ونحن شخصيا لا نرى غضاضة في أن يصبح إمامنا حفظه الله تلميذا لأستاذ دفع حياته ثمنا رخيصا ليجعل من الإسلام دستورا يضاهي به ويتحدى جميع الدساتير الوضعية في جميع القرون. ولكن نريد أن ننبهك إلى خطورة مثل هذا التبني، فهذه المرجعية سوف تثير غضب وسخط علماء السودان المتجلببين بجبب شرف الإنجليز وما علموا أنها جبب عدم الشرف. ومع غضبهم هذا لا يستطيعون أن يقيموا عليك حد الردة فأنت الحاكم وهم غثاء كغثاء السيل ! كذلك سوف تتهم بالخروج عن إجماع المسلمين من قبل الدول الإسلامية وسوف ينبري علماء السعودية وعلماء الأزهر بتكفيرك وإعلان ردتك ! لكن هذا أمر مقدور عليه.. فما عليك سوى أن تعلن بصراحة وجراءة في مرجعيتك الحديثة بأن الجهاد ليس أصلا في الإسلام وأن الجهاد ضد اليهود والنصارى من الأمريكان وغيرهم، يعتبر إرهابا دينيا. ولابد أن تجد لهم تفسيرا عصريا للآية القرآنية التي تقول ( فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم )
ولنأتي الآن للكيان الديني جاء في خطابك (وإن كياننا الديني اليوم وقد استصحب تنظيما عصريا سوف يركز على الدعوة والإرشاد والتعاون مع كافة الكيانات الدينية لتبرئة اسم الإسلام مما لحق به من تشويهات والعمل على بث القيم الدينية ومكارم الأخلاق لحماية المجتمع مما أصابه من فساد.)
أن هذا الكلام الجميل يبعث الفرح في القلب الحزين. وخوفا من خيبة الآمال نريد أن نستوضح بعض الأشياء. كيف يكون يصبح كياننا الديني بقدرة قادر تنظيما عصريا؟ أن كياننا الديني نشأ منذ بدايته كطريقة صوفية يحكمها مفهوم الشيخ والحوار، ثم ما لبس أن انقلب إلى تنظيما طائفيا بغيضا يقوم
على مفهوم التابع والمتبوع والسيد والمريد، فإذا سلمنا جدلا نحن المريدين والتابعين بضرورة قيام
التنظيم العصري وقد درسنا وتعلمنا في الجامعات وما فوق الجامعات وتمردنا على مفهوم الطائفية وشققنا عصى الطاعة، هل أبناء وبنات وأحفاد وحفيدات الأمام المهدي رضي الله عنه وأرضاه يستطيعون الاستغناء عن لقب ( سيدي وستي ) بكل ما تحمل هذه الألقاب من إمتيازات ؟ من الذي يقوم بخدمتهم، ونزع أحذيتهم، ومسح بلاطهم، وتدليك أجسادهم ؟ نحن نقوم بهذا المريدين والمريدات، الفقراء والفقيرات!!! كفاك يا سيدنا خداعا وسخرية من عقولنا. فنحن لا نريد بعد اليوم أن نكون أتباعا لأسياد عصرين أو تقليدين بل نريد أن نكون أفراد أحرار وأسيادا لأنفسنا، لنبني مجتمعا يتكون من رجال ونساء أحرار قد برئت صدورهم من الغل والحسد وسلمت عقولهم من السخف والخرافات .
أن تصنيفك الأخير لكياناتكم المختلفة هو الذي يهمنا. جاء في خطابك العامر (وسوف يهتم كياننا الأنصاري بإنشاء مؤسسات تعليمية على طول البلاد وعرضها ومؤسسات صحية وخدمات توفير المياه وتأسيس بنك للفقراء لتوفير القروض الميسرة للمزارعين والرعاة والحرفيين وربات البيوت في حملة واسعة لمحاربة الفقر.) هذا هو مربط الفرس. وهذا هو اللحن الخالد الذي كنت وما زلت تعزفه لنا على مر السنين، نحن الفقراء والبسطاء، فتدغدغ به عواطفنا، وتكبر أحلامنا، وننساق وراء تبعيتكم ونحن طائعين طاعة عمياء، فكل حرف تنطقون به هو محل ثقة عندنا وكل وعد تقطعونه لنا لا شك فيه عندنا ولا ريب . وبذلك تزدادون انتم غنى ونزيد نحن فقرا !!!
نحن نتخيل يا إمامنا الصادق بأن جدك الإمام المهدي رضي اله عنه وأرضاه يرسل لك من برزخه رسائل متعددة لينبهك إلي سؤ حالك. هذا إذا لم يكن قد غادر البرزخ وسما إلى أعلى علين وانقطعت به الصلة عن عالمكم الكثيف هذا . تعال معنا واسمع ماذا يقول (( كفاك يا ولدي من الجري واللهث وراء الدنيا. لقد مرت أكثر من خمسين عاما وأنت مازلت متعلقا بذلك الكرسي السحري!! لقد جلست عليه مرتين في حياتك. وقد استغليت أنبل عاطفة لدى الشعب السوداني وهى حبه للدين فاتخذت من اسمي ومن دعوتي وسيلة لتحقيق أغراضك الدنيوية !! وما تورعت من إراقة دما أحبائي من الشعب السوداني بواسطة المرتزقة من خارج البلاد ومشيت على أجساد المنهوكين والمستضعفين لتصل إلى بغيتك !!! والآن وبكل بجاحة وعدم حياء تريد أن تبكي على شهدائهم، وتمني فقرائهم بإنشاء البنوك !!لماذا لم تقم بإنشاء هذه البنوك عندما مكنك الله من حكم البلاد مرتين ؟؟الم تستورد البلاد الذرة من الخارج في فترة حكمك الأولي ؟ فإذا لم تكن الذرة وهي القوت الأساسي للشعب موجودة في الداخل فماذا يوجد ؟ الحصى ؟
لقد علمت وأنا في برزخي بأن أولادي وأحفادي قد جمعوا ثروة طائلة باسمي وباسم دعوتي وأصبح بيت الإمام المهدي من أغنى البيوت في مدينة امدرمان! ولا تخلو المجتمعات المخملية من سادة وسيدات آل المهدي ! وقد شعرت بالخجل والحسرة عندما علمت بمظاهر البذخ والترف التي تصاحب احتفالاتكم الخاصة داخل البلاد وخارجها. وعامة الناس لا يستغربون من ذلك ( فالعريس أو العروس من ناس المهدي ) .
والآن يأبني إذا كنت حقا تريد أن تسعد الشعب السوداني البائس، وتريد أن تصبح بحق خليفتي (عصريا أو تقليديا لا يهم)، وتريد أن تحافظ على كيان الأنصار، فانبذ حب السلطة وشهوة الحكم ولا تعطي الفرصة لمثل ذاك العسكري البشير الذي لا يفقه شيئا سوى التهليل والرقص على إيقاع متغيرات السياسة القذرة... لا تعطيه الفرصة ليسخر من أطماعك السياسة وعلى ملء من العالم !!
قم الآن بإنشاء بنك للفقراء من أموالك الخاصة ومن أموال إخوانك وأبنائكم، فأساس ثروتكم هذه لم تكن عن تجارة أو عرق جبين أو ثروة ورثتموها مني !
علمت أيضا من الذين انتقلوا إلينا حديثا انك تملك ارض بمدينة امدرمان وتريد أن تبيعها بملايين الدولارات !! ربما تريد أن تنفقها على حملتك الانتخابية لذلك يا بني أريد أن أوصيك بأن تقوم بإنفاقها على الفقراء والمساكين، ليست صدقة وإنما إرجاع الحق لأهله.
قم بإنشاء مستشفى أو جامعة لأهل أم دبيكرات وبذلك يكون احتفالك بذكرى شهدائهم احتفالا عمليا بدلا من الوعود الكاذبة والترحم الزائف )... هنا وقف بنا الخيال في رسالة الإمام محمد احمد المهدي رضي الله عنه. نحن لم نتطاول على الإمام عليه رحمة الله ورضوانه ولم ندعي مقاما عليا أو شفافية روحية تمكننا من سماع كلماته ولكن هذه هي جوهر دعوته وتعاليمه. فدعوة الحق لا تموت بموت صاحبها.
الهام هاشم نجم
الأمارات العربية _ أبو ظبي [email protected]