السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

جون قرنق – من الغابة إلى القصر بقلم هلال زاهر الساداتي – القاهرة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/19/2005 6:39 ص

جون قرنق – من الغابة إلى القصر
هلال زاهر الساداتي – القاهرة
من غابات الجنوب الخضراء ومن أشجارها الشماء برز كفجر أبلج ومن رحم التمرد ولد الثائر الذي صار قائدا للمحرومين و العائشين مرارة الفقر والذائقين دوما جرعات البؤس والمتحملين ويلات الظلم , فأصبح الحادي والمبشر للعدل والكرامة والكفاية لإنسان السودان المعذب الذي أدمن الصبر علي الأذى من استعمار وافد ومن بنيه المقيمين الذين حكموه فلم يراعوا فيه أَلاً ولا ذمة ! هذا هو الثائر الذي أطل كالصباح الجديد في ارض السودان هو جون قرنق .
وكان الجنوب منذ الأزل منبعا للخير فمنه ينساب إلى الشمال نهر النيل الخالد حاملا النماء والحياة للإنسان و الأرض , ومنه جاء في تاريخنا القريب ثائر آخر هو علي عبد اللطيف زعيم وقائد لثورة مسلحة ضد الاستعمار واستشهد في الثورة بطل آخر منافح عن قضية الحرية وهو ممسك بمدفعه يصلي جحفل المستعمرين نارا حاميا ويوردهم دركات الردي انه عبد الفضيل الماظ واستشهد معه رفاقه الأبطال من ثوار ثورة عام 1924 المسلحة . واستشهد من بعده الرفاق الذين اعدمهم الإنكليز رميا بالرصاص . ومثلما ظل الجنوب منبعا للخير متمثلا في النيل وللرجال أمثال علي عبد اللطيف وعبد الفضيل الماظ , جاء الخير مرة أخرى في البترول الذي سيكون رحمة لإنسان السودان وسيغير حاله من حال بئيس إلى حال سعيد , ومن عسر إلى يسر بإذن الله . وجاء قرنق مدركا لنا في عهد حكم طما فيه الظلم واشتد فيه الاستبداد وفشا فيه الفساد علي يد حكام الجبهة الإسلامية التي تحولت إلى المؤتمر الوطني والجوهر هو هو ولكن تغير الطلاء الخارجي , وسيجد قرنق تباينا عميقا بين أخلاق الثوار و أخلاق الانقلابيين الجبهجية , فبينما الأولون يدينون بالوضوح والصدق والمواجهة , يدين الآخرون بالخديعة والكذب والغدر ونسج المؤامرات . ولذلك يجب علينا أن نستمسك بقوة بالديمقراطية وسيادة الحريات وحكم القانون , ففيهم الحد بين العدل والظلم وبين الظلام والنور في الأفعال والأقوال , ولتتخذ الحيطة والحذر فلا ننخدع بمعسول الكلام وعذب الأماني , و آن لنا أن نعتبر من لدغات هؤلاء القوم طيلة ستة عشر عاما وليتهم يصدقون مرة واحدة ولتكن هذه المرة بعد جنوحهم للسلم ولكن احسب أن أول بادرة سوء منهم هي إلغاء حالة الطوارئ في معظم القطر والإبقاء علي قانون الأمن الذي يخول لرجال الأمن اعتقال أي شخص لمدة تسعة اشهر قابلة للتمديد دون مساءلة أو محاكمة , ولقد أكرمني الله بأنني كنت ممن شارك في العمل الوطني ضد الاستعمار حتى تحقق الاستقلال ولا مجال للمقارنة بين حال العدل حينئذ في عهد الاستعمار وبين ما عايشناه بعدئذ في عهود الدكتاتورية والشمولية بدءا بالفريق إبراهيم عبود ومرورا بالمشير جعفر نميري وانتهاء بالترابي والمشير عمر البشير فقد كان المواطن لا يعتقل إلا بأمر قاض لاكثر من أربع وعشرين ساعة وبعدها يقدم للمحاكمة أو يطلق سراحه ! ولم نسمع مجرد السمع عن التعذيب وبيوت الأشباح !!
ولا أبرئ الحكومات الوطنية الديمقراطية من الإساءة إلى الديمقراطية والاعتداء عليها فحتى أول حكومة وطنية وهي حكومة الزعيم إسماعيل الأزهري عندما صدر قرار من البرلمان بإلغاء قانون النشاط الهدام قال زعيم المجلس السيد مبارك زروق انه قرار غير ملزم وفي عهد الصادق المهدي في وزارته الأولى حدث اعتداء خطير علي الحريات والدستور بمؤازرة الأحزاب الكبيرة وذلك بتعديل الدستور وطرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان , وساندت الأحزاب الكبيرة الاعتداءات علي الديمقراطية بطريقة أو بأخرى , فلقد سلمت حكومة حزب الأمة برئاسة الاميرالاي عبدالله خليل الحكم إلى الفريق إبراهيم عبود واصدر السيدان عبد الرحمن المهدي وعلي الميرغني بيانان يؤيدان فيه الحكم الجديد , كما أيد الحزب الشيوعي في البدء انقلاب العقيد جعفر نميري كما قام القسم العسكري من الحزب الشيوعي بانقلاب الرائد هاشم العطا , و أما حزب الجبهة القومية الإسلامية فقد قام بانقلاب 30 يونيو 1989 ولا يزال يحكم حتى الآن .
وعندما أصدرت المحكمة الدستورية برئاسة القاضي صلاح حسن حكمها بعدم دستورية طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان لم يمتثل السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء للحكم ورفض تنفيذه وقال عنه انه حكم تقريري , وكان ذلك أول اعتداء علي حرمة القضاء .
نريد حكومة مدنية لا دينية فقد اتخذت الحكومات الدينية الدين مطية للاستيلاء على السلطة والاحتفاظ بها , وهذه الجماعات الدينية أجبرت المسلمين على فهمها وتفسيرها الأحادي للدين واضطهدت وكفرت ما عداها من المسلمين وجعلت الإسلام حكراً عليها , وكانت في جميع عهودها التاريخية عنواناً صارخاً للفساد والاستبداد باستثناء عهد الخلافة الراشدة لأبي بكر وعمر وعلى ومن بعدهم عمر بن عبد العزيز , فقد قلب الأمويون الخلافة إلى ملك عضوض ونادي العباسيون بخلق القرآن وسفكوا دماء المسلمين انهاراً , وكل ذلك باسم الدين وكان من نصبوا أنفسهم حكاماً و أمراء للمؤمنين منغمسين في الموبقات وارتكبوا الفواحش وتعدوا على حرمات الله , وكانوا يقتلون النفس لأتفه سبب ولو كان كلمة عابرة فكان السياف والنطع دوماً في معيتهم .
ووظفوا علماء من الدين يسوغون ويبررون لهم أفعالهم وجرائمهم القبيحة باسم الدين , انهم علماء السلاطين , علماء السوء , الذين يؤولون آيات كتاب الله لتوافق أهواء ورغبات الحكام , و منهم أي العلماء من تحجر فكره وانغلق فؤاده فلا يري أو يفهم سوي مذهبه الأوحد وكل ما عداه من مذاهب أخرى خروجا عن الدين أو ردة , والأمثال اكثر من أن تعد ففي الماضي كفّر الخوارج سيدنا علي كرّم الله وجهه بينما جعله قسم من شيعته آلهاً و كلاهما له حجته من القرآن , وصدق الإمام علي في قوله (( القرآن حمال أوجه )) , ولدينا في السودان عبرة ماثلة عندما حكم المهووسون سفهاء العقول بقتل الشيخ محمود محمد طه . و أينما نظرت حواليك في العالم إلى الحكومات التي تدعي أنها إسلامية تجد الاستبداد في ابشع صوره والحريات مغيبة والظلم فاش , وشعوبها تتعذب في الفقر والحكام يرتعون في النعيم والملذات . ودوننا في السودان حكم الجبهة الإسلامية فالجبهة أفقرت الشعب وظلمت وعذبت و قتلت و دونكم المعتقلات و السجون و بيوت الأشباح و مآسي دارفور وجبال النوبة و بورتسودان و العيلفون , ومقتل 28 ضابطا , و قطع أرزاق الناس و تشريدهم , والآلاف المؤلفة من الشباب الذين ساقوهم إلى الموت في حرب الجنوب باسم جهاد زائف ووعد بحور عين أقاموا له أعراسا في الدنيا وكأنهم يملكون مفاتيح ملك ربك , وهذا في الوقت الذي اثروا ثراء فاحشا من العدم .
لكل هذا نريد حكومة مدنية لا مجال فيها لاستغلال الدين للتحكم في البشر باسمه وبخاصة أن وطننا تتعدد فيه الأديان و المعتقدات , فلتكون المواطنة هي مقياس الحكم و التعايش ويكون الناس أحرارا في اعتناق معتقداتهم الدينية , فالدين ثابت ومصالح و أهواء البشر متغيرة متنوعة , و ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) ( البقرة / 256 ) و ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ( الكهف / 18, 19 ) .
قضية اليوم الملحة هو الفساد الذي ينخر كالسوس في جميع مناحي حياتنا , ولقد كنت خاطبت السيد رئيس الجمهورية في رسالة مفتوحة نشرت بجريدة الأيام بتاريخ 18 يونيو 2000م جاء فيها ( نأمل أن تتقي الله فينا فتطهر أجهزة الحكم من الفاسدين والمفسدين وتقيم ميزان العدالة بالقسط و تتقي يوما تسأل فيه عنا , يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم , فأبدأ باسم الله ولا تخش في الحق لومة لائم ووفقك الله للعدل والخير ) , و أقول له الآن نفس القول فلا تزال الفرصة مواتية ولم يفت الفوات بعد , ولكي تحسن خاتمتك .
وأقول للدكتور جون قرنق دي مبيور الثائر المبشر بالسودان الجديد نريد الطهارة و الأمانة و إخلاص العمل و يضمها جميعا العدل .
وّفروا الغذاء للجوعي , والماء للعطشي , والدواء للمرضي , والمأوي للمشردين , والتعليم للجهلاء من السودانيين الذين أضناهم الحرمان وكاد أن يموت الأمل في صدورهم من الإنصاف والعيش الكريم كبشر . استغنوا عن العربات الفارهة للوزراء وكبار المسئولين واستبدلوها بعربات صغيرة وواحدة منها لكل وزير أو مسئول بدلا من ثلاث , ووفروا بثمنها الباهظ بصات لنقل المواطنين ولقد شاهدنا عمدة لندن واقفا في المترو وهو يركبه في طريقه إلى مكتبه , وشاهدنا ملك النرويج يركب الدراجة وسط المواطنين ! فلنترك ( الفخفخة ) و ( البهرجة ) و البذخ في إقامة الحفلات والولائم والمهرجانات , فنحن لا زلنا قطرا فقيرا نبحث عن القروض في أنحاء الدنيا , وما زالت الغالبية العظمي من شعبنا الصابر تبيت علي الطوي , ويموت الآلاف من الأمراض لانعدام الدواء والعلاج !
و مسألة أخرى حيوية وهي أن كفة ميزان العدالة المائل في السودان لن تعتدل إلا إذا أقمنا العدل في دارفور و في الشرق وانصفنا الضحايا الشهداء من السفاحين الأحياء من الجنجويد ومن والاهم من المجرمين وتقديمهم للعدالة لينالوا جزاءهم , وان نقتص للنساء اللاتي انتهكت أعراضهن , وان نعوض الناجين عن بيوتهم وزرعهم الذي حرقوه وممتلكاتهم التي نهبوها .
كن يا أخي الدكتور جون قرنق علي قدر الأمل و البشر و البشارة التي استقبلك بها الملايين في الساحة الخضراء بالخرطوم من جنوبيين وشماليين , والذين استقبلوك بقلوبهم من السودانيين في داخل السودان وخارجه , وليوفقك الله .

[email protected]



للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved