تحليلات اخبارية من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

لماذا قتلوا قرنق؟ :جيش الرب الأوغندي دبر المؤامرة بمشاركة المتمردين بقلم مصطفى بكري

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/8/2005 11:08 ص

لم يكد السودان يلملم جراحه.. ويسعي جاهدا للتعافي من الحروب التي أهلكت الحرث والنسل في ربوعه.. وما أن بدت نسمات 'الصبح' ترسم أشعتها فوق أقاليمه المتناحرة.. لتبعث الحياة عند أطرافه.. وتمنح قلبه وميضا من الأمل.. بعد أن دلف نحو المستقبل

بخطوات صاغتها جلسات شاقة.. لحوارات ومفاوضات امتدت لأشهر طوال.. أثمرت اتفاقا أطل علي الدنيا في لحظة فريدة.. ونادرة... حينذاك.. وفيما كان عرس السودان يشق طريقه وسط موكب الحياة.. ليتجاوز كبوة الحروب التي أغرقته في مستنقع الموت والهلاك.. جاء الحدث الجلل 'مصرع جون قرنق' قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان.. والشريك الأول في اتفاق السلام.. والذي غادر لتوه 'ساحة المحاربين' بعد 22 عاما قضاها في الأدغال.. وميادين الموت.. وليتقلد لفترة لم تتجاوز العشرين يوما منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في السودان. جاءت الضربة موجعة.. ومؤلمة.. إذ راحت رائحة الموت الأسود تشتعل في سماء الخرطوم، وجوبا، وغيرهما من مدن السودان التي عاشت في ساحة حرب حقيقية.. راحت تضرب بغضب ملامح الاستقرار التي أطلت برأسها لأسابيع معدودة.. ليس أكثر. حادث سقوط غامض لطائرة الرئاسة الأوغندية.. أطاح بها في منطقة وعرة.. ونائية.. في رحلة العودة من زيارة 'خاصة' لم تïعرف أبعادها.. ولا دلالاتها.. فقد تاهت الدلالات.. وتناثرت الأبعاد مع بقايا حطام الطائرة الذي استأصل 'قرنق' من المشهد السوداني برمته.. بعد أن ظل لاثنين وعشرين عاما يتصدر مشهده المتقدم.. ويقف في الصدارة منه. وما بين حادث السقوط.. وغموض المهمة.. ولغز القتل راحت أسئلة ساخنة تتفجر في الساحة الملتهبة.. لتلقي برياحها العاصفة علي اتفاق السلام الذي لم يزل يحبو في أرض قاحلة.. تأبي الانخراط في 'ينبوع' الحياة بعد أن حاصرها 'حزام' الموت من كل اتجاه. 'الأسبوع' عايشت الحدث.. وبحثت في الزوايا المنسية.. والأبعاد الخفية.. ونقبت في دلالات ما حدث.. وما أحاطه من شبهات.. لتنقل إلي القارئ تفاصيل مثيرة تحمل العديد من الإجابات الحاسمة عن أسئلة لاتزال مدوية.. وعاصفة. 'الأسبوع' في الثامن من شهر يوليو من العام الجاري حطت طائرة في مطار الخرطوم كانت تقل زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان 'جون قرنق' ومعه عدد من قادة الحركة، وفي اليوم التالي كان هناك مرسوم يصدره الرئيس السوداني عمر البشير بتعيين قرنق نائبا أول للرئيس وفقا لما نص عليه اتفاق 'نيفاشا' الموقع بين الطرفين في يناير من العام الحالي. وبعد أقل من ثلاثة أسابيع كان قرنق يستقل طائرة خاصة في مهمة غامضة لم يïعلم بها أحدا من أركان الحكم في السودان، وفي يوم الأحد الماضي 31 يوليو كان الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني يجري اتصالا بالرئيس السوداني عمر البشير يبلغه فيه أن قرنق كان في زيارة خاصة إلي أوغندا، وأنه استقل طائرة الرئاسة الأوغنذية الخاصة متجها إلي 'نيوسايت' في جنوب السودان منذ مساء السبت 30/7 إلا أن الطائرة اختفت في الأجواء وانقطعت صلتها بالمطار نهائيا. أبدي الرئيس البشير دهشته إلا أنه راح يتساءل حول أسباب الاختفاء، والمنطقة التي قطعت فيها الاتصالات مع الطائرة، وتوقعات الرئيس الأوغندي حول ذلك. لم تكن هناك إجابة محددة حول أسباب الحادث سوي الافتراض التقليدي، أن الطائرة ربما تكون قد اصطدمت بسلسلة جبال 'الأماتونج' في جنوب السودان، خاصة أنها حاولت الهبوط علي مسافة قريبة من منطقة 'نيوسايت' في جنوب السودان ولم تستطع الهبوط، فغادرت مرة أخري واتجهت نحو الجنوب الغربي. كان علي متن الطائرة 6 من مرافقي جون قرنق وسبعة من أفراد طاقم الطائرة الخاصة بالرئيس الأوغندي والذي هو زميل دراسة وصديق شخصي لجون قرنق مضت الساعات ثقيلة للغاية، بيانات وتصريحات تنطلق، محاولات لالصاق التهمة بالحكومة السودانية، وأخري تترقب وتنتظر، واشنطن تضع يدها علي الزناد، والحركات المناوئة في دارفور راحت تطلق التصريحات المعادية، بينما جلس 'سلفاكير' نائب رئيس حكومة جنوب السودان ينتظر اللحظة التي كان يتوقعها بعد رحيل قرنق. ثمة تساؤلات تطرح نفسها في الشارع خصوصا بعد أعمال العنف التي بدأت في الخرطوم وانتقلت إلي جوبا وبعض المناطق الأخري، هل جاء رحيل قرنق قضاء وقدرا، أم أنه عمل تآمري مدبر كما قال متحدث باسم الرئيس الأوغندي؟ أم أنه طلقات طائشة اطلقت علي طائرة لا أحد يعرف من بداخلها؟! لقد أثار خبر رحيل النائب الأول للرئيس السوداني العديد من التكهنات علي الساحة السودانية وخارجها، فهناك العديد من القيادات الجنوبية التي تري أن الوفاة لم تكن طبيعية، وأنها ربما كانت مؤامرة تشارك فيها أطراف متعددة، ولذلك طالب هؤلاء بضرورة فتح تحقيق دولي في أسباب سقوط طائرة قرنق لمعرفة الأسباب الحقيقية لعملية السقوط. كان 'سلفا كير' نائب رئيس حكومة الجنوب يبدو مترددا في تصريحاته بين القبول بأن الحادث قضاء وقدر، وبين أن هناك جريمة جنائية تقف وراءه.. ويعد 'سلفا كير' واحدا من أبرز المتشددين في الحركة الشعبية لتحرير السودان وهو رجل عسكري محض، قبل اتفاق السلام بين قرنق والحكومة علي مضض، وهو من مؤيدي انفصال الجنوب السوداني عن شماله. ومعروف عن 'سلفا كير' أنه كان من أصحاب العلاقات القوية 'بإسرائيل' وأن القادة العسكريين الإسرائيليين هم الذين قدموه للولايات المتحدة، وأن اتصالاته بالإسرائيليين كانت تتم في أغلبها من خلف ظهر جون قرنق الذي أكد له أكثر من مرة أنه لا يعترض علي اتصالاته بالإسرائيليين والأمريكيين إلا أن ذلك يجب ألا يتم من خلف ظهره. وكان لدي 'كير' طموح عسكري كبير، وكان يري أن جيش جنوب السودان في إمكانه أن يكتسح العاصمة السودانية الخرطوم، وأن دولة السودان كلها يمكن أن تصطبغ بصبغة الجنوب، وأن قرنق تصرف بسياسة غير ماهرة من أجل تحقيق السلام مع البشير، وأن الجنوبيين إذا ما أصروا علي موقفهم فإن البشير كان سيسقط لا محالة حتي بدون تدخل الجنوبيين ضده لأن المجتمع الدولي كله يضغط عليه. وقبيل أن يسافر إلي أوغندا كان الصراع قد بلغ أوجه بين قرنق وسلفا كير، الأمر الذي تمخض عنه صدور قرار من قرنق باعفائه من منصبه العسكري كنائب لرئيس الحركة الشعبية وأبقاه فقط في منصب نائب رئيس حكومة الجنوب قبل وفاته في الحادث بيومين، كما جرت إقالة حكومة الجنوب وكافة القادة العسكريين لحركة التمرد. وكان قرنق قد اعتقل 'سلفا كير' في وقت سابق وسجنه لعدة سنوات بتهمة الاعداد لانقلاب ضده، إلا أنه أصدر أمرا بالعفو عنه في إطار المصالحة مع كافة القوي داخل حركة التمرد في الجنوب ولحاجته إليه ، خاصة أن 'سلفا كير' ينتمي إلي قبيلة الدينكا فرع بحر الغزال وهو الفرع المسيطر علي قبيلة الدينكا الجنوبية، بينما ينتمي قرنق إلي الفرع الأقل عددا من القبيلة ذاتها. وكان هناك صراع من نوع آخر بين جون قرنق و'جيش الرب' الأوغندي الذي يقوده القس 'جوزيف كوني'، وهذا الجيش يتبني خيار الدعوة لقيام دولة دينية ترتكز علي الوصايا العشر ويطالب بتحرير أوغندا ممن أسماهم 'بالكفار'. وكان هذا الجيش يعمل من داخل الأراضي السودانية الجنوبية التي تسيطر عليها حركة قرنق بمساندة سابقة من الحكومة السودانية نكاية في موقف اوغندا المؤيد للحركة الشعبية، وكان قرنق يريد تصفية هذا الجيش إما بطرده باتجاه أوغندا وإما بإجباره علي توقيع اتفاق سلام مع الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني لإنهاء القلاقل التي أثارها هذا الجيش لنظام الحكم هناك. وقد رفض قادة 'جيش الرب للمقاومة' كافة العروض التي تقدم بها قرنق فاضطر قرنق إلي اصدار تصريح صحفي في 25 يوليو الماضي قال فيه: 'إن من أولويات المرحلة وبرنامج حكومة الوحدة الوطنية المقبلة اخراج قوات متمردي جيش الرب المسيحي الأوغندي من منطقة شرق الاستوائية في جنوب السودان'. وقد رأي قادة 'جيش الرب' أن هذا الموقف يمثل تحديا من الحركة الشعبية لتحرير السودان لوجودهم وينذر بخطر شديد عليهم فرفضوا الاستسلام لذلك، بل قرروا منذ شهور عديدة ضرورة تصفية قرنق وإنهاء حياته، إلا أن جيش الرب كان من الصعب أن يقدم علي تنفيذ هذا القرار دون أن يحصل علي مؤازرة ومساندة العديد من القيادات العسكرية الجنوبية خاصة تلك المختلفة مع قرنق.. وكانت هذه القيادات الجنوبية تري أن جيش الرب يمثل قوة عسكرية كبيرة يمكن الاستفادة منها إذا ما تطورت المعارك مع قوات الحكومة السودانية وهو يمثل إضافة كبري لقوي التمرد في الجنوب السوداني. أما جون قرنق فقد كان يري بصفته السياسة أهمية التعامل مع الموقف في الشمال بالفكر السياسي وليس بالفكر العسكري خاصة بعد أن جري توقيع اتفاقية 'نيفاشا' والاتفاق علي ادماج أعداد كبري من جيش الجنوب في الجيش السوداني، في حين أن 'سلفا كير' والعديد من القيادات الجنوبية كانوا يرون أهمية الاستمرار بسيطرة الفكر العسكري حتي لا تؤخذ الحركة الشعبية علي غرة. كان الجدل الدائر حادا ومتصاعدا حول هذه المفاهيم بين قرنق و'سلفا كير' والعديد من القيادات الجنوبية حول خطة الحركة في الفترة القادمة، مما أدي إلي وجود خلافات عميقة في داخل الوعاء التنظيمي للحركة إلي الحد الذي أكد معه البعض أن اتفاق السلام لن يصمد طويلا وأن قرنق يرتكز علي قشة في اتفاق السلام مع الحكومة السودانية، ولذلك فإن الدور الأكبر لقرنق في المرحلة القادمة تحدد في اتخاذ قرارات جريئة وعنيفة قد تفضي إلي استبعاد عدد من القيادات الجنوبية بشكل تدريجي وبما يحقق الحفاظ علي توازن الحركة واستمرار القادة المخلصين لقرنق. وعلي الرغم من أن قرنق اعتمد علي هذه القيادات في الشهور الأخيرة إلا أنه لم يستطع القضاء علي مشاكل حقيقية بينهم تمثلت في صراع داخلي حول المناصب التي يمكن أن يحصلوا عليها عقب أداء قرنق لليمين الدستورية بتعيينه نائبا أول لرئيس الجمهورية. وقد واجه قرنق الشهر الأخير ثلاثة أنواع من الخصوم الذين شكلوا تهديدا لسلطاته وهم: سلفا كير العسكري المتطرف الذي يسعي إلي انفصال الجنوب. قيادات الحركة الذين يرفضون تسييسها والابقاء علي طابعها العسكري. أصدقاؤه والمقربون منه والذين كانوا يتصارعون للحصول علي مناصب وزارية في داخل الدولة. وعلي الرغم من أن هؤلاء يشكلون حزمة واحدة لكونهم أعضاء في الحركة الشعبية لتحرير السودان، إلا أن هناك فريقا آخر كان يريد التخلص من قرنق وهم قيادات وقوي التمرد الجنوبية الأخري المناوئة للحركة الشعبية، وهؤلاء دخلوا في صراعات معلنة ومستمرة واستهدفوا قادتها، حتي أن حدة هذا الصراع في الفترة الأخيرة جعلت العديد من زعماء الحركة يطالبون قرنق بالتخلي عن رئاسة حكومة الجنوب، وكذلك التخلي عن موقع قائد عام الحركة والاكتفاء فقط بمنصب نائب رئيس الجمهورية، إلا أن قرنق رفض هذا الاقتراح وأصر علي التمسك بجميع المناصب. وفي الوقت الذي لم ينجح فيه قرنق في تعبئة حركته نحو السلام مع الحكومة السودانية بالقدر الذي يضمن استقرار هذا السلام وعجزه عن اتخاذ قرارات نهائية في استبعاد بعض القيادات الرئيسية، أو إنهاء معركته ضد بعض الفصائل الجنوبية المعارضة لتوجهاته، كان قرنق قد ذهب إلي الشمال من أجل وضع السلام في إطاره النهائي إلا ان البشير وعلي عثمان طه نائبه كانا يريان أن قرنق يعاني صعوبات عديدة في الجنوب وانهما كانا يريان فتح الطريق لقيادات جنوبية اخري بعيدا عن الحركة لاحتلال مواقع هامة في الحكومة السودانية لتقوية اتفاق السلام إلا ان قرنق كان يرفض ذلك ويري أنه الرئيس الاوحد والشخص الاقوي في الجنوب كله وان كل معارضيه هم قليلو الاهمية وليس لهم تأثير علي قوة اتفاق السلام وصموده. كان من الواضح ان قرنق يرتب للعديد من الأمور والمسائل في الجنوب تتعلق بمستقبل قيادات الحركة من جانب والفصائل المعارضة للحركة من جانب آخر، وكانت لديه رؤية بأن جيش الرب الاوغندي قد يمثل محورآ مهما في الفترة المقبلة للتأثير علي قراراته في الجنوب، ولذلك فإنه سوف يسعي إلي الخلاص منه للتأكيد علي قوته وقدرته علي ان يكون صاحب لقرار الوحيد في الجنوب. جاء قرنق الي الخرطوم مستعرضا قوته، فبدأ باحتلال مكتب نائب الرئيس علي عثمان محمد طه، وعندما احتج طه طالبه البشير بتجاوز هذا الموقف الذي اراد منه قرنق ان يثبت انه الاقوي. وقد أراد قرنق تأكيدا لهذه القوة ان يتحرك في الساحة السودانية ويعقد الاتفاقات ويتصرف في الأمور وحيدا، فقرر ان يسافر إلي اوغندا وأن يوقع اتفاقا مع الرئيس موسيفيني دون ان يخطر البشير، وكان الاتفاق يقضي بأن يقوم قرنق بتسليم جيش الرب الاوغندي المعارض الي موسيفيني من خلال طرده من جنوب السودان، في مقابل ان يكون هناك تحالف غير معلن بين موسيفيني وقرنق، بمقتضاه تعتبر اوغندا قرنق حليفا استراتيجيا اول تسانده بكل ما تملك في مواجهة آية محاولة يقوم بها البشير لتهميشه او الحد من اختصاصاته. وكان قرنق قد عبر عن خشيته من ان يتحالف البشير مع مصر ضده، بما يفضي إلي انهاء وضع الجنوب تماما، ولذلك قرر موسيفيني دعمه بكل يملك شريطة انهاء وضع جيش الرب الاوغندي في جنوب السودان. لقد ادرك قرنق منذ البداية ان البشير ونائبه علما بأمر زيارته الي اوغندا، وانها بالتأكيد ستكون مجال تحفظ لأنها تمت دون اذن مسبق، الا انه اراد ان يؤكد لهما انه لايزال الرجل القوي وانه يتحرك بصفته رئيسا لحكومة جنوب السودان 'المستقلة'. ولذلك عندما اتصل موسيفيني بالبشير ليبلغه ان قرنق كان في زيارة خاصة لبلاده وانه غادرها مساء السبت وفقد الاتصال به وعلي السودانيين ان يبحثوا عنه، كان رد البشير ولماذا لم يستقل طائرة سودانية رسمية، والتقط موسيفيني هذه الاشارة التي لها دلالتها وكرر القول بأن قرنق كان في زيارة خاصة ولم يكن في زيارة رسمية. وهكذا في الوقت الذي كان فيه قرنق متوجها الي اوغندا، كان لدي الحكومة السودانية معلومات تشير إلي وجود بوادر تمرد حقيقي في جنوب السودان من خلال القادة العسكريين الذين اقالهم قرنق قبل سفره الي اوغندا. كما أن هناك حالة تذمر كبري لدي قادة جيش الرب علي منطقة الحدود. قد تردد ان عددا من انصار جيش الرب وبعض قادة الحركة الشعبية علموا بالزيارة السرية التي قام بها قرنق الي اوغندا ومضمون اتفاقه مع موسيفيني الخاص بطرد جيش الرب فبدأوا اجراءات التخلص من قرنق. وعلي الرغم من سوء الاحوال الجوية وهطول الامطار وكثرة السحب وهي مبررات طبيعية لسقوط الطائرة، إلا أنه من جانب اخر فإن طائرة الرئاسة الاوغندية مجهزة ايضا لمواجهة هذه الظروف الطارئة وان موسيفيني خصص ثلاث طائرات للرئاسة لمواجهة هذه الظروف المناخية الصعبة، وان احدي هذه الطائرات هي التي اقلت قرنق، كما أن الأجواء لم تكن بهذا السوء في هذا اليوم تحديدا. والمنطقة التي سقطت فيها الطائرة قريبة من المنطقة الاستوائية التي يسيطر عليها جيش الرب الاوغندي بالاضافة إلي قيادات التمرد الجنوبي والفصائل الاخري المناهضة لقرنق، وانه منذ فترة كان قرنق قد ارسل العديد من جنوده وطائراته الي ذات المنطقة التي سقطت فيها الطائرة لإخماد حركات التمرد، وان قوات قرنق كبدت هذه القوي خسائر فادحة والحقت بها هزيمة ساحقة، وكانت هذه الهزيمة رسالة واضحة لجيش الرب الذي يسيطر علي اجزاء كبيرة من هذه المنطقة. وكان هناك تحالف قوي قد اقامه جيش الرب مع الفصائل المناوئة لقرنق لمواجهة محاولات الغدر به من قبل قرنق، وكان هدف هذا التحالف الرئيسي قتل قرنق والتخلص منه، واعلنوا ذلك في قسم مشترك فيما بينهم. وحتي تتضح الصورة لفهم هذا السياق فإن اسرائيل سعت في الفترة الاخيرة الي دعم وتقوية 'سلفاكير' في مواجهة قرنق ويبدو ان اسرائيل ارادت ايضا التخلص من قرنق لانه وفقا لتقرير اسرائيلي صدر في شهر يونيو الماضي§ فإن دور قرنق قد انتهي عمليا بعد توقيعه اتفاق السلام مع الحكومة السودانية علي الرغم من رفض العديد من عناصر الحركة لهذا الاتفاق. واكد التقرير ان اسرائيل بدأت تستشعر الخطر في الجنوب واحست ان مراكز تأثيرها وتواجدها الفعلية بدأت تهتز بشدة، وقدرت المخابرات الاسرائيلية ان التعاون مع جيش الرب الاوغندي قد يمثل تصحيحا للاوضاع في جنوب السودان خاصة ان الفكرة الرئيسية لجيش الرب الاوغندي انهم يدعون الي انشاء دولة دينية علي أسس توراتية، واسرائيل تريد انشاء دولة ثانية لإسرائيل في جزء من المنطقة الجنوبية للسودان وبحيث إذا كانت بقية عناصر الحركات السودانية في الجنوب تريد انشاء دولة مسيحية، فإن إسرائيل تريد ان تخصص جزءا من الجنوب لانشاء دولة يهودية ثانية، بحيث تكون هذه الدولة الثانية امتدادا طبيعيا لدولة إسرائيل وان يكون القوام الرئيسي لهذه الدولة جيش الرب الاوغندي. مسئولية جيش الرب اذا كان البعض يتساءل، هل بامكان جيش الرب ان يسقط طائرة قرنق فالاجابة هنا تقول ان جيش الرب يمتلك عددا من امهر القادة في التعامل مع الطائرات وان كل المؤشرات تؤكد بالفعل انه هو المسئول مباشرة عن اسقاط طائرة قرنق. وتقول المعلومات التي وصلت إلي جهات اقليمية ودولية عديدة ان الطائرة التي كانت تقل قرنق بعد ان فشلت في الهبوط في منطقة 'نيوسايت' كان امرا مقدرا ان تدخل الي المنطقة التي يسيطر عليها جيش الرب والعديد من الفصائل المتمردة الاخري. وفي هذه المنطقة تتواجد فرق منتقاة تمولها اسرائيل بالاسلحة المتطورة اطلق عليها 'فرق القتل الجنوبية' وهذه الفرق لديها صواريخ لإسقاط الطائرات. وحتي يمكن ادراك ذلك فإنه لابد من العودة الي عام 1997 عندما حدث الانقسام الشهير بين مجموعة 'دينكابور' بزعامة جون قرنق، و'دينكا بحر الغزال' بزعامة اريك مشار ولام اكول، وقد انضمت الي هذا الخلاف قبائل اخري، وجميعهم اتهموا قرنق بهيمنة انصاره وفرعه القبلي من ابناء 'الدينكا' علي جميع المواقع القيادية، وقد انضمت هذه القيادات تلقائيا لمساندة جيش الرب الاوغندي والعديد من الفصائل الاخري المعارضة. وعلي الرغم من هذه الخلافات المتفاقمة الا ان الحكومة السودانية رأت في قرنق الشخص الاقوي في السودان فوقعت معه اتفاق السلام ومنحته منصب نائب اول الرئيس ورئيس الحكومة الجنوبية وبصفته متحدثا وحيدا باسم الجنوبيين وهو امر اثار استياء واسعا لدي بقية العناصر والقبائل الاخري والتي هي علي خلاف معلن مع جون قرنق. وكان رأي هذه الجبهات المعارضة ومعها 'اسرائيل' أن اختفاء قرنق في هذه الفترة سيحبط مخطط تسليم جيش الرب للحكومة الاوغندية وسيضع حدا لهيمنة قرنق وانصاره علي مستقبل الجنوب، وسيفشل اتفاق السلام الذي يطيل عمر حكومة البشير، كما ان من اقالهم قرنق قبل موته بأيام قليلة وجدوا انفسهم في نفس الخندق مع جيش الرب واسرائيل وقوي التمرد الاخري. وفي ظل هذه الازمة العاتية لجأ قرنق الي زميل الدراسة يوري موسيفيني للقضاء علي هذا التوتر في الجنوب ولذلك جري الاتفاق بينهما علي اخراج قوات جيش الرب من جنوب السودان وبدأ بالفعل في اصدار اوامره لجيش الرب اما ان يغادر الاراضي السودانية بدون قيد او شرط وإما أن يوافق علي توقيع اتفاق مع الحكومة الاوغندية وقد رأي كافة القادة الجنوبيين ان هذه الصفقة تمثل المسمار الاخير في نعش قرنق ولابد من القضاء عليه بشكل عاجل وفوري قبل أن يضع الاتفاق موضع التنفيذ ويتسبب في ازهاق ارواح الألوف من الجنوبيين وجيش الرب. وكان 'سلفاكير' قد تردد في الموافقة علي هذه الصفقة الا ان قرنق لم يستطع اتخاذ موقف حاسم ضده يقضي بابعاده نهائيا من كافة مواقعه في هذه المرحلة والا فانه سيخسر قطاعا عريضا من الجنوبيين ولذلك ابقي عليه في منصب نائب رئيس حكومة جنوب السودان وتجريده من موقعه العسكري تمهيدا لابعاده في المرحلة القادمة وحين يستتب السلام مع الحكومة السودانية. بقي القول اخيرا ان العديد من قيادات الحركة الشعبية لتحرير السودان قد رجحت بالفعل سيناريو اسقاط طائرة قرنق من خلال جيش الرب وبعض القوي الاخري المناوئة، الا انها لم تسع إلي تصعيد الموقف ربما انتقاما من قراره بإقالة الحكومة والقيادات العسكرية الهامة وربما اخفاء للصراعات الداخلية في الجنوب، وربما لأن بديله الاكثر تطرفا ينتظره كرسي لم يحلم به في يوم ما نائبا اول لرئيس الجمهورية ورئيسا لحكومة جنوب السودان..!! أما تصريح الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني الذي أدلي به ظهر الجمعة الماضي والذي أكد فيه أن الحادث ربما يكون مدبرا، وأن الطائرة التي خصصها له كانت مجهزة جيدا لقد وضع هذا التصريح الجميع أمام مسئولياتهم وفتح ملف القضية علي أوسع الأبواب!!


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| اخر الاخبار| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved