![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
المصالحةوالعدالة الانتقالية:
إن مجال العدالة الانتقالية – أو السعي من أجل العدالة الشاملة أثناء فترات الانتقال السياسي – مجال يهتم بتنمية مجموعة واسعة من الاستراتيجيات المتنوعة لمواجهة إرث انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي،و تحليل هذه الاستراتيجيات وتطبيقها عمليا بهدف خلق مستقبل أكثر عدالة وديمقراطية. وفي الجانب النظري والعملي، تهدف العدالة الانتقالية إلى التعامل مع إرث الانتهاكات بطريقة واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية، وعدالة إصلاح الضرر، والعدالة الاجتماعية، والعدالة الاقتصادية. وهي إضافة إلى ذلك – ترتكز على اعتقاد مفاده أن السياسة القضائية المسؤولة يجب أن تتضمن تدابير تتوخى هدفا مزدوجا وهو المحاسبة على جرائم الماضي ومنع الجرائم الجديدة، مع الأخذ في الحسبان الصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات. ، وتقوم العدالة الانتقالية ايضاً على معتقد مفاده أن المطالبة بالعدالة الجنائية ليست شيئا مطلقا، ولكن يجب أن تتم موازنتها بالحاجة إلى السلم والديمقراطية والتنمية العادلة وسيادة القانون. ويعتبر كذلك أنه في السياقات الانتقالية قد توجد ثمة قيود عملية معينة على قدرة بعض الحكومات على اعتماد إجراءات قضائية خاصة. وقد تشمل هذه القيود نقصا في الموارد البشرية والمادية أو نظاما قضائيا ضعيفا أو فاسدا، أو سلاما أو انتقالا ديمقراطيا هشا أو نقصا في الأدلة الجنائية أو وجود عدد كبير من مرتكبي الأفعال أو عدد كبير من الضحايا أو عراقيل مختلفة قانونية أو دستورية مثل قوانين العفو. غير أنه في إطار العدالة الانتقالية، لا تعتبر هذه القيود كعذر يبرر عدم القيام بأي شيء، بل كلما تحسنت وضعية أحد البلدان مع مرور الوقت، يتوقع من الحكومة التي تليها أن تحاول إصلاح المظالم الناجمة عن القيود السابقة. ، ومن حيث كونها مجالاً، وقد اشارت دراسة مترجمة ل )نيل ج . كريتز( حول ( التقدم والتواضع : البحث المتواصل عن العدالة فى حالات مابعد انتهاء الصراعات ) الى ان العدالة الانتقالية تركز على الأقل على خمسة مناهج أولية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية: اولاً: المحاكمات (سواء المدنية أو الجنائية، الوطنية أو الدولية، المحلية أو الخارجية). وثانياً: البحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق (سواء من خلال تحقيقات رسمية وطنية مثل لجان الحقيقة أو لجان التحقيق الدولية أو آليات الأمم المتحدة أو جهود المنظمات غير الحكومية) ثالثاً: التعويض (سواء من خلال التعويض الرمزي أو العيني أو إعادة التأهيل) رابعاً: الإصلاح المؤسسي (بما في ذلك الإصلاحات القانونية والمؤسسية وإزاحة مرتكبي الأفعال من المناصب العامة وتوعية وتدريب للموظفين العموميين حول حقوق الإنسان )، وخامساً : إقامة النصب التذكارية وإحياء "الذاكرة الجماعية ". ويشمل هذا المجال كذلك عدة قضايا تلتقي فيما بينها ولاسيما التحليل النقدي لمشكلة الإفلات من العقاب (ويضم ذلك إشكالية دور العفو أثناء الفترة الانتقالية) وفهم المبادرات التي تستهدف إرساء المصالحة. وكثيرا ما تتم الإشارة إلى مفهوم "المصالحة" في المناقشات المتعلقة بالعدالة الانتقالية. غير أن لهذا المفهوم عدة معانٍ مختلفة. فهو في نظر البعض، مرتبط بالجهود المبذولة من جانب أحد الأنظمة العسكرية البائدة "لطي صفحة الماضي" أو "العفو والنسيان". لكن المدافعين عن حقوق الإنسان نادرا ما يقبلون هذه الصيغة من المصالحة، محتجين بقوة بأن المصالحة الحقيقية يجب أن تكون مرتبطة بالمحاسبة والعدالة والاعتراف بالجرائم الماضية وينظرون لمصطلح "المصالحة" باعتبارها الجهود الرامية إلى إرساء السلام والثقة الوطنية بين الخصوم القدامى – في سياق من العدالة والمحاسبة أما الانتقاد الثاني الموجه إلى المصالحة فهو أنها تقدم غالبا كهدف نهائي وقابل للإنجاز دون إيلاء ما يكفي من الاهتمام للعملية التي يمكن أن تنجز من خلالها. وعليه، فإن الإفراط في التركيز على المصالحة قد يؤدي إلى الفشل وخيبة الأمل. ومن جهة أخرى، فإن النظر إلى المصالحة على أنها عملية جارية تشتمل على عناصر متداخلة، بما في ذلك المحاسبة تساعد في تقوية الديمقراطيات من خلال بناءعلاقات التبادل،والثقة.
العدالة تأكيد لفكرة القانون والحقوق :
فى اعقاب اى صراع عنيف تظهر رغبة قوية فى الانتقال سريعاً الى مهمة اعادة بناء حياة المتضررين من الصراع ، واذا كانت المحاكمات الرسمية والبطيئة تخدم غرضاً شكلياً اشبه بالطقوس على نحو لايختلف كثيراً عما تفعله لجان تقصى الحقائق الرسمية فان الناس يحتاجون الى وسيلة اسرع للحكم على مدى ما تتسم به المعاملة التى يلقونها من الانصاف ورد المظالم كيما يتسنى لهم فهم وضعهم فى النظام السياسى والاجتماعى والاقتصادى الجديد وتطويره ، و إبان العقود الأخيرة، تم تطوير مجموعة متميزة من آليات العدالة والاعتماد عليها من جانب الحكومات الديمقراطية الخارجة لتوها من فترات حرب أو حكم استبدادي وهناك مجموعة من العوامل تساعد في شرح هذا النمو المثير في الآليات ويتضمن ذلك تطوير أنظمة حقوق الإنسان لدى الأمم المتحدة والمناطق الإقليمية ودفاع المنظمات غير الحكومية الدولية وطاقتها الإبداعية، والموجات المتوالية للانتقالات الديمقراطية في أعقاب النزاعات التي عرفتها جميع أنحاء العالم في العقود الأخيرة، وتزايد إمكانيات العمل والتعاون الدولي. ونتيجة لذلك، لا تفتقد المجتمعات الخارجة اليوم من فترات القمع الجماعي فى صياغة استراتيجيات عدالتها للمعرفة والتجربة باعتماد على ارثها المحلى أو تحتار فيما تعمل ، و يمكنها أن تركز انتباهها على الوسائل المستحدثة والدروس المستخلصة في أماكن أخرى. ويمكنها كذلك أن تستفيد من مجموعة كبيرة من الأعمال الأكاديمية والصحفية والفنية المتخصصة المتوفرة حول الموضوع ذاته وكذلك من الخبرة والمساعدة التقنية من جانب المنظمات المعنية التي ازداد نشاطها في هذا المجال.ورغم أن هذه كلها تطورات مشجعة، فالحقيقة أن الدول التي تضمد جراحها من فترات القمع الجماعي ستستمر في مواجهة الجانب الذي لاشك فيه تقريبا وهو أنه "لا تخلو دولة من العيوب". ومن المعلوم أن عمليات الخروج من فترة الإرهاب تتميز بتحديات يكاد يصعب تجاوزها على الصعيد المعنوي والقانوني والسياسي. وفي العديد من الحالات، تضطر فعلاً الحكومات الانتقالية إلى الاختيار بين العدالة واستمرار السلام، أو العدالة واستمرار الديمقراطية. وعلاوة على ذلك، حتى لو كانت مثل تلك التهديدات أقل أهمية، فإن نطاق انتهاكات الماضي والقيود التي لا مفر منها تجعل العدالة العادية أمراً غير ممكناً انما تدعو الحاجة إلى أدوات أخرى للمحاسبة. وإن صفات البيئات الانتقالية هذه تساعد على تفسير ثلاث ميزات هامة تساعد إلى حد ما في تمييز العدالة الانتقالية كمجال منفصل بذاته. الميزة الأولى هي التركيز على منهج شامل في التعامل مع إرث الانتهاكات. فأهداف وأدوات العدالة الانتقالية تتجاوز المحاسبة المعروفة على انتهاكات حقوق الإنسان من خلال المحاكمات. بيد أنه في معظم المحاسبات، تتضمن أهداف العدالة الانتقالية ما يلي: وضع حد لجرائم حقوق الإنسان الجارية ممارستها، والتحقيق في الجرائم وتحديد المسؤولين ومعاقبتهم، ومنح تعويض للضحايا، ومنع ارتكاب جرائم حقوق الإنسان في المستقبل وإعادة بناء علاقات بين الدولة والمواطن، وتعزيز السلام والديمقراطية وتحسينهما، وتشجيع المصالحة الفردية والوطنية.والصفة المميزة الثانية وذات الصلة بالعدالة الانتقالية هي الأولوية التي يحظى بها التوازن والإدماج. فالعدالة الانتقالية لا تسعى إلى عدالة بأثر رجعي بأي ثمن، أو تركز على المحافظة على السلام على حساب حق الضحايا في العدالة، ولكن تؤكد بدلاً عن ذلك على إرساء توازن بين الأهداف على اختلافها وتنافسها، وصياغة سياسة عقلانية وعادلة. أما الصفة الثالثة المميزة للعدالة الانتقالية فهي التركيز على "منهج يرتكز على الضحايا" للتعامل مع ماض عنيف سواء من حيث مساره أو نتائجه. ويمكن إلى درجة كبيرة قياس مشروعية آليات العدالة الانتقالية بمدى اعتراض الضحايا عليها أو دعمهم لها . وهكذا فالدعوة للعدالة الانتقالية وإدانة انتهاكات حقوق الانسان في الفترات السابقة ومحاسبة مرتكبيها لا تشكل مجرد عملية لتأكيد القوانين التي تفرض العقوبات بل هي أيضا تأكيد لفكرة القانون والحقوق نفسها .