د. أبو خولة (*)
ما أن بدأت الوفود الأجنبية تحط رحالها بتونس، بمناسبة انعقاد القمة الأممية للمعلومات، والأيدي على القلوب . كيف لا ومنظمة القاعدة الإرهابية أعلنتها حربا ضروسا على البلاد، بدليل أن هذه الأخيرة كانت من أول الدول العربية والإسلامية التي عرفت بعد 9/11 تفجيرات إرهابية لكنيسة يهودية بجزيرة جربة السياحية، وهي الجريمة التي راح ضحيتها تونسيون وسياح ألمان وتسببت في خسائر كبرى للاقتصاد الوطني . وتحديد تونس على راس قائمة الدول المستهدفة من طرف القاعدة ليس بغريب إذا ما اعتبرنا أهميتها كالدولة العربية الأكثر حداثة – من ناحية حقوق المرأة كما من ناحية التعليم العصري – ، وهو ما يتناقض أساسا مع ثقافة التخلف وفقه الظلام لهذه المنظمة الشريرة.
لهذا اجزم أن القاعدة لو أعطيت الاختيار لفضلت ضرب تونس – خلال فترة انعقاد القمة الأممية الأخيرة للمعلومات– على ضرب فنادق عمان، على سبيل المثال، و لسبب بسيط وأساسي وهو أن ضرب هذه الأخيرة بإمكانه الانتظار ، بينما توجيه الضربة لتونس يجب أن يتم تحديدا خلال انعقاد القمة. كذلك يوفر وجود الحركات السلفية المسلحة في الجزائر نفس المزايا التي يوفرها تواجد القاعدة في العراق، بالإضافة إلى أن الحدود التونسية أطول وربما حتى أسهل اختراقا من الحدود الأردنية المحروسة جيدا بحكم الحرب العراقية. أضف لذلك أن قوة الجهاز الأمني التونسي قد لا تفوق ، حسب ما هو معروف، قوة الجهاز الأمني الأردني، الذي سبق له أن افشل عديد المحاولات الإرهابية في الماضي. فلماذا إذن لم تجرب القاعدة حظها مؤخرا في تونس؟
الجواب هو أن نجاح عملية إرهابية كبرى يتطلب أكثر من تهريب متفجرات عبر الحدود، حيث يقتضي توفير دعم لوجستي لإيواء الإرهابيين. و هذا لا يتم إلا بوجود عناصر محلية مستعدة لمد يد العون. والقاعدة تعرف أكثر من غيرها أن مثل هذا الاستعداد متوفر في دولة مثل الأردن، حيث كان أسامة بن لادن يحظى بتأييد نسبة اكثر من 60% من المواطنين، حسب نتائج عديد عمليات سبر الآراء التي أجريت قبل تفجيرات عمان الأخيرة. لكنها تدرك أيضا أن مثل هذا الدعم الجماهيري الإجرامي غير متوفر في المجتمع التونسي، الأكثر عقلانية من نظرائه في دول المشرق، والذي من الصعب أن ينطلي عليه أي تبرير للعنف و الإرهاب.
ونعود و نؤكد أن اكبر عامل يجعل من دولة مثل تونس تستعصي على إرهابيي القاعدة ومن على شاكلتهم، الخطوات الهائلة التي خطتها البلاد في مجال حقوق المرأة والتعليم العصري، وكذلك الانفتاح على الثقافات الأخرى نتيجة متابعة الرأي العام للقنوات التلفزية الأجنبية -خصوصا الفرنسية- و الاحتكاك الكبير بالأجانب نتيجة وجود ما يقارب من 3000 شركة أجنبية عاملة بالبلاد وقطاع سياحي ضخم يجلب ما يفوق 6.5 مليون سائح أجنبي سنويا.
هذا بالتأكيد ما أدركته حركة القاعدة خلال السنوات القليلة الماضية وهي تتدارس فرص نجاحها في توجيه ضربة لتونس، خلال انعقاد قمة المعلومات. لكن عدم تجرؤها على مجرد المحاولة -على ما يبدو- يعكس بلا شك يأسها من إمكانية الحصول على دعم محلي. اليوم و منظمة القاعدة الإرهابية تجر أذيال خيبتها التونسية، يتوفر درس يجب أن تعيه جيدا الدول العربية و الإسلامية التي تحاول جاهدة التصدي للفكر التكفيري. فكما تتطلب الانتخابات ترشيح مرشح يميني لالحاق الهزيمة بمرشح يساري، أو تتطلب العلوم تطوير نظرية جديدة لهدم نظرية سابقة، يتطلب القضاء على الفكر التكفيري الإرهابي تطوير الفكر المعادي له، و لا يتم هذا إلا بدعم قوى الحداثة و التقدم في المجتمع، وهو عكس ما قامت به معظم الدول العربية و الإسلامية خلال العقود الماضية.
الأولوية المطلقة في العالم العربي الإسلامي اليوم -مسقط راس السلفية الإرهابية- تتمثل في إيجاد تربة مجتمعية جديدة غير صالحة لنمو هذه النبتة الخبيثة. و لن يحصل هذا إلا بإقرار ثقافة جديدة تقر بحقوق المرأة و الاقليات الدينية، و تعتمد على مناهج تعليمية حداثية تشيع مبادئ التسامح و الانفتاح على الآخر. حصل هذا -إلى درجة كبيرة في تونس- بصدور قانون المرأة و تعميم التعليم الحداثي العصري منذ حصول الدولة على الاستقلال، عقبتها عملية الإصلاح البورقيبية لجامعة الزيتونة في العام 1965 ، التي حولتها أساسا من مؤسسة لفقه التخلف إلى مؤسسة تعليمية رائدة لما يجب أن تكون عليه كافة مؤسسات فقه الإرهاب الحالية في سائر دول العالم العربي-الإسلامي التعيس. و عندما يحصل نفس الشيء في الدول العربية و الإسلامية الأخرى، ستستعصي هذه الأخيرة بدورها على الإرهاب و المحرضين عليه، تماما كما استعصت تونس على إرهاب القاعدة خلال فترة انقاد القمة الأممية للمعلومات الشهر الماضي.
(*) بريد إلكتروني: [email protected]