عندما خاطب الرئيس عمر البشير الحضور فى مراسم تشييع الفقيد الدكتور جون قرنق شد على يد خليفة قرنق الفريق سلفا كير ورفعها في اشارة الى الوحدة , وقال امام عشرات الاف المشاركين في تشييع قرنق " نقول لسلفا كير اننا سنضع يدنا في يديه لتطبيق اتفاق السلام حرفا حرفا وهذه شهادتنا امامكم وهذه شهادتنا لكل أهل السودان ولكل محبي السودان ولكل محبي السلام في السودان ولكل افريقيا والعالم " , بهذا تكون هذه الشهادة بمثابة اداء قسم امام العالم اجمع وبشهادة الذين حضروا المراسم وكذلك الملايين الذين شاهدوه عبر شاشات التلفزة , الامر الذى يجعل المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية امام تحديات تتمثل فى العمل الجاد من اجل مواصلة عملية السلام وتنفيذ بنود الاتفاقية حرفاً حرفاً كما ذكر سيادة الرئيس .
تتحدث العديد من الاقلام الصحفية فى هذه الايام عن السيد سلفاكير النائب الاول لرئيس الجمهورية وتخوض هذه الاقلام فى شخصية الرجل وتاريخه وخبرته , فمنهم من نعته بالغموض ومنهم من قال انه عسكرى اكثر من انه سياسى ومنهم من وصفه بالمتعاون مع الجماعة فى اتخاذ القرارات وانه يعمل بمبدأ التشاور والجماعية عكس ما وصف به بعض الكتاب سلفه , الا اننى فى هذا المقال اركز على التحديات التى ستواجه سلفاكير , فكونه عسكرياً او خلافه لن يؤثر على مسيرته السياسية والقيادية فى رئاسة الجمهورية وقيادة الحركة فالرئيس البشير الذى اصبح الآن من السياسيين المحنكين لم يأتى من جهة سياسية فقد جاء من الغابة الى القصر الجمهورى مثله مثل سلفاكير الآن . اذاً ماهى التحديات التى ستواجه سلفاكير وكيف يمكن التغلب عليها وماذا سيستفيد السودان من ذلك ؟ .
هناك ستة اعمدة رئيسية لابد لسلفاكير ان يعمل على دراستها وتثبيت علاقته بها اولها المؤتمر الوطنى , فلابد ان تتوحد الرؤى والاهداف من اجل الاستقرار داخل مؤسسة الرئاسة والمؤسسات التشريعية والتنفيذية فى الدولة , وبدون تفاهم وتناقم بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية لن يفلح سلفاكير فى مهمته , لكن , وحسب المراقبين , فان سلفاكير يوصف بانه يتسم بالعمل الجماعى وذلك مؤشر حسن لان الحركة الشعبية بها من القيادات السياسية المقتدرة والمحنكة واصحاب النظرات الثاقبة , الامر الذى يجعلنا نطمئن لمستقبل العلاقة بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية كصمام امان للاستقرار والسلام فى الوطن , وقد كان اول امتحان لهذه العلاقة ماصاحب الاحداث الاخيرة وكيفية معاملة الاطراف لهذا الامتحان خاصة قيادات الحركة الشعبية الموجودة فى الخرطوم .
الامر الثانى والمهم بالنسبة لسلفاكير والحكومة على السواء هو امر التنظيمات والحركات السياسية والعسكرية الجنوبية فلا بد للسيد سلفاكير ان يتعامل بحكمة ولا بد للحكومة ان تعينه فى فى ذلك خاصة بالنسبة للحركات التى لها علاقات طيبة معها وبحمد الله بعد رحيل الدكتور قرنق اظهرت هذه القيادات الجنوبية حرصها على العمل مع سلفاكير والحكومة من اجل مصلحة البلاد ومن اجل السلام مما يستدعى الحكومة والحركة الشعبية مواصلة استثمار هذه الاجواء من اجل لم الشمل والتعاون .
الامر الثالث بالنسبة لسلفاكير والحكومة معاً ايضاً هو امر التنظيمات والاحزاب السياسية " الشمالية تحديداً " فعلى طرفى الحكومة بقدر الامكان العمل على استقطاب هذه التنظيمات من اجل استقرار وحدة السودان حتى ولو كلفهما ذلك كثيراُ لان الاستقرار مرهون بتعاون كافة القوى السياسية مع الحكومة .
الامر الرابع هو عن سياسة سلفاكير او الحركة الشعبية تجاه المشاكل فى دارفور وشرق السودان فان الحركة ممثلة فى سلفاكير تعتبر الآن جزء من رئاسة الدولة لذلك عليها العمل من اجل الوصول الى حل لمشاكل الوطن كافة وعدم النظر الى هذه المشاكل وكأنها لا تعنيها , لذلك تأتى هنا اهمية استثمار علاقات الحركة بالحركات فى دارفور والشرق من اجل تسهيل وتواصل عمليات التفاوض .
اما الامر الخامس فتاتى اهميته فى كونه يمثل القاعدة العريضة للسيد سلفاكير , فهم الجنوبيون , بفئاتهم الثلاثة , جنوبيو الشمال الذين يقيمون بالعاصمة والولايات الشمالية , وجنوبيو الجنوب وهم الذين ينتشرون فى الغابات والاحراش ومدن الجنوب المختلفة , وجنوبيو الخارج وهم الذين يقيمون خارج الوطن , فجنوبيو الجنوب ينتظرون من الحكومة والحركة ان توفر لهم سبل الحياة الآمنة , وجنوبيو الشمال ينتظرون من الحكومة والحركة ان توفر لهم سبل الحياة المستقرة والافضل وجنوبيو الخارج لهم افكار وتطلعات اكبر ينتظرون توفيرها لهم كذلك ,, اذن الامر صعب لكنه سهل فى نفس الوقت اذا تضافرت الجهود بين الحركة والمؤتمر الوطنى فى العمل على حل هذه المشاكل بالتعاون مع المجتمع الدولى .
الامر الاخير والاهم هو كيفية التعامل مع الاعلام , فمهمة سلفاكير ستكون صعبة جداً فى ظل اعلام يمتلئ بالافكار والآراء التى لاترحم , خاصة الاعلام الالكترونى الذى لاتحكمه قوانين او اخلاق او لوائح او قيود , واصبح للاسف الشديد مرتعاً خصباً للذين ينادون للعنصرية والحقد والتشتت والحرب . لذلك لا بد من وجود جهاز اعلامى قوى يعكس رأى الحكومة وعملها داخلياً وخارجياً , يملك الحقائق للجماهير فى الوقت المناسب وبالكيفية المناسبة وبالادوات المناسبة , فالذى حدث بعيد رحيل الدكتور قرنق لم يكن سوى الاخفاق الاعلامى الذى صاحب الحدث .
لابد من الحكومة الجديدة العمل اولاً وبوجه السرعة على تمليك المواطن الجنوبى قوته قبل ان يتخذ قراره بشأن الوحدة او الانفصال , وقد قيل أن من لايملك قوته لايملك قراره , وهنا لابد من تفعيل دور منظمات المجتمع المدنى الوطنية لتتمكن من اثبات وجودها بين المواطنين امام هذا السيل العرم من المنظمات العالمية ذات الاجندة الخفية .
اخيراً نأمل فى ان يواجه السيد سلفاكير هذه التحديات بشيئ من الحكمة والتعاون سواء كان مع المؤتمر الوطنى او مع رفقائه فى الحركة الشعبية او حتى مع الجهات السياسية الاخرى و التى ابدت استعدادها للعمل من اجل استقرار السودان , ونحسب ذلك ممكناً خاصة وان الرجل قد ابدى فى تصريحات متعددة انه مصمم على استكمال المشوار الذى بدأه قائده جون قرنق لصالح كل السودانيين , وقد ذكر ذلك امام التواجد الدولى الكثيف ابان تشييع جنازة الدكتور قرنق وقد تناقلته ايضاً التلفزيونات العالمية للملايين فى ارجاء العالم .
بالنسبة للمؤتمر الوطنى اذا استطاع ان ينجح فى التعاون مع سلفاكير فان ذلك سيسهل ثلاثة امور مستعصية اولها داخليا , ولما للحركة من علاقات مع الحركات المسلحة فى الغرب والشرق وتشابه فى الرؤى فان ذلك من شأنه ان يساعد فى عملية المفاوضات وبالتالى الوصول الى اتفاق مع هذ الحركات تنعم بموجبه البلاد بالسلام والاستقرار فى كل مناطقها , الامر الثانى فيما يتعلق بالجانب الاقليمى وبالتحديد فى شرق ووسط افريقيا وبصفة خاصة دولتى يوغندا واريتريا , فالحركة لها علاقات مع هذه الدول التى لها بعض الخلافات سواء كان سابقا او حالياً مع الحكومة فاذا تمكن سلفاكير من الاستفادة من علاقات الحركة السابقة بهذه الدول فى تطبيع علاقاتها مع الحكومة من اجل الاستقرار فى المنطقة , سيكون سلفاكير بهذا قد قدم انجازاً يصب فى مصلحة الدولة والاقليم باكمله . الامر الثالث فهو الاثر العالمى فى دخول سلفاكير للحكومة وخاصة دول الغرب التى تعول كثيراً على الحركة الشعبية نسبة لما لهذه الدول من محاذير وآراء حول ايدلوجيات الحكومة , فبدخول الحركة على الاقل يطمئن هذه الدول بان هناك راياً آخر سيكون داخل منطقة اتخاذ القرار وينعكس هذا ايضاً على المنظمات الدولية والمانحين وحتى الجهات الاستثمارية فى مختلف انحاء العالم .
اخيراً الاستقرار والسلام والتنمية فى ربوع الوطن يتطلب من كافة الاطراف المرونة والتساهل والتمسك بشعرة معاوية .
صلاح الدين حمزة الحسن
لاهاى/هولندا