منذ ظهوره على المسرح السياسي السوداني في سيتينيات القرن الماضي اراد حسن الترابي أن يأخذ لنفسه موقعا متقدما بين أوساط السياسيين وأن يصبح رقما يصعب تجاهله كما يحسب له ألف حساب في المعادلات السياسية السودانية. واتخذ الترابي لنفسه أسلوبا يقوم في الأساس على أن يعارض ويناور مهما كانت الحصيلة النهائية لهذا الموقف السياسي. في بداياته السياسية حمل الترابي لواء التجديد والتحديث بين جماعات الاسلام السياسي والتي كان أبرزها في حينها حركة الأخوان المسلمين, والتي تعتبر امتدادا مباشرا لحركة الأخوان المسلمين الموجودة في مصر , وقد افتتنت كوادر هذه الحركة بشخصية الترابي فقد كانت البدلة وربطة العنق والحديث عن العصرنة وتجديد التيار الاسلامي شيئا جديدا تماما على أعضاء هذا التيار على الأقل في السودان. من ألأمور الأخرى التي أحسن الترابي بذكاء وبخبث استغلالها كانت العاطفة الدينية الجارفة التي يتمتع بها أفراد الشعب السوداني في غالبهم الأعم خصوصا وأن التيار الشيوعي في ذلك العهد كان في بدايات أوجه ورواجه بين الطبقة المستنيرة والمثقفة من أبناء الشعب. وقد لجأ الترابي في مسيرته السياسية الى العديد من الأساليب وللأسف كانت في معظمها أساليب غير نظيفة , بداية من محاولاته المتعددة والمتكررة لسرق شرف النهوض بانتفاضة أكتوبر الشعبية المباركة وادعاء أتباعه بأنه كان مشعل شرارتها الأولى مرورا باختلاقه المشاكل في السيتينيات مع السيد محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء زاعما رغبته في رفع لواء تطبيق الشريعة, وفي تاريخه السياسي الطويل كانت هناك العديد من المحطات التي شكلت عنصرا داعما له للمضي في تحركاته السياسية, فقد تزوج الترابي من أخت الصادق المهدي , وكانت هذه هي احدى المحطات المهمة , فالصادق يعتبر احد أهم مصادر الأزعاج بالنسبة للترابي وتظهر غيرة الترابي منه في مواقع وأحداث عديدة وقد بدا جليا حجم عقدة الدونية التي يعانيها الترابي من صهره الصادق المهدي منذ تولي نظام الجبهة السلطة في الخرطوم. أما فترة السبع سنوات تقريبا التي قضاها حسن الترابي في سجون مايو فقد كانت هي الأخرى محطة مهمة استغلها الترابي بحنكة ودهاء ليتظاهر بأنه قد كان أحد أبطال النضال أيام العهد المايوي ويتناسى الترابي عن قصد وعن سوء نية واضحة أنه وزبانيته الذين لازال بعضهم الى اللحظة في السلطة ومنهم المدعوة بدرية سليمان يتناسون أنهم كانواالسبب في تطبيق ما أسموه هم بقوانين الشريعة والتي اشتهرت بين الناس بقوانين سبتمبر, القوانين التي جعلت هناك حدا في الدين يعرف بحد الشروع في الزنا ماأنزل الله تعالى به من سلطان, ولكنها كانت بنات أفكار حسن الترابي. بل وحتى أغتيال الأستاذ محمود محمد طه كان مؤامرة مفبركة ضد تيار الأخوان الجمهوريين , لاغتيال رجل توقع له أن يقف ندا عنيدا لحسن الترابي , والكل يذكر القاضي الشاب المعروف بالمهلاوي الذي حكم بردة محمود محمد طه , فذلك الشاب كان في بداية الثلاثينيات من عمره ولم يكن عدد القضايا التي حكم فيها يتجاوز أصابع اليدين عندما حولت اليه قضية محمود محمد طه. وحتى عندما أتت الديمقراطية كان حسن الترابي ورفاقه من أكثر من تسبب في ايذائها باختلاق المشاكل والغلاغل والأزمات, فتجار الجبهة القومية كانون يختلقون الأزمات الاقتصادية بدأ من أزمة الخبز وحتى نهاية بأزمة الكبريت , وهنا تجدر الاشارة الى أن الترابي ليس حاملا لشهادة الدكتوراة في القانون كما يدعي هو وأتباعه, وهو ليس شيخا أيضا فهو غير حافظ لكتاب الله الكريم وليس معلوما عنه أي نشاط في حقل طلب العلوم الدينية ,
ولما وصل الترابي الى السلطة , بدا واضحا أنه لاهو ولاحزبه يملكون أفقا سياسيا يجعلهم يقودون البلاد الى بر الأمان وسط أمواج كالجبال, وزاد الطين بلة حجم الفساد الذي استشرى بينهم كطلاب دنيا امتطوا صهوة جواد الدين. ولأنه لم يكن مخلصا عمله لله تعالى فقد خذله رب العالمين جل شأنه , فكانت له في السلطة محطات عدة ولكنها لم تلعب لصالحه هذه المرة. فلم تكد تمض الا سنة وشهران على وصولهم الى سدة الحكم حتى اشتعلت أزمة الخليج بعد دخول العراقيين الى الكويت, وكانت المفاجأة أن الطغمة في الخرطوم اتخذت موقفا طائشا ضعيفا هزيلا لم تراع فيه مصالح الشعب و ألب عليها القريب والبعيد.
كل ذلك ومرورا بجماعات التطرف التي غزت الخرطوم وأطلقت الرصاص على الناس في بيوت الله تعالى. تلك الجماعات كان حسن الترابي هو الداعي الرئيسي لهم للقدوم وتلويث بلادنا. نقف قليلا عند ما عرف بالمؤتمر الشعبي العربي والاسلامي الذي كانت الحكومة تصرف عليه من جيبها مع العلم بأنه يعتبر احدى مؤسسات المجتمع المدني, هذا المؤتمر الذي جلب النكبات على الشعب بلافائدة , ورواده ومرتاديه كلهم من المغضوب عليهم من الدول الكبرى, المؤتمر الذي لم يخلص الى نتيجة واحدة خلال السنوات التي كان التي كان يعمل فيها.
ان حسن الترابي رجل خلاق للفتن والمشاكل والغلاغل لاأكثر ولا أقل , عندما يتحدث الترابي عن المشاكل التي ستخلقها اتفاقية السلام فعليه وعلى من هم معه ألا بنيوا أنهم أحد أهم أسباب هذه المشاكل.
ان حسن الترابي سيعمل بلاشك على خلق فتنة لعيد نفسه الى السلطة التي فقدت منه , سيستغل الترابي
تيارا تحكمه العواطف والمشاعر أكثر من العقلانية والمنطق الأمر الذي أدى به الى أن يسقط من ضمن خطوطه الحمراء وحدة الوطن وسلامة أهله في كل بقاع الوطن االغالي. ففي هذا التيار هناك من يقر فقط بعروبة السودان متجاهلا وبغباء وبسوء نية وقصد أن العرب في السودان ليسو أغلبية بل وحتى أن وصفهم بالعرب فقط يعتبر خطأ جسيما. هذا التيار لايرى في السودان الا دولة تدور في فلك الكيان الكسيح المعروف بجامعة الدول العربية, خلف دول لاتعترف حتى بعروبة السودانيين. ان هذا التيار يرى في اتفاقية السلام بين الجبهة وحركة التمرد اتفاقية ستخل بتوزيع الثروات في البلاد, متناسين أن هذا التوزيع لم يكن عادلا في يوم من الأيام. وضاربين بعرض الحائط الانتماء الأفريقي للغالبية العظمى من أبناء الوطن الغالي, والمقلق في الأمر أن هذا القسم من التيار بدأ يتعاظم الى درجة أصبحنا نسمع بأصوات تنادي وعلى الملأ بانفصال شمال السودان عن جنوبه (لاسمح الله), متعللة بأن الجنوبيون والأفارقة سيصعب التعايش معهم ومستدلين بحرب التمرد الطويلة والتي دامت قرابة الخمسين عاما. ويقابل هذا القسم من الجنوب بل وحتى في داخل حركة التمرد تيار انفصالي يرى أن ينفصل الجنوب الحبيب(لاسمح الله) , لينعم بخيراته وحيد وبعيدا من الشمال والشرق والغرب . ويمسكون بأيديهم دليلا دامغا بسوء توزيع السلطات والثروات الذي كان رفيقا مخلصا لكل حكومات السودان.
ان تيار حسن الترابي ومن معه من الزنادقة وهم الذي سيعملون مابوسعهم لخلق فتنة بين أبناء الشعب مستغلين حالة التواؤم والتلاحم السائدة والتي ظهرت وبوضوح عندما خرجت الجموع ألوفا مؤلفة يوم استقبال السيد النائب الأول الدكتور جون قرنق في الساحة الخضراء. ان الترابي والذين معه هم أناس لايستطيعون العيش في جو صحي فلا بد لهم من اثارة فتنة هنا وأخرى هناك حتى يتسنى لهم حياكة المؤمرات والدسائس التي توصلهم الى مايبتغون من أهدافهم القذرة. ولقد بدأت تباشير تحركاتهم تظهر من الآن بفتوى مزعومة أصبحت تروج في الخرطوم وفي مختلف بقاع السودان تفيد بأن الدكتور جون قرنق غير مسلم وبالتالي يحرم الانضمام الى تنظيمه, ان كل من يقول بذلك تجب مقاضاته بتهمة زعزعة الوحدة الوطنية , ومن يتابع مثل هذه الاشاعات سيجد أن هذه الفتوى أصدرها شخص من أتباع الترابي. بهدف خلق البلبلة بين السودانيين. ان الدكتور قرنق محكوم بالدستور الذي نص على فرض الشريعة في الشمال ذي الغالبية المسلمة من السودانيين وبالتالي فهو لن يستطيع أن يخالف ذلك, فلذلك يجب على هؤلاء أن يكفوا عن محاولات خلق الفتن , واذا كان الأمر كذلك فلماذا لم نر فتوى ضد بيويوكوان أو دومينك كاسيانو .
ولماذا لم تصدر هذه الفتوى الا بعد وصول قرنق وبدأ تنفيذ الاتفاقية , لماذا لم يصدروا الفتوى قبل أن تفتح حركة التمرد مكاتب لها في الخرطوم أم أن الأمل كان يحدوهم بفشل جهود السلام. ألم يوصنا اسلامنا الحنيف أن نعطي كل ذي حق حقه ؟
غير ان الخطر على هذه الاتفاقية يأتي أيضا من مجموعة أخرى من جناح الترابي وهي تلك التي لاتزال في السلطة الى الآن ولكنها تعرف أنه سيتم الاستغناء عنها ورميها الى مزابل التاريخ مع وصول عملية السلام الى مراحل التطبيق ما قبل النهائية والمتمثلة في اعلان الحكومة الجديدة.
ان جناح الترابي وكل من كان ومازال معه هم أناس مشكوك في برامجهم وغاياتهم وأهدافهم ونياتهم بل وحتى في أخلاقهم وسلوكياتهم.
كسودانيين مخلصين لسوداننا الغالي ينبغي لنا أن ندعم أي توجه جديد يتيح مزيدا من الحريات والديمقراطية والتوزيع العادل للثروات والسلطات بين أبناء الشعب الحبيب
ان مانستخلصه الآن كسودانيين نغار على وطننا الغالي ونعشقه الى حد الثمالة هو انه بعدما رست سفنية البلاد على شواطيء الآمان والسلام بالاتفاق الموقع بين الجبهة الاسلاماوية بزعامة علي عثمان وحركة التمرد الدكتور جون قرنق فان هذا الوضع لن يرضي الذين يعارضونه من أصحاب المصالح الذين فقدوا مصالحهم ومن المتطرفين من الجانبين,
احذروا الفتنة , احذروا الفتنة , احذروا الفتنة .
متعكم الله بالصحة
د/عمر عبدالعزيز المؤيد / أديس أبابا