في عام 1995 حضر الطيب مصطفي تدشين حفل افتتاح الفضائية السودانية وطلب منه أن يلقي كلمة الافتتاح ، وفوجئ الحضور بالطيب مصطفي وهو يسجد أمام عدسة التصوير في حركة درامية غريبة وبكي حتي امتلأت عيناه بالدموع وأعتذر عن القاء الكلمة لأن العبرة قد خنقته وطارت من فؤاده الكلمات التي تعبر عن الموقف الكبير ، وانقذ الوزير سبدرات الموقف وقام من بين الحضور والقي كلمة زعم أن الطيب مصطفي أطلعه عليها قبل ساعة ليقرأها نيابة عنه أمام الحضور في حالة عدم مقدرته ( الطيب مصطفي ) علي قولها في المنصب ، فقال سبدرات (( الانقاذ تبشركم برسولها الجديد وهو الفضائية السودانية والتي سوف تنشر المشروع الحضاري في كافة أرجاء العالم الاسلامي ونقول أيضا لاعضاء تجمع الفنادق في القاهرة ان هذا ( الرسول ) سوف يدخل عليكم من نوافذ الفنادق التي انتم تقيمون فيها في الخارج وتضمرون من بين جدرانها الشر لهذا الوطن فلا مهرب لكم اليوم فنحن خلفكم في كل مكان تقيمون فيه )) أنتهي حديث سبدرات المنسوب الي الطيب مصطفي .وهذا الرجل المملوء بالهلوسة قد أقدم علي خطوة جريئة تحدي فيها ارادة الجميع عندما حجب صفحة من موقع سودانيز أون لاينز ، وزعم ان هذه الخطوة تشجع علي حفظ ثقافة ابناء السودان من تلف المواقع الالكترونية ، أنه الان يتحكم في ثقافتنا ويدلنا علي موارد الخير والشر وينتقي لنا البضاعة الفكرية التي تناسب أذواقنا وكأن كل أبناء السودان لم يبلغوا الحلم أو ينالوا حظا من تعليم الشيخ الطيب مصطفي ، وهو بذلك يضرب مثلا بنموذج الدولة المتنفذة داخل الدولة المترهلة ، وقد أعتمد في قرار الحجب علي وشاية رخيصة من أحد صغار الصحفيين وعمم أمر الحجب علي الفور ، والطيب مصطفي عدو للثقافة والحرية والانسان وبقاؤه في السلطة وهو يمسك بمقص الرقيب الالكتروني يدلل أن السلطة لم تنفك من أسر حربها القديمة مع الجميع ، فقبل عام ايضا أقدم الطيب مصطفي علي فعل نفس الشئ مع موقع سوادنيو أون لاينز ، والفضاء الالكتروني ممتلئ بالمواد الجنسية التي تحرك الغريزة ولكن الطيب مصطفي لا يري الا سودانيز أو لاينز فهو بذلك لا يقصد تلك القصه لتي نشرها الاستاذ محسن خالد ولكنه يقصد وأد الحرية وهي في المهد ، أنه يقصد المقالات السياسية التي تهاجم نظام العروبة والاسلام في السودان ، أنه يخشي كتابات عمر المؤيد وعبد الغني بريش ود.عبد الماجد ومصطفي ابو جاز ومحمد الحسن محمد عثمان ومحمد فضل المولي ، انه يقصد هذه الكوكبة المتلالئة في سماء الصحافة الالكترونية والتي أعطت القارئ في خارج السودان وداخله الانطباع ان حواء السودانية لا زالت تنجب من يقف في وجه الجور والطغيان ، وان القلم السوداني لا زال بخير ويسكب المداد من أجل التنوير والمناداة بقيم الحرية ، وقد أطلق الطيب مصطفي الرصاصة الاولي فيا تري متي يطلق الرصاصة الثانية ليقتل حصان السلام .
ونحن أن السلام سوف يهدد باطلالاته مراكز النفوذ القديمة ، وليس مستغربا أن تصدر فتوي من بعض موظفي حزب المؤتمر الوطني في الدولة يهاجمون فيها الحركة الشعبية ويحرمون الانتماء الي صفوفها ، كما حرمت الفتوي تأجير المكاتب لها أو نشر دعايتها في اجهزة الاعلام والصحف ، والحقيقة الغائبة عن هولاء الشيوخ الاجلاء ان الحركة الشعبية ليست تنظيما قادما من الخارج بل هي اتت الي الداخل بناء علي اتفاق اقرته الدولة المسلمة اذا صح هذا التعبير ، وكان من باب أولي ان يواجهوا الحاكم وهو المشير البشير بفتواهم الرشيدة قبل مهاجمة الحركة ، ولماذا كانت هذه ( الفتوي ) حبيسة خواطرهم طوال هذا التاريخ ولم ينشروها الا بعد وصول الدكتور قرنق الي الخرطوم ، وهولاء الاشخاص الذين اصدروا هذه الفتوي هم من المتضررين من السلام وهم الان يسعون في محاولة يائسة الي استعادة نفوذهم القديم ، ولقد هالهم الحشد الاسطوري الذي استقبل الدكتور قرنق في الخرطوم كما صعب عليهم رؤية العديد من أبناء الشمال وهم ينضمون للحركة الشعبية في لفتة بارعة يؤكدون فيها وقفتهم مع المشروع السياسي الذي تبشر به الحركة الشعبية ، وهذه العودة الميمونة هي تأكيد لهزيمة المشروع القمعي الذي حكم أبناء السودان بالحديد والنار طوال ستة عشر عاما، وعلي هولاء الشيوخ ان يقودوا حربهم الجديدة بأنفسهم اذا أرادوا ذلك ويكفي الاسر السودانية ما وجدته من تمزق وحرمان عاشته طوال سنين حرب الجنوب ، لا أحد يريد العودة الي الوراء
سارة عيسي