في ذلك لاهاي ورواندا – ملزمة بتوفير المساعدة القانونية اللازمة للمتهمين إذ قامت محكمة رواند بتوفير أكثر من مائتي محام من مختلف الجنسيات والنظم القانونية للدفاع عن المتهمين وتتحمل المحكمة كافة النفقات المتعلقة بذلك وهي بالطبع مصاريف باهظة.

بالنسبة لمرافق التوقيف والحبس فقد أقامت المحكمة حوالي ثلاث وخمسون وحدة حبس داخل سجن أروشا المركزي بمواصفات عالمية شملت مركز ترفيه ومكتبة وقاعات دراسة وغرف للإنفراد بالمحامين ووحدة للعلاج الطبي وأمكنة للعبادة كما أن اللأكل يتم إعداده طبقا للمتطلبات الثقافية والدينية والصحية للموقوف ويسمح للمسجون من وقت لاخر الإتصال الهاتفي والبريدي بعائلته فضلا عن الزيارات المتكررة لهم ولمسئولي الصليب الأحمر. أما بالنسبة لمحكمة لاهاي فلم تخصص حتي الان سجنا خاصا بها وإنما دخلت في إتفاقيات ثنائية مع بعض الدول لتوفير مثل هذه المرافق للذيين يتم إدانتهم من قبل المحكمة.

أخيرا يجدر الأشارة الي أن العدد الكلي لموظفي محكمة رواند بلغ حوالي 1039 موظفا والميزانية السنوية لعام 2004 بلغت أكثر من مائة وخمسون مليون دولار.

تعمدت إلا استرسل مع النصوص القانونية المنشئة والمنظمة لكلا المحكمتين أو مقارنتهما بندا ببند حيث أن القارئ غير المتخصص لاتعنيه المقارنة إما المتخصص فيمكنه الحصول علي تلك القوانين بسهولة. علي كل حال آمل أن يتمكن القارئ العادى من تكوين فكرة عامة عن المحكمة الدولية إستعدادا لدراسة سابقة رئيس الوزراء الرواندي Jean Kambanda في الحلقة القادمة.

عبدالرحمن حسين دوسة



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved