في مشهد فريد ولوحة معبرة احتشد الملايين من أبناء الشعب السوداني العظيم في لحظة تاريخية فارقة ومنعطف حاسم في تاريخ التجربة السودانية الحديثة وعلامة بارزة في تاريخ الشعوب الحية التي سئمت التلاعب بالعواطف والمسح علي الذقون.
بداية أود أن أنوه إلي عدم السخرية من هذا الحشد الكبير والمعبر عن طموحات وأشواق كوكبة من أبناء الشعب السوداني العظيم ، طليعتها السواعد الفتية التي تدافعت طوعا تأييداً لصناع السلام في بلادنا ، واحتفاءاً بأحد أبطاله الشجعان الدكتور جون قرنق دي مبيور ، لسان حال المهمشين والساعي إلي وضع حد لمعاناتهم في كل ربوع الوطن بدون أي استثناء.
جاءت هذه الجموع وكلها أمل وطموح لصنع غد أفضل ، يودع فيه السودان الفقر والتهميش والجهل والمرض ، من خلال رسالة واضحة إلي قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان ، أننا معك طالما رفعت السلاح باسمنا وقاتلت من أجلنا ضد الظلم بأنواعه وأشكاله المختلفة واليوم جئت إلينا تحمل غصن الزيتون بيد والتنمية والإعمار بيد أخرى. رسالة تلقي بعاتقها عليك أيها القائد البطل ، ولكننا كلنا ثقة بأنك سوف تترجم الأقوال إلي أفعال والاتفاقية إلي واقع ملموس. لا لشيء إلا أنك قد مررت بنفس التجربة ، وتعرف يقيناً ذل الحاجة ومعني أن يكون الإنسان محتاجاً وتذوقت طعم الجوع والعطش ، فباختصار أنت تشبهنا في كل شيء.
أما الرسالة الأخرى التي وجهها برلمان المهمشون فكانت إلي الأحزاب التي فضلت المعارضة ، فحواها ألا مزايدة بعد اليوم باسمنا والتحدث عبر وسائل الإعلام المختلفة بأن الأغلبية معنا. لقد جرت مياه كثيرة تحت الجسر وعلي الجميع وعي الدرس المستفاد وهو أن الناس تريد من يلبي طموحاتها وأشواقها وليس من ينمق الحديث ويدعي أمور لا علاقة لها بالواقع ، بل محلها الطبيعي عالم الخيال والأحلام. لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال عدم وجود معارضة ، فهذا أمر لا يستقيم منطقا ولا عقلا ولكن علي المعارضة أن تكون منضبطة ومسئولة ، وقادرة علي وضع الآليات والمؤسسات التي تمكنها من لعب دور المراقب لتصرفات الحكومة وأدائها. لا تلك التي تحركها الأطماع والمصالح الحزبية الضيقة التي جل همها الوصول إلي كرسي السلطة بأي ثمن دون مراعاة لوازع ديني أو وطني. هذا ما يجب أن يطلع بشأنه ويسهر عليه النظام القضائي المستقل في المرحلة المقبلة للطرفين معاً حكومة ومعارضة.
السؤال يتعلق بمن سوف تكون له الغلبة في المرحلة المقبلة وقد أجاب أعضاء البرلمان الموقرون علي ذلك بوضوح تام ، أننا مع السلام ولن نسمح بعد اليوم لأي يد تحاول أن تمتد لتسيء إلي هذا الإنجاز العظيم الذي تحقق بمهج وأرواح المناضلين الشرفاء من أبناء هذا الوطن العزيز. وأن كل من يحاول الإقدام علي فعل أحمق ويحاجي نفسه بمثل هذه الأحاجي الغولية الخرافية ، سوف يجد دون أدنى شك هذه المرة شعبا قد وعي الدرس وحاضر في الميدان لمنازلته ورده عن غيه خائبا مذعورا. ونقول لأمثال هؤلاء كفي استهتارا وتلاعبا بمصائر الشعوب.
وأن تعالوا جميعا إلي كلمة سواء نضع فيها السلاح جانباً ونعلي قيم الوطنية والمشاعر القومية وإيثار النفس ونتوجه جميعنا بنية صادقة كل في مجاله وما يستطيع أن يساهم به قدر المستطاع لبناء هذا الوطن الكبير ، كي يتبوأ مكانه الذي يليق به بين دول العالم المتقدم. وألا ننسى بأن العالم يراقبنا عبر شعوبه وحكوماته ما إذا كنا سوف نعبر النهر بمركبنا ونصل إلي الشاطيء بأمان أم نختلف ونتنازع فتذهب ريحنا وندمر كل شيء ، وتتشكل لجان التحقيق الدولية لمعرفة سبب حدوث المأساة ، اللهم لا!!!!!!
خلاصة القول أن الدرس المستفاد من هذا المهرجان الاحتفائي العريض هو أن شعبنا رغم كل المآسي التي تعرض لها لا يزال صابرا محتسباً وأنها رغم قسوتها لم تزده إلا قوة ومنعة وتمسك بحقه في حياة كريمة خير بلسم لمداواة جراح الماضي ومراراته. والسؤال يبقى ماثلاً أمام أعيننا، ما إذا كنا قادرين علي توظيف هذه الطاقات الهائلة لصالح السلام والتنمية أم نتركها تتحول إلي سونام يقضي علي الأخضر واليابس شعاره علي وعلي أعدائي؟؟؟
معاً من أجل سودان جديد
بقلم/ بدر الدين أبو القاسم محمد أحمد