ما تقدم يعنى وبوضوح تام فأن ملحق بروتكول ابيي قد حدد تحديدا كاملا عضوية مفوضية حدود ابيي بخمسة عشر عضوا (15) (خمسة خبراء وخمسة من جانب الحكومة وخمسة من جانب الحركة الشعبية) وحصر ايضا مهام هذه المفوضية فى (تحديد حدود عموديات دينكا نوك التى تم ضمها لكردفان عام 1905) إضافة إلى ذلك فقد اوكلت رئاسة المفوضية للخبراء المشهود لهم بالنزاهة والدراية والمعرفة (بالتاريخ والجغرافيا للمنطقة) وبذلك يكون تكليفهم مرهون بقدرتهم على البحث والتدقيق والرجوع إلى المراجع الخاصة بالموضوع فى دور الوثائق والوقوف على ارض الواقع بالمنطقة بغرض الوصول إلى رأي مفوضيه كاملة العضوية وليس رأي مكون من مكوناتها (الخبراء) منفردا وفى مدى عامين من بداية الفترة الإنتقالية.
لقد قامت المفوضية بكامل عضويتها بزيارة منطقة النزاع واستمعت لآراء اهل المنطقة وسلمت الوثائق والخرائط التى توضح رؤيا كل قبيلة ولم يرد من أى من طرفى النزاع المطالبة بناما والميرم وهجليج وما بينهما فالسؤال الذى لابد من سؤاله للخبراء من أين أتوا بهذه المعلومات التى تجافى واقع الحال والتى قطعا لم يطالب بها دينكا نوك؟ ولابد لنا من ملاحظة ان هذه المناطق التى أدرجت فى تقرير لجنة الخبراء جميعها مضمنة فى الإمتياز السابق لشركة شيفرون سودان فالسؤال المشروع هنا هل لشفرون مصلحة فى هذا التقرير؟ وما يدفعنا لهذا التساؤل هو ان بروتكول ابيي برمته هو أصلا نتاج المقترح الأمريكى والذى على اساسه تم تجاوز الخلاف الذى كاد ان يعطل كافة إتفاقات السلام. وسؤال جوهرى آخر لابد منه ايضا لم العجلة من مجموعة الخبراء فى المفوضيه والتى دفعتهم بتقديم هذا التقرير دون الأخذ فى الحسبان راي بقية أعضاء المفوضيه ممثلي الحكومة مثلا وكلهم من أبناء المسيرية ورأى جميعهم معلن بالرفض لما أتى به الخبراء؟ وسؤال آخر لم العجلة يا مجموعة الخبراء ومدى أعمال المفوضية عامان لم تبداء إلا قبل أحد عشر يوما بعد تاريخ بداية الفترة الإنتقالية؟ وسؤال دستورى لجهات الإختصاص هل تكوين هذه المفوضية دستورى بمعنى أن إتفاقات نيفاشا حددت تكوين وبدء أعمال هذه المفوضية ببدء الفترة الإنتقالية والكل يعلم ان الفترة الإنتقالية بدأت فعلا بعد توقيع الدستور وأداء قسم المجلس الرئاسي أليس تعيين أعضاء هذه المفوضية قبل إجازة الدستور يجعل تكوينها غير دستورى وبالتالي كل ما يترتب على أعمالها السابقة يعتبر غير دستورى ولاغي؟ علما بأن مجموعة الخبراء فى تقريرها قد أقرت بفشلها فى تحديد حدود 1905 وهذا وحده كافيا لإهمال كل ما أوردته بخصوص هذه القضية لإعترافهم بنفسهم فى مهمتهم الأساسية وهو أمر يجب ان يدفع بالرئاسة إلى إعادة تكوين هذه المفوضية إلتزاما بروح الإتفاقات ولإفساح المجال لخبراء مدركين بجغرافيا وتاريخ المنطقة ولهم النزاهة والصبر فى البحث لبلوغ الحقيقة المبرأة من الغرض.
إن إدراكنا لما عاشه اهل هذه المنطقة من إخاء وود وسلام فى الماضى وفهمنا العميق لجهود أهلنا السابقين من مسيرية ودينكا طيب الله ثراهم من إرث وأعراف وتقاليد جعلت من تداخل اهل هذه المنطقة نموذج تعايش فريد يفرض علينا إحياءة وتطويره فى السودان الجديد. وفى ذات الوقت آن لنا ان نستصحب ما عناه اهل هذه المنطقة خلال فترة الحروب والإقتتال وقد خضبت أراضى هذه المنطقة بدماء ابناءها وبناتها ورجالها ونسائها ومن كل الأطراف عرب ونوبا ودينكا ومسيريه. فعلينا أن نساهم إيجابا لا سلبا فى الحفاظ على بوادر السلام ونجد فى نبذ أسباب الحرب ووأد الفتنة ومن أى كائن قد كان.
ومن هنا فلا أرى مخرجا من بذرة السوء هذه التى بذرتها مجموعة الخبراء إلا بأن تعلن الرئاسة وبوضوح لا لبس فيه ما وقعت فيه مجموعة الخبراء من خطاء ولابد أن تصحح الرئاسة هذا الخطاء بتجاهل ما أوردته هذه المجموعه والحجة مثبتة فى تقرير مجموعة الخبراء ألا وهى إعترافهم بالعجز عن تحديد ما كلفوا به وتجاوزهم التام لأحد مكونات المفوضية (الخمسة ممثلي الحكومة) ولإستعجالهم فى زرع فتنة فى منطقة ملتهبة لم تخمد فيها نيران الحروب ومراراتها. وكخطوة عملية من الرئاسة لإطفاء نار هذه الفتنه نرى ضرورة أن تزور الرئاسة المنطقة وتعقد فيها مؤتمر يعيد لأهلها روح أعرافهم وتقاليدهم ويحي نمط ما كان بينهم من تعايش.وهذا أمر أرى أنه من الضرورة بمكان لتطييب الخواطر ولابد منه لخلق جو سلمى يمكن من إيجاد حل سلمى ولابد أن يتم ذلك قبل الشروع فى أعمال هذه المفوضية بعد إعادة تكوينها وفق الدستور الجديد.
القاري الكريم هذه بعض الملاحظات التى رأيت أنها جوهرية حول ما أثير عن منطقة ابيي وهى منطقة عرف أهلها دوما علاج كافة مشاكلهم وبقدر من الحكمة والإدراك لمصالح الجميع إحتراما لتقاليد وأعراف عاشوها وصنعوها لتكون ناموس حياة مواطن هذه المنطقة فهلا أرجعنا الأمر لهم وكما عالجوا أمورهم فى الماضي يغينى أنهم قادرين على علاجها فى الحاضر ولنكن جميعا أبناء دينكا ومسيرية مثالا لوحدة منطقة مزقتها الحروب وليتنا نعود لإساليب تعايش صاغها أجدادنا وآبائنا تمكنا من إخاء لن تبدله الحروب.
د. سليمان محمد الدبيلو