ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
«المعَلَشْة» ضياء الدين بلال [email protected] تبدو الكلمة غريبة في جرسها «المعلشة» هي تصريف شعبي لكلمة «معليش».. التي تستخدم في الاجتماع السوداني كتعبير عن الأسف والاعتذار عن فعل قد تم أو قول قد قيل، فوقع عند سامعه في موضع «الغضب».. فتخرج «الكلمة» بصوت خفيض ونظرة مائلة الى أسفل، «معليش» وقد وردت في قاموس اللهجة العامية في السودان لبروفيسور عون الشريف قاسم بمعنى «ما عليك شئ» .. وهي غالباً لا ترتد لقائلها خائبة الكسب، اذ كثيراً ما تؤدى غرضها وتحقق مهمتها بدرجة عالية من الصفح! «المعلشة» مصطلح أول ما طرق اذنى كان عندما اطلقها صديقنا العزيز الباشمهندس ابوبكر احمد المصطفى.. وقد يكون المصطلح من برمجته الخاصة.. أو انه مستلف من شخص آخر أو ملتقط من الشارع العام.. وابوبكر تسقط من فمه النكتة صاخبة تضج بالمفارقات ويحتفظ هو بهدوء ممتع كأنه لم يقل شىئاً.. قال لي ونحن في طريقنا الى قرية «التي» لزيارة صديقنا طارق ود الشائب.. وكان بكري يتحدث عن مدير شركتهم الألماني الجنسية، تلك الشركة التي يقول بكرى انها تأسست في هامبورج العام 1841م وظلت منذ ذلك التاريخ الى اليوم تنتقل ادارتها من جد الى أب الى ابن باعتيادية سلسلة.. ففي العام 1841م كان السودان دولة عمرها عشرون عاماً فقط.. يقول بكرى عن مدير شركتهم: «الزول دا غريب، أنا شغال معاهم لي ست سنوات.. في كل سنة يزور الخرطوم مرتين.. وقبل ثلاثة شهور من زيارته، يرسل ايميل يحوي تفاصيل دقيقة جداً عن زيارته بعد ثلاثة شهور.. انه سوف يحضر في اليوم الفلاني الساعة الفلانية على الطائرة العلانية.. وعلى السائق فلان أن يكون في انتظاره.. ويحدد تفاصيل ما يريده موجوداً بالثلاجة.. ولون الملاية التي يريد ان تفرش على السرير بغرفة النوم.. ويحدد الدرجة التي يكون عليها الايركوندشن في الغرفة.. وهي عادة ما تكون مختلفة عن الدرجة التي يحددها للصالة»..!! يقول بكري ان هذه الرسالة تتكرر مرتين في العام منذ فتح فرع للشركة بالخرطوم في العام 1980م.. صديقنا عدنان - فلسطيني - قال لي مرة انه لا يستطيع ان يضع برنامج ليوم واحد في السودان.. فالآخرين هم الذين يضعون لك برنامج اليوم.. ذلك الذي يزورك دون سابق ميعاد ليقول لك «يا أخي كيف عامل؟».. ثم يقلب الوسادة ويخرج حذاءه بهدوء ويفرد جسده على السرير وقد يشعل سيجارة احياناً.. ويتحكم في برنامجك اليومي، الموظف الذي ذهب للفطور والونسة على كوب من شاي.. ويتحكم في برنامجك سائق الحافلة الذي يتوقف على كل مترين ليرفع واحد أو لينزل آخر..!! ولعدنان فكرة ساخرة قالها لي ونحن نعبر على «المعدية» الى توتى.. «انتو محظوظين.. لو النيل دا كان يمر بمصر قبل ان يصل السودان لكان من الممكن ان تعبروا لتوتى دون حاجة لمعديات».. ادركت ان عدنان كان يسخر من عدم استفادة السودانيين من مياه النيل.. وان المصريين كانوا سيستخدمون مياهه الى آخر نقطة..!! نعود «للمعلشة».. وهي مصطلح تم صكه بدقة متناهية ليعبر عن امتهان السودانيين لثقافة الاعتذار، عبثهم بقيمة «التسامح».. في احدى مباريات كرة القدم باستاد المناقل كانت بين الموردة والعمال على من يهبط للثانية ومن يبقى بالأولى.. طلب من مدافع جسور تم استجلابه من الخرطوم بأن يقوم منذ بداية المباراة بتعطيل صديقاً له في الفريق المنافس.. فاقترب المدافع من صديقه المهاجم وقال له على مسمع من الجمهور القريب للخط «سامي معليش».. واذا بالمدافع يسدد ضربة موجعة لصديقه ليخرج على اثرها مصاباً الى خارج الملعب..!! ان تعتدى على شخص وانت تستبطن الاعتذار له بعد ذلك.. أو ان تفعل مثل المدافع عبدالله، ان تعتذر له قبل الاعتداء عليه.. تكون بذلك لم ترتكب خطأ فقط، بل باعتذارك الوقائي تكون قد افسدت مجموعة من القيم.. وجعلت من الاعتذار حماية استباقية من رد الفعل وهي «المعلشة» ذاتها..!!
للمزيد من االمقالات