السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

قصة أم عماد بقلم سارة عيسى

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
7/18/2005 2:14 م

العنوان : قصة أم عماد
أحداث هذه الرواية حقيقية وقد حدتث بالفعل كما سردتها ، وقد استشهد الاخ عماد في جنوب كردفان عام 1992 عندما تم قوده الي هذه الحرب قسرا من قبل مليشيات الجبهة الاسلامية ، فجعت أم عماد وهي احدي نساء الهامش بفقد أبنها الوحيد ، وهذه هي قصة ( أم عماد ) مع المآسي وهي احد قصص الحروب الواقعية ، وسوف اعمل علي نشرها في حلقات قصصية لنأخذ العبر والدروس ولنرفع صوت المهمشين الذين اكتوا بنار حروب الجبهة الاسلامية .


(( تزوجت ( أم عماد ) باكرا من ابن عمها والذي رحل بعد الزواج الي منطقة ( الصعيد ) بحثا عن الرزق .. وطال غياب الزوج في الصعيد وشاءت الظروف أن لا يحضر ميلاد أبنه البكر والوحيد والذي أطلق عليه اسم ( عماد ) ، وأنتظرت الزوجة الايام والشهور والسنين ولكن شبح الزوج لم يلوح في الافق ، وكثر همس الجارات عن عودة الزوج المرتقبة وأشيع أن الزوج قد تزوج للمرة الثانية وطاب له المقام في أرض الصعيد وانه لا يفكر في العودة الي قريته مجددا ، حاولت ( أم عماد ) بكل السبل أن تتقصي أخباره ولكن الامل تلاشي وفقدت كل الخيوط التي تربطها بزوجها الذي اصبحت لا تعرف عنه شيئا وسط مطالب الحياة المتزائدة ، وكبر عماد وبلغ عمره خمسة سنوات ، تعلم الكلام بسرعة وأول سؤال طرحه علي أمه المغلوبة هو ( اين أبي ) ؟؟ حاولت الام المكلومة أن تتهرب من الاجابة ولكن عينا الصغير حاصرتها واجبرتاها علي البوح بمكنون سر اختفاء الاب وأجابته ومقلاتاها قد غرقتا في بحر من الدموع وجمعت أطراف شجاعتها وقالت له بتلعثم وهي تكاد لا تستطيع اخفاء امارات الحزن التي أكتست وجهها :
( أن أباك ذهب الي الصعيد )
ولكن الصبي كان ملحاحا ولم يكتف باجابة الام الغامضة .. فسأل : أمي اين يقع الصعيد ؟؟
ردت الام بشجاعة هذه المرة وأشارت الي مجموعة الشجيرات التي تقع في شمال القرية .. انه هناك خلف تلك الشجيرات المتشابكة .
أرتاح الصغير وهدأ روعه ولكن كان هناك أمر اثار قلقه وجعل الهواجس المفزعة تدق باب قلبه الصغير .. فسأل أمي : لماذا يبقي أبي خلف الشجيرات ويتركنا ؟؟
شعرت الام أن الصغير لن يتركها لحالها وسوف يمطرها بسيل الاسئلة التي لم تجد لها اجابة وهي تترقب عودة زوجها في كل يوم وساعة ولكنها فضلت مجاراته بقدر الامكان من غير أن تحسسه ان وراء اختفاء ابيه سرا كبيرا أو أن يعرف أن أباه قد ذهب في رحلة طويلة من غير رجعة ، ولقد بلغ مسامع الام أن داء ( الطاعون ) قد استشري في الصعيد وقد مات بسببه عدد كبير من الناس ، ومن المحتمل أن يكون زوجها قد فارق الحياة بسبب هذا المرض اللعين ، وأنقذها من هذه الخواطر صوت عماد وهو يلح بالسؤال فأجابته : أنه ذهب للعمل في الحصاد وسوف يعود يوما وهو يحمل لك ( القلوبية ) لتصطاد طائر ( القديل ).
أغمض عماد عينيه وهو يسرح بخياله بعيدا ويحلم بعودة الاب الغائب ، سوف يكون مثل بقية صغار الحي ويستطيع بأن يفخر بأبيه كما يفعل الجميع ، وهو يحدث نفسه .. ان أبي ليس بعيدا عني .. أنه خلف تلك الشجيرات المتلاصقة مع نهر النيل .. سيعود ابي يوما وهو يحمل زكيبة ( الدخن ) ويجلب لي ( القلوبية ) لاصطياد طائر ( القديل ) الماكر والذي عادة ما يلتهم الدودة ببراعة من غير أن تطبق عليه مصيدة عماد القديمة .
كبر عماد وبلغ من العمر سبعة اعوام وكبر معه حلم عودة الاب المختفي خلف الشجيرات ، وقرر عماد وقتها حل هذا اللغز الغامض بنفسه وقرر الذهاب الي ذلك المكان ليستشف حقيقة وجود أبيه ، تسلل عماد من وراء عيون أمه وذهب الي موقع الشجيرات المتراصة ، وهو في الطريق كان يحلم.. كيف يا تري سوف تكون هيئة أبي ؟؟ هل هو يتردي البنطلون والقميص الابيض مثل التمرجي الذي يشرف علي شفخانة القرية أم أنه يلبس الجلباب ويضع علي رأسه الطاقية الصفراء وينتعل مركوبا من جلد النمر ، سلك عماد الطريق المتلوي كالثعبان والذي مهدته حوافر المعيز والاغنام وهي تسير في ذات الطريق عندما يصدر بها الرعاء في ساعات الصباح الاولي . سار عماد لمدة نصف يوم حتي شعر باشواك ( الضريسة ) وهي توخز راحة قدميه مخترقة أرضية الحذاء الهشة التي ضعفت بمرور الزمن وكثرة الاستعمال .استراح عماد قليلا تحت ظل شجيرة ( السمر ) الوارفة ثم اكمل مسيره والشمس قد أستقرت في كبد السماء وبدأت في ارسال أشعتها المحرقة التي ترمض الضب وتجعله لا يغادر الجحر الي حفره لنفسه في ( القنطور ) ، ولكن رؤية الاب تجعل عماد لا يحس بحرارة هذا الجو وتجعله يحتمل كل الصعاب ، وبدأت ملامح الشجيرات تظهر شيئا شيئا وتيقن عماد من حتمية لقاء الاب المفقود ، وصل عماد الي الشجيرات ولكنه لم يجد أباه ولم يري اثرا لحقول ذرة الدخن المترامية ، وكل ما رأه كان أرضا جرداء تلاصق نهر النيل والتي غرقت في نهر صمت مطبق ومخيف لا ينطق بمكان وجود الاب الغائب ، انتظر عماد طويلا حتي مالت الشمس نحو أفق المغيب ولكن الاب لم يظهر ، عرف عماد أن الحلم الذي راوده طوال فترة صباه قد مات وتحسس قدميه اللتين أوهنهما المسير ليري ان كان قادرا علي العودة الي القرية من جديد ، ويا ماذاس يقول لأقرانه اذا عاد وهو الذي وعدهم بأنه سوف يقابل أبيه خلال هذا اليوم ، انهم لن يصدقوه بعد الان ولكنه حمل الغضب الشديد علي أمه وكيف هان عليها أن تكذب عليه بهذه الطريقة وتخدعه بأكذوبة تواري الاب من وراء الشجيرات ، عاد عماد الي القرية من نفس الطريق الذي سلكه في الاول ولكنه كان محطما ومنهكا وشعر لأول مرة بقيمة الحلم اذا تهدم وشعر بالرغم من سنين عمره القليلة أن الحرمان والشقاء هو كل ما يملكه من هذه الحياة . دخل عماد المنزل المكون من قضية صغيرة ( وراكوبة العواسة ) حيث يحيط بهما سياج شوكي يقي النزل القديم شر الداخلين . هرع عماد الي ( الزير ) ليروي عطشه ولم يلاحظ أن أمه كانت له بالمرصاد ، قد عرفت الام بقصة ذهابه الي الشجيرات من اصحابه والذين أطلعوها علي نية عماد في ملاقاة والده في هذا المكان ، بكت الام بحرارة وهي تشعر بالالم الشديد لرؤية صغيرها الوحيد منهارا ومحطما وقد خبا وميض الامل في عينيه الصغريتين .شعرت لأول مرة في حياتها بالجرم الكبير الذي أرتكبه الزوج الغائب وأحست أن عماد لم يعد يثق في أقوالها ، فبكت حتي بللت الدموع خديها وأحتضنت عماد الي صدرها وبدأت تحس بدقات قلبه المتسارعة ورائحة أنفاسه المخلوطة بحرارة شمس اليوم القائظ ،
فسألها عماد : أمي لن يعود ابي فلقد ذهبت الي مكان الشجيرات ولم أجد له اثرا !! هل كذبت علي أم أن ابي مختف في مكان آخر لم يطلعك عليه !! لن يعود ابي ولن احظي بصيد طائر ( القديل )
بكت الام بحرقة وهي تواجه نبرات ابنها الصغير المفعمة باليأس والاحباط وحاولت أن تخفف عليه وأومأت له براسها كدلالة علي الايجاب ، فصمت عماد طويلا وهو ينظر الي السماء ويسأل النجوم المتلالئة يا تري اين أبي الان أيتها النجوم ، وخاطبها قائلا : انك تعلمين مكان ابي ولكنك لن تدليني عليه وربما تخفين علي مكان وجوده كما فعلت أمي ولكنني لن اسكت بعد اليوم حتي أعرف الحقيقة .

وسوف نواصل سرد الرواية
[email protected]


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved