اللغة النوبية والحضارات القديمة (2)
بقلم / الخير محمد حسين
ذكرنا في الحلقة السابقة ما اثبته الباحث محمد رشيد ذوق في كتابه لغة
آدم ، وكيف كانت العلاقة بين منطقة النوبة والأنبياء عليهم السلام وذكرنا على
سبيل المثال نبي الله إدريس عليه السلام 0فبالرجوع على أصل كلمة (نوبة)نستطيع
أن نعرف الكثير عن علاقة النوبة والنبوة0 فاصل كلمة نوبة مشتقة من فعل نوب يعني
تخليص الشئ من الشوائب مثلا: كأن تقول ( أولقي نوب ) أي أجعل الخيط ناعماً
سهلاً للإستعمال 0 والكلمة في معناها العام إزالة آثار الخشونة من الشئ سواء
كان ذلك بالدلك أو بالفرك0 وهذا تقريباً هو نفس مهمة الانبياء عليهم السلام إذا
ما اعتبرنا أن مهمتهم هي تنقية المجتمع من الرذائل 0 وعن إدريس عليه السلام
ذكر الدكتور عبد الوهاب النجار مؤلف قصص الأنبياء في كتابه صفحة 348(أنه أول من
أنذر قومه بالطوفان ، ورأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار ، فخاف
ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الاهرام والبرابي في صعيد مصر الأعلى ( السودان
)وصور فيها جميع الصناعات والآلات ورسم فيها صفات العلوم حرصاً منه على تخليدها
لمن بعده خفية أن يذهب رسمها من العالم ) إنتهى المصدر 0نرجع إلى أصل إسم إدريس
بالنوبية ، فالإسم يتكون من مقطعين ( إد –Id ) تعني الأنسان و(إريس irs ) تعني
الطيب ، وكلمة (إد ) مرادفة لكلمة ( أدم ) التي هي تعني الإنسان بالنوبية أيضا
0 وهنالك حيوان خرافي الأدب النوبي يسمى (إدكال- idkaL ) ومعناه آكل لحوم البشر
، وتوجد مناطق في شمال دنقلا تحمل المقطع الأخير من إسم إدريس مثال لذلك : شلال
إريس وقرية إريس الأثرية0 والمدهش أنه لاتخلو عائلة في إريس من إسم إدريس0
معلوم أن بلاد النوبة قديماً كانت تشمل معظم أراضي السودان الحالية ولعل
هذا هو السبب الذي يجعلهم دائماً في مقدمة الذين ينادون بوحدة السودان0 يقول
الدكتور ول ديورانت مؤلف كتاب قصة الحضارة – الجزء الثاني صفحة 65 ترجمة زكي
نجيب محمود ( ما من أحد يعرف من أين جاؤوا المصريون الأولون ، ويميل بعض
العلماء الباحثين إلى الرأي القائل بأنهم مولودون من النوبيين والأحباش )0
رأي المصريين :-
يقول الأستاذ مجدي حسين في جريدة الشعب المصرية تاريخ 27/ 8/1996م تحت
عنوان ( شعب وادي النيل شعب واحد وحضارة واحدة ) يقول إن تاريخ مصر يبدأ
جنوباًويتمحور مع إفريقيا ، وقد ظهرت في الاسواق منذ عام ترجمة الدراسة المهمة
للمؤرخ السنغالي الشيخ أنتاديوب وإسمها الأصول الزنجية في الحضارة المصرية وهي
دراسة علمية مهمة ، ليس من المهم أن نتفق تماما أو نختلف معها المهم أنها تفتح
آفاقاً رحبة لدراسة تاريخ مصر 0 والحقيقة أن المصريين كانوا دائماً ينظرون إلى
الجنوب( السودان )بإعتباره منبع النيل وبالتالي منبع الآلهة بل موطنهم الأصلي 0
ويشير الشيخ أنتاديوب أن الحضارة المصرية لا بد أن تكون قد نشأت جنوباً في
البداية ، لأن الشمال الأفريقي كله كان مغمورا بمياه البحر ثم عمت الحضارة
تدريجياً الشمال الإفريقي وذلك مع استقرار النيل وجفاف الشمال الإفريقي ، وهي
على أي حال حقيقة جيو لوجية متفق عليها والدراسة لا تستند إلى أفكار قائمة على
التخمين بل إلى كثير من الحقائق التي لا يمكن المماراة فيها وهي تؤكد التقارب
الذي يصل إلى حد التماثل بين اللغة المصرية القديمة واللغات الزنجية في غرب
القارة الإفريقية وجنوبها ويؤكد التماثل بين الحضارة المصرية القديمة والحضارة
الإفريقية0 والدراسة تكشف بذكاء وعلمية كيف طمست كتابات المستعمر العنصري
الحضارة الإفريقية التي لاحظ شواهدها بعض المكتشفين والرحالة من بينهم ابن
بطوطة ، ولأننا نقرأ تاريخنا ثم نكتبه بأفكار الغربيين وكتاباتهم فقد وقعنا في
هذا الفخ 0 ويواصل مجدي حسين( نحن نعتمد في كثير من معلوماتنا وآرائنا عن مصر
القديمة على هيرودت الذي زار مصر في العهد الفرعوني ولكننا لم ننقل عنه بأمانة
لأن هيرودت أول منم أثبت أن الشعب المصري القديم كان يغلب عليه الطابع الأسود
والزنجي ، يقول هيرودت على سبيل المثال- عن الإغريق أنهم عندما يقولون أن هذه
المرأة سوداء فإنهم يقصدون بذلك أن هذه المرأة مصرية 0 وهذا ما أكده أيضا ديو
دور الصقلي الذي تعد كتاباته أحد المراجع الأصلية عن التاريخ المصري القديم ،
وهذا ما لخصه ماسبيرو بإعتباره رأي كل المؤرخين القدامى فإنهم ينتمون إلى جنس
إفريقي0 ويقول شيروبيني مرافق شامبليون (أن مصر ليست سوى مستوطنة سودانية)
0إنتهى المصدر0 وإلى الحلقة القادمة بمشيئة الله0