أبعاد ومخاطر تحالف الصادق والترابي :
تحالف الصادق والترابي يرمز الى إرث عريق من التراث الجهادي خلال قرنين من الزمان من المهدية حتى جهاد الانقاذ كما يستبطن هذا التحالف الجديد تراثا من التحالفات السابقة بين الامام وصهره منذ ثورة اكتوبر ونتج عن هذه التحالفات تغيير في الخريطة السياسية في السودان تمثل في اتفاقهما على اقصاء اليسار السوداني من الساحة السياسية والدعوة للدستور الاسلامي والسير فيه مما دفع الحزب الشيوعي الى قطع الطريق أمام هذا المشروع وذلك بتدبيره انقلاب 25 مايو 1969 المشؤوم‚
ثم تحالف السيد الصادق مع صهره الترابي في الديمقراطية الثالثة (1985-1989) وهو التحالف الذي حدا بالجيش الى اصدار مذكرة الجيش الشهيرة عام 1989 والتي قادت الى انقلاب 30/يونيو 1989 بواسطة الترابي وحزبه الجبهة القومية الاسلامية آنذاك‚
هل ينضم الحزب الشيوعي إلى تحالف الصادق- الترابي؟
الحزب الشيوعي السوداني هو أكثر الاحزاب مخافة من أي تحالف يضم الامام الصادق زعيم الانصار بصهره الترابي مرشد الحركة الاسلامية في السودان الذي اوصلها الى الحكم على انفراد وجعلها في موقع من يقسم السلطة «صدقة» ومنّه وفي موقع اليد العليا التي تعطي‚ خطورة هذا التحالف تكمن في البعد الديني والجغرافي للحزبين‚ إن تحالف حزب الامة جناح الصادق وحزب المؤتمر الشعبي سيشكل مركز ثقل ديني له وزن كبير بحكم الارث الديني للحزبين‚ أما البعد الجغرافي فيتمثل في ارتباط الحزبين بدارفور وكردفان والوسط‚ هذا الثقل الديني والجغرافي يمكن توظيفه مدنيا لدعم التحول الديمقراطي وكذلك يمكن توظيفه عسكريا لتحقيق الانتفاضة المحمية في حال ثبت عدم جدية الحكومة «المؤتمر الوطني» في المضي قدما في طريق التحول الديمقراطي‚ فالحزب الشيوعي الذي‚ لا زال مصرا على التمسك باسمه القديم الذي ارتبط في ذاكرة الشعب السوداني في ستينيات القرن الماضي بالالحاد الامر الذي مكن تحالف الصادق- الترابي في عهد ثورة اكتوبر من حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان بعد إجراء تعديل في الدستور - لذا فإن الحزب الشيوعي يعمل ألف حساب لهذا التحالف‚
لقد سبق للحزب الشيوعي أن أعلن موافقته المبدئية للانضمام الى هذا التحالف واشترط على حزب المؤتمر الشعبي أن يعلن توبته عن تدبير الانقلابات وما ترتب على انقلاب 30/6/1989 من نتائج ومضاعفات هذا الشرط يمكن أن يكون مقبولا لو أنه جاء من حزب الامة باعتباره الحزب الكبير في الديمقراطية الثالثة والمضرور مباشرة من الانقلاب الانقاذي أما أن يأتي هذا الشرط من الحزب الشيوعي الذي سبق الحركة الاسلامية بعشرين عاما بتدبير انقلاب 25 مايو 1969 وانقلاب 19 يوليو 1971 ‚‚ فان هذا الطلب يبدو أنه صادر من جهة غيرمؤهلة اخلاقيا للتمسك بهذا الشرط‚
في الماضي كانت الحركة الاسلامية هي التي ترفض الدخول في أي تحالف يكون الحزب الشيوعي طرفا فيه‚ المركز الدولي والاقليمي والمحلي للحزب الشيوعي خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفياتي لا يؤهل الحزب لوضع شروط ضد حزب الترابي للاشتراك معه في أى تحالف بقيادة الصادق المهدي ولا يضعف من موقف الترابي انشقاق الحركة الاسلامية وانقسامها لأن الانشقاق قد أصاب كل الاحزاب بما في ذلك حزب الامة والشيوعي‚
أخلص من كل ما تقدم الى أن الخيار الاول لحزب المؤتمر الشعبي هو تكوين تحالف وطني معارض يقوم على أسس واضحة اهمها التعاون على تركيز التحول الديمقراطي وفق معارضة مسؤولة تضع الاهداف العليا للبلاد نصب عينيها كما يهدف التحالف الى تعزيز جهود السلام الشامل في كل السودان وغسل عار نقض العهود الذي اصبح ديدن الحكومات المركزية‚ كما يهدف التحالف الى الوقوف مع قضايا المهمشين الذين ينشدون العدالة في قسمة السلطة والثروة‚ صحيح أن المدافع الاول عن مطالب أهل الهامش هم أهل الهامش أنفسهم ولكن ذلك وحده لا يكفي‚‚ بل يجب أن تجد ظلامات أهل الهامش المساندة المؤيدة لها في المركز من قبل المعارضة المركزية‚ هل يتجه حزب الترابي الى التحالف مع الوطني؟
عقد حزب المؤتمر الشعبي اجتماع الشورى علنيا بمعنى أن كل جلساته كانت علنية وبذلك حرم غواصات الحكومة من التلذذ بكشف المستور كما علق أحد الصحفيين‚
ناقش اجتماع الشورى شروط التفاوض مع الوطني كما ناقش الاجتماع أهم شرط يمكن أن يطالب به المؤتمر الوطني لإعادة توحيد الحركة الاسلامية وهو خروج الشيخ الترابي من معترك السياسة وتحوله الى أب روحي للجميع ومفكر اسلامي عالمي خاصة في هذا المنعطف التاريخي الذي ظهر فيه التيار الاسلامي الاخواني المعتدل كبديل للدولة القومية‚
سأتناول هنا الاسباب التي ستحمل طرفي الحركة الاسلامية للالتئام مجددا:
1- الاصل أن تكون الحركة الاسلامية موحدة والانقسام ظرف استثنائي سببه نزاع شخصي على مستوى القمة‚‚ فإذا كان الشيخ الترابي على استعداد لإخلاء الساحة السياسية «العمل التنفيذي» ‚‚ والتوجه الى ساحة البحث والفكر ‚‚ فإن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما‚
2- إدراك الطرفين «الوطني والشعبي» للفشل بسبب «التنازع» وهذا وعيد رباني يعرفه الطرفان ويتجلى الفشل بصورة واضحة في قطاع الطلاب وقد نوه الشيخ الترابي في اجتماع الشورى الى الاتفاق الواضح في قطاع الطلاب‚ ان الحركة الاسلامية بحسها السياسي الحركي الكبير تدرك تماما أن قطاع الطلاب يعني «المستقبل»‚‚ وان فشلها في قطاع الطلاب هو نعي للحركة كلها‚
3- حزب المؤتمر الوطني لا يحتمل معارضة الشعبي في هذا الوقت بالذات وبعد مرور خمس سنوات من الانشطار وأعني بعذا الوقت «زمن التحول الديمقراطي»‚‚ لقد كان انشطار الحركة الاسلامية اقرب الى الانقسام على اساس جهوي وعرقي حيث انحاز ابناء الغربي الكبير «دارفور وكردفان» الى المؤتمر الشعبي كما انحاز أبناء الجنوب للمؤتمر الشعبي ايضا‚‚ هذا الوضع حول حزب المؤتمر الوطني الى حزب «جلابة»‚إن القوة البشرية التي تصوت الانتخابات موجودة بدارفور «ست ملايين»‚ ان سمعة المؤتمر الوطني في دارفور وصلت «الصفر» بذات الدرجة في جنوب السودان حيث يخلو الجنوب الآن من مطلق جلابي منذ احداث الاثنين والثلاثاء الاسودين بعد استشهاد الرمز د‚ جون قرنق‚ الواقع يقول ليس للمؤتمر الوطني أي مدخل «شعبي» على الجنوب سوى كوادر حزب المؤتمر الشعبي الذين ربتهم الحركة الاسلامية خلال عشرات السنين من الكوادر الجنوبية الذين التحقوا بالحركة الاسلامية عندما كانت حركة معارضة مطاردة من قبل نظام مايو‚‚ ثم صمدوا في صفوف الحركة الاسلامية بقيادة رمزها الشيخ الترابي ولم يهرولوا للمؤتمر الوطني الحاكم رغم بهرجته وسلطانه وبتروله‚
4- من أهم اسباب بقاء المؤتمر الوطني في الحكم ضعف المعارضة الشمالية‚‚ لذا فإن المؤتمر الوطني لا يحتمل بقاء الشعبي بكوادره المدربة في المعارضة وتكوين جبهة معارضة بجانب حزب الامة والشيوعي والبعث والناصري‚
5- ليس من المصلحة الوطنية العليا التئام الجناحين «الوطني والشعبي»‚ بل أن انضمام الشعبي للمعارضة سيدعم التحول الديمقراطي ويعين على تعبئة الساحة السودانية بفكر التسامح وقبول الآخر ويجعل المنافسة حقيقية بين تيارين متكافئين‚ في حين أن توحيد الحركة يحول كوادر الشعبي الى أبواق لتبرير جرائم الانقاذ في دارفور‚