ما زالت الغالبية العظمى من قراء الشبكة العنكبوتية والصحف السيارة ومستمعي وكالات الأنباء في حيرة من أمرهم إزاء التناقضات الإعلامية التى تحيط بأحوال حركة تحرير السودان في الفترة الأخيرة ، تلك الحركة التى انهكتها عثرات القيادة الفاشلة التى جعلت من الاستقطاب القبلي والبيانات الإعلامية المشبوهة والتجوال الخارجي جداراً عازلا بينها وبين المقاتلين في الميدان من جيش الحركة الذين لا يعرفون حتى شخصية رئيسهم حتى كتابة هذه الصفحات ، واحد الدلائل على ذلك هو تساؤلات المقاتلين في قطاعاتهم المختلفة مثل : "صحيح هذا هو عبد الواحد ؟ " ، في إشارة إلى صورة عبد الواحد في جريدة الحياة عندما ذهب بها البعض إلى الميدان ، هل يقال مثل هذا الكلام للراحل المقيم جون قرنق زعيم الحركة الشعبية من قبل جنوده مثلا ؟ بالطبع كلا .
قد يتساءل البعض أيضا عن شخصية ودور كاتب هذه السلسلة من المقالات في حركة تحرير السودان والغرض من كشف هذه الأسرار في هذا التوقيت بالذات ؟ أجيب على هذا التساؤل و أقول بأني عضو " منظم " في حركة تحرير السودان منذ اندلاعه و أتابع عن كثب كل تطوراتها الميدانية والسياسية وقد كنت أحد المدعوين ممثلا عن أحد مكاتب " الداخل " لحضور مؤتمر "حسكنيتة" الأخير ولكن لاسباب لوجستية وامنية لم أتمكن من حضور تلك التظاهرة التي لفتت انظار المجتمع الدولى قبل المجتمع السوداني . رغم عدم حضورى للمؤتمر فقد كان لى - كما للآخرين - شرف متابعة فعاليات المؤتمر وكذا البيان الختامي والتوصيات وذلك من خلال الشبكة العنكبوتية و وسائل الإعلام الأخرى مثل الصحافة المقروءة والقنوات الفضائية وإذاعة البى بي سى وغيرها . رغم انبهار الكثير عن التنظيم الدقيق للمؤتمر وفعالياتها ونتائجها التي شهد لها المجتمع الدولى ، إلا انه ظهرت بعض الكتابات الغير أمينة وبل المضللة والمغرضة التي لم تتناول الحدث في حد ذاته ولكنها تناولت الموضوع بصورة انصرافية لصرف الناس عن حقيقة ما جرى لاسباب ذاتية ، وظهرت كتابات تصب جم غضبها على الأخ / منى اركو باعتباره " منشق " عن الحركة تارة " وإقصائي وانقلابي " تارة أخرى ، وكأن هذا المشروع الذي تم إنجازه "المؤتمر " كان من صنعه هو فقط ، وهو أمر محزن عندما يتجاهل الناس عن عمد مجهودات شباب من كل الوان الطيف القبلى فى دار فور وخارج دار فور ، سهروا الليالي لانجاز أمر سبق ان تم الاتفاق عليه بتوقيع " رئيسنا السابق الهمام " عبد الواحد . مبلغ السخف من هذا النوع من التناول قد جعل البعض يكتب من " الغرف المغلقة " فى مدينة الرياض السعودية ويوهم السذج بأن الموضوع قد تم كتابته من قبل " اللجنة الإعلامية للحركة من مدينة انجمينا التشادية " !! . جزء من بعض السخف الذي أورده هذا الكاتب هو تشبيه الأخ منى اركو بالمنشق " كاربينو " عن الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق ، وكأن كاربينو قد اقام مؤتمرا قاعديا أزاح به جون قرنق حسبما تم فى مدينة حسكنيتة من قبل الأخ / منى اركو ورفاقه . لتفنيد مثل هذا التناول الرخيص والتضليل والتزييف العلني لأحداث الساعة ، كان الغرض من فتح مثل هذه الملفات ، فإلى مضابط أولى الحلقات .
الحلقة الأولى
أسرار من "سلة " حركة تحرير السودان
عندما اشتد الحصار وتعددت الحشود العسكرية وحلقت الطائرات الحربية التابعة لنظام الخرطوم فى سماء جبل مرة وتوغلت المجموعات " الجنجويدية " المدعومة بجيش النظام الى بعض كهوفها فى بدايات الثورة في منطقة "قولو" بجبل مرة ، قلصت شدة الرعب الرصيد الثوري لعبد الواحد وبعضا من ابناء منطقته فاخذوا يصعدون الى أعالي جبل مرة بحثا عن كهوف اكثر أمنا مما كانوا فيه في السابق ، فى الوقت الذي كان أبطال حركة تحرير السودان يخضون معارك حقيقية في الجبهة الشمالية ويديرون مناقشات مستمرة لإيجاد خطط بديلة لمواجهة العدو والبحث عن طرق أخرى لإرسال فيالق الثورة الى ربوع دار فور الشاسعة لنشر أهداف الثورة والبحث الدؤوب عن الموارد والدعم المالي لتغطية مصروفات هذا العمل الضخم ، وفى ظل تلك الظروف الصعبة التي زادت الثوار الحقيقين قوة ومنعة وعزيمة ، اعتكف عبد الواحد وقليل من أعوانه في كهوفهم تلك بحثا عن الامان وبعدا عن العدو . وبمرور الأيام والثورة في نماء مستمر بفعل عزيمة وصمود الثوار ، تزايدت معها متحركات العدو فى محاور مختلفة وكثرت هجمات الجيش والجنجويد والغارات الجوية على القرى الآمنة ومصادر المياه وتمادت مليشيا الجنجويد في القتل والحرق والاغتصاب فى المواطنين العزل ، انتهج الثوار سياسة الهجوم النوعي المباغت لمعاقل العدو واتخاذ أسلوب الضربات الاستباقية لتقليل نشاط المتحركات الإجرامية من قبل العدو ، فقررت القيادة العامة لجيش التحرير الخطة الهجومية المباغتة على المدن الرئيسية فى دار فور ، وعندها هاتف القائد العام آنذاك الشهيد / عبد الله أبكر السيد / عبد الواحد والقلة المعتكفة فى جبل مرة للتنسيق على شن هجوم على مدينتي نيالا وزالنجى بالتزامن مع ضربة الفاشر الشهيرة والتي كانت بقيادة الشهيد نفسه ، ولكن خاب أمل القيادة العسكرية للحركة عندما صعد عبد الواحد ورفاقه إلى الكهوف العليا لجبل مرة لطلب المزيد من الحماية الشخصية واتخاذ ستون فردا من ابناء المنطقة حراسا وحزاما آمنا لانفسهم ، وبذلك رفع من معنويات جيش النظام والجنجويد فقاموا باحتلال والسيطرة على مناطق واسعة من وادي صالح وغرب جبل مرة وغرب دار فور وحصار جبل مرة بالكامل مما فتح الباب واسعا لسياسة التطهير العرقي والاحلال الديمغرافى التي تشهده تلك المناطق حتى الآن وكانت الضحية المباشرة لهذه السياسة هو التهجير القسري لأهله الفور في هذه المناطق الى مخيمات النزوح حول المدن . لم يلتفت عبد الواحد إلى هذه الكارثة التي تسبب فيها هو كقائد ميداني وزعيم سياسي بهذه المنطقة وبل ظل يهاتف الحركة الشعبية والمنظمات الدولية والصليب الأحمر لانتشاله من الحصن الذي قل أمنه بفعل حصار مداخل جبل مرة من قبل الجيش والجنجويد ، حتى نجح في جلب " النجدة " ووصل فجأة على متن " طائرة ما " الى نيروبي في كينيا ثم إلى اسمرا و ركب سرج حصان التحرير بطلا هماما وطاف البلدان والعواصم فازداد جسمه نضارة وزالت آثار لسعات حشرات كهوف جبل مرة من جسمه وكثرت نثرياته واتباعه فى الخارج وتعددت الهبات النقدية والعينية وتزاحمت عليه المكالمات الهاتفية الصادرة والواردة ونسى بذلك رجال الثورة والمقاومة واصبح لديه حساسية مفرطة من سماع كلمات مثل "الجيش " ، " الميدان " " علاج الجرحى " " الشهداء و أسرهم " وغيرها من الكلمات التي تذكره بأيام الشقاء ، ولا يدرى حتى الآن كيف حاربوا وكيف انتصروا وكيف انتزعوا الاعتراف الدولى وكيف أتوا بنظام الخرطوم الى طاولة المفاوضات وكم عددهم وعتادهم ومن أين تأتيهم الدعم والأكل والشرب وكيف يديرون أمرهم الإداري اليومي ؟
وعندما اصابه الغرور وشئ من الكبرياء وتزامن معها نداءات الميدان ومكاتب الخارج والداخل مطالبين جميعهم بالمؤسسية وترتيب بيت الثورة وادارتها بصورة فاعلة ، تخندق عبد الواحد فى خندق القبلية والعشائرية وبدأ بتكوين أجسام للحماية والوقاية من المحتجين والمنادين بالمؤسسية فكان " المجلس التشريعي الثوري لقبيلة الفور " ، الذي تم تكوينه في اسمرا وعين المهندس / موسى أبكر رئيسا لهذا المجلس العنصري كما تم تعين المرحوم / نصر الدين يوسف سكرتيرا لهذا المجلس ، وكلاهما يقيم في السعودية ، ثم عرج الى تعيين عبدالقادر عبد الرحمن قدورة قائدا ميدانيا له وهو من الذين تركهم فى قمة جبل مرة وما يزال المذكور يتخذ من كهفه مقرا آمنا له يهاتف عبد الواحد وابناء منطقته فى الخارج من وقت الى آخر لتزويده بكروت الاتصال لجهاز " الثريا" الخاص به ، واصبح مثل (ملا عمر ) زعيم طالبان بأفغانستان لا يعرف شخصيته عند الثوار وحتى الاستخبارات الأمريكية عجزت فى الوصول اليه لان كهوف جبل مرة لا يقل وعورة عن كهوف جبال التورا بورا في أفغانستان ، كما لم يستطع الوصول إليه السيد / يان برونك المبعوث الخاص للامين العام للأمم المتحدة عندما زار الأراضي المحررة مرارا للتأكد من حقيقة وجود عبدالقادر قدورة ومجموعته و لم يجد لهم اثرا . وحتى لا ينسى قدورة فى كهوف جبل مرة يقوم بعض " الخيرين " من ابناء منطقته فى الخارج بكتابة بيانات باسمه فى الانترنيت من وقت إلى آخر .
بينما كان عبد الواحد يجوب عواصم العالم ، نصحه البعض لفرض سياج أوسع من القبلية حول نفسه كصمام أمان آخر غير " المجلس التشريعي الثوري لقبيلة الفور " وذلك للحفاظ على الزعامة الزائفة ، فقام بتعيين نائبين له من أبناء قبيلة المساليت بدل نائب واحد وهما السيد / خميس عبد الله (الرجل الأمي ) والمهندس / منصور أرباب ظنا منه واستجابة للأعلام الحكومي الذي روج كثيرا عن قبلية الحركة واثنيتها ليوهم نفسه أولا والآخرون من بعده بانه ممثل الفور الأوحد وخميس وأرباب من إجماع المساليت وما بقى فى ميدان التحرير سوى أصحاب الاجندة الخفية والمجموعات الانفصالية ودعاة الانشقاق ، ولكن المهندس منصور لم تفت عليه ألاعيب عبد الواحد فواجهه بسؤال عن مدى ضرورة تعيين شخصين (ومن قبيلة واحدة ) نوابا للرئيس ؟ إلا أن الرئيس قال له " أنت نائبي للشئون الإنسانية و الأخ خميس نائب ساكت !! " ، الأمر الذي حدي بالمهندس أن يحزم متاعه ويخرج عليه وعلى خميس ، وبقية القصة معروفة . ظل عبد الواحد يتنصل من نداءات المؤسسية ويتجاهل بها معاناة المقاتلين واللاجئين والنازحين والحادبين على أمر الثورة جاعلا من التهرب من التزاماته مرتعا خصبا للمنافع الشخصية والزعامة الوهمية ليضحك من شدة غروره عندما بكى الناس لفشله وسوء إدارته للقضية في اللقاءات الرسمية الجادة بل انصرف في اعتي مواقف المسئولية والانشغال في الشأن العام وفى زحمة المفاوضات في ابوجا لجأ إلى مهاتفة رفيقة دربه في فنادق نيروبي واسمرا ليس للاطمئنان عليها فقط ، لان ذلك أمر واجب من أي رجل تجاه عائلته ولكن لقضاء الساعات الطويلة للسمر(على نمط وحشانى يا روحي ) ، وكل ذلك على حساب حصيلة الجولات الدولية ومساهمات العضوية (من الجمعيات القبلية ) حتى بلغت قيمة المكالمات ذات مرة خمسة آلاف دولار خلال أسبوعين عندما كان في مقر المفاوضات في ابوجا النيجيرية وبمعدل تسعة مكالمات يوميا حسب تفاصيل فاتورة الهاتف النيجيري بالإضافة إلى انه دائما يصطحب معه صبية صغار السن من عشيرته ضمن قائمة المفاوضين ليسترزقوا من دولارات المجتمع الدولي التي أصبحت ضحية في يد الاتحاد الإفريقي الذي ينقصه الخبرة والحيادية والمبادرة في التعامل مع الواقع المأساوي في دار فور والذي اصبح وجوده ، أي الاتحاد الأفريقي عبئاً مالياً على المجتمع الدولي نتيجة لفساده وسوء إدارته للمال العام ، حيث أصبحت هذه المنظمة ممثلة في قوة رقابة وقف إطلاق النار في دار فور أداة في يد سلطة الانقاذ يدبجون التقارير حسب هوى السلطة وهم دائما يصلون إلى مواقع جرائم الجيش والجنجويد بعد ارتكابها وطمس معالمها وصارت مقاراتهم بالفاشر ونيالا والجنينة أماكن لممارسة الدعارة والخمور واللحوم الطازجة ومكانا للسمر الليلي مع أفراد الأمن والمخابرات السودانية للاتفاق على تفاصيل التقارير التي تزور الخروقات وتنسبها زورا وبهتانا إلى الحركات المسلحة وبالطبع الكل بثمنه وبترتيب مسبق ، سواء كان نقدا أو" سائلا " أو ليلة حمراء !!
هذه هي نبذه مبسطة من سيرة القائد الفاشل (عبد الواحد ) وهذا هو فريق مراقبة الاتحاد الأفريقي في دار فور الذي يضم في عضويته تجار الحروب وجنرالات التقاعد المفسدين والحكام المطرودين من رحمة شعوبهم .
وفى الحلقات القادمة لنا عودة للحديث عن الآتي :
1) تسلسل ومراحل تنصل عبد الواحد من وعود المؤسسية
2) مؤتمر حسكنيتة
3) وفد الوفاق الخماسي وانكشاف المستور
4) "الشهيد" الممول نصر الدين يوسف بين رحلات الانقسام والوحدة
5) البيانات الوهمية وتكرار المادة الكاذبة ،ومواضيع أخرى متنوعة ذات صلة
أبو بكر اسحق هارون[email protected]
الجمعة 2/12/2005 م