ما فائدة التفاوض و الحكومة الإنتقالية الجديدة تتشكل في غياب تمثيل شرق السودان؟
لانجاح المفاوضات لابد من مشاركة جبهة شرق السودان في السلطة والثروة دون تلكوء أو تسويف كما حدث في أبوجا
محمد الزين، محامى و باحث في العلاقات الدولية بجامعة لندن
القائد مبروك مبارك سليم الامين العام لجبهة شرق السودان
من خلال قراءة عامة لتصريحات ومقترحات المجتمع الدولي و مؤسسة رئاسة الجمهورية ( البشير – قرنق )، مع إستصحاب تجارب الانقاذ في التفاوض في نيفاشا والقاهرة وابوجا ، نجد ما هو يلي:
1- عدم التقدير الموضوعي لوزن وحجم جبهة شرق السودان ككيان سياسي ما زال يحارب الحكومة من أجل مطالب مشروعة، وإتهامهم بأنهم ينفذون رغبة ارتيريا في مواجهاتها مغ حكم الانقاذ. كما يتهمون بأنهم لا يمثلون أبناء شرق السودان،وأحيانا تصرح الحكومة بأنهم عملاء للامريكان ويجدون الدعم من أرتيريا وإسرائيل .
2- العمل على إطالة فكرة إمكانية التفاوض وتأخير نتائجها ما أمكن لما بعد تشكيل الحكومة الانتقالية الجديدة وذلك لكسب مزيد من الوقت لإفقاد جبهة شرق السودان بعض أوراقها من جهة وكسب مواقع جديدة بعمليات عسكرية جديدة وخاصة إستمرارية القصف الجوي علي القري وقتل المدنيين .
3- الإبتعاد عن طرح المسائل الجوهرية على مستقبل المفاوضات القادمة .
4- بدلا من العمل علي وضع خطط تنموية ومشاركة أبناء الاقليم في السلطة والثروة إعتمدت حكومة الانقاذ علي تقوية نفوذ كوادر المؤتمر الوطني في شرق السودان بالمال والاعلام وبذر الفرقة بين قبائل الشرق.
5- محاولة دفع العمليات العسكرية فى الإتجاه الاثني والعرقي كما حدث في دارفور .
6- اشغال جانب جبهة شرق السودان بالمفاوضات وطولها وتعقيداتها من أجل التمكين العسكرى وزيادة القوة الدفاعية و الهجومية للقوات المسلحة، وإبراز أمكانية الحرب الهجومية وإستخدام الطيران الحربي داخل العمق الارتيري، بالاضافة الي ممارسة الضغط بإستخدام قوات الحركة الشعبية المرابطة علي الحدود الشرقية .
7- الاكثار من المبالغة فى ذكر التخوفات الامنية ، والتدخل الإرتيري وتقديم شكوي ضدها لمجلس الامن- الامم المتحدة لخلط الاوراق، كذلك الإدعاء الي أن الدعم المالى و العسكرى مقدم لجبهة شرق السودان من إسرائيل.
8- تضخيم المعلومات حول ان المأساة الانسانية بسبب (مقاتلي الشرق) وليس الحكومة .
9- الالتفاف من الخلف علي القرارات الدولية الضاغطة علي الحكومة لتسوية سياسية شاملة، وذلك بحشد التأييد من الاتحاد الافريقي مثلما فعلت من قبل في دارفور، وإختيار الإتحاد الافريقي كوسيط للتسوية، ومراقب منفرد لوقف إطلاق النار، وعقد الإتفاقيات الامنية مع أثيوبيا من أجل حصار أمني وإقتصادي علي أرتيريا.كذلك حشد الجامعة العربية و منظمة المؤتمر الاسلامي بإلادعاء أن إسرائيل خلف جبهة شرق السودان.
إن لحظات إنطلاق اى مفاوضات سياسية يفترض أن تبدأ بتصريحات من الاطراف المشاركة فيها والتى تمثل لهم الحد الاقصى للمطالب القابلة للتفاوض ، حيث تبذل تلك الاطراف جهداً للدفاع عنها وتوضيح أهميتها الحيوية ، وفى ذات الوقت يقلل كل طرف من أهمية مطالب الطرف الاخر أو يعمل على إبرازها كمطالب تعجيزية . ولكن بعد المراحل الاولى للمفاوضات يقدم كل طرف تنازل فى الحجم أو النوع عن مطالبة الاولى كابداء لحسن النية ، وقد يكون ذلك عبر إقتراح محايد يتجاوب معه طرف واحد على الأقل ، و التى تعطى دفعه معنوية لعملية التفاوض من جهة ، كما أنها وسيلة ضغط على الطرف الاخر لتقديم تنازلات مماثله من جهة أخرى . وهكذا تستمر هذه العمليات الى أن يتم الوصول الى نقاط مشتركة تخدم أساس الإتفاق .
ونضيف الى أن المفاوضات السياسية تتعرض للتوقف و الإنقطاع أو التوتر و المقاطعة الجزئية فى تكتيكات ومناورات متتابعة ، فاذا إمتنع طرف ما عن تقديم تنازلات ذات أهمية نتيجة تخوفات يفترضها أو عندما يطلب من الطرف الآخر تنازلات غير مقبولة أو غير ممكنه - حسب تقديره - فان توقف المفاوضات قد يكون كليا . لذلك تكون المناورات و التكتيكات أثناء عملية التفاوض من قبل الضغط أو الإحراج أو توريط الطرف الأخر لإضعاف قدرتة على المساومة و بالتالى الخضوع و التسليم لبعض مطالب الطرف جهة المناورة . إن نجاح المفاوضات يكون عادة عبر توقيع إتفاق قائم على تنازلات متبادلة ، وليس بالضرورة أن تكون متساوية لقناعة الطرفين بأن مصالحهما ولو المرحلية تتحقق بشكل أكبر وفق هذا الإتفاق ، وأن وصول المفاوضات الحكومية و جبهة شرق السودان الى مثل هذا الإتفاق يخضع لعوامل عديده متداخلة ، كما أن وصول هذه المفاوضات الى الفشل يخضع لعوامل أخرى . ومن هنا تخضع نتائج المفاوضات لجدل واسع بين السياسيين و الباحثين و من غيرهم .
غير أنه وقبل عرض أبرز وأهم عوامل فشل أو نجاح المفاوضات بين حكومة (البشير – قرنق) و جبهة شرق السودان يجدر بنا أن نشير الى أن ثمة مسألة مهمة تحكم النتائج المتوقعة للمفاوضات ، وهى حجم الربح الممكن لكل طرف ، وحجم الخسارة التى قد تقع عليها ، حيث يتطلب تقليل الخسائر تراجعات يمكن أن تستمر فى حالة تصاعد الضغوط الخارجية من جهة و الخوف من فقدان كل شئ من جهة خرى ، وهذه التراجعات قد تجر لخسائر أكثر فداحة من التى كانت متوقعة قبل تقديم التنازلات . وفى هذا الاطار ومن هذه القاعدة يمكن لنا أن نعرض لابرز وأهم عوامل نجاح أو فشل المفاوضات بين حكومة وجبهة شرق السودان.
اولاً : عوامل فشل المفاوضات :
أ - إصرار الحكومة علي شمولية إتفاقية نيفاشا وعدالة توزيع السلطة والثروة الذي تم بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية دون إتاحة الفرصة لجبهة شرق السودان للمشاركة من خلال نظام ديمقراطى تعددى لإكمال مهام البناء الوطنى ، مما يجعل جبهة شرق السودان فى موقف عدائى مع الحكومة الإنتقالية الجديدة.
ب- تنامى القوى المعارضة للحكومة الانتقالية الجديدة وخاصة تحالف السيد الصادق المهدي والدكتور الترابي لمسيرة المفاوضات، وتأثيرهما علي الطرفين الحكومة و جبهة شرق السودان او أحدهما الى الحد الذى يجعل أحد الطرفين غير قادر على تقديم تنازلات يعتبرها الطرف الاخر أساسية.
ثانياً : عوامل نجاح المفاوضات :
إن نجاح المفاوضات بين الحكومة و جبهة شرق السودان بشقيها الثنائية و المتعددة - تحكمه عوامل وظروف موضوعية تتعلق بالوضع الاقليمي والدولى وأخرى ذاتية تتعلق بأطراف التفاوض. حيث تلعب إمكانات تقارب التصورات وقناعة كل طرف من التجربة التاريخية للعلاقة بينهما و إن مصلحة الطرفين تتحقق بإنجاح المفاوضات ، إضافة الى توازن القوى بينهما ، وشعور كل طرف بالمخاطر الناجمة عن إفشال المفاوضات ، إضافة الى مهارات الأطراف فى المناورات و التكتيكات التفاوضية ، كل ذلك يلعب دوراً مهماً فى تحديد إمكانات نجاح المفاوضات .
وباستقراء الجو الاقليمي والدولى الموضوعى فى المنطقة و الواقع الذاتى لأطراف التفاوض فى هذا الإطار ، يمكن أن نخلص لأهم الأسباب و العوامل القائمة التى تساعد على نجاح المفاوضات:
1/حاجة الاستراتيجية الامريكية الجديدة لاستقرار منطقة القرن الأفريقي من خلال حل المشاكل الاقليمية ، وازالت بؤر التوتر فيها ، وفى مقدمتها مشكلة جنوب السودان و دارفور وشرق السودان.
2 / إن حاجة الحكومة الإنتقالية الجديدة الى نوع من الاستقرار الأمنى و السياسي والإقتصادى للاستعداد لمرحلة الانتخابات القومية القادمة وإستفتاء تقرير مصير جنوب السودان، يدفعها بإتجاه الحرص على إنجاز تسوية محدودة مؤقتة لتتفرغ لحل هذه المشاكل ، خصوصا وأن هذه التحديات سوف تكون عاملا محددا لنجاح أو فشل سياسات الحكومة الانتقالية، ومن ناحية أخري أيضا فشل لمشروعي المؤتمر الوطني للتأصيل والحركة الشعبية للسودان الجديد .
3/ إن تحليل القيادة السياسية للمؤتمر الوطني والحركة الشعبية بإتساع المعارضة وتحركات مناطق الهامش مثل جبهة شرق السودان ومجموعات كوش النوبية في شمال السودان والمناصير ،و دعوة المهمشين من ضرورة حمل السلاح ضد حكومة المركز في الخرطوم، يدفع الحكومة الانتقالية الجديدة الى التفكير فى احتواء ثورة المهمشين القادمة. هذا العامل يدفع البشير وقرنق الى تجاوب أكبر مع حلول سياسة محددة دائمة تحقق الاستقرار أو مؤقتة تهدد الوضع السياسي والامني للحكومة الانتقالية الجديدة.
ما العمل؟
لذا يجب معالجة ملفات وقف إطلاق النار، وتوصيل المساعدات الانسانية، والمشاركة في السلطة والثروة قبل تكوين الحكومة الانتقالية الجديدة وفي حالة عدم مشاركة جبهة شرق السودان في الحكومة الجديدة يبدو أن الاوضاع لن تسر الحكومة الجديدة .
فالاتفاقات التي توصلت إليها الحكومة والحركة الشعبية بشأن مشكلة جنوب السودان والمناطق المهمشة الثلاث تعد خطوة أولي ومهمة في طريق حل مشاكل جميع ولايات السودان. لذا من أوجب واجبات الناثب الاول الدكتور جون قرنق أن يرفع الظلم السياسي والتهميش الإقتصادي والإجتماعي الذي تعاني منه كل ولايات السودان، وإن منهج تجزئة الحلول و حل مشكلة ولاية واحدة وتجاهل مشاكل الولايات الأخري سوف لن يؤدي الا الي تعقيد المشكلة وإطالة معاناة الشعب وتفتيت وحدة البلاد. وأن غياب مشاركة القوي الوطنية كافة ومؤسسات المجتمع المدني في الحل خطأ تاريخي يلزم تداركه من أجل مصالح الوطن العليا.و لتحقيق حل شامل وسلام دائم في جميع ولايات السودان وضمان وحدته لابد من تطبيق منهج حل مشكلة جنوب السودان و تعميمه علي بقية ولايات السودان الأمر الذي يلزم طرفي الإتفاق علي تقديم تنازلات مستحقة للولايات الاخري وادخال بعض التعديلات الجوهرية والضرورية علي إتفاقية حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية الموقعة بينهما بما لايتعارض مع مصالح الجنوب وتخدم مصالح المهمشين في آن واحد.
محمد الزين، لندن
2005 -07-12