ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام
من بخلاف المغول والتتار استباح دور العلم ودمر مكنونها من الكتب والفرائد.. ومن غير الغزاة يفعل مثل هذا الفعل .. فدور العلم في كل مكان وزمان هي مهوى القلوب والافئدة.. ولا عجب في ذلك، فهي بنت المجتمعات وحاديتها وهي التي تهذب الاخلاق والنفوس، وترقي الناس، فالعلم الذي ينقل البشر من مصاف الجهل الى التعلم يشذب حوافي الروح عن كل مستقبح ومنكر ومرفوض، وبذا يرتفع المجتمع من درجة (الحيوانية) الى الانسانية.. واول عتبات هذا الارتفاع الايثار وحب الغير والخير، والبذل والتعاطي مع الاخر، والاستشعار الخلاق بمشاكل الغير ونواقص المجتمع واشاعة قيم الحوار.. - فما هي جريرة هذه الجامعة الرابضة هناك بقرب قبر مبتدعها تحرسها روحه الطاهرة (محمد عمر بشير). - وما ذنبها لتحرقها الايادي الراعشة المرة تلو الاخرى، كلما حزب الامر وضاقت الصدور. - وهل تعادل الغضبة المضرية حول (اتحاد) الطلاب ما حاق بالجامعة من خراب وتدمير، وهل يتساوى رد الفعل هذا مع الفعل نفسه. - وهل يأمل من قاموا بهذا الفعل ان يكون لهم موطئ قدم يوما ما في ساحات هذه الجامعة وميادينها الفسيحة. لقد تعرضت الاهلية على مر تاريخها لمحن ومصاعب يندر ان تقابلها مؤسسة تعليمية او تربوية ولا تنكسر، فمن حريقها الاول في العام 1990م، والذي حمل اثاره الى يومنا هذا رهط من ابناءها جراء تعرضهم للقذف بعبوات الملتوف الحارقة، ومرورا بموجات الكراهية والتأليب والتي كانت تمارس وبتخطيط راتب للاجهاز عليها، حتى لقبها متحدث كانت تفتح له الابواب في الاعلام يومئذ (ذلك الدمل الكامن خلف النيل)، وعانت اكثر من غيرها من الجامعات، كيف لا .. وهي التي فتحت اذرعها للكفاءات السودانية التي شردتها جامعات السودان يوم ان فش البعض غبينتهم وصفوا حساباتهم مع مخالفيهم عزلا واقصاءا وقطعا للارزاق، كيف لا .. وقد تحلق الطلاب والتفوا حولها منذ زمان (الايجار) والملازمين وحيشان الاذاعة وكافترياتها .. وجاءتها الكوادر (المدربة) و(المجرب) من كل حدب وصوب، حتى قيل يومها ان المعارضة قد ارادت اختراق الجامعة.. وما ارادت ولكن شبه لهم. ثم ان الفكرة التي لحمتها وسداتها الديمقراطية .. ما كانت تنمو بهدوء في بيئة شمولية معادية للديمقراطية ورموزها وحملة لوائها، فذاقت الامرين في ذلك العهد، ودفعت اثمانا باهظة .. ولقد دفعت الحركة الاسلامية كذلك ثمنا باهظا لعنف الاهلية الاول عام 1990م، وقد مارست نقدا ذاتيا علنياً كنا شهودا عليه، وخسرت الكيان النقابي في عامها ذاك ولاربعة اعوام متتالية، سيطر خلالها التجمع الوطني الطلابي على المنبر، تماما بعد ان احكم التجمع الحصار على الحركة، واستغل دعائيا واعلاميا حادثة العنف، ولقد اثمرت سنوات التجمع في خلق روابط بين الكيانات السياسية قل ان يوجد لها نظير، فمن رحم الكفاح والعمل المشترك صاغ الطلاب قواسما مشتركة كان اهم ثمارها سيادة قيم الديمقراطية واحترام الاخر واشاعة حق التعبير للجميع دون استثناء. لقد كان خيار العنف دائما يلصق عزلة بمن يقدم عليه في هذه الجامعة، وذلك لانها على خلاف غيرها من مؤسسات التعليم العالي قد شيدت وبنيت بايدي طلابها، هذه القاعات، الكافتريات والنشاط، والمسرح وغيرها من المنشآت التي احرقت كلها بنيت بايدي طلاب الجامعة ، بل حتى هذه الغابة ذات الظلال الوارفة هي من غرس الطلاب الذين اقاموا معسكرا لتشجير جامعتهم، حتى تنعم الاجيال القادمة بفسحة من الظل بعد ان ذاقوالفح الهجير وزعابيب الشتاء وسوافي الرياح، وكل ذلك تم بجهد الخيرين من رجال ونساء الوطن الذين افاضوا من خيرات ارزاقهم على الجامعة جنيها فوق الجنيه، فكانت الاموال زكاة انفس عزيزة ووفية جمعت بين الغني والفقير والعامل والعالم والامي والذاكر والتاجر واهل الرياضة والفن والسياسة، ولعل هذه الايدي البارة هي التي صنعت حالة مختلفة لجامعة مختلفة لم تصد طالبا قصده للتعلم وان كانت ظروفه الاقتصادية تحول دون ذلك. لقد اطلقت هذه الجامعة عبر انشطتها السياسية والفكرية والثقافية ثورة شبابية غمرت ارض البلاد بانوارها الساطعة ورفدت البلاد برئة تتنفس بها في احلك الظروف والمواقف خلال عقد التسعينات ذالك بطبيعته الشرسة، وما لانت لطلابها واصحاب شأنها قناة وان ادمى النطاح قرنهم لذا فلا عجب ان اسماها طلابها وقتذاك (30 فدان محررة من ارض الوطن)، هذا قبل ان يسمع الناس بالاراضي المحررة وصدعت بالرأي عبر ساحاتها كل الاسماء والرموز المحظورة والمغيبة، وتواصلت مسيرتها كساحة للعلم والتعليم وكمنبر اصيل للرأي والرأي الاخر، ثم كان ما كان.. وتعرضت جامعتنا للحرق، وكان حدثا صاعقا ادمى الافئدة وخلف بالحلوق مرارة ابت ان تفارقها، وللغرابة فقد حرق النشاط ومعرض طلابي (1995م)، وما درى الطلاب وقتها ان الحريق الذي التهم معرضهم ونشاطهم هو بروفة اولى والفيلم لم يبدأ بعد، لذلك لم تستلزم اعادة بناء النشاط وقتا وان تطلبت عودة النشاط سنوات.. وبعد عام (عادوا) للحرق من جديد ففي عام 1996م، حرق مكتب مدير الجامعة ومكتب عميد كلية الاقتصاد والعلوم الادارية د. فاروق كدودة اثر احداث عنف طلابي والسؤال: - لماذا يلجأون لحرق وتدمير المكاتب، ولماذا يحملون الضغائن تجاه ممتلكات يفترض انهم شركاء في ملكيتها؟ لقد استلزم اعمار الجامعة اموالا طائلة، كما استلزمت اعادة اعمارها في كل مرة تعرضت فيها للحرق والتخريب مجهودا مضاعفا واموالا اكبر، وقبل كل هذا ما كان للجامعة ان تستمر في اداء دورها رغم الاشواك والمتاريس لولا ايمان راسخ باهميتها وبجدوى فكرتها، التي تتسم بها جميع اجهزتها من معلمين واساتذة وطلاب وادارة ومجالس امناء، فما حدث من قبل وما يحدث اليوم كفيل بزرع الاحباط في النفوس، ولكن هيهات. لقد حاق بالاهلية امر جلل، ومن قبل اصيب المجتمع في قلبه النابض، هذا المجتمع الذي يقدر ويصون ويحترم مؤسسات العلم واهلها، والذي اقام من العدم معهد (القرش) وما من شك ان مصاب اكبر من هذا وذاك قد حاق ببلادنا، فهي من دون بلاد الله تحرق فيها الجامعات ويروع طلابها وتلتهم السنة النار المعامل والكمبيوترات والدفاتر، فاي طامة اكبر من هذه .. والى اي منحدر سحيق قد انحدرنا. ان هذا الغرس الذي اثمر وتشبث بالبقاء كل هذه السنوات ما من سبيل لاقتلاع جذوره اليوم، ولقد مرت الجامعة باحداث جسام وتجاوزتها، وستتجاوز ما حدث لها محفوظة باحترام وتقدير كبيرين من اهل السودان بمختلف مللهم ونحلهم، ولكن قبل كل ذلك يجب ان يتم تحقيق جنائي شفاف لتحديد المسؤول عن تدمير مكتسبات الجامعة واملاك طلابها، من معامل وقاعات واجهزة ولن نتنكب الطريق بل نقولها بصوت عال: افتحوا الجامعة.. واطلقوا الحرية.. واعيدوا الاتحاد.. هذا هو الرد الاول.. اما الرد الثاني: فندعو الجميع لاطلاق حملة تضامن داخلية وخارجية لمساندة الجامعة في محنتها ودعم كل مجهودات اعادة تعميرها ولئن كان الخراب يتم بثمن قليل فان التعمير يستلزم العزائم وليتحول هذا الحدث الى مناسبة تظهر التضامن والتآزر مع سيدة التعليم الاهلي في السودان (جامعة ام درمان الاهلية)
* صحفي - وخريج من جامعة ام درمان الاهلية دفعة 94/1995م.