المبادرة التي أطلقتها الأمم المتحدة لتحقيق السلام في شرق السودان ووافقت عليها جبهة الشرق، تتعرض حتى قبل أن تبدأ لمحنة حقيقية بسبب غدر وتجاوزات النظام الحاكم. فقد استغل النظام الحاكم كعادته قبول جبهة الشرق التهدئة وراح يعيد تنظيم صفوفه المنهزمة وقواته المنهارة معنويا ليشن جولة ميدانية جديدة ضد جبهة الشرق، وبما أنه يؤمن بأن الحرب خدعة، وأن حربه على البجه ليست على أرض المعركة فقط، فقد أطلق الحرب الشاملة على البجه، وواصل التنكيل بهم بواسطة أجهزته القمعية مستغلا فرض حالة الطواريء في الشرق فمنعهم من التحدث مع قواعدهم أو إقامة ندوات وقام بمضايقة قياداتهم في بورتسودان وكسلا.
بدأ النظام الحاكم حربه القميئة هذه بحملة دعائية صرف فيها مليارات الدينارات في محاولات يائسة لشراء الذمم ولزرع الفتن بين قبائل الشرق لتقاتل مقابل المال ضد مؤتمر البجه، مثلما فعل في دارفور الجريحة. وقد باءت هذه الحملة بالفشل ولم تنجح في استقطاب شخص واحد ناهيك عن قبيلة واحدة، وعاد قائدها غوبلر الإنقاذ ابراهيم عمر هو وتابعه "هبنقه" وزير مالية النظام الذي وعد أهل البطانة بركوب الطائرات، بخفي حنين.
وبعد هذا الفشل الذريع، اتجهت الإنقاذ للحرب الإعلامية مستغلة وسائل الإعلام التي دفع الشعب السوداني ثمنها ويدفع الآن تكاليف تشغيلها لتروج لأكاذيب الإنقاذ مستهدفة جبهة الشرق وحشدت لذلك ضمن ما حشدت، نظار البجه الذين يتم عرضهم في برامج ساقطة، تبتزهم فيها الإنقاذ بعدم تنفيذ مطالب مواطنيهم من حفر الآبار وفتح المدارس والمستشفيات وغيرها، إذا لم يرددوا على التلفزيون ما تمليه الإنقاذ عليهم، وعزاؤنا هو أن الشعب السوداني الواعي لا يمكن أن تنطلي عليه مثل هذه المسرحيات الرخيصة. ونظار البجه يعرفون أن من ضمن أجندة جبهة الشرق تحرير إرادة النظار وقدر النظار هو قدر كل أبناء الشعب السوداني المسلوب الإرادة.
إننا من هذا المنبر نطالب الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤوليتها في مبادرتها وأن توقف هذه الحرب القذرة وحملات الأكاذيب والأساليب الملتوية التي اشتهرت بها الإنقاذ وتهدر فيها مليارات الدينارات لأجل كسب الوقت والتي تهدد مصداقية مبادرة الأمم المتحدة، هذا إذا كان النظام صادقا وجادا في الوصول إلى سلام حقيقي مع شعب البجه وهو ما نشك فيه ويؤيدنا في ذلك كل من يعرف النظام والأساليب الخسيسة التي يتبعها.
لقد أسدت الأمم المتحدة خدمة جليلة للنظام المتهاوي بوصولها إلى إتفاق بالتهدئة مع جبهة الشرق حيث سيسترد فيها النظام أنفاسه المتقطعة ليبدأ حملة شرسة جديدة ضد البجه، وعلى البجه أخذ الحيطة والحذروعدم الركون إلى عهود النظام الكاذبة، وكان يتوجب على الأمم المتحدة أن تطلب من النظام قبل بء المفاوضات أن يقوم بإجراءات تدلل على حسن النية والجدية، مثل رفع حالة الطواريء المفروضة على ولايتي البحرالأحمر وكسلا حتى يستطيع مؤتمر البجه الاتصال بقواعده والتشاور معهم حول المفاوضات، وفتح الحدود مع الجارة اريتريا، وإزالة القيود المفروضة من قبل النظام على المناطق المحررة والسماح بحرية تحرك المواطنين منها وإليها ووصول المواد الغذائية والأدوية لسكانها الذين فرض عليهم النظام التجويع والمرض بمحاصرتهم، كذلك إيقاف الحظر المفروض على أخبار البجه في الصحف ووسائل الإعلام، إضافة إلى نشر تقرير لجنة تقصى الحقائق في مذبحة بورتسودان وتقديم المشتبه بهم إلى العدالة، والإيقاف الفوري لنهب ذهب البجه من مناجم الأرياب، وأن تعاد جمارك الميناء من الخرطوم إلى بورتسودان حتى يتوقف تشريد الأسر التي كانت تعمل فيها. وإذا لم يتم هذا وفي أقرب وقت فليس للبجه إلا المضي في نضالهم الضاري الذي يؤديهم فيه معظم أبناء الشعب السوداني، وقريبا جدا ستسقط الإنقاذ بالمشيئة، فهي الآن في أضعف حالاتها وقد انتقلت الحرب من غابات الجنوب إلى العاصمة الخرطوم التي تعاني من الإنفلات الأمني مع دخول قرنق دخول الفاتحين مما شجع مؤيديه على التصرف كأنما دخلوا الخرطوم منتصرين فحطموا وسبوا وعربدوا أمام أعين قوات أمن النظام التي لم تحرك ساكنا، بينما تستأسد على البجه وتفتك بمسيرتهم السلمية، وإلى جانب هذا فهناك معارضة شمالية قوية بقيادة حزب الأمة والمؤتمر الشعبي ومجموعة من الأحزاب الشمالية الأخرى، أما بالنسبة للجنوبيين فقد تحول من كان منهم مع النظام إلى المعارضة وها هو فاولينو ماتيب الذي يقود أكثر من خمسين ألف مقاتل استغلتهم الإنقاذ لمقاتلة قرنق وتريد الآن أن ترمي بهم في قارعة الطريق، ولكن القائد فاولينو ماتيب لا يعترف لا بقرنق ولا بالإنقاذ، كما قال في إحدى القنوات التلفزيونية العربية، وسيقود حربا ضدهما معا داخل الخرطوم وليس في الغابة، أما بالنسبة للتجمع فإن قياداته الوسيطة تريد استغلال هامش الحرية لإسقاط النظام من الداخل، وسوف ينتهى شهر العسل المؤقت بين الإنقاذ وقرنق قريبا حيث أن ما يفرق بينهما أكثر مما يجمع بينهما، لذا فإننا نرى الإنقاذ توزع في أموال السودان بسخاء يمنة ويسرة في هستيرية في محاولات خاسرة للكسب السياسي الرخيص. أما المجتمع الدولي فلا زال ساخطا على النظام.