إن الأمم المتحدة ترى أن سلام نيفاشا المنقوص هو واحد من انجازاتها وتسعى على حساب البجه لإنجاحه بايقاف الحرب في الشرق، ففي نجاحه مكاسب سياسية للمنظمة ووظيفية للعاملين فيها. وهذه التصريحات المتناقضة ما هي إلا مناورات يقوم بها النظام الحاكم لكسب الوقت والالتفاف حول جبهة الشرق بخلق طابور خامس للنظام في الشرق، بواسطة المال أو الوعود الزائفة أو الضغط على زعماء القبائل وابتزازهم، كما أن الإنقاذ تريد التقاط أنفاسها واعادة نشر قواتها المنهارة معنويا والمشتتة ذهنيا، إضافة إلى أنها بحاجة لوقت لخم الرماد من ذهب البجه وموانئه وأراضيه ويبدو أن جشع أركان الإنقاذ ونهمهم ليس له حدود ولم تكفهم كل سنوات النهب هذه.
إن النظام يراهن على أنه في الفترة الانتقالية في السنوات القادمة سيسطر على السودان نظام دكتاتوري ثنائي ولن تكون هناك فرصة لأي جهة للمعارضة، وسيكون بمقدوره البطش بالمعارضة في الشرق اعتمادا على الحلف مع الحركة التي تتمتع بسند دولي يشكل حصانة لتجاوزات النظام في الشرق. هذا ما يعتقده أركان النظام إضافة إلى أن النظام الذي عرف بالاصطياد في الماء العكر، قد زرع الفتن في كل أرجاء السودان، حتى لحليفته الحركة، ففي دارفور زرع فتنة تقضي على الأخضر واليابس، وفي كردفان زرع ألغام آخرها مشكلة أبيي، وللحركة جهز لها معارضة سياسية ومسلحة، وفي الشرق يريد أن يشغل الجبهة بمبادرة الأمم المتحدة، كل هذا لينفرد أركان المؤتمر الوطني بالسلطة والثروة، ويستمتعوا بالنهب المقنن وغير المقنن.
ولكن الوضع مختلف عما تراه الإنقاذ، تعالوا معنا نقرأ تفاصيل المشهد السياسي كما يراه السيد الصادق المهدي الذي يحلله ويضع له سيناريوهات متعددة أحلاها مر:
هذان الطرفان (يعني الإنقاذ والحركة) سيسيطران على الشمال وعلى الجنوب في الفترة الانتقالية، وسوف تكون الأجهزة التنفيذية والتشريعية المركزية والولائية تحت إمرتهما، لذلك ينبغي أن توجد في البلاد خارج تلك الأجهزة فرصة للقوى السياسية لتقوم بواجب محاصرة الاستبداد والفساد.
مواقف القوى السياسية الأخرى تتجه نحو استقطاب جديد، فحزب الأمة، والقاعدة الأعرض للحزب الاتحادي الديمقراطي، والحزب الشيوعي السوداني، والمؤتمر الشعبي، يقفون مواقف معارضة. حزبا دارفور يواصلان المقاومة المسلحة، برغم إعلان المبادئ الذي يعد خطوة في مشوار لم يكتمل بعد. حزبا شرق السودان يواصلان المقاومة. وبالجنوب قوى مسلحة تنتظمها قوة دفاع جنوب السودان، وهي وفصائل مسلحة أخرى تتجاوز ثلاثين فصيلا، كانوا متحالفين مع حكومة السودان، لكن اتفاقية السلام والدستور لم يضعا لهم آلية استيعاب عادلة، لذلك فإنهم يمثلون احتجاجا مسلحا ويطالبون أن يستوعبوا في المؤسسة العسكرية القادمة على نفس نمط الجيش الشعبي. وهنالك أحزاب مدنية وسياسية جنوبية نظمت نفسها كمنبر منافس للحركة الشعبية، وسمت تنظيمها منبر جنوب السودان الديمقراطي.
والنتيجة، هنالك عشرة أحزاب سياسية وفصائل أخرى تكون التحالف المدني المعارض الجديد، ومقاومة مسلحة هدفها تحقيق مكاسب مماثلة للحركة الشعبية.
وهنالك الرقيب الدولي. إن فجوة الثقة بين طرفي الاتفاق، جعلتهما يطلبان من الأمم المتحدة وجودا رقابيا تحت الفصل السادس ـ الطوعي ـ من الميثاق الدولي، لكن مجلس الأمن الذي وافق على الطلب، قرر أن يكون وجوده في السودان تحت طائلة الفصل السابع (القسري)، مما يجعلها حكما بين طرفي الاتفاق، وحكما بينها وبين الشعب الأعزل الذي قد تهدر حقوقه.
في هكذا أجواء فنحن لا ننصح بالتفاوض مع النظام وعلى جبهة الشرق مواصلة نضالها بدلا من تضييع سنوات قيمة في دهاليز تسويف الإنقاذ، خاصة أن جبهة الشرق الآن في أقوى حالاتها فقد التف حول برنامجها كل القاطنين في الشرق بمختلف قبائلهم وانتماءاتهم وبقليل من النضال, خاصة لو اتبعوا ما اتبعه أجدادهم مع بريطانيا العظمى، ستسقط الإنقاذ المترنحة بالضربة القاضية التي ستأتيها من الشرق.