تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

شقاوة أولاد بقلم هلال زاهر الساداتي – القاهرة

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
2/12/2005 11:04 م

امدرمانيات
شقاوة أولاد
ما فتئ الحنين يشدنا إلى ماض تولي لطفولة و صبا مترع بألوان من اللذاذات البريئة تقاسمناها مع لدات ورفاق لنا , فيها الحلو كمذاق العسل في طرف اللسان , وفيها الممض كطعم الدواء المر في الفم , وربما يجئ الحنين لدينا عند تباعد العمر والطعن في السن وتعقيدات الحياة , ولكن برغم ذلك تظل تلك الرؤى الماضيات حبيبة إلى النفس وغالية في المهج , ومن هذه الذكريات العذبة ما يسمي بالشقاوة لدي الأطفال والصبية , وليس المقصود من كلمة شقاوة هنا هو الضد للسعادة , ولكن نقصد الأفعال التي تسبب الضيق أو الانزعاج أو الحرج للغير وهو ما نسميه بالعامية (المقالب) , أو قل هي نوع من المزاح الخشن , وكانت هذه المقالب بين الصغار مادة للضحك والانبساط .
ومن هذه المداعبات الخشنة ما كان يحدث في لعب (كورة) الشراب والتي لا تخلو منها حلة أو يشارك فيها معظم غلمان الحي , وكان من رفاقنا في الحلة صبي حباه الله بقدم كالفولاذ ((يشوت)) بها الكرة وما يصدف معها من تراب أو ((حصحاص)) حصا , أو حجر ولا تتأثر قدمه أيما تأثير , ولذلك كنا كلنا نتحاشى أن نصطدم بتلك القدم الفولاذية , ويجدر الذكر أننا كنا نلعب حفاة الأقدام وائتمرنا لأن نضع حداً لتلك القدم أو أن نري مدي صلابتها , وقد كان في ذلك الزمن تجري أعمال حفر وبناء في دار الرياضة بامدرمان والتي كانت داراً للمال في المهدية , وكانوا يستخرجون من الحفر كرات من الحديد تسمي الواحدة (جُلةّ) وكانت تستخدم كمقذوف أو قنبلة للمدافع و أخذنا واحدة منها و أدخلناها في شراب خطناه وصارت تماما كالكورة التي نلعب بها , ثم وضعناها في ((قنطور)) من التراب ودعينا صاحبنا – بدون علمه – (ليشوت) الكرة , وفعل ذلك دون أن يتألم أو تتأذي قدمه ! ولله في خلقه أقدام !.

وكانت العشر دقائق الأخيرة من نهاية لعبة الكورة مكرسة لما يسمي ((قون المغربية أخير من مية )) و ((عشرة دقايق كسر)) وتجد الجميع يتصايحون بذلك , وكان يقصد بالكسر هو اللعب الخشن الذي لا يرقي إلى كسر السيقان . وكان هناك اثنان فقط مختصين في هذا الضرب من اللعب . و أما من كانت سكناهم قريبة من النيل (البحر) من الصبية فجميعهم يتعلمون السباحة منذ صغرهم , فالكل يذهبون إلى البحر للعوم , وكان يتولي الصبية الكبار تعليم الصغار العوم فيأخذ الواحد منهم الصغير بين يديه ويدخل به إلى الماء العميق ثم يتركه أو يقذف به ويتركه يغطس ويعلو فوق الماء وهو يضرب بيديه ورجليه وبعد أن يبتلع قدرا من الماء ويشرف علي الغرق ينتشله ويخرجه , ولقد كانت بداية تعلمنا العوم هكذا ثم صقلناها فيما بعد بالممارسة وتعلم أنواع السباحة المختلفة .
ولم نكن نعرف المايوه أو لباس العوم في ذلك الزمان وكنا نعوم عرايا كما ولدتنا أمهاتنا وكان الواحد يغطي عورته بكفيه من قدام ووراء تاركين ملابسنا علي الشاطئ , وذات مرة كنا جماعة من الصبيان ربما جاوزت العشرة , واندمجنا في العوم والصخب واللعب في الماء ولم ننتبه إلى أحدهم والذي لملم ملابسنا وجري بها إلى الحلة , وخرجنا من الماء عرايا نطارده جارين بكل قوانا لنلحق به , وقبل أن ندركه رمي بالملابس وانطلق في جريه هارباً من أيدينا , وكان الجاني أحد الصبية من الحلة , ولحسن الحظ كانت الحلة قريبة من البحر مما اختصر ((الجرية)) العارية .
وشقاوة أخرى كادت أن تودي بحياة أحد أبناء الحلة لولا أن تداركته عناية الله الذي قيض لوالدة أصدقائنا في المنزل أن تخرج إلى الحوش الخارجي في الوقت المناسب حيث كنا نلعب , وكان بالحوش أشجار عديدة , وكنا نلعب لعبة الكاوبوي والخائن مما كنا نشاهده في السينما من أفلام الكاوبوي , واخترنا أحدنا ليلعب دور الخائن وكان الصبي سمجا ثقيل الدم لا يرتاح إليه الجميع , وقر الرأي علي شنق الخائن , و أحضرنا حبلاً عملنا منه انشوطة للشنق والقينا الحبل فوق غصن شجرة النيم ثم أدخلنا الانشوطة حول رقبة الخائن , وعند هذه اللحظة ظهرت والدة أصدقائنا أصحاب المنزل وصاحت في فزع :( سجمي – البتعملوا فوقه ده شنو . دايرين تكتلوا ود الناس ؟) , واعتذرنا بأننا نلعب فقط ولكنها زجرتنا بشدة وطردتنا من المنزل محذرة لنا من هذا النوع من اللعب .
ومن الشقاوة ما كان يتم من تحضيض واستفزاز أو (تحميس للنيران) بين اثنين متشاجرين بما يعرف (بالمديدة حرقتني) وهذا يتم بأن يتم بعمل شريط بالقدم علي الأرض بين الاثنين , ثم يقف المتشاجران في مقابلة بعضهما خلف الخط وينقسم الأولاد إلى فريقين كل واحد منهما يشجع أحد المتشاجرين ويقف الحكم بينهما حاملا في كفه حفنة من التراب وهو يردد ((المديدة حرقتني)) , ويسرع كل من الولدين إلى (كشح) التراب في وجه الآخر , وهنا يبدأ الشجار وينسحب الحكم , ويبدأ كل فريق في تشجيع صاحبه , إلى أن ينتهي الشجار بهزيمة أحدهما أو استسلامه .

هلال زاهر الساداتي – القاهرة
[email protected]


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved