الحلقة الثانية : لقاء التيارت المسلحة والحركات المدنية نجاحات واخفاقات
تقدم العقيد الليبي معمر القذافي في شهر أُوت من عام 2003م بطلب للأطراف المتنازعة في إقليم دارفور يهدف للتدخل بمقترحات حلول بناءة للازمة .إلا أن طلبه لم يجد اهتماما من الخرطوم إلا بعد أربعة عشر شهرا ، و في أكتوبر وعلى إثر دعوة وجهتها السلطات الليبية إلى كل الأطراف بالحضور إلى ارض المختار وصل الطبيب خليل إبراهيم _ اكبر الثائرون سنا- (43 عاما) زعيم حركة من اجل العدالة والمساواة أول الواصلين إلى طرابلس العاصمة . وكان برفقته عدد من رفاقه بعدد لعيبة فريق كرة قدم، وقد تأخر الزعيم الآخر المحامي عبد الواحد محمد نور عن الحضور آن ذاك ، وكان حجة زعيم جيش التحرير الشاب انه ما كان ينوي أن يفهم الناس انه على وفاق ونظيره الدكتور خليل إبراهيم .فالرجلان يستندان في ثورتيهما على مرجعيات فكرية وعرقية مختلفة .وللقيادة الليبية تفسيرها الخاص بها للمشكل ، فقد استجابت لطلبيهما ووفرت لكل منهما فرصة لزيارة طرابلس ولقاء قيادتها على انفراد . ولكل الحق والزمن وافران في إعلان ثورية حركته وقصته الدافعة لحمل السلاح .
وكان الشبان السودانيون الذين بلغ عددهم مليون ونصف المليون حسب إحصاءات الدولة الليبية قد تجمهروا أمام فندقي (الكبير) و(المهاري) حيث ينزل الملثمون الثوار شغفا وتأيدا وشوقا للانضمام. انهما عبرتا بصدق عن بؤس هؤلاء الشان المهاجرين وجميعهم من إقليم دارفور ، الجميع يعلن نهاية لسنوات النكد والتشرد. انهم مستعدون لكل شيئ.
وفي اللقاءات المنزلية الخاصة تعلن الأهداف العامة المنبثقة عن (نظرية التهميش ) الواردة في الكتاب الأسود وهو كتاب قيم بالكاد ترك شيئ منها جماعة مثل منظمة سوادنة .ولما لم يجد أي من كان له السمع و البصر ثمة فارق بين أهداف المنظمتين الثائرتين تسائل عن أسباب تباعدهما ؟؟. والليبيون كانوا اكثر لطفا أيضا !! فقد سمحوا لكل من منتسبي الحركتين تلاوة لائحته (الهووية السالبة ) في الآخر تذكرون ما تعنيها الهووية، والسالبة تعني النميمة ضد الآخر . و أعطى الفاتح الحق لكل مجموعة في الاسترسال و نعت رفيقتها كما تشاء . من مؤسف القول أن تلك اللائحات كانت اطفالية المضمون رغم سريتها المحرص عليها في الأول .وكانت اقل من مستوى كلمة الثورة التي يعيها كل ذي وعي وتنتظرها ملايين البؤساء و عيون قرى محفور في تيهها أي من النصب.
بيد أن لائحات الهووية السالبة تلك كانت السمة الأهم حضورا في لقاءات طرابلس بين منتسبي الحركتين وضيوفهما من جهة وعضويتهما القبلية الطابع شديدة الظمأ إلى المعرفة من كل الجهات.
وكانت كل الأحوال والظروف قد واتت ليتعرف الناس إلى بعضهم البعض وقياس أفكارهم سعيا نحو ترتيب أوراق الثورة على أساس مصلحة شعب الإقليم والوطن . و تأخر او عدم وقوع ترتيب الأوراق كأنما تدنيك من تصديق القراءت المتعددة للأجندة السرية عند جهلاء المفسريين للثورة . بالكاد يكون لدى بعض تلك الحركات خطة عمل في كسب روح التعاطف الجامح .
إن غالبية شعب إقليم دارفور قد لا يرتجي كثيرا من النماذج الثلاثة لابناء الإقليم السابقة ذكرها ، وينتظر الإقليم بصبر فارغ الخلاص من النموذج ذات المنهج النفعي . وان الشعب كان يترقب الفجر بعيون تملاها الأماني والرجاء من الشبان المعاصرين في الحركتين الثائرتين نحو فجر جديد . العلاقة بين الأشقاء الثوار يعمق الحيرة والألم المتستر في نفوس جمهور الشعب المنتشر بين ( ادري و ديم بكر).
( لا يجدر بك أن تنزل نهبا مسلحا ومرتزقة الفنادق ، وتفرد لهم الاهتمام الرسمي والامتيازات ، هؤلاء ليسوا ثوارا انهم ينوون إلى قلب نظام صديقي عمر البشير وأنا لا أرضى بذلك ،التعامل الأصوب هو تسليمهم إلى عمر البشير ليقتلهم ) قال الرئيس التشادي موجها كلامه إلى الزعيم القذافي في القمة الثانية لرؤساء الدول المجاورة لإقليم دارفور في مايو 2005م. نعت الرئيس التشادي دباي باللصوصية في حق بعض المجموعات صادق فيه ، لكنه يخفى انه مع علاقته الجيدة بنظام صديقه الراقص وهيامه به انه من سلح بعض اللصوص و أمدهم بفكره الأخرق و أوصلهم إلى مشارف الجبال ،من اجل ذبح آمال شعب دارفور ، وهو لا يزال على اتصال بجماعته بحجم وداد نظام صديقه له .
ولعلى مجموعة العدل المساواة لم تطلب ليلة هوى من دباي فقد عبر التشادي غاضبا بما يجيش بصدره ( أنا اكره شئ اسمه العدل والمساواة ، لو وجدت واحدا منهم في شاد سأقتله او أسلمه إلى صديقي).
والحديث عن الشبان الثائرون في الإقليم هنا لا يشمل المجموعة التي يحبها الرئيس دوباي ويواصل التعامل معها ، سيختصر على السودانيين منهم . المجموعة التي يقول عنها العقيد الليبي القذافي: ( انهم أصحاب قضية وطنية ، مثلك لقد كنت يوما ثائر ذو قضية ، وكنت تبحث عن أصدقاء وعون ، وقد استقبلتك هذه الأرض) في رد عن مكروهيه موجها إلى الرئيس دباي في ذات الجلسة.
وكان ثور الراقص يلوى شفتيه ترى ازدراء ام حزنا ؟؟ هو حاضر الجسد ، وربك يعلم إن كان له قلب يعقل ما تقوله القمم والمنابر الإقليمية و الدولية في السودان هذه الأيام !!!
الفجر في كل يوم بالضرورة جديد ، والفجر الجديد لقب صحيفة ثوار جيش التحرير السيارة واسعة الانتشار- والفجر المنتظر إشراقه في دارفور يأتي ولو طال المسير ، وكي يأتي فهو في حاجة إلى تضامن اكبر ووحدة كاملة بين الثائرين في أدناها الرأي والخطى . ثم التعاهد بالمضي قدما حتى لو هلك الربع أو النصف أو الكل الثائر . أدنى مظاهر التضامن هو الظهور بمظهر يبشر بذلك الفجر يفرح الأصدقاء ويقيظ العدو، ولان الخلاف في طرق الثورات مثل الاتفاق تدار بعقلية متوسعة للفكرة وقلوب منفتحة التمدد بقدر وسع السودان الوطن الممتد.
ما يبعث الطمأنينة والراحة انه في اكثر من مناسبة أكد المعتبرين من قيادة الحركتين على حرمة الدم الدارفوري ، وانهم سوف لن ينزلقون في حروب داخلية .
مسالة توحيد قيادة الحركتين وجيشهما ظل أمل يترجاه شعب الإقليم ، إلا انه وكما تبدو بعيدة جدا تحقيقها ، بيد أنها مع بعدها لا تزل ضمن إطار الممكنات . والوحدة في حدها ليست ملحة مع تزايد الطلب عليها ، و تفسير معنى رجاءات الشعب يكون في أهمية تنسيق الخطى والأفكار السياسية والعسكرية والناس في طريقهم إلى الفجر الجديد.
تكررت لقاءات العاصمة الليبية طرابلس حتى صارت موطن للحركتين وقد شارك في ثلاثة لقاءات تاليات منها مؤسسة العجزة من شيوخ القبائل في الإقليم (السلاطين والنظار والعمد) (الإدارة الأهلية ). و أيضا شارك إلى جانب اتباع الجنرال المتقاعد سليمان حسن ، أبناء الإقليم في دول العالم الأخرى. المؤسسة الأهلية بالإقليم يكن لها الجميع التقدير والاحترام لأهميتها التاريخية ودورها الرائد أبدا في رسم السلام .وقد أدرك ذلك الذين لا يملكون ارث قبلي تاريخي كأفراد مؤسسة الجلابية والتوراتيين منهم بقدر اكبر من الثائرون . وكان في كل مرة يشحن العجزة على هيئة خراف على متن طائرة من مطار الخرطوم يتبعها راعي بالضرورة أن يكون من مؤسسة الشماليون الجلابة الاستعمارية مثل : مندور المهدي او مجذوب الخليفة ، يكرر لهم الفتوي الصادرة في لقاء ابوجا الأول والتي تقول أن إلتقاء الثوار على انفراد حرام.
في أحد المرات التي صادفت أول السنة الجديدة 2005 م وقف البعض من العجزة المساكين قبل سفرهم ليؤدوا القسم على كتاب الله أمام (بريرمر ) مستعمر الشطر الجنوبي من الإقليم على أن يكونوا مخلصين له ولرئيسه الراقص . وقد تم تهديد البعض منهم بإلغاء منحة رحلته ، ووصل طرابلس من انصاع لأمر الشمالي اللعين (عطاء المنان ) ، ومن لم يهتم للأوامر المذلة أرسل بديل عنه ،ولكن طرابلس استقبلته ، واستقبله الثوار استقبال أخ شقيق.
الإدارة الأهلية رمز الفخار لكل قبيلة غير إنها في ذاتها قل ما تدرك قيمة ذلك .وكما يحب أن يرددها الثوار الشبان في الإقليم جملة على قبضة يد : (( هكذا !! أبدا لا يحكمنا جلابي ونحن أبناء قبائل و ديار)) وهي تعبير عن عزة النفس .وفي إفريقيا اجتماعيا يعتز الفرد بأفراد قبيلته، وتفخر القبيلة بفرد نبغ فيها ،و يهتم الأفراد بقيمها وارثها ، (( فالقبيلة تشعره بالانتماء وتعطيه الهوية والوجود)) هكذا يعبر الأسطورة نيلسون مانديلا (87 عاما) في احتفال نظمته له (قونو ) قريته عقب فوزه رئيسا برئاسة الدولة ، وتجمع الملايين من (الخوسا) قبيلته المعتزة بنفسها ، والخوسا هي اعظم السلالات الأفريقية التي تغطي مقاطعة ترنسكاي في إفريقيا الجنوبية .
وما يشعر المرء بالإهانة والزلة انه قد بلغ الحال بقبائل دارفور العظيمة أن في عهود الانحطاط يأتمر كبرائها بأمر أحفاد ( القوادين) و(اللقطاء) و أبناء الذين لا أصول لهم . وضمن فكرة الثورة ، إن لم تتوفر في السودان قيمة المساواة بين بني الإنسان فيتطلب الأمر حركة تطالب بها فوربك العليم أن أبناء دارفور اشرف نسبا وارفع منزلة من أبناء أي من سكن البحر والنهر.
قبل شحنهم إلى طرابلس كان أحيانا يحمل العجزة لملاقات الجنرال الراقص ، ويتفضل إليهم من فتات مائدته ببقايا أطعمة ، ومبلغ يعاد قيمته مائة دولار أمريكي ، لملاقات الزعيم القذافي في مظهر مبجل كما يقول - في جو من الصراحة- العمدة إبراهيم الحكيم (سرف عمرة 52 عاما) . وهو مبلغ مهمته في الأصل تسكين الخواطر وتأجير الذمم بوعد إلى حين ، ولكن المبلغ مع طريقته وصوله الجيوب وصغره له مكانته الاقتصادية في نفوس هؤلاء البائسين الفقراء ، فجميع رجالات العجزة الأهليين في الإقليم يعيشون تحت مستوى خط الفقر كحالة عامة شعبهم ،البعض لا يشعر بذلك . وبعد جهد تساهم تلك الدولارات المائة في تغير شي من مظهر ثيابهم الرثة ،وعمائمهم المطاطية قد تبدلت ، أما أحذيتهم المصنوعة من جلود الماعز ظلت على حالها .فضل الكثير شراء ملابس لأطفالهم عراة الأجساد جياع الأكباد بتلك المبالغ . عند المقارنة بين الثراء الفاحش للراعي والفقر المتقع للرعية يتجلى اللامساواة واللاعدالة الاجتماعية في أقصى صورها و في أوضح درجاتها ، وتحكي قصة ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
في طرابلس حصلت اللقاءات وتبادلت الأفكار ، يبدو أن الجميع قد أحبها فاخذوا يترددون عليها إلي اليوم ، وقد تفضل الليبيون بكرم بالغ إنزالهم في فنادق من طراز الخمس نجوم توفر الخدمات المجانية لهم على مداري ال24 ساعة ، و خدمات جانبية مدفوعة الثمن تذهل حالة الحرمان والفاقة التي تعيشها هذه المجموعات من صناع القرار في دارفور ،وهو وضع لم يحلم به أحد من القرويين الغرابة وهم في إقليمهم المخرب بعد فقره .
كان الجلابة الشماليين يتابعون نتائج لقاءاتهم، بعض التلموديين يزورون طرابلس باستمرار في رحلات شبه سرية بعد كل لقاء تتم بين الغرابة ، أما الجنرال ذو العين الواحدة صلاح عبد الله قوش فقد كان يطيل البقاء بطرابلس ، فباستثناء رحلة شاركت المخابرات المركزية الأمريكية في نفقاتها كانت رحلاته الأربعة التي زار فيها العاصمة الليبية تحمله طائرة يدفع قيمة أجرتها مائة ألف دولار في اليوم نقدا . أمين سر مكتبه غلام يهتم كثيرا بجسده يستحسن أن يتناول غداء إضافي خارج الفندق ، ثم يتسوق في شارع أول سبتمبر حيث أرقى أنواع الثياب في دنيا الأناقة ويدفع مبلغ ألفي دولار ثمن القميص والجاكت دون أن يرتجف . والمبلغ يرتجف له إذ يساوي ثمن عشرين رجلا من رجال الإدارة الأهلية من دارفور بحساب التلمود.
الغرابة في طرابلس ، يبدو انهم ما كانوا يتعارفون جميعا على بعضهم البعض ، وطرابلس تفضلت أيضا بهذه القيمة وكان الليبيون يظهرون لهم احتراما وتقديرا كبيرين : العجزة منهم والشبان الثوار ، وفي عشاء دعاءهم عبد الله السنوسي أحد أعمدة ثورة الفاتح عزفت موسيقى استقبال يشبه صوته إيقاع (النحاس) رمز السيادة عند كل سلطنة في دارفور ، كان له أثره العميق في نفوس العجائز و أبنائهم .
من غير ذلك لم يستفد الغرابة الدارفوريين من فرص اللقاء بالكثير الذي يذكر . ومقترحاتهم المقدمة إلى الليبيين تشبه الأماني في عهد سيطرة الشماليين على مقاليد الأمور واستبعاد فكرة السلاح والمصالحة .
و بين السابع إلى العشرين من مايو الماضي 2005م كان اللقاء الأخير للدارفورين بطرابلس ولعلى العالم قد سمع ضجيجهم. فقد تم في هذا اللقاء التوقيع بين المنظمتين المسلحتين ونظام العجزة الأهلي على وثيقة تضمن التزم العجزة الحيادية في الصراع بين الحركات الثورية ونظام الجلابة . وتتكفل الحركتان بحق المطالبة بالحقوق الشرعية للإقليم بالإنابة حتى توقيع السلام النهائي ، وتكفلتا أيضا بتامين حياة زعماء النظام الأهلي واحترامه.
إزاء هذا الوضع المتشرزم في قيادة الإقليم ما كانت مثل تلك الورقة الموقعة بين الطرفين تعد شيئ يذكر في مسيرة الإقليم للتوحيد بين أبناءه وهم في الطريق إلى الفجر الجديد. أعدها بعض العجزة الساسة حبر على ورق إذ أن قوالب مفاهيمهم مع تطورها عقب اللقاءات الثلاثة لا تزال تستصعب إدراك التحولات الكبيرة ، وطالما أعاقت مفاهيمهم الكلاسيكية تلك خطى الفضيلة في الإقليم . القرويون من الوفد الأهلي الذي لا يزال يرى في السياسية كفر تقرا في دموعها الفرح الغامر من تلك الرسالة فهم قد ظلوا يطالون بإلحاح منقطع إيقاف الحرب التي دهورت حياتهم إلى جحيم ، فهم الذين يكتون لظاها. ويوافق في كل رأي ينحى قبالة انبساط الأمن فهو لا يعلم الغرض الذي من اجله قامت الحرب او النتيجة التي ستنتهي إليه.
البعض منهم تسيسوا ، أي سارو ساسة - وهي محرمة عليهم - ينظّرون ويحللون التغيرات السياسية على الصعيد الدولي والمحلي وفق فلسفة ثييغراطية على إن ما يحصل اليوم يدخل في نواميس الطبيعة لنذر نهاية الزمن و آخر الدنيا !! .
،ويعتقد البعض من طائفة الساسة وسط العجزة الأهليين في دارفور أن الكون كله مركب على أفكاره كما يحدثنا عميد بني ثعلبة (نيالا 60 سنة) والحق لم يكن كل الشبان الثوار في غير ذلك افضل عن آباءهم في شيئ
تعمد زعيم إحدى الحركات الثائرة لقاء عجزة القبائل على انفراد، وهو عمل حرصت مؤسسة الجلابة جهدها أن لا يقع ، وكان ساسة حركة العدل والمساواة يعتقدون في ضرورة كسب ود الشيوخ الأهليين و السعي في توصيل مفاهيم الثورة إليهم ، وليقوموا هم بتبني ثورتهم بدورهم وقيادتها ، اقتراح ذكي إنما التساؤل في جدواه.
وبعد محاضرة مفتوحة استمرت ست ساعات بين الدكتور خليل إبراهيم والآباء الأجلاء تتيقن أن فكرة المحاضرات المفتوحة كتلك تجدي فتيلا ، وهي في حاجة إلى استمرار ، او لأنك ربما تكون مخطئا بشان البعض فالسناتور أبوه منصور (كأس 80 سنة) أحد ابرز السنتورس الجبّالة ( سكان جبال مرة ) له قراءته التاريخية الحية التي يؤيد بواستطها الثورة و أهدافها .
والخليل إبراهيم يزدلف شبها إليهم في مظهر تدينه هو الآخر، ولعلى من منطلق ذلك تجد ودادا موصول بينه والعجزة ، بسواه الكثير مع الفريق الذي يرى أن الثورة بدون العجزة و إخلاصهم عليها أن تندلع وتستمر. الغالبية من أمراء الأعراب البدو من حجاج طرابلس فقد تبين انهم خدعوا كثيرا في السابق ، يظهرون ندما مفضوحا على جميل خدمتهم لصالح سكان قصر غردون الجلابة بوهم الدفاع عن العروبة والسبب كان النموذج النفعي وسيطا بينهما. الأمير عبد الله أبو شنيبات (هبيلة 56سنة) في كل لقاءاته يكثر ترديد المبررات لما حصل ويجود الاعترافات دون توقف او تفكير.
كان الدارفورين الغرابة ينتظرون أن تمطر طرابلس ولقاءاتها ماء عادي لكنه مثلج ،كإعلان مواقف مشتركة مثلا بين الحركتين ، او ميلاد منظمة تجمع الاتحادات والفصائل على غرار منظمة التحرير الفلسطينية كجسم يجمع إليه الفعاليات السياسية والعسكرية والثقافية بين الداخل والخارج لأبناء الإقليم . لكن شيئ من ذلك لم يحدث.
طرابلس حج إليها أفئدة غفيرة منهم مسيسين وغير معتنقي السياسية ، الجميع قدموا صيغ للوحدة ومشاريع طموحة من اجل دارفور والوطن لكنها لم تجد مكانتها ، ضمنها صيغة وحدة بين الحركتين مقدمة من الغرابة في نيويورك.
ضمن عطاءاته الكثيرة كسلسلة العشاءات الفاخرة ورحلات سياحية إلى أهم الأماكن بالعاصمة الليبية يتكرم العقيد الليبي بمنح كل فرد من فريق العجزة مبلغ 400 دولار أمريكي أي ما يعادل كل ما دفعه نظام الجنرال الراقص إلى الرجال من أموال لهم فيها حق ودون مقابل. وسرعان ما تعج الأسواق بالخيام المتحركة كما يمزح الليبيون . اللهفة والانشراح اللذان يتكرر سطوعهما على وجه البعض كأنما يفسر أن أحدهم لم يوفقه الله في حياته أن يمتلك مثل هذا المبلغ بالأوراق السودانية سوى في الحلم .قد يتضح أيضا أن الحج إلى طرابلس يكون في بعض جوانبه رحلات تسول فلا تعد نجاح
انتهت لقاءات العجائز وابناءهم . وليبيا ومدنها كطرابلس وسرت الخليجية اللتان زاراهما أبناء الإقليم كان لها وقع السحر على الأرواح والقلوب، إحساس يدفع الثائر لمواصلة المسير ، ويعيد الأمل في الحياة إلى العجوز ، فهما مدرسة يتعلم الناس كيف تبنى المدائن وتعمر البلدان ، وتشيد بنيتها التحتية في فن معماري بديع مما يصنع شغف غامر في القلوب الناشئة لليوم الذي فيه ترى ام المدائن وزهرتها ترفرفان ازدهارا ورقيا ضمن قرى و مدائن شبه القارة الأخرى.
ملخص من إصدارة : الثورة الغبش بعد عامين
منعم سليمان