www.elhanafi.com
1) إن قيادة النقابة تطرح إشكالية كبرى على مصير العمل النقابي. فإما أن تكون هذه النقابة في مستوى جعله قادرا على تكريس مبدئية العمل النقابي، أو مصدرا لكل أشكال التحريف التي تحصل في النقابة على جميع المستويات التنظيمية و البرنامجية و النضالية. فإذا كانت هذه القيادة بيد الطبقة العاملة فإنه ليس لديها ما تخسر، إلا أن تكون مبدئية، و إما أن تكون بيد إحدى القطاعات الخدماتية، فتصير المبدئية في خبر كان.
و حتى لا نجانب الصواب في تحليلنا نقترح مناقشة مفهوم المبدئية و مفهوم الطبقة العاملة، و مفهوم القطاعات الخدماتية. بالإضافة إلى مصير المبدئية في ظل قيادة الطبقة العاملة و مصيرها في ظل قيادة إحدى القطاعات الخدماتية. كما نقترح مناقشة مفهوم التحريف في ظل قيادة الطبقة العاملة، و في ظل إحدى القطاعات الخدماتية. و واقع النقابة في ظل قيادة الطبقة العاملة، و واقعها في ظل إحدى القطاعات الخدماتية. لننتقل إلى مناقشة علاقة الطبقة العاملة بالوعي النقابي المبدئي، و علاقة القطاعات الخدماتية بذلك الوعي، و أيهما أولى بامتلاك الوعي الطبقي الحقيقي ؟ هل هي الطبقة العاملة ؟ هل هي القطاعات الخدماتية ؟
2) فما مفهوم المبدئية بصفة عامة ؟ و ما مفهومها على المستوى النقابي ؟ إن المبدئية في عمق التنظيم، أي تنظيم، تمكن من احترام المبادئ التي يتم الاتفاق عليها، أثناء تأسيس تنظيم معين، سواء كان سياسيا، أو جمعويا أو نقابيا. لأن تلك المبادئ هي التي تحكم مسار ذلك التنظيم، و تحدد هل يكون له فعل معين أم لا ؟ و هل يستطيع المحافظة على نفسه أم لا ؟ فاحترام المبادئ المتفق عليها شرط في قيام المبدئية، و عدم احترامها مدخل لكل أشكال التحريف المادية و المعنوية، و التنظيمية و البرنامجية و النضالية. أما مبدئية العمل النقابي، فلا تعني إلا احترام المبادئ التي يجب أن يقوم عليها العمل الجماهيري بصفة عامة، و العمل النقابي بصفة خاصة. و هذه المبادئ هي التقدمية، و الديمقراطية، و الجماهيرية، و الوحدوية. فاحترام التقدمية يجعل النقابة في مستوى قيادة الشغيلة من جهة، و في مستوى مواجهة الاستغلال من جهة أخرى. و فرض تحسين الأوضاع المادية و المعنوية للشغيلة بعيدا عن كل أشكال التحريف، تعبير عن الإخلاص للشغيلة و طليعتها الطبقة العاملة. و احترام الديمقراطية يقضي بتمكين المنخرطين، و من خلال الإطارات التي يتواجدون فيها، من التعبير عن رأيهم في مختلف القضايا المطروحة على النقابة. و من حقهم الاختيار الحر و النزيه للأجهزة التقريرية و التنفيذية للنقابة. كما تقضي بمساهمة النقابة في النضال الديمقراطي العام. و جعل إطاراتها المختلفة تنخرط في مختلف القضايا النضالية العامة، و احترام الجماهير يقضي بتمكين جميع شرائح الشغيلة من الانخراط في الإطارات النقابية المختلفة و التوجه بالخطاب النقابي إلى تلك الشرائح و العمل على تنظيمها. و احترام الاستقلالية يقضي بعدم تبعية النقابة للسلطة القائمة، و بعدم تبعيتها لأي حزب من الأحزاب السياسية القائمة حتى تكون قادرة على اتخاذ قراراتها، بعيدا عن التوجيه السلطوي أو الحزبي، و احترام الوحدوية يقضي بعمل النقابة على وحدة الشغيلة، و وحدة الملف المطلبي، و وحدة النضالات المطلبية عن طريق مد جسور التنسيق مع النقابات الأخرى بقطع النظر عن كونها مبدئية، أو غير مبدئية ، ما دامت توافق على الدخول في النضال المطلبي، ما دام ذلك يؤثر على مبدئية النقابة.
و لذلك فالمبدئية تعني جعل النقابة تقوم بدورها على جميع المستويات التنظيمية و البرنامجية و المطلبية و النضالية بعيدا عن التأثير بأي جهة من الجهات التي تعمل على حشر انفها في أمر النقابة، و جعلها تنحرف عن مسارها الصحيح.
3) أما مفهوم الطبقة العاملة فلا يعني إلا القوى المنتجة عن طريق تشغيل وسائل الإنتاج المختلفة، و المتنوعة، و في جميع المجالات، و التي تضيف بعملها قيمة جديدة للمواد الأولية التي تتحول إلى بضائع قابلة للاستهلاك. و قد يقول قائل بأن الطبقة العاملة عرفت تحولا، فنقول له بأن التاريخ يتطور، و ما كان مناسبا لمرحلة تاريخية معينة، لم يعد مناسبا لمرحلة تاريخية أخرى. و طبيعة الطبقة العاملة في القرن التاسع عشر، ليست هي طبيعة الطبقة العاملة في القرن العشرين، و ليست هي الطبقة العاملة في نهايته، و ما تعرفه الطبقة العاملة في بداية القرن الواحد و العشرين من تحول على مستوى الكيف في ظل عولمة اقتصاد السوق يختلف عن كل ما سبق. و يؤهل الطبقة العاملة لأن تكون اكثر استعدادا لامتلاك وعيها الطبقي نظرا لكونها أصبحت تمتلك أدوات امتلاك ذلك الوعي. و انسحابها إلى الوراء، و خاصة في الدول الرأسمالية، و الرأسمالية التابعة، ليس إلا ممارسة مرحلية كنتيجة للتضليل الرأسمالي، و الرأسمالي التابع، و نظرا للقمع المادي و المعنوي المسلط على الحركة النقابية و العمالية على السواء. و بسبب تفشي الأصولية الدينية على المستوى العالمي و التي شكلت خطورة غير محسوبة على الحركة النقابية و الحركة العمالية في نفس الوقت و أصبحت تشكل خطورة غير محسوبة العواقب على النظام الرأسمالي نفسه، خاصة و أنه هو الذي وقف وراء ازدهارها عن طريق التمويل و الدعم منذ أن برزت إلى الوجود، بعد أن تحقق إضعاف الحركة العمالية على المستوى العالمي، و على مستوى مختلف الأقطار.
و مع ذلك يبقى مفهوم الطبقة العاملة هو نفسه مفهوم الطبقة العاملة رغم كل التحولات التي عرفتها الطبقة العاملة فهي القوى المحركة لوسائل الإنتاج. و هي تتطور تبعا لتطور تلك الوسائل. فتتنوع حسب تنوعها، و ستبقى هي القوى المحركة للتاريخ، و ستجعل العمل النقابي بدوره يعرف تحولا، و خاصة بعد انفضاح التنازلات التي تقدمها القطاعات الخدماتية ذات البورجوازية الصغرى التي لا تهمها إلا مصلحتها. و لذلك فهي المرشحة لقيادة النقابات في المراحل المقبلة، و ستكون قيادتها رائدة على جميع المستويات التنظيمية، و البرنامجية، و المطلبية، و النضالية، و سيؤهلها ذلك إلى استعادة وعيها الطبقي الذي يؤهلها لبناء حركة عمالية رائدة على مستوى كل قطر على حدة و على المستوى العالمي.
4) و مفهوم الطبقة العاملة الذي سلطنا عليه الأضواء يحملنا على ضرورة التمييز بينه و بين القطاع الخدماتي الذي يحاول البعض أن يلحقه بمفهوم الطبقة العاملة من باب التضليل و الخلط الذي يستهدف الطبقة العاملة نفسها التي يجب أن تفقد قدرتها على امتلاك الوعي الطبقي، و أن تعتبر نفسها مجرد تابع للقطاعات الخدماتية الحاملة لكل أشكال الوعي المقلوب الذي من بين مكوناته الوعي الأصولي الذي يستغل بؤس الطبقة العاملة المترتب عن عمق الاستغلال الذي يتحول إلى مجرد قدر على الطبقة العاملة أن تتقبله كجزء من الإيمان، و مكمل له ، و هو ما يتناقض مع حقيقة الوعي الطبقي الذي يجب أن تمتلكه الطبقة العاملة.
و بناء على ما ذكرنا نجد أن مفهوم القطاع الخدماتي يشمل كل من يقدم خدمات معينة في مجال من المجالات الاجتماعية و الثقافية و المدنية مقابل اجر معين في إطار القطاع العام أو الخاص. و تلك الخدمات المقدمة لا تنتج فائض قيمة، و لا تحتاج إلى مواد أولية، و لا إلى رأسمال ثابت، أو متحرك. و لذلك يكفي أن توجد مؤسسات خدماتية يلجأ إليها الناس لتلقي الخدمات كالتعليم و التطبيب و غيرهما مما يحتاجه المواطنون في كل بلد. و كل ما يمكن أن يقوم به الخدماتيون هو تقديم الخدمات العامة بإخلاص حتى تعرف الحياة سيرا عاديا، و حتى يكون الناس في مستوى ما عليه البشر في البلدان المتقدمة. و يمكن أن نقول إن الخدمات المقدمة للمجتمع يمكن أن تعد الناس إعدادا جيدا للعملية الإنتاجية، أي إعداد أطراف الإنتاج المستقبلية الذين يتمثلون في مالكي وسائل الإنتاج المستبدين بفائض القيمة و في مشغلي تلك الوسائل الذين يكونون اكثر كفاءة، و اكثر تأهيلا ممن سبقهم. و هذا الإعداد الذي قد يكون جيدا، و قد يكون دون المستوى المطلوب. فإن ذلك لا يبرر اعتماد الخدماتيين من الطبقة العاملة، لأنهم ليس لهم علاقة مباشرة مع وسائل الإنتاج. و لذلك فالقطاعات الخدماتية ، هي القطاعات التي لا تنتج فائض القيمة، و لكنها في نفس الوقت تحصل على جزء كبير من ذلك الفائض، لأنها تدخل ضمن أجهزة الدولة، و أجهزة مالكي وسائل الإنتاج المادي و المعنوي. و المساهمة في قمع الطبقة العاملة، و الخادم عادة ما يكون رهن إشارة من يستخدمه، و ينفذ سياسته على ارض الواقع. و لذلك فالقطاعات الخدماتية هي القطاعات المعنية بتنفيذ السياسات التي ترسمها الدولة و خاصة في المجال الاقتصادي الذي له علاقة مباشرة بعملية الإنتاج التي تستهدف الطبقة العاملة اكثر.
و انطلاقا مما رأيناه يمكن القول أن القطاعات الخدماتية هي الأكثر قابلية، و الأكثر قدرة على لعب الدور الحربائي، فتتغير وجوهها حسب المواقف، و تتغير توجهاتها حسب الحاجة. و هذه الصفات التي تطبع مسلكيات أفراد القطاعات الخدماتية لها علاقة بطبائع البورجوازية الصغرى المريضة بالتسلق الطبقي، و وجود الشرائح الخدماتية في النقابات المختلفة، و خاصة منها المركزية لا يعني في العمق إلا توظيف الطبقة العاملة لتحقيق الأهداف البورجوازية الصغرى، و هي بذلك لا تخلص إلا لمصالحها. أما الطبقة العاملة فهي الضحية دائما ما لم تتمكن من قيادة النقابة و العمل النقابي.
5) و قيادة الطبقة العاملة للنقابة في حال امتلاكها للوعي النقابي الصحيح الذي يساعدها على امتلاك وعيها الطبقي الصحيح يكون هو المدخل لتكريس مبدئية النقابة على ارض الواقع. لأن الطبقة العاملة ليس لديها ما تخسر إلا قيودها. فهي المتحكمة في عملية الإنتاج ككل، و هي التي تستطيع، و بواسطة النقابة، أن تتوقف عن الإنتاج متى شاءت. و لذلك فهي التي في مصلحتها أن يكون هناك عمل نقابي صحيح، و أن يكون في مصلحتها ذلك حتى تتحقق وحدتها، و قوتها. و بناء على هذه المصلحة، فالنقابة بقيادة الطبقة العاملة لا تكون إلا مبدئية لحرصها على الديمقراطية و التقدمية و الجماهيرية و الاستقلالية و الوحدوية حتى تضمن قوة النقابة، و ارتباط الشغيلة بها. لأن تلك القوة و ذلك الارتباط هو وحده القادر على تحريك النقابة، و تحريك الشغيلة لبناء برنامج نضالي صحيح، و اتخاذ مواقف نضالية صحيحة تجذب تعاطف الجماهير، و تأييد التنظيمات الجماهيرية، و الحزبية للنقابة، و لنضالات الشغيلة. فيترتب عن ذلك كله ازدياد قوة النقابة، و تماسك الشغيلة، و ارتفاع معنويات الكادحين، و ازدياد الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية و السياسية. نظرا لشيوع الأمل في نفوس الجماهير الشعبية الكادحة، و تراجع ممارسة الاستلاب في الواقع الاقتصادي، و الاجتماعي، و الثقافي و السياسي كنتيجة لمبدئية النقابة بقيادة الطبقة العاملة بعيدا عن تطلعات البورجوازية الصغرى، و مناوراتها الخسيسة المنحطة التي تزداد شراسة مع تزايد تأثير عولمة اقتصاد السوق على واقع الطبقة العاملة، و مبدئية النقابة بقيادة الطبقة العاملة، ستبقى وسيلة للكشف عن طبيعة البورجوازية الصغرى، و عن مناوراتها و عن استعدادها لتوظيف النقابة لمصلحتها الخاصة، و ممارستها لخيانة الطبقة العاملة و التنكر لها في ممارستها اليومية. لأن المبدئية لا تعرف شيئا آخر غير تعرية و فضح الممارسات التحريفية المختلفة التي تنتجها البورجوازية الصغرى بقيادتها للنقابة، و للعمل النقابي. فهل تتمكن الطبقة العاملة من قيادة النقابة حتى تفرض تكريس مبدئيتها ؟
6) و على خلاف الطبقة العاملة التي لا يشترط في إخلاصها في الحفاظ على مبدئية النقابة و العمل النقابي إلا امتلاكها للوعي النقابي الصحيح، فإن القطاعات الخدماتية يصعب أن تمتلك الوعي النقابي الصحيح نظرا لطبيعتها الحربائية، و بمسلكيتها البورجوازية الصغرى، و لبعدها عن ممارسة الإنتاج، و عن عدم استعدادها لامتلاك الوعي الطبقي الحقيقي الذي يقودها إلى الارتباط العضوي بالطبقة العاملة، و لكن هذا لا يعني أن كل القطاعات الخدماتية لا تملك وعيها النقابي الصحيح الذي يقودها إلى امتلاك الوعي الطبقي الصحيح. فهناك من الشرائح الخدماتية من يحسم مع جميع الممارسات البورجوازية الصغرى التي تحول دون امتلاك الوعي النقابي الصحيح، فتنخرط بسبب ذلك الحسم في بناء عمل نقابي صحيح، و إيجاد نقابة مبدئية، و العمل على حماية تلك المبدئية ماديا و معنويا، و استحضار مصلحة الطبقة العاملة بالدرجة الأولى باعتبارها مصلحة جميع الشرائح الاجتماعية الأخرى، و التصدي لكل أشكال التحريف البيروقراطي، و الحزبوي، و الحزبي، و جعل النقابة مجالا للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين. و هناك من الشرائح الخدماتية من ليس مستعدا للتخلص من الأمراض البورجوازية الصغرى، و هو ما يقتضي رسم خطة نضالية مطلبية تساعد على عملية الفرز من الشرائح الخدماتية التي تنسجم مع الممارسات البورجوازية الصغرى لصالح الحفاظ على مبدئية النقابة و العمل النقابي، و بين الشرائح التي تعتبر الممارسات البورجوازية الصغرى جزءا من بنياتها حتى يعمل الجميع على تخليص النقابة من بين مخالبها عن طريق الفضح و التعرية، و اكتشاف كل أشكال التردي التي تجر النقابة إليها، و العمل على استعادة النقابة و العمل النقابي إلى احترام المبدئية التي هي المدخل للارتباط العضوي بالطبقة العاملة، و النضال من اجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية. و في حالة تخلص الشرائح الخدماتية من الممارسة البورجوازية الصغرى، فإن تلك الشرائح تصير على المستوى النظري جزءا من الطبقة العاملة، و ستصير حريصة مثلها على مبدئية النقابة. و ستخلص في ممارستها للعمل النقابي، و سيساهم ذلك بشكل كبير في تحقيق وحدة الشغيلة الذي هو الهدف الأسمى لمبدئية العمل النقابي و لامتلاك الوعي النقابي الصحيح، و امتلاك الأمل في إيجاد وعي طبقي صحيح بين كل شرائح الشغيلة الغارقة في همومها اليومية التي تبعدها عن التفكير في المطالبة بحقوقها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.
7) و تحريف النقابة مع قيادة الطبقة العاملة يعتبر أمرا مستبعدا مادامت الطبقة العاملة تملك وعيها النقابي الصحيح على الأقل. و لأن التحريف معناه تسرب الممارسة البورجوازية الصغرى إلى صفوف الطبقة العاملة، و إلى قيادتها بالخصوص، و خاصة في شروط تفتقد فيها الطبقة العاملة إمكانية امتلاكها لفكرها المعبر عن مصلحتها الطبقية، و أيديولوجيتها الموحدة لصفوفها. و اكثر من هذا، فإن الطبقة العاملة في ظل الشروط القائمة أصبحت محتضنة للفكر الخرافي الغيبي الظلامي بسبب سيادة الفكر الأصولي في صفوفها الذي يعتبر اكثر تخلفا حتى من الفكر البورجوازي الصغير، الذي لم يعد واردا في صفوف الطبقة العاملة في العديد من المواقع، بل حتى في صفوف البورجوازية الصغرى الخدماتية و غيرها التي أصبحت اكثر ترويجا للفكر الأصولي الظلامي. و لذلك فتحريف النقابة عن مبدئيتها، لا يمكن أن يتم إلا إذا فقدت القيادة العمالية وعيها النقابي الصحيح، و أصبحت حاملة للوعي الزائف. أما إذا حملت الوعي النقابي الصحيح، فإنها تمتنع عن ممارسة كل أشكال التحريف، و تتصدى لها في صفوف مناضلي النقابة، و في صفوف المنخرطين، و في صفوف الشغيلة. و إذا كان لابد من جعل الطبقة العاملة حصينة منيعة ضد كل أشكال التحريف مهما كان مصدرها، فلابد من العمل على جعلها تمتلك الوعي النقابي الصحيح، و الوعي النقابي الحقيقي. و هذه المهمة لا يمكن أن تقوم بها إلا الحركة التقدمية المخلصة لفكر الطبقة العاملة. و المثقفون الثوريون الذين لم يعودوا يلعبون ذلك الدور بسبب غياب الوسائل التثقيفية التي أصبحت محتكرة من قبل التوجهات الأصولية، و البورجوازية و البورجوازية الصغرى، بل منهم من انسحب إلى الخلف إن لم يرتد ليروج للفكر الظلامي، أو إن لم يتم اغتياله و التخلص منه كما حصل مع عدد من المفكرين. و بالنسبة للحركة التقدمية و لفكر الطبقة العاملة، فإنها لم تعد تمتلك الوسائل الإعلامية الضرورية لذلك بسبب الحصار المادي و المعنوي الذي تعاني منه. و تبقى الوسيلة الوحيدة هي علاقة المناضلين التقدميين بالطبقة العاملة و بالنقابة التي تنتظم فيها، و هي علاقة غير كافية لجعل الطبقة العاملة تمتلك وعيها النقابي الحقيقي، و وعيها الطبقي.
8) أما تحريف النقابة في ظل قيادة قطاع خدماتي معين، فإن الأصل في أي قطاع خدماتي أن يمارس تحريف العمل النقابي وتحريف النقابة بكافة الأشكال البيروقراطية، و الحزبوية و الحزبية، و جعل النقابة مجالا للعمل على الإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين. و لكن هذا لا يعني أن القطاعات الخدماتية مرشحة باستمرار لانتاج الممارسة التحريفية، بل إنها مستعدة أيضا لاحتضان الوعي النقابي الصحيح، و للتشبع بفكر الطبقة العاملة، و امتلاك وعيها الطبقي، و التخلي و بصفة نهائية عن الأمراض الأيديولوجية للبورجوازية الصغرى، و النضال إلى جانبها، و العمل على توعيتها بمصلحتها الطبقية. و بالتالي، فإن القطاعات الخدماتية عندما تكون كذلك لا يمكن أن تكون إلا ممسكة عن إنتاج التحريف النقابي، و محتضنة للوعي النقابي الصحيح، و حريصة على أن تكون النقابة بعيدة عن كل أشكال التحريف، و على جميع المستويات التنظيمية، و في جميع القطاعات، و في خدمة الشغيلة و طليعتها الطبقة العاملة، و على جميع المستويات التنظيمية و البرنامجية و المطلبية و النضالية، من اجل تحقيق مطالبها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و القطاعات الخدماتية عندما تفعل ذلك تكون قد أدركت فعلا أن مصلحتها مع الطبقة العاملة، و مع العمل النقابي الصحيح. و لكنها و بسبب انتماء معظمها إلى الشرائح المتعلمة، فإن استهلاكها للمقروء باستمرار يجعلها مشوشة، و غير مدركة لخلفيات كثير مما يحدث في هذا العالم، و على جميع المستويات، فإنها تبقى مرشحة للارتداد. و حتى لا يحصل في صفوف قياداتها ذلك الارتداد، فإن على الحركة التقدمية، و على التقدميين مد هذه القطاعات باستمرار بما يخدم تعميق وعيها الطبقي، لأن ذلك الوعي هو الذي يكسبها حصانة ضد كل أشكال الارتداد التي تقود إلى إنتاج كل أشكال التحريف في القطاعات الكونفيدرالية على المستوى المركزي، و على جميع المستويات المحلية و الإقليمية و الجهوية و الوطنية. فتعميق الوعي الطبقي باستمرار يعتبر هو الرهان الذي يحصن قطاعات الشغيلة ضد كل أشكال التحريف النقابي. و عمل كهذا اصبح غير وارد عند الكونفيدراليين، و إذا ورد فبشكل باهت كما أنه لم يعد واردا عند العديد من التقدميين لانبهارهم بحالة الارتداد التي صارت تعم كل القطاعات الاجتماعية. أما الأحزاب التقدمية، فقد تحول عند معظمها التاكتيك إلى استراتيجية. و هو ما يعني أنها هي نفسها تنتج التحريف السياسي اللامبدئي الذي يقود بالضرورة إلى إنتاج التحريف النقابي اللامبدئي. و لذلك يمكن القول أن القطاعات هي ضحية الارتداد العام الذي يعم الجميع.
9) و واقع النقابة في ظل قيادة الطبقة العاملة، و بسبب مبدئيتها، لا يمكن أن يكون إلا مبدئيا، تحترم في إطاره التقدمية، و الديمقراطية، و الجماهيرية و الاستقلالية و الوحدوية. و في إطار هذا الاحترام الذي يصير سائد بين النقابيين، تعمل القيادة على اجرأة القوانين التنظيمية فتعقد المؤتمرات المركزية و القطاعية في وقتها. و تصل الأجهزة الوطنية و الجهوية و الإقليمية و المحلية على عقد المجالس التقريرية في وقتها المحدد. و تعمل بالإضافة إلى ذلك على تنفيذ المهام الموكولة إليها حتى يتم تفعيل البرامج، و القرارات و المواقف، لأن كل ذلك يخلق حركة نقابية رائدة. و يجعل النقابة تتغلغل في أوساط الشغيلة، و خاصة منها القطاعات الإنتاجية التي تطمئن إلى قيادتها، و تعمل على تقوية مواقفها, و تسعى إلى جعل تلك القيادة حاضرة في الممارسة اليومية للنقابيين، الأمر الذي يساعد على جعل الشغيلة تلتف حول النقابة، و تعتبرها قاعدة لنضالاتها. و تسعى إلى تنفيذ قراراتها على أرض الواقع حتى تتحسن أوضاعها المادية و المعنوية، و هو أمر يرفع مستوى الشغيلة إلى مستوى الشعور بتحقيق وحدتها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و هذه الوحدة هي المدخل لامتلاك الوعي الطبقي الذي هو الضمانة الضرورية لقيام وعي نقابي صحيح، يعتبر بدوره شرطا للمحافظة على مبدئية النقابة. و بذلك ندرك أن القيادة العمالية للنقابة تصير وسيلة لجعل النقابة تلعب دورها في تقوية الشغيلة في تنمية قدراتها المادية و المعنوية، و في جعل هذه القدرات فاعلة و متفاعلة مع الواقع. و مساهمة في جعل الشرائح الاجتماعية الأخرى تلتف حول الشغيلة، و تدعم نضالاتها، ما لم تتخل القيادة العمالية للنقابة عن مبدئيتها لتأثرها بأمراض البورجوازية الصغرى، فإذا حصل ذلك فإن النقابة تعرف واقعا آخر، و تتحول إلى مجرد إطار لانتاج البيروقراطية. أو جعل النقابة تابعة لحزب معين، أو منظمة حزبية، أو مجالا للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين. و القيادة النقابية العمالية عندما تنتج التحريف، فإنها بذلك تسعى إلى تحقيق تطلعات أفرادها، و هو ما يجعلها تنفصل عن طبقتها، و تصبح جزءا لا يتجزأ من البورجوازية الصغرى. فما العمل من اجل تحصين القيادة العمالية ضد إنتاج الممارسات التحريفية ؟ هناك الكثير من الآليات التي يمكن اللجوء إليها لتحصين الطبقة العاملة بصفة عامة و تحصين القيادة العمالية للنقابة بصفة خاصة ضد إنتاج التحريف النقابي. و من هذه الآليات نذكر ممارسة النقد و النقد الذاتي، و المحاسبة الفردية و الجماعية و احترام القوانين و الأنظمة الداخلية بالإضافة إلى تفعيل القرارات التنظيمية، و البرنامجية، و النضالية و التكوينية حتى تجد القيادة النقابية نفسها بعيدة عن كل أشكال التحريف، و بانية لاطارات نقابية تنبذ كل أشكال التحريف، و على جميع المستويات التنظيمية، و البرنامجية، و النضالية و التكوينية وصولا إلى ممارسة نقابية رائدة، تؤهل الشغيلة و طليعتها الطبقة العاملة إلى امتلاك الوعي الطبقي الحقيقي الذي لا يمكن إلا أن يستنتج العلاقة الجدلية بين العمل النقابي و العمل السياسي التي تعني الممارسات التحريفية المؤدية إلى تبعية النقابة لحزب معين، أو جعلها منظمة حزبية، و مجالا للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين حتى تكون العلاقة بين العمل النقابي و العمل السياسي صمام أمان للنقابة و العمل النقابي على جميع المستويات القطاعية و المركزية.
10) أما واقع النقابة في ظل القطاع الخدماتي، فإنه يختلف عن واقعها في ظل قيادة الطبقة العاملة. فالقطاع الخدماتي ذو طبيعة بورجوازية صغرى، يكون مستعدا لانتاج كل أشكال التحريف المادي و المعنوي، و على جميع المستويات التنظيمية، و البرنامجية، و المطلبية، و النضالية. و لذلك نجد أن النقابة و العمل النقابي يعرفان ترديا بسبب تحولها إلى عمل تابع لحزب معين أو لعمل حزبي، أو وسيلة للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين، أو وسيلة لتكريس و فرض الممارسة البيروقراطية على النقابيين، و على الشغيلة. و بناء على ما رأينا فإن واقع النقابة يصير متخلفا، بعيدا عن الممارسة المبدئية. فيفتقد النقابيون تقدمية النقابة، الأمر الذي يحولها إلي منظمة رجعية تفسح المجال أمام شيوع الفكر الرجعي المتخلف، و أمام تسرب الرجعيين إلى صفوفها، كما يفتقدون كونها ديمقراطية. فتتحول بذلك إلي منظمة بيروقراطية، أو تابعة لحزب معين أو حزبية، أو مجالا للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين، و هو ما يترتب عنه تهميش قضايا الشغيلة والانشغال بقضايا أخرى، لا تهم إلا القيادة البيروقراطية أو التابعة لحزب معين، أو الحزبية، أو التي تعد و تستعد لتأسيس حزب معين. و هو ما يتناقض مع النقابة المبدئية ومع العمل النقابي المبدئي، و يقود إلى تغييب الوعي النقابي الصحيح ليحل محله الوعي النقابي الزائف الذي يتسبب في النزيف النقابي الذي لا يعني إلا انحسار النقابة، التنظيمي و البرنامجي و المطلبي و النضالي، و قلة المنخرطين مع حجم الشغيلة، و محدودية المناطق التي تتواجد فيها النقابة بالمقارنة مع انتشار تواجد الشغيلة، و عدم تعاطي الشغيلة مع ما يصدر عن النقابة نظرا لفقدان الثقة فيها و عدم قدرة النقابة على امتلاك إشعاع جماهيري واسع، و عجزها عن جعل الشغيلة تمتلك وعيها الطبقي. فالقيادة الخدماتية للنقابة ، إذن هي قيادة لا يمكن أن تنتج إلا التحريف ما لم تتخل عن الأمراض البورجوازية الصغرى، و التشبع بالوعي النقابي الصحيح. لأن القطاعات الخدماتية، كما هي مستعدة لاحتضان الممارسة البورجوازية الصغرى، فهي أيضا و في شروط معينة مستعدة كذلك لامتلاك الوعي النقابي الصحيح الذي يتناقض مع الممارسة البورجوازية الصغرى.
فما العمل من اجل أن تصير القيادة الخدماتية مالكة للوعي النقابي الصحيح، و تتخلى عن الممارسة البورجوازية الصغرى الناتجة عن احتضان الأمراض البورجوازية الصغرى ؟
إنه يظهر من خلال الممارسة اليومية للقيادة النقابية أن لها علاقة بالممارسة اليومية للقواعد النقابية، التي يفترض فيها أنها تملك وعيها النقابي الصحيح ، و تسعى إلى قيام عمل نقابي صحيح. فإذا كانت هذه القواعد النقابية مالكة للوعي النقابي الصحيح، فإنها تستطيع أن تفرض احترام مبدئية العمل النقابي، و أن تفرض على القيادة تقدمية النقابة و ديمقراطيتها و جماهيريتها و استقلاليتها و وحدويتها، و أن توظف لأجل ذلك اعتماد المحاسبة الفردية و الجماعية و النقد و النقد الذاتي، و غير ذلك مما يساعد على تقويم القيادة، كفرض احترام اجرأة النظام الداخلي، من اجل عقد المؤتمرات في وقتها لإيجاد قيادة بديلة و مبدئية، سواء كانت تنتمي إلى الطبقة العاملة أو إلى إحدى القطاعات الخدماتية. و في حالة حصول ذلك فإن القيادة الخدماتية المبدئية ستعمل على إنجاز مهامها الموكولة إليها فتحافظ على مبدئية النقابة، و تفعيل برامجها، و ملفها المطلبي و قراراتها النضالية. ليتحول بذلك واقع النقابة إلى إطار مستقطب و محتضن للشغيلة، و مناضل من اجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و هو واقع إيجابي يرمي إلى امتلاك الشغيلة لوعيها الطبقي الحقيقي المنتج للربط الجدلي بين العمل النقابي و العمل السياسي كما رأينا ذلك في الفقرات السابقة. فهل تتخلى القيادة الخدماتية عن ممارسة البورجوازية الصغرى ؟ و هل تعيد النظر في ممارستها ؟ و هل تنخرط في بناء عمل نقابي صحيح ؟ و هل تحول واقع النقابة إلى خدمة مصالح الشغيلة المادية و المعنوية ؟ وهل تلعب القواعد النقابية دورا معينا في اتجاه استعادة النقابة لمبدئيتها ؟ و هل تعمل على محاربة الممارسات التحريفية ؟
11) فأي أفق للنقابة في ظل قيادة الطبقة العاملة ؟ إن الحديث عن أفق النقابة عادة ما يكون رهينا بطبيعة القيادة نفسها التي قد تكون مبدئية و قد لا تكون كذلك. و الطبقة العاملة عندما تمتلك الوعي النقابي الصحيح، لا يمكن أن تكون إلا مبدئية، و بالتالي، فإن النقابة في ظل الطبقة العاملة، و نظرا لطبيعة المبدئية التي تكتسبها الطبقة العاملة من طبيعة عملها، ستعرف دينامية تنظيمية قائمة على أساس اجرأة الأنظمة الداخلية للنقابة المركزية و للقطاعات المنظمة في إطارها. و اجرأة البرامج المركزية القطاعية، و طرح الملفات المطلبية، و تنفيذ القرارات النضالية، و هذه الدينامية هي التي تجعل النقابة حاضرة في فكر و في ممارسة النقابيين اليومية، و حاضرة في وجدان الشغيلة لدورها في العمل على تحسين أوضاعها المادية و المعنوية، و في وجدان الجماهير الشعبية بصفة عامة. و هو ما يوحي بأن النقابة ستكون المحرك اليومي للشغيلة، و المحفز اليومي لها، من اجل الارتباط بالنقابة، و الانخراط فيها، و العمل على تنفيذ برامجها، و نضالاتها المطلبية. كما تصير عاملا من عوامل امتلاك أشكال الوعي المتطور، و على رأسه الوعي الطبقي الذي يؤكد على ريادة الطبقة العاملة و طليعتها حتى تلعب دورها التاريخي في تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية التي تسري على جميع أفراد المجتمع، و على سائر الطبقات التي من مصلحتها تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية. أما الطبقات المستفيدة من الاستغلال فإنها ترغم على القبول بالأمر الواقع، و تتنازل عن جزء مهم من استغلالها، إن لم تتنازل عنه –مرغمة- بصفة نهائية. و في حالة تخلي القيادة النقابية للطبقة العاملة عن مبدئيتها بسبب عدم امتلاك القيادة العمالية لوعيها النقابي الصحيح، فإن أفق النقابة سيعرف مسارا مخالفا لما رأينا. و سيعرف التنظيم جمودا، و ستهمل البرامج النقابية، و ستهمل الملفات المطلبية. و ستتخلى النقابة عن إنتاج المواقف النضالية الرائدة وستتوقف عن دعوة الشغيلة إلى خوض النضالات المطلبية. و بالتالي فإن الشغيلة ستحرم من تحسين أوضاعها المادية و المعنوية. فما العمل من اجل جعل أفق النقابة في ظل قيادة الطبقة العاملة يخدم مصالح الشغيلة المادية و المعنوية ؟
إن الأداء الجيد للنقابة في المستقبل يجب أن يستحضر بالدرجة الأولى المحافظة على الأداء النقابي المبدئي. و توظيف آليات تفعيل الأنظمة الداخلية و البرامج المركزية و القطاعية، و الملفات المطلبية، و المواقف النضالية، و خوض النضالات، واستحضار ضرورة إخضاع مجمل الممارسة النقابية للمحاسبة الفردية و الجماعية، و النقد و النقد الذاتي في مختلف المستويات التنظيمية التنفيذية و التقريرية، حتى لا تتحول النقابة إلى مجرد إطار تابع لحزب معين، أو منظمة حزبية، أو مجالا للإعداد والاستعداد لتأسيس حزب معين أو مجرد أجهزة بيروقراطية. و بذلك يصير الأفق النقابي محميا من التحريف، و متوجها نحو خدمة مصالح الشغيلة، و أساسا لقيام وعي نقابي مستديم يقود بالضرورة إلى قيام وعي طبقي حقيقي ليتحقق بذلك الربط الجدلي بين النضال النقابي و النضال السياسي الذي سيسعى إلى رفع وتيرة الأداء النقابي في الاتجاه الصحيح، و يخلق زخما سياسيا على ارض الواقع.
12) و أي أفق للنقابة و العمل النقابي في ظل قيام قيادة القطاع الخدماتي ؟ فعلى عكس قيادة الطبقة العاملة، فقيادة القطاع الخدماتي يفترض فيها أن تكون تحريفية، نظرا للطبيعة البورجوازية الصغرى للقطاعات الخدماتية. و لذلك نجد أن أفق النقابة يكون مفتوحا على إنتاج الممارسات التحريفية، فتنحو النقابة في اتجاه سيادة الممارسة البيروقراطية، و الأجهزة النقابية، أو فرض تبعية النقابة لحزب معين، أو جعلها مجرد تنظيم حزبي أو التعامل معها على أساس أنها مجال للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين. و كنتيجة لذلك، فالبرامج النقابية يصوغها الجهاز البيروقراطي لتحقيق الأهداف التي يسعى إليها، أو يراعي في صياغتها التوجيهات الحزبية حتى تسعى النقابة إلى خدمة الأهداف الحزبية و تتحول إلى مجرد برامج حزبية، أو مساعدة على الإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين. و نفس الشيء يمكن قوله فيما يخص الملفات المطلبية، و القرارات النضالية، و هو ما يعني أن أفق النقابة في ظل القطاع الخدماتي. هو أفق تحريفي يفرغ النقابة من محتواها النقابي، و يخلق نزيفا في صفوف منخرطيها. و يجعل الشغيلة تبتعد عنها حتى تبقى خالصة سائغة للبيروقراطيين، أو التابعين لحزب معين أو للحزبيين، أو للذين يعدون النقابة و يستعدون لتأسس حزب معين. و لكن هذا لا يعني أن قيادة القطاع الخدماتي يكون منحرفا أو مستعدا للانحراف باستمرار. بل إن هذه القيادة قد تكون ممتلكة للوعي النقابي الصحيح. و بالتالي فإن أفق النقابة و العمل النقابي سيعرف المسار الصحيح فتكون النقابة مبدئية تحرص على إنتاج الممارسة التقدمية، و الديمقراطية، و الجماهيرية، و الاستقلالية و الوحدوية و تعمل على اجرأة الأنظمة الداخلية المركزية و القطاعية، و مساهمة النقابيين في بناء البرامج النقابية المركزية و القطاعية، و في إيجاد الملفات المطلبية، و اتخاذ القرارات النضالية، و العمل على تحسين الأوضاع المادية و المعنوية للشغيلة. و لجعل الوعي النقابي الصحيح حاضرا في فكر و وجدان، و ممارسة قيادة القطاع الخدماتي للنقابة، لابد من الحرص على مبدئية النقابة حتى تكون ضد كل أشكال التحريف التنظيمي و البرنامجي و المطلبي و النضالي. بالإضافة إلى توظيف النقد و النقد الذاتي لمحاصرة الممارسات التحريفية التي يقوم بها الأفراد أو تقوم بها الأجهزة، و القيام بالمحاسبة الفردية و الجماعية لمحاصرة الجمود النقابي الذي قد يطال الأفراد، و قد تدخل فيه الأجهزة المحلية و الإقليمية و الجهوية و الوطنية، المركزية و القطاعية. و بذلك تصير القيادة الخدماتية للنقابة في خدمة النقابة و العمل النقابي كما حصل في مرحلة معينة من تاريخ الك.د.ش. بعد التأسيس سنة 1978 مباشرة، فهل يمكن أن توجد قيادة خدماتية في مستوى القيادة النقابية الخدماتية ، بعد المؤتمر التأسيسي مباشرة ؟
إننا نطمح إلى أن تكون القيادة الخدماتية مبدئية، كما نطمح إلى أن تكون قيادة الطبقة العاملة للنقابة بعيدة عن التأثر بالممارسات التحريفية، لأنه بالمبدئية و بالحرص عليها يكون مستقبل النقابة، و العمل النقابي في مستوى طموحات الشغيلة، و سائر الجماهير الشعبية الكادحة، و من اجل التحرير و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، باعتبارها أهدافا أساسية للحركة التقدمية التي تعتبر النقابة جزءا لا يتجزأ منها.
13) فما علاقة الطبقة العاملة بالوعي النقابي المبدئي ؟ إن الطبقة العاملة تحتل في علاقات الإنتاج القائمة في المجتمعات الرأسمالية التابعة، و في المجتمعات الرأسمالية التابعة، و في المجتمعات الرأسمالية موقعا متقدما في عملية الإنتاج الرأسمالي، لعلاقتها المباشرة بوسائل الإنتاج، و هي الطبقة التي تنتج فائض القيمة، و لا تأخذ منه إلا جزءا يسيرا بالمقارنة مع ما يتبقى لمالكي وسائل الإنتاج. و هي تدرك جيدا بشاعة الاستغلال الممارسة عليها، و في جميع الأوقات. و لذلك، فهي المؤهلة تاريخيا لامتلاك الوعي النقابي الصحيح لعلاقتها الموضوعية، و الشديدة بمجال العلاقة مع وسائل الإنتاج التي لا يمكن أن تكون إلا مبدئية، لأن المبدئية إذا لم تحضر هناك يفقد العامل قيمته، و تتعرض وسائل الإنتاج للخراب. فعبر العلاقة مع وسائل الإنتاج تنتقل المبدئية إلى اقتناع، و إلى مسلكية الشغيلة. و لذلك، فهي عندما ترتبط بمؤسسة اجتماعية معينة لا تكون إلا مبدئية، و عندما تقودها لا تكون إلا مبدئية. و لذلك فعلاقة الطبقة العاملة بالوعي النقابي المبدئي هي علاقة عضوية، ما لم تتدخل عوامل أخرى تؤثر على تلك العضوية، و تجعل الوعي مقلوبا في أذهان و سلوك الطبقة العاملة التي تنحرف عن مبدئيتها، و تشرع في إنتاج الممارسات التحريفية.و من العوامل التي تساعد على عدم انسجام الطبقة العاملة مع نفسها نجد :
أ- الأصول الزراعية للطبقة العاملة التي تجعلها لا تحسم مع الفكر الخرافي و الإقطاعي، فتصير بذلك قابلة لاستهلاك كافة أشكال الفكر الغيبي الذي يزخر به المجتمع، و خاصة الفكر الظلامي. و هو ما يجعل الطبقة العاملة لا تنسجم مع نفسها، و لا تحتضن وعيها النقابي الصحيح، و يحول دون امتلاكها للوعي الطبقي. و اكثر من هذا، فإن الفكر الغيبي- الظلامي، يقود الطبقة العاملة إلى معاداة نفسها من خلال معاداتها لفكر الطبقة العاملة.
ب- تفاعل الطبقة العاملة مع الفكر البورجوازي الصغير الذي يقلب وعيها، و يجعلها حاملة لأمراض البورجوازية الصغرى، مما جعلها مهتمة بتطلعاتها، و سعيها بكل الوسائل إلى الالتحاق بالبورجوازية. و لذلك نجد أنها في هذه الحالة لا تختلف عن البورجوازية الصغرى، في امتلاكها للوعي النقابي التحريفي الذي يقودها إلى ممارسة كل أشكال التحريف التي تمارسها البورجوازية الصغرى أثناء ممارستها للقيادة البيروقراطية.
ج- القمع المسلط على الطبقة العاملة من قبل مالكي وسائل الإنتاج، الأمر الذي يولد عندها الخوف، و يجعلها عاجزة عن امتلاك الوعي النقابي الصحيح، و يحول بينها و بين امتلاك الوعي الطبقي الحقيقي، لأن الغاية من القمع في حد ذاتها هي خلق شروط الاستلاب المادي و المعنوي الذي يصرف الطبقة العاملة عن الوعي المعبر عن إدراكها لمصلحتها الطبقية حتى تكون قابلة لكافة أشكال الاستغلال الممارس عليها.
د- قابليتها لاختراق الفكر الأصولي/ الظلامي الذي يعمل على تجييشها ضد نفسها، و ضد كل أشكال التنوير. و تجعلها تتحول إلى وسيلة، و أداة بيد أمراء الأصولية لتحويل المجتمع إلى جيش من الظلاميين الذين يوظفون للقيام بأمور ضد الإنسانية. و قابلية الطبقة العاملة للاختراق الأصولي ناتج عن الانتماء القروي لأفراد الطبقة العاملة الذين لم يحسموا بعد مع المجتمع الزراعي. و طبيعة النظام التعليمي الذي يمد المتعلمين بالعناصر الأولية التي تعدهم لاحتضان الفكر الأصولي. و الوضعية الاقتصادية للطبقة العاملة التي تفرض خضوعها باستمرار لإرادة المستغلين حتى تستمر في العمل.
ه- وجود هذا الجيش العرمرم من العاطلين الذين يعملون باستمرار على قيام الخضوع المطلق للمستغلين خوفا من انتقال العطالة إلى صفوف العمال، خاصة إذا علمنا أن العاطلين هم في معظمهم من أبناء الشغيلة الذين لا يملكون القدرة على تأهيل أبنائهم تأهيلا يستجيب لحاجيات السوق الرأسمالية.
و هذه العوامل التي ذكرنا بالإضافة إلى عوامل أخرى لم نذكرها، هي التي تؤثر في مسار الطبقة العاملة التي تتحول إلى طبقة غير قابلة لاحتضان الوعي النقابي الصحيح.
فما العمل لتحصين الطبقة العاملة ضد الاختراق المتعدد الأوجه ؟
إن تحصين الطبقة العاملة يقتضي وجود إعلام متميز، يعمل على بث كل أشكال الوعي المتطور، و في مقدمته الوعي التقدمي الذي يعمل على تشريح كل أشكال الوعي الزائف و نقدها و نقضها، تلك الأشكال التي تنخر كيان الطبقة العاملة. و وجود تعليم متميز يعمل على نشر كل أشكال التنوير التي تساعد الجميع على الرؤية الواضحة للأشياء. بالإضافة إلى وجود ثقافة متنورة تأخذ على عاتقها جعل أفراد المجتمع يمتلكون قيم التطور و التقدم و الانفتاح على أمال المستقبل. و لا شك أن ما ذكرنا من آليات سيشمل مجمل أفراد الطبقة العاملة التي ستسترجع قدرتها على امتلاك الوعي النقابي الصحيح بعد التخلص من مختلف المؤثرات السالبة لذلك الوعي.
14) أما علاقة القطاع الخدماتي بالوعي النقابي الصحيح، فإنها تختلف عن علاقة الطبقة العاملة بذلك الوعي، لأن القطاع الخدماتي لا يرتبط بمجال مبدئي. ذلك أن المجال الخدماتي هو مجال قابل لممارسة كافة الأشكال التحريفية التي من جملتها قابلية التوظيف النقابي من اجل تحقيق التطلعات البورجوازية الصغرى التي تلازم غالبا الخدماتيين، و تؤهلهم لخوض غمار التبرجز عن طريق القيام بأمور لا علاقة لها بالمبدئية في الحياة. و لذلك نجد أن القطاع الخدماتي، و نظرا للوعي المقلوب الذي يحمله، يصير مستعدا لجعل النقابة و العمل النقابي في خدمة تحقيق تلك التطلعات البورجوازية، فيلجأ إلى إنتاج الممارسة البيروقراطية التي تمكنه من أحكام القبضة على الأجهزة النقابية. و بسط نفوذه على سائر شرائح الشغيلة التي عليها أن تخضع لارادته أو تلجأ إلى جعل النقابة تابعة لحزب معين يمكن أفراد القطاع الخدماتي من الوصول إلى المؤسسات المحلية و الوطنية باعتبارها وسيلة للتبرجز السريع، أو تحويل النقابة إلى مجرد منظمة تتحول إلى مناسبة لاختراق الحزب لمختلف القطاعات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية حتى يوظفها لوصول الحزبيين إلى مختلف المؤسسات المنتخبة باعتبارها مجالا لتحقيق البرنامج الحزبي، أو لتحقيق التطلعات البورجوازية للحزبيين. فتصير بذلك النقابة مجرد معبر للوصول الى الجماهير، و من خلالها إلى المؤسسات. و قد يلجأ القطاع الخدماتي إلى جعل النقابة مجرد إطار للإعداد و الاستعداد لتأسيس حزب معين يلجأ بدوره إلى استغلال النقابة من اجل الوصول إلى المؤسسات المنتخبة.
فما العمل من اجل تخليص القطاع الخدماتي من الأوهام البورجوازية الصغرى ؟
إن تخليص القطاع الخدماتي من تلك الأوهام يقتضي قيام الحركة التقدمية بدورها في فضح و تشريح و تعرية كل الممارسات التحريفية مهما كان مصدرها، و ما تتسبب فيه من كوارث تلحق الطبقة العاملة، و سائر شرائح الشغيلة حتى يستيقظ القطاع الخدماتي من غفوته، و يستعيد وعيه بخطورة ما قد يمارس من تحريف في حق الطبقة العاملة و سائر شرائح الشغيلة، و في إطار النقابة، و بواسطة العمل النقابي. و بالتالي، فإن القطاع الخدماتي سيجد نفسه مضطرا لاحتضان الوعي النقابي الصحيح الذي يؤهل القطاع الخدماتي إلى الحرص على مبدئية النقابة و العمل النقابي حتى تصير العلاقة بين القطاع الخدماتي و الوعي النقابي الصحيح علاقة عضوية كنتيجة للتخلص من أوهام البورجوازية الصغرى حتى تصير النقابة في خدمة الشغيلة، و من اجل تحسين أوضاعها المادية و المعنوية.
15) و هنا نصل إلى طرح السؤال : هل القطاع الخدماتي هو الأولى بامتلاك الوعي الطبقي الحقيقي؟ و هل الطبقة العاملة هي الأولى بامتلاك ذلك الوعي ؟
قد يعتبر البعض أن طرح هذا السؤال غير مشروع، انطلاقا من أن الجميع يعمل، ومن حقه أن يمتلك الوعي الطبقي الحقيقي، و البعض الآخر قد يعتبره مشروعا نظرا للفروق الجوهرية القائمة بين الطبقة العاملة، و القطاعات الخدماتية والمتجسدة في علاقات الإنتاج القائمة في واقع المجتمع، و موقع الطبقة العاملة، و القطاعات الخدماتية في إطار تلك العلاقات.
و نحن عندما نطرح هذا السؤال لا نريد أن نبخس الطبقة العاملة حقها. كما أننا لا نريد أن نبخس القطاعات الخدماتية حقها كما قلنا في الفقرات السابقة. فإن علاقة الطبقة العاملة بوسائل الإنتاج تجعل منها طبقة مبدئية. و أن التحريف الذي يلحق صفوفها ليس من طبيعتها، إنه دخيل عليها من خارجها. نظرا لأشكال التضليل الممارسة عليها، و التي رأينا أنها لا تزول إلا بتوفير شروط معينة تعمل على تحصين الطبقة العاملة، ضد كل أشكال التحريف النقابي، و في حالة تخلصها من الأمراض البورجوازية الصغرى و تطهير صفوفها من الفكر الخرافي، ستكون هي الأولى بامتلاك الوعي الطبقي، لأن الطبقة العاملة هي التي تنتج فائض القيمة، و هي التي تعرف أن ما تأخذه لا يتناسب مع ما تنتجه، و تعرف أين يذهب ذلك الفرق، و دوره في ازدياد أهمية المراكز الرأسمالية، و التراكم الرأسمالي لدى الطبقة البورجوازية المالكة لوسائل الإنتاج. إلا أنها و بسبب وضعها المعرفي، لابد لها من قناة تمرر وعيها إليها. و هذه القناة هي المثقف الثوري الذي يحمل فكر الطبقة العاملة، و ينتجه في نفس الوقت، و بكل الوسائل المادية و المعنوية على جعل الطبقة العاملة تمتلك وعيها الطبقي حتى تستعيد إنسانيتها التي تفقدها بسبب استلابها المادي و المعنوي. و المثقف الثوري ذو طبيعة بورجوازية صغرى إلا انه تخلص من تلك الطبيعة، و لم يعد يرغب فيها, و احتضن فكر الطبقة العاملة، و صار منها، و إلى جانبها، و ينتج الفكر الذي يوجهها لتحقيق وحدتها الأيديولوجية، و التنظيمية و السياسية، و العمل على تحقيق التحالف مع سائر الكادحين الذين يجب أن ينتقل إليهم الوعي الطبقي الحقيقي عبر نفس القناة التي لازال الرهان عليها قائما، و خاصة في هذه المرحلة التي صارت فيها عولمة اقتصاد السوق مجتاحة لكل القيم الإيجابية في المجتمع، و خاصة تلك التي تعمل على تحقيق وحدة الطبقة العاملة فيما بينها، و وحدتها مع سائر الكادحين حتى يحصل تفتت في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المحلي من اجل إتاحة الفرصة أمام إعادة صياغة الواقع بكل تجلياته بما يخدم مصلحة اقتصاد السوق باعتباره آلية من آليات الرأسمالية الهمجية التي تأتي على الأخضر و اليابس لصالح الرأسمالية العالمية التي انتظمت في الشركات العابرة للقارات، و التي تبتلع كل شيء و تقضي على المستقبل الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي للشعوب المقهورة لصالح تحويل كل شيء، و كل مكان، و كل الشعوب إلى مجال لخدمة تلك الشركات، و هذا ما يجعلنا نستحضر، و في هذه الظروف أهمية استعادة دور امتلاك الطبقة العاملة لوعيها الطبقي الذي يفسح المجال أمامها للقيام بأمور أخرى.
أما القطاعات الخدماتية، فامتلاكها للوعي الطبقي الحقيقي ليس نتيجة لطبيعتها، و لعلاقتها بوسائل الإنتاج، أو لموقعها الطبقي في إطار التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية القائمة، بل يأتي نتيجة لتخلصها من الأوهام البورجوازية الصغرى التي تناسب طبيعة القطاعات الخدماتية. و بالتالي فإنها تصير بذلك مستعدة لامتلاك الوعي الطبقي الحقيقي، لأنه من مصلحتها أن ترتبط بالطبقة العاملة، ارتباطا يشترط فيه امتلاك ذلك الوعي و الانخراط في النضال السياسي من خلال إطارات الطبقة العاملة السياسية. و لجعل القطاعات الخدماتية تتخلص من الأوهام البورجوازية الصغرى، لابد من أن تلعب الحركة التقدمية دورها في الترويج للفكر الحامل للوعي الطبقي الحقيقي، و تشريح الأوهام الأيديولوجية للبورجوازية الصغرى، و ممارسات البورجوازيين الصغار الأيديولوجية و التنظيمية و السياسية حتى يتبين الخدماتيون صحة امتلاكهم للوعي الطبقي الحقيقي، و زيف الأوهام البورجوازية الصغرى، و على جميع المستويات بما فيها وصول هذه البورجوازية إلى السلطة.
و بذلك نتبين أن القطاع العمالي هو الأولى بامتلاك الوعي الطبقي الحقيقي، ما لم يحصل ما يجعل الطبقة العاملة غير قادرة على امتلاك ذلك الوعي الطبقي، نظرا لموقعها من وسائل الإنتاج، بينما نجد أن القطاعات الخدماتية لا يمكنها أن تمتلك ذلك الوعي إلا بتخلصها من الأوهام البورجوازية الصغرى. لنصل إلى أن من مصلحتها أن ترتبط عضويا بالطبقة العاملة باعتبارها حليفا طبيعيا لها، تساهم معها في بناء الأدوات المختلفة التي تنظم الشغيلة وسائر الكادحين من اجل انخراط الجميع في النضال من اجل تحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية في إطار تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية.
16) و بهذه الخطوات في هذه المعالجة الهادئة نصل إلى أن مبدئية النقابة تربطها علاقة جدلية بطبيعة الطبقة العاملة، و بطبيعة القطاعات الخدماتية. و قد وقفنا على هذه العلاقة بعد توضيح مفهوم المبدئية، ومفهوم الطبقة العاملة، و مفهوم القطاع الخدماتي. ومعالجتنا لمبدئية النقابة في ظل قيادة الطبقة العاملة للنقابة التي وجدنا أنها لا تكون إلا مبدئية ما لم تتأثر القيادة العمالية بأمور أخرى، و مبدئيتها في ظل قيادة القطاع الخدماتي التي وقفنا على أنها تجنح إلى التحريف ما لم تتخلص القيادة الخدماتية من أوهام أيديولوجية البورجوازية الصغرى، و امتلاكها للوعي النقابي الصحيح. كما عالجنا تحريف النقابة في ظل قيادة الطبقة العاملة ، و في ظل قيادة القطاع الخدماتي، و ما هي آفاق النقابة في ظل قيادة الطبقة العاملة، و في ظل قيادة القطاع الخدماتي، و علاقة الطبقة العاملة بالوعي النقابي المبدئي الذي وجدنا أنه هو الأصل في طبيعة الطبقة العاملة، و أن تحريف ذلك الوعي مسألة عارضة في تلك الطبيعة، و علاقة القطاع الخدماتي بالوعي النقابي المبدئي التي لا تكون صحيحة إلا بالتخلص، و بصفة نهائية من أوهام البورجوازية الصغرى، و من مختلف الممارسات التي لها علاقة بتلك الأوهام. و حاولنا أن نجيب على السؤال : أيهما الأولى بامتلاك الوعي الطبقي الحقيقي ؟ هل هي الطبقة العاملة ؟ هل هو القطاع الخدماتي ؟ لنصل إلى خلاصة أن العمل النقابي المبدئي شرط قيام النقابة المبدئية التي لا تكون قيادتها إلا مبدئية سواء كانت تلك القيادة عمالية أو خدماتية. و أن دعم تلك القيادة المبدئية و حمايتها و المحافظة عليها هي مهمة الحركة التقدمية التي يجب أن تعمل على بث الوعي الطبقي الحقيقي في المجتمع الذي يعتبر شرطا لقيام عمل نقابي مبدئي على ارض الواقع حتى تطمئن الشغيلة على مستقبلها، و على إمكانية تحسين أوضاعها المادية و المعنوية اعتمادا على نضالاتها المطلبية التي تقودها النقابة المبدئية.
محمد الحنفي
المغرب ابن جرير : أبريل- يوليوز 2004