استقبلنا الرئيس يرافقه مدير المكتب الإعلامي للمجلس الفدرالي (الحكومة الفدرالية) و لم يكن بمعية الرئيس الجنرالات وكبار الضباط وحاشية الوزراء من الذين يدقون الطبول ويحرقون البخور و لا غرو في ذلك لأن النظام الكونفدرالي في سويسرا يتبع أرقي أساليب الحكم فالحكومة الفدرالية أو( الاتحادية) تتكون من سبع وزراء يطلق عليهم لقب (المستشارين ) ومجلس الوزراء يتكون من عشرة وزارات كل وزير يتقلد وزارة أو وزارتين في الوقت الذي تتقلد فيه الوزارة الواحدة في السودان ثلاثة وزراء( وزير اتحادي ووزيري دولة) فضلاً عن وكيل الوزارة ومستشاريها و من العبقريات السياسية في السودان فن تفريخ الوزارة الواحدة إلى عدة وزارات استناداً على فقه الضرورة.
لقب الرئيس في سويسرا لقب تشريفي وتمثيلي حيث تبرز صلاحية الرئيس في المراسم الرسمية كاستقبال الروءساء و سفراء الدول المعتمدة لدى العاصمة برن. رغم أن الدستور الفدرالي السويسري ينص على أن ولاية الرئيس تكون لعام واحد فقط إلا أنني التقيت الرئيس صمويل شيمد رئيس الكونفدرالية لهذا العام مرتين الأولى في النادي الصحفي بجنيف عند تقلده منصب الرئيس في بداية هذا العام والثانية تلبية للعشاء الأخير ولم أر في حياتي رئيس سوداني وجهاً لوجه إلا عبر وسائل الإعلام رغم أن الرئيس في السودان يظل يحكم إلا أن يقضي الله أمراُ كان مفعولا . كان الرئيس السويسري في لقائه بالصحفيين فخوراً بشعبه المتحرر الوجدان المنضبط على عقارب الساعة السويسرية و فخور بالتكوين السياسي الرائع و النظام الكونفدرالي الذي فرض نفسه عبر دستور ارتضته ( الكانتونات) و ارتضاه الشعب و من ثمار النظام الكونفدرالي الاستقرار السياسي حيث لا أزمات دستورية ولا مؤامرات سياسية و لا تواطوء خلف الستار ومن ثماره أيضاً الاستقرار الاجتماعي فبرغم تعدد اللغات والأعراق والثقافات حيث توجد بسويسرا أربعة أقاليم لغوية ( ألماني72 % فرنسي 18% إيطالي 9% رومانش 1% ) وهذه الأخيرة هي لغة أهل البلد أي السويسريين من الأصول الهيليفتيسية وبها ثلاث مجموعات دينية ( كاثوليك وبروتستانت و أرثوذكس) ولكن رغم هذا التباين انصهر الشعب في بوتقة واحدة وهي الانتماء للوطن و الزود والدفاع عنه ففي كل بيت سويسري زهور ولكن في كل بيت سويسري بندقية وذلك للحفاظ على روح النظام الكونفدرالي من عاديات الزمان و من هنا خرجت سويسرا عن منطق الفيلسوف الفرنسي موتيسكو القائل ( ليس ثمة دولة واحدة تجروء على تسليح جميع مواطنيها)هذه هي المعادلة الوطنية التي بنى عليها النظام الكونفدرالي السويسري و التي تستند على عوامل إيجابية تتجلى في التنابذ الديني والعرقي واللغوي والثقافي .
بكل ثقة تحدث الرئيس السويسري صمويل شيمد عن صلة الرحم التي تربط بين سويسرا و الاتحاد الأوربي و أكد على متانة العلاقة رغم إحجام سويسرا عن الدخول في نادي ( الاتحاد الأوربي) وتمسكها بمبدأ الحياد برغم الضغوض الجديدة التي ساقتها رياح التطور و التكامل وروح الترابط المتزايد بين الشعوب الأوربية ويعتبر الحياد السويسري ميزان الحرارة الشاخص للتعرف على توازن القوى في القارة البيضاء وهو حياد إرادي خلقته الظروف وأوجدته النزعة الاستقلالية ووجود القوى العظمى التي تحيط بهذا البلد الصغير إحاطة السوار بالمعصم اضطرته لاتخاذ سياسة الحياد حتى لا يفقد وحدته وكيانه فالتخلي عن الحياد يعني بالنسبة لسويسرا الخروج عن المعادلة الوطنية.